كان العلماء (الربانيين) قد قابلوا الرئيس عبدربة منصور هادي مؤخرا وسلموه بيان يحمل وجهة نظرهم (الربانية) للأوضاع في اليمن، وأبرز ما لفت أنظار الناس والقوى السياسية خصوصا الجنوبية منها هو ازدواجية نظرة هؤلاء للوضع في الشمال عنه في الجنوب: (إيقاف نزيف الدم [اليمني] وإزهاق الأرواح المعصومة [السلفية] في أماكن الصراع المسلح في صعده وحجة وبعض مناطق محافظة صنعاء وعمران) .. ثم أنتقل (الربانيون) وبنفس الفقرة للحديث عن (سرعة معالجة الأوضاع الملتهبة في محافظة أبين المنكوبة) والصيغتان كتبتا بعناية فائقة، ففي صعده وحجةوصنعاء وعمران، دم يمني معصوم، لكن في محافظة أوضاعا (ملتهبة) والنكبة جواب شرط الالتهاب.. هذه العبارة تحتمل عدة تفسيرات فربما يقصد العلماء (الربانيون) أن الجيش هو من نكب أبين أو أعضاء اللجان الشعبية أو الطائرات بدون طيار، ومن ناحيتي أجزم أنهم لا يقصدون (أنصار الشريعة) خريجي جامعة الإيمان المباركة. لأن أبين نكبت بهم وهم الأساس في نكبتها وهو ما تحاشى ذكره (الربانيون). وينتقل (الربانيون) في الفقرة الخامسة إلى أن: الحفاظ على الوحدة فريضة شرعية وخطوة في طريق الوحدة العربية والأسلامية (الخلافة)، ورفض أي تفريط (يا عبدربه) أو انتقاص منها تحت أي مبرر أو مسمى كان (فيدرالية) و غيرها من مظاهر الانقسام وخطواته.... والملاحظ هنا أن (الربانيين) استخدموا لغة سياسية وليست (ربانية) مدعمة بالآيات والأحاديث ولم يأتوا برأيا شرعيا أو أجماعا سبق في قضية مماثله أو حجة قاسوا عليها ولكنها الهبة (الربانية) التي مسحوا بها أنفسهم أهدتهم إلى هذا الطريق وسواء السبيل. تأتي هذه الفتوى لتؤكد ما شكى وأشتكى منة الجنوبيون طوال ما يقارب العقدين من فتوى الديلمي الإصلاحي الظالمة في حرب 1994م وضرورة الغائها وإصلاح الضرر الذي أحدثته وإعادة كل ما نهب تحت لواءها.. هذه الفتوى هي تكريس للفتوى السابقة والعقلية الثيوقراطية لهذه الطائفة الواسعة من أبناء الشمال المحافظ وللأسف لم نسمع أي مثقف أو سياسي أو كاتب أو حزب سياسي أو تكتل اجتماعي أنتقد هذه الفتوى الجديدة وهذا يدل على الموافقة الضمنية عليها وهنا تكمن الطامة الكبرى. لم أكن أنوي الكتابة عن فتوى العلماء (الربانيين) لأن من هو مؤهل لذلك أكثر مني، وقد رد علماء الجنوب وقواه السياسية على هذا البيان، ولكن ما دفعني لذلك هو دراسة نشرها الأخ الباحث عبدالناصر المودع عن عدم وجود سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير المصير وارتأيت أن المدخل للنقاش هو بيان الزنداني الديلمي لكي تكتمل الصورة لدى القارئ الكريم. كان أسلوب المودع آخاذا، ولغته جزلة، وعرضه سهل ممتنع وتلك مزايا لا ينكرها الا جاحد. حتى أسانيده القانونية تترآئ من الوهلة الأولى قاطعة، لكن ما فات المودع كما فات العلماء (الربانيين) من قبله أن قضية الجنوب سياسية وليست قانونية أو لها علاقة بالشرع لا من قريب أو بعيد ولهذا فربطها بالقانون و الشرع هو من قبيل التذاكي الذي يفضح صاحبة عند النظر للواقع كما هو لا كما يرغب هذا أو ذاك من الناس. ماذا يعني أن توصف لجنة الحوار الوطني التي رأسها باسندوه في وثيقتها الشهيرة أن القضية الجنوبية سياسية بامتياز؟ وماذا تعني كل بيانات اللقاء المشترك حول ذات الأمر؟ وقد كان الاعتراف هنا شماليا. أن القضايا السياسية تنتهي بحلول سياسية، والحل السياسي يتحول إلى تشريع وعند هذه النقطة يطلق علية قانون. فوثيقة إعلان الجمهورية اليمنية التي أودعت خزائن المنظمات الدولية يوم 22 مايو 1990م هي وثيقة قانونية لكنها لم تعتمد عند وضعها على أي نص قانوني دولي بل على الإرادة السياسية لطرفيها، وهنا تتجلى وظيفة القانون كنصوص تشريعية تترجم الإرادة السياسية ولذلك ليس مهما رأي القانون الدولي حول قضية الجنوب الا متى ما كان يلبي الموقف السياسي لهذه الدولة أو تلك تجاه القضية، ودعني أخي العزيز أسألك عن فعالية القانون الدولي إزاء حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال. ثم أين كان القانون الدولي من الاحتلال الأمريكي للعراق، أو تكليف الناتو لنفسه بإسقاط القذافي رغم وجاهة الحاجة الأنسانية لذلك. لا يعني ذلك أن القانون الدولي ليس مهما ولكن القانون الدولي ليس نصوص مقدسة لكنة الرداء التشريعي للأداء السياسي للدول العظمى، والدول العظمى تنطلق في مواقفها السياسية من مصالحها وليس من القانون أو الأخلاق. أن ما أعجبني في بحث الأخ عبدالناصر المودع النقاط التالية: أن قراءة الجنوبيين لقراري (924) و (931) تنم عن جهل أو رغبة في التضليل وتسويق الوهم للناس .. لديك الحق في ذلك لكني أؤكد لك أنة نوع من الجهل لدى النخبة الجنوبية الغير اشتراكية في قراءة القرارين، أما الاشتراكيين فأنهم يستندون على القرارين للعودة للمناصفة إذا لم يعد الجنوب وليعقوب أغراض شتى في نفسه. يقول الأخ المودع في فقرة أخرى: يرى الانفصاليون بأن الطرف الشمالي لم يلتزم باتفاقية الوحدة، خاصة حين أخرج الطرف الجنوبي من السلطة عقب حرب 94م وعلية فأن دعوتهم لإنهاء الوحدة مبرره مشروعة، فالوحدة كانت بين طرفين وإخراج أحد الأطراف ينهيها وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي من الناحية السياسية، الا أنة ليس له أي قيمة من الناحية القانونية، فاتفاقية الوحدة جعلت دستور الجمهورية اليمنية المرجعية القانونية في الدولة، وهذا الدستور لا يشير لأي التزامات أو شروط يتطلب الوفاء بها استمرار الوحده، أو إنهائها. وأحب أن أضيف لكلام المودع لا الدستور ولا اتفاقية الوحدة. لكن تلك مسئولية القيادة السياسية الجنوبية وفي المقدمة منها علي سالم البيض. ولو افترضنا أن الشعب في الجنوب استفتاء على الدستور كما أورد الأخ المودع فأن الرئيس السابق علي عبدالله صالح قد نكل بذلك الدستور واتفاقيات الوحدة بعد انتصاره في حرب صيف 1994م وهنا نسأل بدورنا الأخ عبدالناصر المودع: أي أساس قانوني بقى لدولة الوحدة بعد حرب صيف 1994م؟؟؟ صحيح أن الأداء السياسي الخارجي للجنوبيين ضعيف جدا والا فأن وضع المجتمع الدولي في صورة الانتهاكات لحقوق الإنسان والعمال المطرودين من أعمالهم والجنود المسرحين من وحداتهم والنكوص عن حقوق المرأة التي حققتها الدولة الجنوبية وضرب المنظمات المدنية بل والثقافة المدنية في الجنوب لصالح الثقافة القبلية التي تم أحياءها مهما جدا.. اليس كل ذلك فية نكهة من التطهير الجهوي.. اليس هذا كفيل بتغيير موقف المجتمع الدولي من قضية الجنوب؟ لقد وضعنا الأخوين علي ناصر والعطاس في هذه الصورة ووضعنا أمامهما تصور للعمل في هذا الاتجاه ولكنهما يفكران ويعملان بآلية وطريقة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وهذا حال زميلهم علي سالم البيض وأنا أورد هذه الإشارة ليفهم الجنوبيين واقع الحال. القانون لا يحمي المغفلين كما يقول المثل الشعبي وهذا يصح في الجانب الجنائي أما القضايا السياسية فأن الفصل فيها لإرادة طرفي الصراع والسيطرة على الأرض وتأتي الأمور الأخرى كأدوات مساعدة يستخدمها الطرفين لتعزيز موقع وموقف كل منهما ومنها الاستعانة بالفتوى والشرع والقانون المحلي والدولي.. إن الأخ عبدالناصر المودع والعلماء (الربانيون) ينطلقون من ذات الأرضية، وهي أرضية مسمومة على كل حال، الفرق بينهما أن (الربانيين) يتحدثون بلغة تراثية، حجرية،متكلسة. بينما الأخ عبدالناصر يتحدث بلغة حداثية، منسابة، يحسبها الظمآن ماء... أن حل قضية الجنوب لابد أن يلبي مصالح أبناء الجنوب ولهم القول الفصل في ذلك وهذا حقى أصيل ينبع من المصلحة وليس الأيدلوجيا (الربانية) أو (القانون الدولي) وسلام لمن يفهم الكلام كما يقول أحد حكماء بلدتنا في شبوه.