الجنوب إبان الاستقلال … كان الذين يتحدثون عنه شماليون بامتياز وهم من كان لهم دور في تحويل الانتماء من الجنوب العربي إلى جنوب اليمن منطلقين من الفكرة القومية العربية والوحدة السياسية الجغرافية ذات المكون الواحد في الوطن العربي ، في تلك الأثناء تم اجتماع مصغر في صنعاء ضم مجموعة من القيادات القبلية والسياسية الشمالية التي رفضت الاعتراف حينها بالجنوب .. وكانت صنعاء تواجه حصاراً يشارك في الدفاع عنها جنوبيون وكان تبرير البعض منهم بأنه لا يمكن الاعتراف بهذا الجزء التابع من وجهة نظرهم لجغرافية الجمهورية العربية اليمنية ، و لو أتينا ننظر للخريطة لوجدناها لا تمثل سوى قطعة صغيرة من الأرض ينحشر فيها ملايين سبع أو يقل بحساب الإحصاء السكاني في عام 1967م .. وهو أمر مثير للدهشة والاستغراب ..معنى هذا إن سياسة الضم والإلحاق ليست وليدة اليوم بل كانت قديمة في الأصل .. وما حرب 1994 إلا تكملة للمشروع الالحاقي الذي باركته كل القوى المستفيدة من ثروات الجنوب وخيراته واعتباره غنيمة حرب أجازها الخطاب الديني بفتاواه من الزعامات الدينية كحرب مقدسة والتي مازالت تضع نفسها كوصية على أبناء الجنوب إلى يومنا هذا .. وقبلها كان الطابور الخامس الذي عمل على تخريب الوفاق الوطني (الجنوبي – الجنوبي) وتعزيز القوة المؤثرة من القيادات الشمالية التي كانت وقتها تتحكم بمصائر الجنوبيين تحت لباس الأخوة العربية القومية واليمننة التي فرضت على أبناء الجنوب عامة ، رغم اختلاف الثقافات في كل مناحي الحياة الاجتماعية ، وها نحن اليوم نشهد حملة شعواء يشنها مثقفو الشمال الذين يفتون بفتاوى قانونية وشرعيه وسياسيه بعدم جواز تفكير الجنوبيين ( مجرد تفكير ) بالانعتاق من أسار وحدة لم تخدمهم بل خذلتهم وأضعفت من قدرتهم على وحدتهم الجنوبية بحكم وجود من يثنيهم عن عزمهم من أبناء جلدتهم وهذا أمر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ، فأصبح هؤلاء ( ملكيون أكثر من الملك نفسه ) فوضعوا أيديهم بأيدي من كانت يداه ملطخة بدماء أشقاؤهم الجنوبيين في حربهم المقدسة وفي كل مرة نسمع هنا وهناك بان الجنوبيين قد تجاوزوا حدود العقلانية عندما يضعون مثل هذه الأفكار الطوباوية غير المتوازنة ونجد من يقوم بالتنظير في مسعى أبناء الجنوب إلى فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية التي كانت قائمة ما قبل 1990م واعتبارها ( مشكلة تواجهها اليمن ) كما يقول ( المودع ) وليست حق كفلته القوانين الدولية بحكم تبؤا (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) مقعدها في الجامعة العربية والأممالمتحدة وفي المنظمات الدولية والمحافل كعضو أساسي بحكم القانون الدولي ، وحتى قبل قيام الوحدة اليمنية سبقتها جولات مكوكية إلى أقطار عربيه التقى فيها البلدان توجت باتفاقيات بين القيادتين السياسيتين مدعومة من دول عربية ، وإذا كان الأمر ليس قانونيا كما يعتقد ( المودع ) وغيره وأنه لا يجب أن ينظر إليه من هذه الزاوية فلا حاجة إلى اتفاقيات باركتها الدول الراعية للوحدة ، وكان كافياً الدخول إلى الوحدة من أول يوم غادر فيه الانجليز الجنوب وطويت صفحة من صفحات التمزق التشطيري كما يحلو للبعض تسميته ولا داعي لاجتماع تلك القيادات القبلية والسياسية التي أقرت بعدم الاعتراف بالجنوب والتصميم على الموقف دون مساومة .. ولكن الكذب البواح الذي لا يصمد كثيراً وينكشف من أول قراءة له . وعندما نقرأ أخر ماكتبه ( عبدالناصر المودع ) الكاتب من الشمال … وكلامه عن قضية الجنوب بأنها مجرد مشكلة من أهم المشكلات التي تعانيها دولته الجمهورية العربية اليمنية والقول عن (غياب الأساس القانوني لفك الارتباط أو حق تقرير المصير يجعل من أمر تحقيق إي منهما أمرا مستبعداً، إن لم يكن مستحيلاً، وما يجعل الأمر على هذا النحو، طبيعة القضية المراد تحقيقها والتي تتمثل في تأسيس دولة جديدة، فإنشاء الدول، وفق البنية السياسية والقانونية للنظام الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يتطلب أسساً قانونية تمنحه صفة الشرعية، ومن ثم، القبول والاعتراف الخارجي والانضمام إلى الأممالمتحدة،وفي هذه الدراسة سنحاول مناقشة الأسس القانونية لحالتي فك الارتباط، وحق تقرير المصير وفقا للقانون الدولي والقانون المحلي اليمني، إضافة إلى استعراض لعدد من نماذج تأسيس الدول منذ الحرب العالمية الثانية، والأسس القانونية التي استندت عليها ومقارنتها بالحالة في الجنوب.) [1] الرجل أصبح مفتي في فقه القانون الدولي ويريد ترسيخ مفاهيمه غير القانونية على أبناء الجنوب الذين يرفضون سياسة النهب والسلب والسطو الوظيفي والتسريح القسري للقيادات العسكريه واعتبار الجنوب مجرد اقطاعية يتوزعونها بينهم .. سئم الوحدويون الحقيقيون وهم أبناء الجنوب من وحدة لم تكن منصفة لتطلعاتهم بل كانوا مخدوعين فيها تماماً ، وقد توالت خلال الفترة الأخيرة فتاوى مثقفيهم !!! بعدم جواز ( مناقشة القضية الجنوبية ) على اعتبار أنها ( نكرة ) وتخدش الحياء الوحدوي … بينما كانوا قد خرقوا طبلات آذاننا فترة الثورة الأخيرة عندما كانوا يريدون أنصارا لهم لخدمة مشروعهم ضد رئيسهم السابق والانقلاب على الجنوبيون الذين حيدوا أنفسهم طوال تلك الفترة وخاصة العالمين ببواطن الأمور و اندفع من أندفع وراء الثورة كمسعى منه إلى إسقاط الرئيس نكاية فيه ونسي إن النظام بقي على حاله في صفقة المبادرة الخليجية بمراحلها المزمنة والتي وافقت هوى دول الجوار التي أصابتها الحساسية السياسية من كل شئ اسمه ( ثورة ) لهذا وأدوا فكرتها ووضعوها في سياقها الحقيقي كما يؤكد مهندسو المبادرة بأنها ( أزمة سياسية ) وليست ثورة بأي حال ..وهذا ما حدث بالفعل .. للحديث بقية في مقال قادم .