مجرى الأمور الان يسير لصالح الجنوبيين ويصب في حوضهم, ولم يتبق إلا أن يحسنوا التوظيف والتصرف ويعرفوا كيف يكسبوا الحلفاء أكثر من استحضار صراع الماضي وافتعال المعارك للثأر والانتقام والفوز بالنصيب الأوفر والحصص الكبيرة. في تغريدة سابقة قبل مدة ذكرت فيها أن هادي يطبخ الانفصال على نار هادئة جدا, وفعلا فهادي يسير بخطوات بطيئة لكنها شبه مضمونة, وهذا ما نشعر به حاليا مع تسارع الأحداث, ولعل مؤتمر الحوار هو الذي أتاح لهادي ترتيب أوراقه وخاصة ما يتعلق بالقضية الجنوبية تحت غطاء حكومي ودولي أيضا. وإذا آمنا بما نشر مؤخرا من أن هادي قد أعدّ في الخفاء طبخة مع الحوثي تقتضي بانفصال الجنوب, فالسؤال المطروح: وما الذي يجعل هادي لا يفعلها أبد؟ ففي تقديري هناك أكثر من مبرر لهادي ليقوم بهذا الأمر, فالوضع في صنعاء منذ الثورة الشبابية يسير لصالح خطة هادي أصلا, وما الذي يملكه هادي في الشمال ليخسره, إن هادي وكل القيادات الجنوبية الموجودة في صنعاء لم تكن سوى دمية في يد الفرقاء في الشمال, وهي تعلم جيدا هذا الأمر, وتعلم أيضا أنهم ورقة تستخدم لصراع الفرقاء فيما بينهم البين, وهذا ما يجعلهم يرفضون الاستمرار في هذا الدور ولم يكن لهم من خيار يحفظ مكاسبهم إلا الخروج من صنعاء بانفصال الجنوب. لا يمكن أن نضع اللوم كله على هادي وهو جزء من اللعبة كلها, بل كل الأطراف المتنفدة في الشمال شريكة مع هادئ في هذا الأمر, وهي تحديدا من أوصلت هادي لهذا الخيار, وطبيعي أن من كان في مكان هادي أن يفكر بهذا التفكير. لست هنا في مقام الدفاع عن هادي وتقديم التبريرات, ولكن أحاول قراءة الواقع وأن اللعبة أساسها الأطراف المتنفدة في الشمال, وما هادي إلا الشجرة التي ساقت لها الرياح كل الأوراق المبعثرة لتعلق بين أغصانها. ثَّمَّ أمر آخر, فهادي يحتاج لمعجزة حتى يكفر عن خطأ المشاركة إلى جوار صالح في حرب 94, وفي نفس الوقت أيضا يثأر من أعداء يناير 86 خصومه اللدودين, وبهذا يكون هادي مدينا للفرقاء الشماليين لأنهم أوصلوه لمنصة البطولة والتتويج في الجنوب. اقترب حلم الجنوبيين وبات هادي هو البطل والمنقذ , واستطاع أن يشكل له حلفاء وأنصارا من قادة الحراك أنفسهم وآخرهم القيادي البارز النوبة, مما سيجعله يدخل عدن فاتحا وساحبا البساط في نفس الوقت من تحت أقدام البيض قائد أكبر فصيل حراكي. ليس أمام قادة الحراك إلا القبول بهادي ما لم سيكون مصيرهم اللعن والطرد من قبل جماهير الحراك, فخصومة هادي هي مع بعض القيادات الحراكية وليست مع جماهير وأتباع الحراك, والجماهير مرحبة جدا بهادي إذا كان هو فارسهم المنتظر ومخلصهم من صنعاء. لقد استفاد هادي من الصراع الداخلي للأطراف الشمالية وكذلك الأطراف الحراكية وصنع لنفسه مجدا يمحو به كل سيئاته وماضيه ويتوج رمزا جنوبيا يضاف لقائمة الرموز السابقة. ليس أمام الفرقاء في الشمال إلا أن يقال لهم : ابكوا كالنساء ملكا لم تحافظوا عليه كالرجال, ولهذا لم يجدوا لتخفيف ما بهم إلا عنترة التصريحات والبيانات وإطلاق التهم والتهديدات والعودة لشعارات 94 (الوحدة أو الموت) وهم يعلمون جيدا أن الوقت قد اختلف تماما وأن الأمور لا تسير لصالحهم أبدا, وأنهم بحاجة لمعجزة حتى تخرجهم مما هم فيه. أمر آخر, هل سيتعلم جنرالات الجنوب وقادته الجدد من كل هذا الارث النكد لصراع الفرقاء على الثروة والسلطة سواء في عهد الوحدة أو ماقبله عهد الحزب الاشتراكي , ويضعوا مصلحة البلد فوق كل المصالح وهي المعيار والمقياس وينسوا الماضي تماما ويهتموا ببناء بلدهم وتنميتها ويقيموا نظاما عادلا نزيها لا متنفدين فيه ولا هوامير ولا زعماء عصابات سياسية ولا شيوخ قبائل انتهازيين, ويكرسوا جهودهم لخدمة المواطن الجنوبي, أم أنهم بمجرد أن يضعوا يدهم على السلطة يعود حمار الخلاف بينهم ويشغلوا الرأي العام بخلافاتهم السخيفة العقيمة لندخل في دوامة جديدة من الصراع ونترحم بعد ذلك على الوحدة وقادتها. ومع هذا فالجنوب لن يكون هادئا أبدا, والمرحلة الجديدة لا تقتضي إلزاما أن يعود الجنوب لما يسمى بالست المحافظات وهذا الأمر ليس بيد الجنوبيين وإن قالوا غير ذلك, فالناس عرفت طريق المطالبة بحقوقها وانتزاعها من أكبر قوة كانت , والمجتمع الدولي والإقليمي يدرك ذلك جيدا, وإذا استمرت القضية الجنوبية أكثر من عقدين من الزمن تناضل, فهناك من سيناضل وسيطالب بحقوقه أيضا مدى العمر, وربما في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة تعجّل بالاستجابة لمطالبهم, خاصة أنهم يرون أن هويتهم ليست ضمن هوية الكيان الجديد, ولم يتم انصافهم إلى هذه اللحظة, ولم يعطوا حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم, ولازالوا تحت وطأة الاحتلال , وهم الحضارم, وسيبدأ حراك حضرموت السلمي مباشرة لحظة إعلان دولة الجنوب العربي, وستذكرون ما أقول لكم.