توطئة : قال تعالى في محكم كتابه العزيز (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) سورة النساء ( الآية 58) اخترت هذه الآية استهلالا لمقالي هذا الذي أحاول أن أوفيه حقه من التحقيق مع مرعاة توخي الإيجاز ما استطعت إلى ذلك سبيلاً . إن ديننا الإسلامي الحنيف جعل من العدل أساساً للحكم ، به يستقيم كل شئ ، وبه تتعافي الشعوب من عِللها وأسقامها ، فلا خير في أمة ساد فيها القوي آخذا مال الضعيف ، وأجاز لنفسه ظلم من هو دونه مستمداً قوته من نفوذه أو عشيرته أو ماله .. جاء في الحديث القدسي ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا ) فإن مآلات أمة كهذه وخيمة ، وسقوطها واقع بلا ريب . يعد القضاء المرجعية العامة لكل المتقاضين وضمانا لحفظ حقوقهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم بحماية أمنهم واستقرارهم .. فهل القضاء يقوم بالدور المنوط به أو أنه يخضع للتهديد أو الابتزاز والرشوة ؟ سؤال يطرحه كثيرون في مجالسهم إذا ما صادفت أحدهم قضية ما يكون الخصم فيها نافذا له أهميته في الدولة . اليوم وفي ظل ظروف غاية في التعقيد ، تمر المحاكم بمرحلة تعد الأسوأ في تاريخها حيث يعاني فيها القضاة والمحامون وأصحاب القضايا على حد سواء من مشاكل جمة لا تُحصى ، كما أن بعض القضاة النزيهين يتعرضون للتهديد والخطف ويتلقون توجيهات مخالفة بهدف عرقلة سير القضايا وتغيير قناعاتهم ، هؤلاء القضاة الذين يرفضون الابتزاز أو المساومة ، تكون النتيجة تهميشهم أو نقلهم إلى محاكم أخرى في أحسن الأحوال ،قد يسأل سائل لِم ذلك ؟ فتنتصب الإجابة أمامه : لأنهم حكموا بما يمليه عليهم ضميرهم وكان الحكم غير متوافق مع هوى هذا النافذ أو ذاك الذي يكون طرفاً مباشراً أو غير مباشر في هذه القضية . و ما دمنا ولجنا في هذا المجال الحيوي الذي تقع عليه مسئولية ضبط إيقاع المجتمع ووقف الخلل فيه ، فإنه يتوجب علينا نقل نبض الشارع وتساؤلاته ووضعها على طاولة المعنيين بالأمر كشرط من شروط المصارحة التي ينبغي أن تجسد العلاقات المجتمعية بين الأفراد والجماعات والأجهزة بمختلف تخصصاتها .. ونبدأ بهذه الأسئلة الهامة وهي : هل العيب في القانون الوضعي ؟ أو في من ينفذ هذا القانون ؟ أو في الآلية التي يطبق بها القانون ؟ أو في المنظومة العامة لنظام الدولة ؟ ولماذا أصبح المواطن غير واثق بأجهزة الضبط وبالمحاكم على حد سواء ؟ وهل يقتص القاضي من النافذ إذا وقع في الخطأ ؟ ولماذا تأتي نتائج القرارات القضائية غير فاعلة على أرض الواقع ؟ هل العيب في شخصية القاضي أو في النصوص القانونية التي تجرده من بعض صلاحياته ؟ وماذا عن تنفيذ الأحكام التي تصدرها المحاكم ضد الدولة ؟ هل تلقى طريقها للتنفيذ ؟ وكيف تتعامل المحاكم مع الشهود الزور الذين تتكرر وجوههم أمام القضاة ؟ وما مدى صحة قيام قضاة بالفصل في نزاعات منظورة أمام محاكمهم في جلسات قات ؟ وما هو الموقف القانوني من المحققين الذين يجيزون لأنفسهم وسائل غير مشروعه في انتزاع الاعتراف من المتهمين ؟ وهل صحيح بأن هناك من قيدت حريتهم الشخصية دون أي إجراءات قانونية أو محاكمات ؟ وهل هناك لائحة لتنظيم أجور التقاضي ؟ هذه الأسئلة وغيرها تحتاج منا جميعاً إلى أجوبة واضحة وصريحة وبلا مدارة . سنلتقي بكم قرائي الأعزاء في المقال القادم وسنتعمق أكثر في بعض الأمور المهمة التي نستخلصها من واقع هموم الناس في جانب أساسي من حياتهم العامة .