بعد أيام قليلة سينقضي عام 2012م حاملاً معه ذكريات غالية لانجازات ثمينة حققها شعبنا الحضرمي منذ نصف قرن مضى على درب الحرية واستعادة هويته الوطنية والحضارية وفي محطات ثلاث هامة وبارزة وهي على النحو التالي : أولاً… انطلاقة عصبة القوى الحضرمية في 17 مايو 2012م كأول منظومة سياسية حضرمية تطالب بحق تقرير المصير لشعب حضرموت وأن يختار بحرية تامة نظام الحكم الذي يرتضيه ويقبل به على أراضيه . ثانياً… ماحدث في مؤتمر القاهرة في 11 يونيو 2012م, حيث قدم الشيخ .عبد الله ين محسن الكثيري رسالة العصبة الحضرمية إلى مؤتمر القوى (الجنوبية ) الذي دعت إليه السفارة البريطانية في مصر . وكان ذلك أول إطلالة رسمية مباشرة للعصبة خارج الوطن الحضرمي . ثالثاً… ماحدث في الرياض في 18ديسمبر 2012م والحضور الساطع والبارز للعصبة الحضرمية في اللقاء التشاوري الذي دعت إليه الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية , وقد كان لحضرموت حضور مكثف فيه من خلال ممثلي العصبة وكذلك من خلال ممثلي حضرموت عامة , والذي بلا شك سيكون له انعكاساته الايجابية على مسيرة القضية الحضرمية بعد أن خرجت من الباب الضيق إلى الفضاء الواسع عند صناع القرار في دول الجوار والعالم بأسره . ومن كل ذلك أيقن الجميع أن القضية الحضرمية تمتلك الكثير من أركان الدعوى والحق والمصداقية والقبول والنظر فيها , مما يجعلنا نتوسم خيراً وبعون الله تعالى في أنصاف شعبنا الحضرمي وإزالة المظلمة التاريخية عند والتي ارتكبت في حقه منذ عام 1967 وأن يستعيد حقوقه كاملة عاجلاً لا اجلاً وبأمر من الله عز وجل وبعد طول معاناة وبؤس وشقاء وحرمان واستبداد طيلة نصف قرن مضى . وهذا يعني أن المارد الحضرمي قد انطلق وحرر من قمقمه الذي حبس فيه , وليعلن للعالم أجمع بأنه شعب باقٍ بإذنه تعالى إلى يوم النشور , وأن كل ما قاله القوميون اليمنيون الجنوبيون في عام 1967م وما بعده من أنه لاوجود لشعب حضرموت كانت كلمات جوفاء لا تعدو كونها فقاقيع هواء تلاشت في الفضاء , وتبددت معها كل المحاولات الخبيثة التي بذلها هؤلاء القوميون الجنوبيون اليمنيون لإلغاء شعب حضرموت من الوجود ومسحه من التاريخ والجغرافيا بل ومن سجل الحضارة الإنسانية التي كان له دور بارز في صنعها منذ أن عرفت البشرية حضارة الإنسان وعمر أن الأرض بمشيئة الرحمن عز وجل , ولا ينكر هذا الدور الحضرمي إلا جاهل أو حاقد أو في نفسه أو عقله مرض أو خلل . وقد فشلت هذه المحاولات الخبيثة التي بدأها القوميون اليمنيون الجنوبيون في عام 1967م واستكملها اليمنيون الموحدون منذ عام 1990م لأنها باطل لا تقوم على حقيقة ثابتة ولأنه شعب حضرمي جذوره عميقة في الأرض الحضرمية ويصعب أن لم نقل محال اقتلاعها ولان مشيئة الرحمن فوق كل مشيئة مهما حاول المتطاولون من جهد عبثي في ذلك حتى وأن استعانوا بحضارمة ناقص الإدراك والمعرفة أو استخدموا أشباه الحضارمة ممن أصبحوا اليوم منبوذين في مجتمعهم الحضرمي أن لم يتداركوا أمرهم ويعودوا إلى رشدهم ويعوا أن حضرموت خالدة بأمر الله عز وجل وهو الذي جعلها حية في الذاكرة الإنسانية طيلة خمسة آلاف عام مضى . والمعروف أن الحضارمة لم يكونوا يوم ما معتدين أو مغتصبين لحق أو مدعيين بالباطل على أحد بل كانوا دوماً هم الضحية لعدوان عليهم من جيرانهم الغربيين , والتاريخ يشهد بذلك وقد استخدمت أرض حضرموت احياناً لعدوان من هؤلاء الجيران الغربيين على آخرين كما حدث فيما فعلته الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي بمساندة حكام اليمن الديمقراطية , ولم يكن هؤلاء الحكام أكثر من مخلب قط بيد الدب السوفيتي الباحث عن الدفء والثروة والنفوذ والوصول إلى البحار المفتوحة . ونسأل الله عز وجل الهداية والتقوى والخير لهؤلاء الجيران الغربيين , وأن يكفوا عن إلحاق الأذى بحضرموت وشعبها حتى ينصلح حالهم ويهدأ بالهم المضطرب . أما شعب حضرموت فقد عرف طريقه وأيقن أن صلاح مصيره في سلامة مسيره ووضوح رؤياه وتكاتف وتضامن الخيّرين والمخلصين من أبنائه والمعتصمين بحبل الله جميعاً والمستمسكين بقيم وتعاليم دينهم الحنيف بلا ظلم أو جور أو إرهاب . وإذا كانت قلة موتورة من الحضارمة تبحث عن دور بانتهازية مفرطة وينقصها الوعي والإدراك والمعرفة الشاملة بحقائق الأمور وتصّر بعناد على أن حضرموت يمنية أو حضرموت جنوبية وإلى ابد الآبدين والى قيام الساعة وكما قال أحد زعماء الحراك الجنوبي في حضرموت ودون أن يرفق ذلك بعبارة (بمشيئة الرحمن عز وجل ) رغم تدينه الظاهري ودون أن يربط ذلك باستفتاء عام حر ونزيه لشعب حضرموت , فلاشك أن هذه القلة الحضرمية الموتورة لا تعي ولا تدرك ولا تفقه ما ينشده عامة الحضارمة من مطالبتهم بالحرية والاستقلال , وهو شكل بغيض لدكتاتورية الرأي الواحد والرؤية الواحدة بل والعين الواحدة (العوراء) والذي كان ثمرة فاسدة من ثمار نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والذي يطالب هذا القيادي الحضرمي في الحراك الجنوبي وغيره من إضرابه بإعادة إحيائها من جديد بعد أن قبرت مع الأنظمة , الاشتراكية الاستبدادية مع سيدهم الأكبر الدب السوفيتي وفي كل مكان من العالم . وهيهات أن يعود الأموات مرة أخرى إلى الحياة الدنيا , ولم يعد الزمن القادم إلا زمن الشعوب الحرة بحق , وليست التي تنتظر الفرج بعودة انظمة استبدادية ملحمدة كنظام اليمن الديمقراطية , حيث أصبحت الشعوب الحرة حقاً تنظر بعينين اثنتين لا بعين واحدة , ولا تقبل فرضاً أو إجباراً أو أكراهاً أو إرهابا دبماغوجياً أو فكرياً أو نفسياً أو جسدياً . ولم يعد هناك مجال لعودة أو استعادة انظمه البؤس والشقاء والحرمان ولو ليوم واحد , ولا لدكتاتورية (الممثل الشرعي والوحيد ) لأي جبهة كانت تفرض نفسها على الشعوب الحرة حتى ولو كان الحراك الجنوبي ذاته والذي يدعي ليل نهار انه الممثل الشرعي والوحيد لحضرموت وللجنوب . ولاشك أن شعب حضرموت طيلة عام انقضى قد حقق انجازات ضخمة على صعيد التربية الديمقراطية السلمية والواعدة بالخير , فظهرت في حضرموت تنظيمات سياسية والاجتماعية ومهنية تطالب بحقوق حضرموت السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية وتعني بتعزيز وترسيخ هويته المستقلة عن اليمن جنوباً وعن اليمن شمالاً وعن اليمن الموحد . ومن هذه التنظيمات ذكراً لاحصر مايلي : (1) عصبة القوى الحضرمية والتي تفردت عن غيرها من التنظيمات الحضرمية بتبني ( حق تقرير المصير لشعب حضرموت ) فلا يفرض على شعبنا الحضرمي نظام حكم لا يرتضيه ولا يقبل به على أراضيه إلا باستفتاء شعبي حر ونزيه يشارك فيه كل أبناء حضرموت في الوطن والمهجر ممن لهم حق الاستفتاء , ولن يقبل شعب حضرموت باستعادة نظام اليمن الديمقراطية تحت أي مبرر لأنه يعني عودة للظلم والاستبداد والتعسف مهما أطال وأكال المادحون والناعقون والزاعقون وأطنبوا في مدحه وصفاته الحميدة , فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين , وليس العاقل من يجرّب المجرب من قبل . ويكفي أنه بعودة هذا النظام سيصبح الحضرمي مرة أخرى في نظر العالم ( يمنياً ديمقراطياً ) ولو ليوم واحد وهو سجن قد تحرر منه الإنسان الحضرمي وإلى الأبد وبأمر الله عز وجل , فهل يعي حضارمة الحراك الجنوبي هذه الكارثة المقبلة , أم أنه لا فرق عندهم في أن يكونوا حضارمة أو أن يكونوا يمنيين ديمقراطيين طالما أن مكانتهم ومصالحهم المادية ستستمر ولن تنقطع . (2) مجلس حضرموت الأهلي . (3) تحالف قبائل وعشائر حضرموت . (4) مجلس حضرموت للأمن والاستقرار . (5) جبهة مستقبل حضرموت . وهناك العديد من التنظيمات الحضرمية التي لم تذكر آنفاً وتراوحت مطالبها ما بين مطالب سياسية أو مطالب اقتصادية أو اجتماعية . ولم يعد الحراك الجنوبي بفرعه الحضرمي مقبولاً لدى الحضارمة لأن يكون ( الممثل الشرعي والوحيد ) للمطالبة بمعالجة قضاياهم وحقوقهم . وسقطت بذلك مقولة ( لا صوت يعلو على صوت الحراك ) وكأننا نستذكر سقوط مقولة وشعار الحزب الاشتراكي اليمني سابقاً وفي عباءة الحراك الجنوبي هذه المرة . ولا شك أن إرادة الله عز وجل والملهمة لإرادة ورغبات شعب حضرموت قد جعلت من هذا الحراك الجنوبي يتهاوى ويتداعى وتتزعزع قواعده , وهو الذي كان في الأساس حركة شعبية جماهيرية تطالب بمطالب عادلة ومشروعة لكل من شعب حضرموت وشعب الجنوب واستقطبت اهتمام ورعاية كل أحرار العالم ثم انقلبت قياداته ونخبه والمرتزقة فيه على مبادئه وقيمه وأصبح ( حزباً دكتاتورياً ) لا يختلف كثيراً عن أحزاب البروليتاريا التي عفى عليها الزمن واندثرت , وذلك من حيث الرؤى وآليات العمل التي يستخدمها الحراك الجنوبي , وخصوصاً التأكيد على مقولة ( من ليس معنا فهو ضدنا ) , وغيرها من المقولات المعروفة والموثقة بالصوت والصورة والكلمة والتي أصبحت في متحف التاريخ وفي أدبيات قادة ونخب الحراك الجنوبي . أما القواعد الشعبية لهذا الحراك الجنوبي فيغلب عليها البراءة والبساطة والهشاشة في التفكير , وهي محبطة من واقع اقتصادي وإداري وسياسي مرير لا يلبي طموحاتها وتطلعاتها إلى حياة كريمة ومستقرة , وهو نتيجة حتمية وتراكية لما بدأ في عام 1967م وليس منذ 1994 . ولذلك نجد هذه القواعد الشعبية للحراك الجنوبي في حالة يرثى لها من الضياع والتخبط . وإذا لم يسع قادة ونخب الحراك الجنوبي إلى التوقف عن الصراع والتشرذم ولم الصف وتغيير أسس ومبادئ العمل السياسي والوطني والقبول بالرأي الآخر وعدم هضم حقوق حضرموت وتجاهلها , بل والمبادرة إلى السعي للاستجابة إلى مصالحة تاريخية بين حضرموت والجنوب وكما نادت عصبة القوى الحضرمية وفي أكثر من مناسبة فأن مصير هذا الحراك ولاشك معروف إلى أين سيتجه , ولن يكون له وجود تحت الشمس والتي بلا شك تحرق أشعتها اللاهبة كل من يدعي بالباطل والبهتان ويزور معطيات التاريخ ويجعل الناس رهينة في سجنه . أما حضرموت فقد كرمها الله عز وجل بانطلاقة مباركة وبعونه تبارك وتعالى خلال عام 2012م . ولم تكن هذه الانطلاقة مفاجئة لمن يراقب وبحياد وموضوعية وتجرد تطورات الأمور فيها , وحيث بدأت إرهاصاتها الحقيقية منذ اللحظات الأولى التي أبدى فيها شعب حضرموت رفضه ومقاومته لما أجبر وأكره عليه 1967م وأخضعت أرضه الحضرمية عنوة بالقوة الغاشمة وبالإرهاب الأمني والنفسي والفكري والاجتماعي والثقافي على أن تكون جزءاً من أراضي اليمن الجنوبي , ووضعت في أيدي أبنائه وألسنتهم وعقولهم أغلال القيد اليمني بمسمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وأدخلوا بقوة وفظاظة وقسوة وغلظة إلى السجن اليمني وبأيدي سجانين حضارمة استغلت ظروفهم وحالاتهم النفسية والعقلية والفكرية والاجتماعية . ورغم أنهم طلقاء اليوم ولم يحاسبوا على ما اقترفوه بحق حضرموت إلا أنهم الآن في حالة يرثى لها من الندم والحسرة والكآبة لما ارتكبوا من جرم بحق وطنهم حضرموت , وعسى الله تبارك وتعالى أن يغفر لهؤلاء ذنوبهم هذه وما فعلوه بحق حضرموت وأذاقوا أهلها البؤس والحرمان والشقاء والفاقة والفقر والمعاناة بل والتشتت والضياع الأسري في حالات عديدة , وذلك طيلة نصف قرن من الزمان , وأن كانت مسؤوليتهم المباشرة في هذا الجرم الخطير بحق حضرموت وشعبها هي لربع قرن فقط , ولكنهم هم الذين سلموا حكام صنعاء البغاة مقاليد السجن الذي سجنت فيه حضرموت وشعبها تحت مسمى ( اليمن الديمقراطية ) بل وأشاعوا لهم كذباً وبهتاناً أن حضرموت هذه يمنية وهي أرضكم يا حكام صنعاء , في الوقت الذي لم يكن فيه حكام صنعاء هؤلاء يفكرون حتى مجرد التفكير في الاقتراب من حضرموت ناهيك عن الاستيلاء عليها , لأنهم يدركون تماماً أنها ليست يمنية وهي الآن تقدم لهم هدية مجانية من حضارمة فقدوا عقولهم وضمائرهم . ولذلك كان من الطبيعي أن يبادر حكام صنعاء بالإمساك بقوة بالهدية الغالية والثمينة هذه والمسماة حضرموت بل أنهم حرصوا على وضعها في سجنهم اليمني البغيض حتى ينعموا بثرواتها ويستبيحوا أرضها وينكّلوا بشعبها , فأصدروا قانوناً لحماية الوحدة اليمنية من أجل حماية استعمارهم واحتلالهم لحضرموت وهو قانون توأم لقانون صيانة الوطن الذي أصدره بنوجلدتهم اليمنيون الجنوبيون عام 1976م . والهدف منه كذلك حماية احتلالهم لحضرموت . وكذلك أصدروا حكام صنعاء شعاراً يقول بأنه ( لا صوت يعلو على صوت اليمن الواحد ) وكما كان حكام عدن بقولون سابقاً ( لا صوت يعلو على صوت اليمن الديمقراطي ) , حيث نجد بقاياهم المبعثرة اليوم هنا وهناك وفي محاولة يائسة للهروب من المحاسبة التاريخية والجنائية على ما اقترفوا في الماضي يطالبون باستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وليستمر سجن حضرموت في سجنهم اليمني البغيض . ونسأل الله عز وجل أن يحبط مسعاهم الخبيث هذا بحق حضرموت وما يسعى إليه القوميين اليمنيين لربط حضرموت مرة أخرى باليمن وحتى لا تكون دعوى وحجة لهم بالسيطرة على حضرموت مستقبلاً . ونسأله عز من يسأل أن يحفظ لنا حضرموتنا وشعبها الطيب الصبور والمسالم في أمنه وأمانه وأن يستعيد مكانته اللائقة به بين أمم وشعوب الأرض والتي حرم منها خمسة عقود من الزمن بسبب الطيش والرعونة والاستهتار وانعدام الضمير وتلاشي القيم الدينية الحقيقية وضعف الإيمان بجوهر ديننا الإسلامي الحنيف من حضارمة يدعون أنهم حريصون على سلامة وطنهم ومجتمعهم وهم يعملون بعكس ما يدعون . ونسأل الله تعالى لهم الهداية والسلامة من عقاب الدنيا والآخرة . وهو العالم بسرائر الأمور والقلوب .
