قال الدكتور عبدالله الذيفاني الباحث الأكاديمي والقامة السياسية والاجتماعية: إن المشهد اليوم غير مسبوق يشهد انتفاضة وثورة شعبية وشبابية واسعة، شملت كل المحافظات اليمنية من شمال الوطن إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه؛ سعياً نحو التغيير وتأسيس دولة مدنية حديثة بكل المقاييس.. وأضاف في حوار مع جريدة "رأي"، بأن الأفق مفتوح أمام اليمنيين وأن القادم خير وأن الظلم لا بد أن يزول وأن الثورة لا بد أن تنتصر، وهذا ليس حلماً ولكن أصبح واقعاً.. وتطرق الدكتور الذيفاني إلى العديد من القضايا حول مستقبل الثورة ومصير النظام والحزب الحاكم وجوانب مختلفة للمشهد اليمني في قراءة عميقة ومن قلب الحدث، فإلى نص الحوار:
- كيف تقرأ المشهد اليمني بصورة عامة؟ - المشهد اليمني لا شك اليوم مشهد غير مسبوق يشهد انتفاضة وثورة شعبية وشبابية واسعة شملت كل المحافظات من شمال الوطن إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه, فالمشهد اليوم في حراك غير عادي سعياً نحو التغيير وتأسيس دولة مدنية حديثة بكل المقاييس, هذا الطموح الذي كان يسكن الخواطر والقلوب والعقول منذ سنوات طويلة لم تتمكن الأجيال المتعاقبة من تحقيقه فجاء الشباب اليوم وهبوا هبة واحدة وقوية وصامدة لتحقيق هذا الهدف. النظام الآن يصر على أن يسفك مزيداً من الدماء والعنف والمتاعب لهذا الشعب الذي ظل لسنوات عديدة يعاني ويكابد ولكن أعتقد بأن الأفق مفتوح وأن القادم خير وأن الظلم لابد له أن يزول وأن الثورة لا بد أن تنتصر، وهذا ليس حلماً ولكن من خلال المعايشة والمتابعة لما يجري في الساحات والمعادلة في كل الأحوال هي لصالح الثورة ولصالح الشباب ولصالح كل الفئات التي خرجت لتقول لا لهذا النظام الفاسد.
- بنظرك.. لماذا تأخر نجاح الثورة في اليمن, خلافاً لثورتي مصر وتونس؟ ما هي عوامل الإخفاق التي أخرتها؟ - لا نستطيع أن نقول بأنها عوامل إخفاق ولكن خصوصية اليمن تختلف عن تونس ومصر، ففي هذين القطرين وفي ظل الفساد الموجود فيهما في النظامين السابقين إلا أن هناك كانت توجد دولة مؤسسات، فمثلاً في مصر الجيش من أجبر مبارك على الرحيل وتشكل مجلس عسكري، وبالمثل في تونس، الجيش أجبر بن علي على الهروب, ولكن في اليمن ليس لدينا دولة مؤسسات, نحن لدنيا جيشان جيش للشعب والجيش الآخر للعائلة، فجيش الشعب انضم للشعب وجيش العائلة ما زال يدافع عنها، ولذلك غياب دولة المؤسسات وغياب المجتمع المدني هما من آخر لحظة الحسم وليست الثورة قد انتصرت وبحمد الله بالإضافة إلى أن اليمنيين عزفوا عن اللجوء إلى السلاح وإلا كان الأمر قد حسم في لحظة أقرب من ثورتي مصر وتونس ولكن بروز العمق الحضاري لهذا البلد هو من آخر لحظة الحسم.
- يرى البعض بأن من ضمن عوامل تأخر نجاح الثورة أيضاً انضمام رموز فساد في نظام الرئيس صالح وكذلك وقوف أحزاب اللقاء المشترك أمام الشباب, وليس وراءهم كداعم ؟ - أنا اعتقد بأن من انضم إلى الثورة ليسوا من يقودها, وهم التحقوا بالثورة, والساحات قالت أهلاً وسهلاً بكم ولكن لن تستلموا القيادة ولن تكون تبعاً لكم, أهلاً بهم مساندين للثورة وداعمين فقط. وبالنسبة لوقوف اللقاء المشترك أمام الشباب فهذه من الإشاعات التي يحاول النظام إشاعته، فالنظام قد فقد كل أوراقه ولم يتبق له سوى ورقة الإشاعات، فهو يحاول فك الساحات بمقولة إن المشترك أصبح مسيطراً، وأنهم استولوا على ثورة الشباب، فالثورة ليست طبخة أتى المشترك وأكلها, المشترك موجود منذ اللحظة الأولى ليس كأحزاب ولكن كشباب وأفراد, وأقول بأن شباب المشترك أصبحوا يتمردون على المشترك وعلى النظام أن يفهم هذا, و أن الشباب ليسوا بيد اللقاء المشترك وأنا أتحدى المشترك بأن يقود هذه الساحات أو أن يخرج الناس من ساحاتهم ويغير مجرى الساحات ليس لأنه عاجز، ولكن لأنه يعلم يقيناً بأن الساحة فيها السعة والكثرة ما تجعله قلة.
- ما تعرضن له بعض الناشطات في صنعاء من اعتداء والاختلافات والمواجهات التي تحدث في بعض الساحات .. ألا يدل هذا على وجود طرف ثالث يريد أن يهيمن ويسيطر على الوضع ؟ - أولا ما حدث للأخوات في صنعاء أمر مؤسف، ونحن نستهجنه وندينه بشدة، وهو نتاج قد يكون ضمن التنافس والصراع القائم بأي ساحة من الساحات لوجود الآراء المختلفة، ناهيك عن ساحات بهذا الحجم, وباعتقادي بأن كل الأحداث والمواجهات الموجودة في بعض الساحات سببها الأمن القومي والأمن السياسي وطابور المؤتمر الشعبي العام، فأنا شخصياً أعيش في الساحة منذ اللحظة الأولى وأتابع وأشاهد الأمور عن قرب، فالأمن القومي والسياسي ومعه المؤتمر الشعبي يريدون بكل الوسائل تشتيت الساحات ولم يستطيعوا، فلديهم الآن الورقة الأخيرة بتفجير الساحات من الداخل, فالساحات مفتوحة وفيها من كل الأطياف والمشارب السياسية، وأيضاً من أجهزة الأمن المختلفة ولكن الساحات باقية والاختلافات بإذن الله ستزول وسيتغلب عليها شباب الثورة والهدف الرئيس للناس حاضراً هو إقامة دول مدنية حديثة.
- بالنظر إلى تقاليدنا كيمنيين وإلى أعرافنا القبلية.. ألا ترى بأن تلك التقاليد والأعراف ستقف حاجزاً بين أحلام الساحات وإقامة الدولة المدنية الحديثة؟ - أعتقد بأن ذلك أصبح ميسوراً في الوقت الحاضر خلافاً لما كنا نكتبه في فترات سابقة قبل بدء الثورة كنت أقول وأكتب بأن المجتمع اليمني مجتمع متناحر وقبلي وبأن القبائل مشكلة كبيرة جداً في طريق الدولة الحديثة واليوم اتضح العكس، فالقبيلي وضع سلاحه في منزله وخرج ليقابل البندقية بصدر عارٍ رغم أنه أصبح بمقدوره أن يحمل سلاحه وليقاتل وهذا يدل على أنهم مدنيون بالأصل وما كان موجوداً سابقا هو استثناء. وحقيقة فإن هذه من الأوراق التي كان يراهن النظام ببقائه عليها ولكن اليوم الشعب اليمني أثبت أنه شعب واعٍ يحلم ببناء دولة حديثة دولة مؤسسات دولة الأمن والاستقرار, النظام كان يراهن بأن مجتمعنا غير مدني وأنه قنبلة موقوتة واتضح بأن القنبلة الحقيقة هو النظام نفسه وأن القنبلة هي في رأسه وقد انفجرت بداخله وهو الآن يترنح ويسقط مغشياً عليه من قنبلته التي ظل يبنيها سنيناً عديدة.
- لكن البعض يتخوف من أن القادم سيتقاسمه عدد كبير من الأطياف السياسية والحزبية مختلفة الرؤى والأهداف ؟ - لغة التقاسم هي لغة السلطة وهي تنظر إلى الأمور بأنها كعكة ودائماً ما يتقاسمونها، وهذه اللغة ستنتهي في الدولة القادمة والدولة المدنية الحديثة القادمة تتطلب خبراء يخرجون الناس من أزمتهم الحالية والوطن من أزمته برؤى ومناهج تقوم على أساس التنمية وإدارة البلد إدارة علمية.
- ما هو نظام الحكم المناسب لليمن في المرحلة المقبلة ؟ - أرى بأن الحكم البرلماني هو الضمان الحقيقي للدولة الحديثة، ولا يمكن للدولة المدنية الحديثة أن تكون ذات معنى ما لم تقم على أساس الفصل بين السلطات, دولة المؤسسات يحميها البرلمان ويكون مرجعية ولديه القرار والحق في لحظات الحسم التي ينبغي أن تتخذ ضد الحكومة أو أي من السلطات, ويجب أن نتمسك بهذا النظام ولا نقبل بغيره، ويجب أن يعدل الدستور بحيث يختار أعضاء البرلمان بعناية فائقة كي يديروا البلد إدارة صحيحة بشكل علمي وموضوعي.
- ما مصير المؤتمر الشعبي العام بعد نجاح الثورة, وهل باعتقادك سيصمد كحزب سياسي في الساحة؟ - أنا شخصياً لست خصماً للمؤتمر الشعبي العام؛ لأني لا أعتقد بأن المؤتمر الشعبي موجود حتى الآن, وبنظري هو لم يتشكل حتى اللحظة وهو مسمى فقط وليس جسماً حقيقياً على الأرض، ومن يدير هذا المسمى هم مجموعة من الأشخاص الذين أساءوا إليه. وأما المؤتمر كحزب ففي داخله عدد كبير من الرموز النقية والنزيهة, ولكن لأن الحزب غير فعّال هم غير فعالين, ولكنهم يستطيعوا بأن يلملموا أنفسهم ويشكلون أحزاباً جديدة مع إني لا أؤمن أن يكونوا تحت مسمى المؤتمر الشعبي العام، لا لأني ضد المؤتمر الشعبي، ولكن لأن المؤتمر سُرق بحد ذاته, هو جاء في مرحلة من التاريخ كي يجمع كل الأطياف السياسية تحت مضلة واحدة اسمها المؤتمر الشعبي العام لكي يمارسوا السياسة فوق الأرض بدلاً من أن يمارسوها تحت الأرض، والميثاق الوطني هو ميثاق هذه الجماعة وكنت أحد أعضاء اللجنة المصغرة للمؤتمر الشعبي العام، وأعتقد أن من ضمن الأولويات التي ينبغي أن يحاكم عليها الرئيس صالح هو سرقته للمؤتمر وسرقته للميثاق وإضعافه لهذا الكيان الذي ينبغي أن يظل قوياً. وأقول بأنه يجب على أعضاء المؤتمر أن يعيدوا النظر في سياساتهم وأن يطهروا المؤتمر, حيث والساحات ليس لديها تصفية لكل من كان في المؤتمر وهذا غير صحيح, وأنا أدعو المؤتمر بأن لا يرضى بأن يكون في الواجهة لمواجهة الشعب وأن ينزهوا أنفسهم من كل فعل يؤدي إلى دم وإلى مزيد من القهر والطغيان.
- كيف ستتعامل الساحات مع من انضم إليها من رموز النظام؟ - من خلال حواراتي مع الشباب ومختلف الأطياف في الساحة أرى بأن هؤلاء الرموز لم تقدم لهم الساحات صكوك الغفران ولا أعتقد بأنها ستقدم لهم ذلك, ونحن حالياً في المرحلة الأولى هو إسقاط النظام ولم ننتقل بعد إلى المرحلة الثانية مرحلة الدولة المدنية الحديثة التي ستوجد قضاءً عادلاً سيقول كلمته مع كل الناس بلا استثناء سواء كانوا في داخل الساحات أو خارجها لأن هناك من هو مفسد داخل الساحات أيضاً.
- كيف ترى مستقبل اليمن على المدى القريب والمدى البعيد ؟ - على المدى القريب مستقبل اليمن هو مستقبل مخاض الدولة الجديدة ومخاض تغير, أما على المدى البعيد فاليمن إلى خير بإذن الله، وستشهد نقلة نوعية في بناء اليمن الجديد الحديث بتلاحم كل الألوان وهذه لن تكون قريبة؛ كون الثورة ليست عصا موسى يمكن لأهدافها أن تتحقق بين لحظة وأخرى، فتحقيق الأهداف يحتاج إلى صبر خاصة وأن النظام الحالي صفر العملة المحلية والاحتياطي النقدي والخزينة العامة للدولة وأصبح يزور العملة المحلية والأجنبية ويغالط بها أنصاره بالأجر اليومي.
- تقول بأن خزينة الدولة صفرت,, إذن كيف للدولة أن تعلن توظيف60 ألف خريج؟ كيف ستواجه ذلك؟ - هذه مزايدة وخداع وأنا استغرب بأن النظام حتى اللحظة مازال يراهن عن مغالطة وخداع الشعب اليمني, وإلا لماذا هذا التوظيف لم يأتِ من قبل وأتى الآن, والنظام بهذه التصرفات والوظائف الوهمية يريد أن يشغل الناس لإخراجهم عن الساحات ويريد أيضاً أن يحمل الحكومة القادمة بعد نجاح الثورة عبئاً لا تستطيع أن تواجهه.
- البعض يرى بأن هناك قياديات في الساحات تريد تصفية حسابات شخصية مع رأس النظام للاصطدام مع رجال الأمن من أجل إزالة مزيد من الدماء وتحميل مسئولية ذلك النظام ؟ - الشباب لا يمكنهم أن يذهبوا لأن يلقوا حتفهم ولا يمكن أن يكونوا "ألعوبة", هناك اختراقات موجودة في الساحات ولكنها ليست فعّالة في الساحة، وهناك مندسون من النظام يدخلون في المسيرات يقوموا بتحفيز الشباب للإقدام لكي تحصل مجازر والنظام يعتقد بأنه كلما سقط ضحايا كلما هرب الناس عن هذه الساحات ولكن اتضح العكس كلما سقطت دماء كلما زادت الساحات قوة وصلابة وكلما تقاطر الناس إليها بشكل أكبر.
- ما رأيك بالمبادر الخليجية الأخيرة ؟ - المبادرة الخليجية خلقت ميتة وسببها إعطاء الرئيس 30 يوماً. وكونها ربطت استقالته بإجراءات إذا تمت تلك الإجراءات سيستقيل وإذا لم تتم يبقى ومن ثم ربطت الاستقالة بمجلس النواب والحاكم الأغلبية وإذا قالت تلك الأغلبية نريد الرئيس صالح فبالتالي يبقى .. أدعو الإخوة في الخليج أن ينحازوا إلى الشعب اليمني وأن يتركوا هذا النظام وأن لا يصفوا ما يحدث الآن في اليمن أزمة سياسية وإنما يصفونها ثورة شعبية شبابية ونحن لسنا مصدري ثورات ولا يمكن لليمن إلا أن تكون عامل خير وعامل استقرار للمنطقة العربية والمجتمع الدولي ككل.
- كلمة أخيرة تود قولها في نهاية هذا اللقاء؟ - أدعو السلطة بأن تقلع عن أسلوب التقتيل واستخدام الجرائم الإعلامية. وأعتقد بأن النظام هو الآن في تخبط المذبوح ورقصة الموت، ولاشك بأن رأسه قد قطع ولم يتبقَ إلا جسده، وهو سيسقط لا شك اليوم أو غداً، وأعتقد بأن النظام الحالي يتعرض لخزي الدنيا بدليل أن الساحات يومياً تبحث عن المناقب السلبية له. وأقول بأن السلطة لديها هوس ونموذج القذافي ينبغي أن يقتلع؛ كونه إساءة لكل تاريخ الأمة.