أعتقد أن حضرموت لم تعرف في أي وقت من أوقات عصرها الحديث فسادا كالذي نلحظه ونعيشه اليوم ولست أزعم أننا لم نكن نعرف الفساد في حضرموت ولكن لم يكن بهذا الظهور الطاغي وهذا الفساد الممنهج والمبرمج والذي للأسف الشديد أننا كنا نعتقد أن من كنا نتعشم الخير فيهم للإصلاح انغمسوا في هذا المستنقع السيء بعد أن طعموا حلاوة الفساد وأعرف بعض الطيبين الذين قاوموا إغراءات الفساد والمفسدين لكنهم لم ينجحوا في النأي بأنفسهم من آفة الفساد فسقطوا في مستنقعه كما تعرف أنت عزيزي القارئ بعضاً من هؤلاء. ولايستطيع أحد أن ينكر الفساد صغر أو كبر حجمه وكثر أم قل المتعاملون به في أي من مرافقنا بدءً من الإدارات العامة ومروراً بأجهزة الأمن والقضاء والنيابات العامة وانتهاء بالعقار والأراضي وماأدراك مالعقار .. ولايستطيع أحد أن ينكر أن هذا الفساد قد جاءنا من خارج حضرموت محمولاً على أكتاف الرجال حتى حط رحاله في حضرموت الخير ليفسد ذمم أهلها ويخرب نفوسهم وضمائرهم ويقضي على مابقي فينا من الشهامة والكرم والإيثار والتراحم. ولم تكن حضرموت تعرف كتابة الأسماء الوهمية في كشوفات الرواتب والازدواج الوظيفي ولا الموظفين المهاجرين خارج الحدود الذين يستلمون رواتبهم وهم يعملون في بلدان الغير ولا الموظفين الطلبه الذين يستلمون مرتباتهم وهم مايزالون على مقاعد الدراسة ولاالمشاريع الوهمية ولاعمولات المشاريع ولا الأعمال بالباطن وغير ذلك من صور وألوان وأنواع الفساد .، أما مايجري من فساد في العقار فحدث ولاحرج فقد اعتبره البعض دجاجة تبيض ذهباً وأعرف أن فينا بعض أصحاب النوايا الحسنة والضمائر الحية الذين مايزالون يعتقدون أننا لم نصل بعد إلى مرحلة دق ناقوس الخطر وأنه مايزال في الإمكان إصلاح ماقد كان ، كما أعرف أيضاً أصحاب النوايا السيئة الذين مايزالون يقتنعون أن الفساد مايزال في بداياته وأننا في حضرموت بمقدورنا أن نتخلص منه في أي وقت نشاء. كما أنني أعرف أيضاً بعض المنغمسين في هذا المستنقع الذين يظنون أنهم وحدهم أذكياء وبقية الناس من السذج لايسمعون ولايرون ولايقرأون وهم لايعبأون بمايقال عنهم في الشارع لأنهم عزلوا أنفسهم عنه واكتفوا بالقعود في صالوناتهم الفاخرة لايسمعون إلا المدح من جملة المطبلين والمداحين الذين دأبوا على حمل بخور النفاق في كل وقت وحين وإذا خرجوا من صالوناتهم تجولوا في سياراتهم الفارهة مغلقين على أنفسهم المرايا حتى لا يسمعوا مايقوله عنهم رجل الشارع من قاع المجتمع على حد زعم بعضهم. وبعد فإن الفساد يحتاج منا اليوم أن نحاربه وأن المفسدين بحاجة إلى من يكشف فسادهم وفضائحهم وأن ذلك لن يتم إلا بالاصطفاف الشعبي الواسع فالفاسدون قلة وأصحاب الأيدي النظيفة هم الكثرة لكن هذه الكثرة تحتاج إلى الاصطفاف الذي يؤهلها لأن تقول بصوت مسموع وكفى فساداً فقد بلغ السيل الزبى .. نعم نحتاج لأن نتحد ضد الفساد في وقت أصبح فيه الفاسدون يعملون بصورة ممنهجة لحصد اكبر قدر ممكن من النقاط في زمن الغفلة ناسين أو متناسين أن كل عبر ودروس التاريخ تؤكد حتمية زوال الفساد وأهله ولو بعد حين .. وصدق الله القائل " وأما الزبد فيذهب جفاء… وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض" والله من وراء القصد.