هاهو الموت يختطف اثنان من خيرة شباب العوابثة لقيا ربهما في حادث سير وذلك في تقارب زمني قصير.. وكان لابد أن نوطد إيماننا بمشيئة الخالق عزوجل والتسليم بحكمته .. فالآجال ( الله ) واضعها مصداقاً لقوله تعالى ( ولكل أجل كتاب ) . شابان في مقتبل العمر.. لهما آمالهما وطموحاتهما ويحلمان بغد مشرق يبتسم لهما في مقبل الأيام ، ولكن .. وفي حدث كهذا لا يد لنا فيه ، علينا أن نقبل بما يفرضه علينا اليقين العقائدي بأن من وهب لنا الأبناء والحياة هو الله العلي القدير وهاهو يأخذ منا أمانته بعد نفاذ الزاد وانتهاء الرحلة الدنيوية – كلنا راحلون ولكن بأسباب مختلفة … كما قال الشاعرالعربي : من لم يمت بالسيف مات بغيره فتعددت الأسباب والموت واحد الشابان .. فهد سالم عبدالله باذياب وسعيد أحمد عمر برعود العوابثة .. هما اللذان عاشا حياة مليئة بالحب مع ذويهما وكانا مثالاً للخلق القويم ، عرفهما الناس بكل ما يثير الإعجاب من ذكاء ونخوة وشهامة وعلم .. لم يذكرهما الناس إلا بالكلمات العطرة التي تلهج بها ألسنتهم ، وكان الآباء موضع احترام وتقدير من عرفوهم .. ولا ننسى بأن الأحزان تختلف باختلاف الارتباط الوجداني الذي يحدد القيمة الحقيقية لمداه ، فليس الآباء كالآخرين .. لأن إحساسهم بالفقد يكون أكبر ، وهنا ينسكب الدمع مدرارا والحزن مقدارا ومقدارا ، ويكون تعاطيهم للنوازل الواقعة عليهم أكثر من غيرهم ، .. قلوبنا معهم ومشاعرنا المتدفقة تحمل همومهم ولكن مهما بكينا فلن يبلغ البكاء تلك الدرجة التي يبكون بها فلذات أكبادهم .. فأحسن الله عزاؤهم وهون عليهم وقع هذه المحنة الإنسانية ، ذلك القدر الذي هو مصير مكتوب في لوح الله المحفوظ منذ ولادتنا الأولى … يقول الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، وحتى يعلم إن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه " ويقول أيضا " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في النفس والولد والمال ، حتى يلقيا الله تعالى وما عليهما خطيئة " ويقول كذلك " من أصيب بمصيبة في ماله أو في نفسه فكتمها ولم يشكها إلى الناس ، كان حقاً على الله أن يغفر له " أحاديث رسولنا العظيم تعرفنا مقدار ما يصيبنا كي نكتسي الرضا بالقضاء والصبر على البلاء .. وذلك بقوله : " عجباً لأمر المؤمن .. إن أمره كله له خير " " إن أصابته سراء شكر، فكان خير له … وان أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له " " وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " هكذا يوجهنا نبي الرحمة الوجهة الصحيحة .. ليجعلنا أكثر أيمانا وصدقاً مع الله تعالى حين نرتفع بعلاقتنا به في أرقى سلوك إنساني قوامه التسليم والصبر . وكان الشاب فهد باذياب قد دفن في مقابر المملكة في موكب جنائزي مهيب حضره الأهل ومحبيه من كل مكان لوداعه الأخير … بينما دفن الشاب سعيد برعود في مقبرة روكب بحضرموت وسط جمع كبير من الأهل والمحبين وهكذا انطوت صفحتيهما بعد رحلتهما في هذه الحياة القصيرة التي حتماً سنرحل منها ذات يوم . وفي هذه اللحظات التي أسطر فيها كلماتي أود أن اعزي أبائي وأخوتي وكل إنسان يعزهم بما أصابنا وألقي بنفسي بين يدي الله في ضراعة العاجز أن يتغمد الشابين الخلوقين بواسع رحمته ويسكنهما فسيح جناته ويلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان .. إنا لله وإنا اليه راجعون