حضرموت .. كانت ومازالت في صفحات ديوان اليمن أجمل قصيدة عشق .. وأعذب الكلم .. وأرق المشاعر والعواطف.. وكيف لا تكون هكذا .. وقد علَّت آفاقها وطاولت عنان السماء أصوات مآذن مساجدها في إجلال مهيب..!! وعلى ترابها الطيب بعض من قبور الأنبياء والصحابة .. وقبور وقباب أولياء الله الصالحين .. وهنا يتجسد أمامك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حضرموت تنبت الأولياء كما تنبت الأرض البقل» .. ومن هنا انطلق أبناؤها في هجرات متدفقة إلى جنوب شرق آسيا، وشرق أفريقيا، ليدخلوا الناس وبحسن تعاملهم إلى دين الله أفواجاً أفواجاً. وليؤكدوا حقيقة أن «الإيمان يمان». ومن هنا انطلق الصحابي الجليل المقداد بن الأسود – رضي الله عنه – يتشرف بأن يكون أول من ركب فرساً في الإسلام مجاهداً في سبيل الله .. ومن هنا انطلق الصحابي الجليل أبو العلاء الحضرمي – رضي الله عنه – فكان أول من ركب البحر في الإسلام غازياً في سبيل الله .. ومن حضرموت نُسجت (البُردة الحضرمية) وكانت من أعز لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناوبها بعده بعض الخلفاء. ومن دروب حضرموت انطلقت ومرّت قوافل اللبان والبخور إلى مدن ومرافئ الدنيا .. نعم حضرموت قصيدة عشق كيف لا .. وهي موطن آباء وعشيرة الشاعر الفذ امرئ القيس الذي ما زالت أصداء من صوته تصدح في جنباتها: تطاول الليل علينا دمون دمون إنا معشر يمانون وإنا لإهلنا محبون ومنذ تلك اللحظة هام وتَّجلى في عشقها المبدعون والإبداع.. وريشة الفنان والرسام، فدنوا من أسوار سحرها .. وشُرفات جمالها .. وبوابات ترحابها .. وسر بحرها .. وعطاء نخيلها .. ودفء شطآنها .. وأسمار وليالي غناء (الدان) فطوّقتهم ألفة ومودة .. فكانت نتاجاتهم إزاءها بطعم العسل (الدوعني) الشهير..!! ومن حضرموت كانت صناعة (الجنبية الحضرمية) التي طبقت شهرتها الآفاق.. وتلك التي قال عنها حكيم الشعب اليمني علي بن زايد: يا حضرمية بيد دلاّل منقوشة بمال أصل من عند القفال ما يؤخذك غير صاحب مال ثم حضرموت قصيدة وأغنية عشق أبت إلا أن تخرج من نطاق جغرافية الوطن اليمني عبر شفاه وحنجرة سفراء الأغنية اليمنية أبوبكر بلفقيه و عبدالرب إدريس لتعطر سماء بلدان العرب نغماً شجياً.. وكلمات رقيقة .. ولترسم لحضرموت لوحة فنية بديعة الألوان والظلال والأبعاد وتعزف على أوتار الزمان لحن الخلود والشجن.