- مدينة المكلا ، أو عروس البحر العربي كما يسميها البعض ، عاصمة محافظة حضرموت ، ومسكن 600 ألف نفس بشرية تقريبًا . - اعتنى أهل المكلا بمظاهر التقدم والرقي منذ القدم ، وخاصة في المجال المعرفي ، ففي أربعينيات القرن الماضي دخلت أول مطبعة إليها ، وشهد ثلاثينيات القرن الماضي إنشاء أول نادٍ ثقافي اجتماعي فيها . - أما في مجال المكتبات فيكفيك أن تعرف أن المكتبة السلطنة في مدينة المكلا هي أول مكتبة في الجزيرة العربية قاطبة ، وقد أسسها السلطان صالح بن غالب القعيطي في العام 1360ه وزوّدها بالكتب والمراجع والدوريات التي اقتناها من أنحاء عديدة من العالم باللغة العربية والانجليزية . - هكذا كانت مدينة المكلا ، وهكذا كان حال أهلها ، وحكامها ، فما عدا عما بدا . - إنني أتألم والله عندما أتذكر حال مكتبات المكلا ، حتى أني أشعر بالعبرة تخنقني . - هل تعلمون يا إخوة أن عدد مكتبات المكلا-التي يصح أن ينطبق عليها الحد الأدنى من وصف المكتبة- لا تتجاوز العشر مكتبات . - خذ بيان هذه المكتبات كالآتي : المكتبة السلطانية ، مكتبة جامع عمر ، مكتبة جامع بديري(مكتبة الشيخ عمر باوزير ) ، مكتبة منتدى المعلم ، مكتبة كلية الريان ، وثلاث مكتبات في فروع جامعة حضرموت كما يحدثني أحد دكاترة الجامعة . - دوم هذه المكتبات جميعًا مزعج للغاية ، فدوام غالبها يبدأ من الثامنة صباحًا ، وينتهي عند الثانية عشر ظهرًا ، وقليلٌ منها من يجوز إلى الواحدة والنصف ، هذا في الفترة الصباحية ، أما الفترة المسائية ، فبعضها لا تفتح أبوابها مطلقًا ، والبعض الآخر يتصدق علينا فيفتح بعد العصر ، وقليل منها من يجوز إلى الثامنة . - أما الكتب المتوفرة فيها ، فقصة أخرى ، فكلها يعود تاريخه لما قبل تأسيس المكتبة ، ونادرًا ما تجد كتابًا جديدًا تصدق به زائرٌ للمكتبة عليها ، وأنا أزعم أن أصحاب هذه المكتبات لو قرروا تحويل مكتباتهم لمزارات للسياح لجنوا من ذلك أموال كثيرة ؛ لأن ما في مكتباتهم هي قطع أثرية قد أتت الأرضة على كثير منها . - وإياك أن تسألني عن المجلات والدوريات ، لأنها قليلة ، أو معدومة ، وأنا أعرف أن هناك بعض المتبجحين الذين سيردون ليقولوا : نحن نتابع البيان ، والمنتدى ، والرسالة ، وهؤلاء أدع الإجابة عنهم لك ، بعد أن تطالع فهرس أي مكتبة محترمة في الخارج عبر الشبكة العنكبوتية ، لتعلم مقصدي . - كثير ما نكلم أصحاب هذه المكتبات أن يعتنوا بها ، وأن يجددوا من بنيتها المعرفية ، بشراء الكتب الجديدة ، ومتابعة الدوريات ، والمجلات النافعة ، فيأتي الجواب الصادم ، وأين القراء ؟! وأنا لا أستطيع أن أصف لكم بقلم مدى كرهي لهذا السؤال ، و انزعاجي منه ، كلما رنت حروفه أذنيّ ، لأن الباطل فيه كثير ، فنحن نعلم جميعًا أن الأمة الإسلامية والعربية تعيش ضحالة ثقافية ، وبعدًا عن الكتاب والقراءة ، فعندما تأتي لتحاول إخراجها من هذا المستنقع ، فعليك أن توفر كل الوسائل المتاحة لذلك ، فقبل أن تقول : أين القراء ؟ قل : ماذا وفرت لهم من المرغبات على القراءة حتى يقرؤوا ؟ - وإياك هنا أن تقول لي أن الكتب الرقمية ، والشبكة العنكبيوتية قد أغنتنا عن هذه المكتبات ، فلو كان هذا حقًا لأُقفلت المكتبات في دول العالم المتقدم ، فهم بلا شك قد سبقونا في هذا التقنيات ، ومع ذلك نجد أن اعتناؤهم بالمكتبات وتشييدها و وتزويدها بكل جديد يزيد ، و في هذا إشارة ظاهرة لذوي العقول والألباب . - هذا هو الواقع يا إخوة فما هو المأمول ؟ لن أطيل في ذكر المأمول ، فأنا أحب أن أستمتع بقراءة ما سيكتبه قراءُ هذه المقالة عن مأمولاتهم في هذا المجال ، ولكني سأذكر أمرًا واحدًا أظن أن أغلب القراء سيوافقونني عليه ، ما رأيكم مكتبة مكونة من ثلاثة طوابق أو أكثر تتوسط مدينة المكلا ، يتداعى لها تجار المكلا ، والجمعيات الخيرية ، ويشيدوا صروحها ، ثم يملؤها بكل مفيد في شتى مجالات العلوم ، ثم يكملوا جميلهم ويوقفون لها وقفًا ، أو يجعلون لها مخصصًا تدفع منها مستلزمات المكتبة خصوصًا ، تزويدها بكل جديد ، ولو فتحت هذه المكتبة على مدار أربعة وعشرين ساعة ، فهي النعمة التي يفتقدها أهل المكلا . - يا سادة لا ترتقي الأمم إلا بأمرين : أولهما : التمسك بالدين ، وثانيهما : التضلع من العلم ، وهذا لا يأتي إلا لمن قضى في المكتبة حشاشة وقته ، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .