عندما نقترب قليلاً من هموم الناس وما يعانونه من متابعات يومية مع محاكم تطيل عليهم إجراءاتها وتصعيب معاملاتهم ،نرى بأن ذلك قد أوجد لديهم حالة من التذمر تجاه رمز من رموز حماية الحقوق ، وبسط إرادة القانون ..وكم كان بود هؤلاء الناس أن يروا إنقلاباً في هذا الحال .. من حالة الإحتقان النفسي إلى حالة الإنفراج الحقيقي بتسهيل قضاياهم وبث قضاة المحاكم فيها بصورة فورية أول فأول .. وبخطوات تسرع من وتيرة الفصل في القضايا العالقة . أن ما يتطلبه المجتمع اليوم ويحتاج إليه أشد الاحتياج هو حل مشكلاته القانونية بطريقة سلسة بعيداً عن التعقيد كي يتقدم ويسمو نحو غاياته العليا آمناً مطمئناً لا تعثر خطواته معوقات ولا توقف سعيه إشكاليات . في هذا المقال لنا لقاء مع المحامي المجتهد : محمد صالح باشقير الذي سنرافقه في رحلة قانونية كي يطلعنا على كثير من المفاهيم الغائبة عن الكثيرين في حقوق وواجبات أفراد المجتمع وتعريفهم بما يجهلونه .. كي يكونوا على بصيرة بمالهم وعليهم .. ونستوضح منه عن ذلك ليجيب علينا بما عهدناه فيه من صراحة ووضوح : حيث بدأنا في وضع الأسئلة عليه بالتتابع ومن ثم سنعرج على زميله المحامي أحمد هبيص المقيم في سيئون الذي أجاب على ثلاثة أسئلة سنوردها لاحقاً :وهاكم الأسئلة الموجهة إلى المحامي باشقير : س ) ماهي مهام السلطات الضبطية وحدود صلاحياتها ؟، وكيف نفهم تجاوزها بالاعتقال والتفتيش غير القانوني ؟ ماذا يفعل المواطن للمطالبة بحقه ؟ ج) السلطات الضبطية هم مأموري الضبط القضائي إستناداً إلى نص المادة ( 84) من قانون الإجراءات الجزائية وهم : 1) أعضاء النيابة العامة – المحافظون – مديرو الأمن العام – مديرو المديريات – ضباط الشرطة والأمن – عقال الحارات – رؤوساء الحرس والأقسام – نقاط الشرطة .. أية جهة يوكل إليها الضبط القضائي بموجب قانون . والمادة (105) إجراءات جزائية أوجبت على مأموري الضبط القضائي باستثناء النيابة أن يستمعوا فوراً الى أقوال المتهم وإحالته مع المحضر إلى النيابة في مدة لا تتجاوز (24) ساعة ويجب على النيابة أن تتصرف في أمر المتهم خلال (24)ساعة التالية للعرض عليها وإلا تعين الإفراج عنه فوراً . النص صريح ولا غبار عليه ، لكن المشكلة تكمن في تطبيق النص حيث لا يفهم بعض مأموري الضبط مفهوم النص والبعض الآخر يفهم ولكنه يتعمد تجاوز صلاحياته لغرض في نفس يعقوب . وبالنسبة لمأموري الضبط أعلاه باستثناء النيابة وإستناداً لنص المادة (92) إجراءات جزائية عليهم أن يخطروا النيابة فوراً عن الحادث ، وينتقلوا للمحافظة على موقع الحادث وضبط كل ما يتعلق بالجريمة وإثبات ذلك في محضر التحري وجمع الاستدلالات ، ويتم التوقيع على المحضر في الحال ، هنا ينتهي دور مأموري الضبط القضائي الذين يجب عليهم تسليم المحاضر إلى النيابة ، لذا فأن إعداد المحضر لا يزيد على (24) ساعة ، لأنه يجب ضبط ما هو موجود وليس البحث عن ما هو غير موجود . أما النيابة لها صلاحية الحبس لمدة أسبوع إذا لم تتحصل على ما يثبت الإدانة عليها الإفراج عن المتهم بقرار لا وجه لإقامة الدعوى ( لعدم ثبوت الأدلة ) أو غيرها من الأسباب . وفي حالة تعثر النيابة بالمحافظة أوالمديريات من إحضار الشهود أو جمع أدلة فأنها تطلب من المحكمة تمديد حبس المتهم لفترات متفاوتة لا تزيد على (45) يوما إذا أقتضت مصلحة التحقيق ذلك أو الإفراج عن المتهم بضمانة أو بدونها ومع ذلك يتعين عرض الأمر على النائب العام بالجمهورية إذا انقضى على حبس المتهم ثلاثة أشهر وذلك لإتخاذ الاجراءات التي يراها لازمة وله الحق في سبيل ذلك الإنتهاء من التحقيق وأن يخول رئيس نيابة الإستنئاف طلب مد مدة الحبس الإحتياطي لفترات متعددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بحيث لا تزيد مدة الحبس الإحتياطي كلها عن ستة أشهر ، هنا تنظر المحكمة في طلب التمديد بحضور المتهم الماثل أمامها ،وللمحكمة حق التمديد أو الرفض بموجب ما تتوصل إليه قناعات القاضي ، أما الحل لتجاوز مأموري الضبط لصلاحياتهم فأنه أعقد من التجاوز نفسه ، حيث أن المادة (86) من قانون الإجراءات أعطت الأمر في ذلك إلى النائب العام في الجمهورية لإسقاط صفة الضبطية لمأمور الضبط الذي تجاوز صلاحياته ثم مساءلته عن التجاوز ..وهنا يدخل المواطن في دوامة ( أين السماء من المتناول ) . لهذا نجد إن المواطن يغض النظر عن ما حدث له من تجاوز وهنا يتمادى المتجاوز في التجاوز وهذه قمة المركزية لحماية مأموري الضبط القضائي وإهدار حقوق المواطن . ويفترض إن المتجاوز من مأموري الضبط القضائي أن يحاكم أمام المحكمة التي يعمل في دائرتها بناء على شكوى المواطن .. أما بشأن الإعتقال في حالة الإشتباه فأنه جائز لمدة (24) ساعة ، ولكن تفتيش المنازل بدون إذن من النيابة لا يجوز قانوناً إلا في حالة الجريمة المشهودة : مثال على ذلك : شخص قتل شخصا آخر وهرب على مرأى من الآخرين ودخل منزل ، هناك يجوز اقتحام المنزل وتفتيشه . س ) ماهو السبب في إطالة أمد تنفيذ الأحكام الباتة ؟ ج) المشكلة تكمن في أن محاكم التنفيذ لم تطبق نصوص المواد (356 ) و(357) و(358) و(359) حيث أن هذه المواد أوجبت قاضي التنفيذ السير في إجراءات التنفيذ جبراً ومباشرته بالوسيلة المناسبة من وسائل الإجبار وهي : أ) التنفيذ المباشر في الغرامة والحبس واستعمال القوة والتهديد . هذه الوسائل يتم إتخاذها بعد تكليف المحكوم عليه بالتنفيذ طواعية خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام .. حيث أن محاكم التنفيذ عندما يتقدم اليها طلب تنفيذ حكم تقوم بتحديد جلسات وتفتح محاضر ومواعيد تلو مواعيد ومنازعة من جديد ، طلبات وتعقيبات ثم يصدر قرار بعنوان ( التنفيذ الجبري ) وهنا يتم إستئناف القرار من قبل طالب التنفيذ ضده أمام محكمة الإستئناف ، ويصد قرار محكمة الإستئناف بتأييد قرار محكمة التنفيذ ثم يتم الطعن أمام المحكمة العليا ، ومن العجيب أن السلطات القضائية وأجهزتها والمختصين في الشأن القضائي يقفون موقف المتفرج من عادة أصبحت تشكل ثغرة في دوامة النزاع ومرتعاَ خصباً للعدالة البطيئة والعبث بالأحكام النهائية ( الباتة ) وإرهاق صاحب الحق مادياً ومعنوياً . كما كان معي حواراً قصيراً مع المحامي المثقف أحمد هبيص عبر الفيس بوك .. حيث وضعت ثلاثة أسئلة ، وأشكره جزيل الشكر على تكرمه بالإجابة عليها .. هاكم نص الحوار : س ) ثقافة الشعوب ترسخ مفاهيم العدل وملاذها المؤسسي في ذلك " القضاء "كما أنها تعتبر المحامي الرافعة التي تتكئ عليها هذه المفاهيم .. كيف تنظر إلى هذه الثنائية ؟ ج) عندما يحيط الجمود بالنصوص , فتفتقد الحضور في عالم الواقع , يتجلى المشهد الحقيقي بالنسبة لمنظومة حقوق الإنسان مجتمعة . لكن حينما يصل الأمر إلى درجة انعدام الثقة في تطبيق النصوص فإن الأثر السلبي تجاه الحقوق يتضاعف في مجتمع نرسخ في ثقافته أن الملاذ المؤسسي الصحيح لنيل الحقوق أو الحد من انتهاكها هو القضاء . س ) إذا كان عدم الإنصاف قد طال سلطة يعتبر العدل من صميم اختصاصها ، وتعطلت على إثر إضرابها قضايا الناس ، فمن ينصف من هم أقل شأناً من أعضاء السلطة القضائية ؟ ج) إضرابات السلطة القضائية ذاتها احتجاجا على عدم إنصافها يعني أنه إذا كان التعسف قد طال حقوق سلطة يعتبر العدل من صميم اختصاصها ومهامها فإن الموضوع قد تجاوز حده , ولك أن تتصور بعد ذلك المستوى الذي تقف عنده الحقوق والحريات علاوة على ترسيخها وتوافر ضماناتها بالنسبة لمن يفترض أنهم أقل شأنا من أعضاء السلطة القضائية على أقل تقدير . س) برأيك ما هي المعالجات التي ينبغي توافرها لمواجهة التحديات التي تستهدف المجتمع ؟ وكيف نغرس الثقة في وجدان المواطن بعد فقدانه عوامل استقراره النفسي ؟ ج) برأيي يتوجب سرعة التداعي لمواجهة الخطر الحقيقي الكامن في انعدام الدولة بكل مقوماتها , وهو أمر يتطلب الإسهام الفردي والجماعي في التهيئة لغرس الثقة في المجتمع من جديد لمواجهة التحديات التي استهدفت وما تزال تستهدف ثقافتة تأسيسا لانتزاع و قتل هويته , بداية بفرض مفهوم العشوائية بكل مسمياتها حتى أضحت تقريبا ثقافة سائدة , ما يبرر بقاء وتطور الإختلالات و تعمد أي تطبيقات مغايرة مع التعمق في المخالفات . في المقال القادم سنلتقي بالقاضي طه عمر الهدار الذي سنجول ونصول معه في أسئلة طرحها القراء المتابعين وبعضها الآخر سأضعها عليه .. وقد رحب بذلك مشكوراً .. في الأسبوع القادم لنا سائلاً المولى العلي القدير أن يمد في أعمارنا مع التمني لكم بدوام الصحة والسعادة .