ربما يسدي عدو لك جميلا, بقصد أو بغير قصد, فتقول له شكرا على معروفك, مع أنه عدو لك. هذا ليس بالغريب ولا العجيب, وشواهده التاريخية كثيرة. وعلى هذا أقول: هل من الصواب أن نقول للحوثي والمخلوع شكرا لكما ولمعروفكما…!!! لا تستعجلوا وتريثوا حتى نكمل وتتضح المقالة ونعرف رأسنا من أرجلنا. منذ حرب 94 وجسمنا ملي بالعلل والأسقام,لم يتعافَ منها أبدا, وكلما برأ من علة داهمته أخرى. ولفظة "جسمنا" أردت بها الجنوب -جمهورية اليمن السابقة-, لأننا أمام عدو غاشم يريد اجتثاثنا جميعا, وإلا فأنتم تعرفون جيدا وجهة نظري وموقفيمما يسمى بالجنوب وضم حضرموت إليه فهذه جزئية انتهى الجدل بالنسبة لي فيها, فلا الجنوب منها ولا هي منه. لهذااتركونا في مرحلتنا الراهنة التي اقتضت أن نكون جميعا في خندق واحد, ولهذا لابد من العودة لموضوعي. إن حرب الحوثي على الجنوب كشفت لنا حقائق كنا غافلينعنها, وأظهرت لنا المستور, وجلّت معادن الخلق. قضينا أكثر من ربع قرن ونحن نسير في طابور طويل خلف أناس سميناهم قادة, ونتسابق بل ونتزاحم عليهم,رفعنا صورهم عاليا حتى بيوتنا أدخلناها, بل وعلى صدورنا رفعناها. صحنا بأعلى أصواتنا حتى بحت حناجرنا, وتحملنا قيض الشمس من أجلهم, وناظرنا وناقشنا وجادلنا ونافحنا باسمهم. رفعناهم عاليا وقلنا هؤلاء هم الذين سيتقدمون الصفوف حينما يحتدم الوغى. كنا لا نسألهم عن أي تصرف بدا غريبا منهم, فهم بالنسبة لنا ثقات عدول. ونرى النزاهة؛ تتشرف بان تنتسب لهم, والأمانة قد تسربلت بهم من مفرق رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم. ليسوا بأنبياء, ولكننا نغضب لأجلهم ونلعن من يلعنهم, ونهتف دوما: بالروح والدم نفيدك …….!! هكذا كنا قبل أن يشن الحوثي والمخلوع حربهما ضدنا, كان هناك فريق ثوري, وآخر حكومي,معارض وموالي, وكلهم لا يعرفون شيئا اسمه الوطنية أبدا, كانوا يكذبون كما يتنفسون. ودارت الأيام والليالي, وانقلب الحال الذي كان مقلوبا أصلا ولكننا لم نميزه, كنا نرى اللص حارسا وفيا, والخائن أمينا تقيا, والكاذب صادقا مخلصا, حتى اعتدلت الصورة بعد إعلان الحرب على الجنوب وعادت لوضعها الطبيعي فبانت لنا بيانا شافيا, واتضحت وضوحا بما لا يدع مجالا للشك, وظهر حينها أن تحتنا حمار وليسفرس. تكشفت الأوراق بكل محتوباتها، ليس أوراق الأمن القومي التي تبعثرت بعد هروبهم وقراها الناس وعرفوها؛ بل أوراق واقعنا وحالنا وعرف الناس حقيقة المسؤول الذي عمر في وظيفته حتى ملت الوظيفة ريح إبطيه, والشاب الذي فجأة أصبح رقما صعبا يشار له بالبنان, والعجوز المتصابي الذي له عوائده وسوالفه الصبيانية, وذلك المغوار الذي يتقدم الصفوف وقد شد صدره بالجُعبة ينبح نباح الكلاب, وهكذا اتضحت الصورة شيئا فشيئا, لأن وقت المحن والفتن واشتدادها تظهر المعادن الصافية النقية من المغشوشة وارد الصين وتايوان. فهل يحق لنا أن نقول شكرا للحوثي وصالح لأنهما أزالا اللثام عنالخدم والعبيد الذين ظلوا سنوات يخدعوننا باسم التحرر والثورية والوطنية. أنا أقولها وفي هذه الجزئية فقط, شكرا لأنكما كشفتماهم عن غير قصد, فلم يكن أمام عبيدكم وخدمكم إلا الهروب مسلكاً لينفذوا بجلوهم, ويلحقهم الذل والخزي والعار كأبي رغال. وصدق مولاي وخالقي إذ يقول:" لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يغبونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين * لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون " التوبة (47/48). إنها الفتن التي تستدرج أقواما لتعريهم أمام العامة والتاريخ. جزى الله الشدائد كل خير *** أبانت لي صديقي من عدوي