كنت قد أعددت مقالا بعنوان (يا رعاة الأقاليم .. المخرجات في المدرعات) ولكني تفاجأت بمقال الأخ الكثيري والذي يحمل عنوانا (إلى المبشرين ب(جنة) الأقاليم : إننا عليكم لمشفقون ؟..) والمحتوى يكاد يكون قريبا من بعض, ولما قرأته أشفقت عليه كما أشفقت على رعاة الإقليم, وقلت أن عنوانه ينطبق عليه ويدل عليه, وانه أولى بالشفقة من جماعة الإقليم. ولو نظرنا لكلا المشروعين لوجدنا أن مشروع الأقاليم أكثر وضوحا وبيانا من مشروع الجنوب, وأن دعاة الإقليم أكثر توافقا وتناغما من دعاة الجنوب, وأنهم -رعاة الأقاليم- يسيرون بخطى ثابتة نحو هدفهم بعكس أصحاب الجنوب. فمن الأولى بالشفقة؟ وزاد عجبي واستغرابي وأنا أقرأ تلك الجملة المحجوزة بين قوسين في مقاله أنقلها بحذافيرها لنعلم من الذي يحتاج إلى أطنان من الشفقة يقول:(أننا ننشد جنوبا فيدراليا جديدا معتزا بهويته الجنوبية العربية،متمسكا بقيم مدرسته الإسلامية الوسطية المعتدلة ،يحفظ لكل محافظة ومنطقة خصوصياتها وحقوقها وشراكتها في السلطة والثروة ، لا يداخله إقصاء أو إلغاء أو تهميش، تزدهر في رحابه مقومات النظام الديمقراطي التعددي الكافل للحقوق وللحريات والناصر للعدالة والمساواة والكابح للتطرف وللصراعات، وتلك ليست أمنيات بل أهداف يجمع عليها الجنوبيون بمختلف قواهم الثورية،ولن يسمحوا لأي قوة أن تلتف عليها أو تفرغها من مضامينها،ولن يسمحوا أيضا لأي طامح أو طامع أن يتقهقر بهم لاعادة انتاج تجربة دموية لم ترثهم غير الكوارث والنكبات، فشعبنا قد وعى الدرس واستخلص العبر وعرف طريق ازدهاره وعزته وفلاحه ). شعرت وكأنه يتكلم عن سنغافورة أو أحد دول الشمال الأوروبي, فالرجل سبح طويلا طويلا في بحر من الأحلام والأماني وانسلخ من واقعه ومحيطه, وجعله وراء ظهره و(مسك الطويلة) كما يقولون, ونسي أن الناس يعلمون جيدا وربما أكثر منه واقع الحراك ومشاكله, ولذا أضع للأخ الكثيري أبسط وأسهل سؤالا في العالم: من يضمن لنا ما تقول يا أيها المبشّر؟ فإن أصحاب الإقليم يبشرونا بضمانات دولية وإقليمية رغم أني لا أؤمن بها, لكنهم يملكون ضمانات, أما أنتم يا عزيزي فمن منكم يستطيع أن يضمن لنا, هل هم أصحاب لحج أم أصحاب الضالع أم أصحاب يافع أم أصحاب أبين أم أصحاب ردفان؟. والله إننا لمشفقون عليكم أكثر من إشفاقنا على رعاة الإقليم, مشفقون عليكم مما أنتم فيه, وما وصل إليه حال الحراك من مكايدات ومهاترات ونزاعات, مشفقون على الشباب الثائر الذي يقف في المنتصف كالتائه الحيران, مشفقون على جرحى الحراك الذين لم يجدوا اليد الحانية لترعاهم بل تركوا يقاسون مصيرهم وإعاقاتهم. أظن أن الحراك أولى بالشفقة وإن رأينا الحشود التي كثيرا ما يغترون بها لأنها ببساطة مثل لعبة نفيسة بيد طفل صغير لا يعرف كيف يوظفها أو يستخدمها, وإذا كانوا يعرفون كيف يحشدون فإنهم لا يجيدون كيف يقودون ولا يخططون ولا يرسمون. نصيحة لدعاة المشروعين –حراك حضرموت ودعاة الإقليم-, ليس هناك مشروعا أنجح ولا أضمن من مشروع حضرموت المستقلة, إذا اتحدت الأهداف وتكاتفت الجهود وأعلن عن استفتاء عام لكل أبناء حضرموت في الداخل والخارج لكي يقرروا مصيرهم, فهذا هو المشروع الذي يستحق التضحية والبذل وتحمل المشاق, وما عداه يصدق فيه المثل القائل " كلحم جَملٍ غَثّ، على رأس جبل وعر، لا سهلٌ فيرتقى، ولا سمينٌ فينتقى" .