هيئة شؤون القبائل تستنفر لاحباط مخططات اثارة الفتنة    ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بين الحقيقة والمزايدة    منظمة أمريكية: لدى القوات المسلحة اليمنية ترسانة عسكرية تهدد أسرائيل    المعرفة القانونية للمواطن تعزز العدالة وتحمي الحقوق    بعير اليمن الأجرب.. الإخوان المسلمون: من شريك مزعوم إلى عدو واقعي    62 ألف حالة وفاة في أوروبا عام 2024 بسبب موجات الحر    بلباو وإسبانيول يكتفيان بالتعادل أمام جيرونا وفالنسيا    تشيلسي يتجنب المفاجآت.. وبرايتون يكتسح بسداسية    إيزاك يسجل.. وليفربول يتأهل    قوات أمينة تهاجم منزل أحد مشائخ شبوة في الغيظة    مباراة مصيرية لمنتخب الناشئين اليوم امام الامارات    محللون: ترامب يحاول توريط العرب عسكريا في غزة مقابل وقف الحرب    8 وفيات في الحديدة بالصواعق الرعدية    حضرموت.. تفريق وقفة احتجاجية للتربويين بالقوة واعتقال قيادات نقابية    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    مليشيا الحوثي تشن حملة اختطافات جديدة في إب    صنعاء.. الداخلية تعلن الاحتفال بالمناسبات الوطنية رسميًا وتمنع أي نشاط خارج الإطار الرسمي    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ أحمد محمد الهتار    350 كشافا يشاركون الخميس ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بصنعاء    أصدقاء جنوب اليمن: زيارة الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك تعزز حضور القضية الجنوبية دولياً    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    اجتماع للجنة تسيير المشاريع الممولة خارجياً في وزارة الكهرباء    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    بن الوزير يتابع تأهيل مبنى الإدارة المحلية في شبوة    الأرصاد يتوقع أمطارًا متفاوتة الشدة على عدة محافظات    انفجار قرب سفينة تجارية في خليج عدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    هكذا يتغير الشرق الأوسط.. الصراع السعودي الإسرائيلي    إتلاف 5.5 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في البيضاء    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    الديوان الملكي السعودي : وفاة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    أمن العاصمة عدن يضبط متهمًا بسرقة 100 جرام ذهب بالمنصورة    الذهب عند ذروته: ارتفاع قياسي في الأسعار    احترام القانون اساس الأمن والاستقرار ..الاجراءات تجاه ماموري الضبط القضائي انموذجا    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ ويشيد بجهودها الإغاثية والتنموية في بلادنا    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    الإمارات تدعو مجددًا مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته لردع إسرائيل    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وسائل الإعلام لها أثركبير في اللغة لأنها تقتحم البيوت والأسواق وتفرض نفسها على الأسماع والأبصار
نشر في هنا حضرموت يوم 20 - 12 - 2014


د. احمد محمد الأ صبحي
ورقة عمل مقدمة إلى ندوة اللغة العربية وواقعها في الحياة العربية – نوفمبر 2014
ربما أنَّ هناك من قد يتساءل حول أهمية عقد مثل هذه الندوة في مثل هذه الأيام .. وما إذا كانت تشكل أولوية تنصرف لها النخب الفكرية والعلمية والسياسية والأدبية.
وهو تساؤل مشروع في حال ما إذا لم تكن لهذه النخب مشاركة تذكر في بحث القضايا الراهنة .. ثم إنَّ الساحة السياسية مليئة بالمهتمين في أمر السَّاعة .. على أنَّ انعقاد الندوة يأتي في صميم الاندماج بجذور قضايا مجتمعنا، وتكيفاً في الوقت ذاته مع مقولة أنَّ ما لا يدرك كله لا يترك جله .. فتقويم اللسان، وإعلاء شأن البيان يظل على أقل تقدير من « قبيل فليسعد النطق إنْ لم يسعد الحال « .. وليس ما يمر به مجتمعنا من حال لا يحسد عليه أمراً حتمياً .. ومن ثم فما تبحثه الندوة حول استخدامات اللغة العربية في المجالات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية والتجارية والصناعية والفنون، لا تبتعد عن البحث العام في قضايا الأمة، ومحاولة الاقتراب من أحد جذورها المتصلة بالهوية، وتلمس جوانب الحلول لها.
ولنا أنْ نسجل شكرنا وتقديرنا للمجمع العلمي اللغوي اليمني، ممثلاً برئيسه الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح على عقد هذه الندوة التي تمثل باكورة اهتمامات المجمع في الحفاظ على اللغة العربية .. هذه اللغة التي تعتبر إحدى أهم مقومات شخصية أمتنا ومنجم تفكيرها..
إنَّ الاشتغال في هذه المهمة اليوم، هو عمل يقع في قلب الحدث، فلغة الضاد، لغة المشاعر الواحدة، لغة المودة والقربى التي جمعت أبناء الأمة وحفظت التواصل بين مشرقهم ومغربهم، لا تقر بحال، الفُرقة القائمة والأوضاع العبثية الراهنة..
إنَّ ضعف استخدام اللغة العربية الفصيحة، ارتبط به ضعف كل ارتباط آخر لأمتنا وشعبنا في ما يتعلق بقضايا الوطن وهمومه وهويته، وانتمائه وأدى تعرض اللغة العربية الفصيحة إلى التهميش، وتعُّرض إنسانها للضعف والتدهور بعد أنّ كان له موقع الريادة الحضارية .. وقد رشَّح الاكتساح اللغوي الأجنبي للغتنا ولساننا وضمائرنا المزيد من الهيمنة والسيطرة والإطباق الأجنبي على مقدرات أمتنا.
على أنَّ اللغة العربية في مسيرتها الطويلة لم تسجل عجزاً عن أداء رسالتها الحضارية، فقد ظلت على مدى ثمانمائة سنة، لغة فكر وثقافة لكل العرب والمسلمين، والناقل الحضاري، بل كان للغات الأخرى نصيب وافر من مفردات العربية وتراثها، وما قصرتْ يوماً، ولا تلكأتْ في استيعاب العلوم المترجمة من اللغات الأخرى، كالهندية والفارسية واليونانية والسريانية وغيرها .. بل لقد أنقذت علوم تلك الحضارات من الاندثار مع أفوال تلك الحضارات..
وما أروع تعبير العالم الموسوعي أبو الريحان البيروني (ت. 440ه) في مقدمة كتابه « الصيدنه في الطب « عن اللغة العربية:
« وإلى لسان العرب نقلت العلوم من أقطار العالم فازدانت، وحلت في الأفئدة، وسرت محاسن اللغة منها في الشرايين والأوردة .. والهجوم في العربية أحبّ إليَّ من المدح بالفارسية «.
لقد كان من تمام الرجولة عند العربّ استقامة بيان المرء، وكان يعاب على من يتصدر القرار أن يلحن لسانه، وقيل إنَّ رجلاً لحن بحضرة الرسول العظيم ، فقال : « أرشدوا أخاكم ، فإنه قد ضَلّ «.. وكان أبو بكر الصديق، وهو الحريص على سلامة لغته يقول : « لئن أقرأ فأسقط أحب إليَّ من أنْ أقرأ فألحن « ، بل أنَّ الخطأ في اللسان أشد على عمر بن الخطاب من الخطأ في الرمي .. ولطالما استقبح الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان اللحن، وخاف ذلك في ابنه الوليد فقوَّمَ لسانه في البادية قبل أنْ يتولى الخلافة من بعد أبيه، أما مسلمة بن عبد الملك فكان يرى أنَّ اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه.
ويوم أنْ اتسعت رقعة الأمة، وخُشي أن يُحِدق الخطر باللغة العربية سارع علماء اللغة إلى تدوين المعجمات لمجابهة ذلك الخطر .. وإلى ذلك ما أورده ابن منظور المصري الليبي الأنصاري (630 ه 711 ه) صاحب معجم « لسان العرب المحيط « في مقدمته ، «.. فإنني لم أقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها، إذْ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية ولأنَّ العَالِم بغوا مضها يعلم ما تُوافق فيه النية اللسان ويخالف فيه اللسان النية ، وذلك لما رأيته قد غلب، في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحناً مردوداً، وصار النطق بالعربية من المعايب معدوداً، وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعتُ هذا الكتاب في زمنٍ أهلهُ بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون، وسميته لسان العرب، وأرجو من كرم الله تعالى أنْ يرفع قدر هذا الكتاب، وينفع بعلومه الزاخرة، ويصل النفع به بتناقل العلماء له في الدنيا، وبنطق أهل الجنة به في الآخرة، وأنْ يكون من الثلاث التي ينقطع عمل ابن آدم إذا مات إلاَّ منها، وأنْ أنال به الدرجات بعد الوفاة بانتفاع كل من عمل بعلوه أو نقل عنها، وأنْ يحمل تأليفه خالصاً لوجه الجليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل « .
فاللغة العربية لغة الفكر والعلم والسياسة والتجارة، ولم تتراجع عن أرض دخلتها لتأثيرها الناشئ ، من كونها لغةَ دينٍ، ولغةَ مدنيةٍ ..
إن من لا يكرم لغته حريٌّ به أن لا يكرم وجوده.
يقوم الفيلسوف الألماني هيدجر: إنَّ لغتي هي مسكني، هي موطني، ومستقري، هي حدود عالمي الحميم، وهي معالمه وتضاريسه، ومن نوافذها، ومن خلال عيونها أنظر إلى بقية أرجاء الكون الفسيح .
فاللغة هي القوم، هي الأمة، هي الكيان .. يقول فيختة : إنَّ الأمة الألمانية هم جميع الذين يتكلمون اللغة الألمانية، ذلك لأنَّ الذين يتكلمون بلغة واحدة يكونون كلاًّ موحداً، ربطته الطبيعة بروابط متينة، وإنْ كانت غير مرئية.
وفي هذا السياق فإنَّ أمماً عديدة لم تكن لِلُغاتها عراقة لغتنا العربية في مسيرة الحضارة البشرية، ومع ذلك فقد اعتمدت لغتها في شؤون حياتها، أمثال كوريا، وفيتنام ورومانيا وبلغاريا وفنلندا، واليونان وتركيا وغيرها من الأمم، وجعلت لغاتها الوطنية لغة التدريس في جميع مراحل التعليم العام والعالي والفني، واتخذت من لغاتها مصدر إلهام وإبداع في شتى المعارف والعلوم ، وأبدعت، ونافست في ما أنتجت وصّنعت .
ومن المؤلم أنْ نجد الكيان الصهيوني المحتل، يعيد استخدامَ لغةٍ ميتةٍ، مضى على وفاتها أكثر من ألفي سنة، فيبعث فيها الحياة، لتكون لغة تدريس العلوم المختلفة في جامعاته ومدارسه في جميع مراحل التعليم، ولتكون اللغة الجامعة للقوميات الفسيفسائية التي تشكل منها الكيان الصهويني .. ولم يتوقف هذا الكيان عند حد تكريس الهوية اليهودية بإحياء هذه اللغة المندثرة، بل عمد إلى أنْ يطمس بها المسميات العربية في فلسطين المحتلة: مدنها وقراها ومعالمها المختلفة، وحارات القدس وشوارعها وتبابها ، مراهناً على الزمن، في ظنٍ منه أنَّ التسميات العبرية المستحدثة ستعطيه حق التملك وشرعية الاحتلال.
وسائل الإعلام الوطني في ظل العولمة الإعلامية :
بات من المسلمات القول بأننا في عالم يصنعه الإعلام، بعد أن كان في وسع أي دولة تتحكم في أي تدفق إعلامي سواء كان مصدره خارج حدودها، أم داخلها .. وشيء من هذا التحكم، كان للمسافات والحواجز والتكنولوجيا دور فيه، وشيء منه كان بيد الدولة التي تفرض حق المنْح والمنْع .. فإنه وإلى زمنٍ غير بعيد يعود منتهاه إلى العقد قبل الأخير من القرن العشرين، انفجرت ثورة الاتصال، والثورة المعرفية التي سرعان ما أحدثت عالماً وإعلاماً بلا حواجز ولا حدود .. وأصبح العالم عند أطراف أصابعنا .. وأصبحت العولمة الإعلامية حقيقة تعيشها كل المجتمعات والشعوب .. وبقدر ما تتيح هذه العولمة من فرص للتطور والتطوير، بقدر ما تفرض من سلبيات تؤثر في حياة المجتمعات، سواء في هُوّياتها الثقافية أو في إشاعة روح الإحباط .
ولا مراء في أنَّ التدفق الإعلامي، الذي تعددت مصادره ومضامينه قد أتاح للمتلقي في مجتمعنا اليمني خيارات عديدة ومتعددة في الحصول على المعلومات والثقافة والترفيه.. إذْ يلاحظ أن مجتمعنا اليمني يفضل بصفة عامة مشاهدة القنوات الفضائية على غيرها من الوسائل الإعلامية في تلقي المعلومات والموضوعات أو المواد التي تهمه بكل ما يترتب على ذلك من بناء تصورات وآراء.
كما يلاحظ أنًّ عقلية المجتمع اليمني قد تغيرت، واتسع إطاره المعرفي، فيما لا تزال مشاركة إعلامنا الوطني في ظل العولمة، دون مستوى الحضور في أدنى مستويات التأثير .. وحاجتنا اليوم إلى وضع سياسات إعلامية للإعلام الذكي الذي يتكيف في بيئة إعلامية جديدة، يكون قادراً فيها على امتلاك الكيفية الملائمة لتقديم رسالته، فضلاً عن قدرته على أنْ يكون إعلاماً منافساً وجاذباً، ومتمكناً من تقديم برامج ذات إنتاج جيد وراق، ويتطلب ذلك حشداً كبيراً من الكفاءات والقدرات والإمكانيات المالية والمادية المنتظمة في عمل مؤسسي مؤهل.
ولا ينبغي أنْ تغفل السياسات الإعلامية جيل الطفولة الذي يجب أنْ يحتل أولوية الاهتمام لصناعة مستقبل واعد.
فإذا سلّمنا بأنَّ خير وسط لخدمة اللغة هو الطفل، فعلينا أنْ نسلم بأنَّ الإعلام له على الأطفال تأثير كبير من حيث التنشئة والتعليم .. فالطفل لم يعد رفيقاً للكتاب والمجلة أو الصحيفة، بل أصبح لصيقاً بجهاز الاستقبال المرئي، وإذا لم نقدم له زاداً مفيداً يحميه حاضراً ومستقبلاً، فإنه سيصبح صنيعة للفضائيات التي لا همَّ لها إلاَّ القضاء على المثل والأخلاق والصفات النبيلة، وصرفه عن لغته الأم .. لذا فالنشء بحاجة إلى برامج مكثفة تحمل في طياتها القيم والمبادئ والمثل والأخلاق الكريمة، وبحاجة إلى تقديمها في صور وأساليب ترفيهية، وبلغة عربية بسيطة سلسة تتناغم مع إدراك المستهدف من الأطفال.
اللغة العربية الفصيحة في وسائل الإعلام الوطني:
إن الحديث عن دور الإعلام الوطني في استخدام اللغة الفصيحة، لا يعني إغفال ما يجب أن يؤديه الإعلام العربي من دور فاعل ومسؤول في خدمة اللغة العربية الفصيحة، وحسن استخدامها .. ولكن الحديث عن الإعلام الوطني هنا باعتبار ما يتأسس عليه من صياغة قانون الحفاظ على اللغة العربية ومن منطلق التأكيد على أنًّ :
لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية أثراً كبيراً في اللغة، لأنها تقتحم البيوت والأسواق، وتفرض نفسها على الأسماع والأبصار.
للمذيع ولغته أثر كبير في الاستجابة لما يذاع.
كل ما ينشر ويذاع عبر وسائل الإعلام لأي مسؤول في أي موقع من مواقع المسؤولية، وعلى الأخص المواقع القيادية في الدولة، يشكل قدوة للمستمع والمشاهد العادي.
وبالتالي فإنّ ما هو مطلوب من وسائل الإعلام الوطني :
– اعتبار استخدام اللغة العربية الفصيحة السليمة ركناً من أركان السياسة اللغوية للإعلام.
– اتخاذ وسائل الإعلام أداة لتعليم اللغة العربية، ونشرها بين عموم المواطنين.
– تجنب التكلف والتقعر أو استخدام العامية في تقديم البرامج، وإذاعة المسلسلات التمثيلية.
– ضبط الخطب الرسمية، والخطابات والبيانات الدورية، وما يتعين على المسؤولين من رجال الدولة والشخصيات العامة أنْ يلقوه أو يكتب باسمهم، وفي مخاطبتهم الجماهير، فاستخدام اللغة العربية الفصيحة في خطبهم وبياناتهم الموجهة إلى الجماهير يُعد من أهم ما تنقله وسائل الإعلام المختلفة.
– إلزام الحكومة والمؤسسات والشركات اتخاذ اللغة العربية الفصيحة وسيلة للتحدث إلى الجماهير.
– تشجيع الكتاب والمبدعين والمنتجين لإنتاج المسلسلات الخاصة بالأطفال، أو الرسوم المتحركة التي تعتمد على عنصري الترفيه والتشويق بما تحتويه من القيم والأخلاق، بلغة عربية بسيطة وسليمة.
– التشديد على ضرورة اهتمام الفضائيات اليمنية بسلامة النطق أثناء تقديم برامجها، بحيث تكون اللغة متواكبة مع مستوى العمر المستهدف، ومستوى تعليمه.
– ضبط وسلامة الإملاء في الإعلانات أو الأخبار التي تكتب على شاشات أجهزة الاستقبال.
– تحفيز الأطفال ودفعهم إلى التنافس من أجل الحصول على جوائز وهدايا مقابل إسهامهم أو تميزهم في أي مجال من مجالات الإبداع.
ومن أجل ضمان الاستخدام الصحيح للغة العربية الفصيحة، يؤكد على :
– إعداد المذيعين ورجال الإعلام إعداداً لغوياً وأدبياً يجنبهم ارتكاب الأخطاء الإذاعية.
– ضبط المواد المقدمة في الإذاعة المسموعة والمرئية بالشكل ضبطاً كافياً.
– أنْ تعنى الصحف والمجلات بسلامة لغتها وأسلوبها في ما تنشره من مقالات وأخبار، فإنَّ سلامة التعبير اللغوي يمكنهم من الاتصال بالجماهير، والتأثير فيهم تأثيراً لغوياً وتذوقياً.
– وفي هذا الصدد يؤكد على عقد دورات تدريبية على الضبط الإعرابي والنطق السليم، وحسن الإلقاء والوعي بالدور اللغوي لوسائل الإعلام بالمعنى الشامل الذي يجعل من هذه الدورات التدريبية أساساً لعمل من يظهرون بأصواتهم أو صورهم.
– ولمن يعملون في إعداد المواد الإعلامية المختلفة، ولمن يعملون بأقلامهم في وكالات الأنباء محررين ومترجمين، تدريبٌ يتنوع ويتكامل ليلبي كل المتطلبات المنشودة في هذا العمل.
على طريق صياغة قانون لحماية اللغة العربية :
مما سبق يظهر لنا مدى الحاجة إلى قانون لحماية اللغة العربية … ويمثل قيام المْجَمع العلمي اللغوي اليمني مدخلاً مباشراً لأداء هذه الرسالة بما يمثله من مرجعية، وجهة وصل واتصال مع مختلف مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
على أنَّ ما يخفف جهد البدء في عمل مضن كهذا، واستصدار قانون للحفاظ على اللغة العربية، هو أنَّ هناك حصيلة علمية ومعرفية، وتجارب وخبرات سبق إليها عدد من الأقطار العربية، فقد أنتجت المجامع والهيئات اللغوية مئات الآلاف من المصطلحات في مختلف العلوم، وأصدرت العديد من المعجمات الموحدة التي نشرها مكتب تنسيق التعريب … وثمة تطبيقات عملية وتجارب ناجحة سيستفاد منها، فاكتساب عضوية المجمع العلمي اللغوي اليمني عضوية اتحاد المجامع العربية، سيساعد كثيراً في تخفيف عبء بواكير عمله، وهو ما سيمكن المْجَمع من الشروع في إنجاز أولويات لم تتطرق إليها المجامع العربية الأخرى في ما يتعلق بما تزخر به اليمن من تراث في اللغة والعلوم والآداب والفنون والمخترعات، وفي ما اختصت به اليمن في ما يتعلق بلغة المسند اليمني، وتنظيم الدراسات والبحوث عن ماضي اليمن وحاضره وتوقعات مستقبله، ودراسة اللهجات اليمنية والعربية قديِمها وحاضِرها، والإسهام بشكل فاعل في الحفاظ على سلامة اللغة العربية، وجعلها تواكب وتتسع لمطالب العلوم والآداب والفنون والمخترعات لتلائم مدركات الحياة الإنسانية المتجددة.
إنَّ إصدار قانون لحماية اللغة العربية إنما يستند إلى النص الدستوري الذي يؤكد على أنَّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وهو ما يعني أنَّ أي تساهل في هذا المجال إنما هو اعتداء على حقوق شعبنا في سيرورة لغته الأم على جميع الأصعدة، ويمكن أنْ يستفاد في الدستور الجديد من الدستور الأردني الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وتكفل الدولة حمايتها والعمل على سلامة وظائفها.
وأنَّ الحفاظ على اللغة العربية هو مسألة إيمان وهوية وقضية أساسية يتبناها أصحاب القرار قبل غيرهم.
ولضمان نجاح حماية اللغة العربية، لابد من وجود سياسة لغوية معتمدة، وتخطيط يبنى عليها على الأخص في كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم الفني، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الإعلام ووزارة الثقافة.. وأنْ تصبح عملية حماية اللغة العربية عملية قرار سياسي من شأنه أن يُكسبها قوة الفعل والتفاعل، والحصول على الاهتمام الحكومي في مختلف المجالات، وضمان توفير الدعم المالي للتنفيذ، ولتكون المسيرة متميزة.
وعندئذ يكون لإصدار قانون حماية اللغة العربية قوة النفاذ في واقع الحياة العلمية.
واقع استخدام اللغة العربية في اليمن
على الرغم من كون اليمن موطن العرب الأول، ومنبع العروبة، وما تزخر به مكتباتها، وتاريخها العريق من تراث عربي بلسان عربي مبين، وما تؤكد عليه في دساتيرها المتعاقبة بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، فضلاً عن كون اللغة العربية معتمدة بين اللغات العالمية الحية في الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، فإنَّ واقع استخدام اللغة العربية في بلادنا لا يشير إلى السير بها في الاتجاه الصحيح، خاصة ونحن نعيش اليوم في ظل العولمة الاقتصادية والثقافية والإعلامية، نتأثر أكثر مما نؤثر .. فحين كناَّ شعباً يلبس مما يصنع، كنا نملك حق امتياز تسمية ملبوساتنا ومنتجاتنا الصناعية والزراعية، وكان لنا قوة التأثير في تداول ما نخلع عليها من تسميات.
وقد اشتهرت اليمن منذ العالم القديم بصناعة السيوف والرماح والخناجر الذائعة الصيت في الشعر الجاهلي، وفي صدر الإسلام ، شهرةَ المنسوجات والملابس اليمانية كالبُرد والحلل اليمانية، ومصنوعات الجلود، وراج اسم البُرد والأُزُر والمقاطب ، واللحف ، والشيلان ، والمعاوز، والمعاجر، والشملة والرديف والحزام والأحذية وغيرها من المنتج اليماني ..
وحين ضعف الإنتّاج الوطني والقومي، وحل الاستيراد، أطلق على ما يستورد من المنتجات الأجنبية، مُسمياتُها الواصلة إلينا، بما في ذلك الأغذية والألبسة والآلات المختلفة.
وغير ما يُستورد، ثمة ما يبدو مستهجناً أنْ نرى ما يعلو بعض الفنادق والمحال التجارية والمطاعم من لافتات بمسميات غير عربية، وبلغات أجنبية … ثم إنَّ هناك نفراً ممن يعانون من عقدة الخواجات، يتعمدون استخدام اللغة الأجنبية في كلماتهم الرسمية ومداخلاتهم، في المحافل الدولية !.. ويحاكيهم في ذلك بعض موظفي البنوك والشركات حين يخاطبون زبائنهم من اليمنيين والعرب بلغة أجنبية !..
ثم إنًّ هناك نفراً من قومنا ممن جعلوا يُنشؤون طبقة حريرية في أحضان الفساد، أخذوا ينفرون من عروبتهم بتعمد ولادة زوجاتهم في عواصم غربية ليكتسب أطفالهم جنسيات تلك البلدان، وليتعلموا اللغات الأجنبية قبل تعلم اللغة الأم !..
ولا يتوقف إهمال استخدام اللغة العربية الفصيحة عند هذا الحد، فإنَّ ضعف استخدامها يمتد إلى المجالات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية .. ويخشى إذا ما ترك الأمر على ما نحن عليه أنْ تزداد غربة العربية الفصيحة بين بنيها .. فتغريب العلوم في جامعاتنا أضعف حلقة الاتصال بين العلم والتكنولوجيا، وبين الوسط الطلابي، فعدم دراستهم لتلك العلوم بلغتهم الأم في الكليات العلمية حًّد من الفهم والاستيعاب لديهم .. ومعلوم أنَّ من يدرس بلغته الأم، فإنه يتوفر لديه رابطة لا تنفصم بين الفكر واللغة، ويتمكن من الفهم والاستيعاب على نحو أفضل ..
وقد أدى إضعاف الاهتمام بتدريس اللغة العربية أنْ أظهرت مخرجات التعليم الجامعي ضعفاً لدى الكثيرين في القدرة على التعبير في موضوع أو قضية، ولا يخلو من الأخطاء الإملائية والنحوية ورداءة الخط … ومازال كثيرون على سبيل المثال يكتبون خطأ : « إنشاء الله « ، ويكتبون خطأ اسم الموصول : « اللذي « .. وهو ما يوجب على المؤسسات التربوية والتعليمية تكثيف العناية باللغة العربية في جميع مراحل التعليم، وتطوير برامجها، وطرق تدريسها، والعمل على تأهيل أعضاء هيئة التدريس في المدارس والجامعات والمعاهد للتدريس باللغة العربية.
عضو مجلس الشورى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.