التقدم الذي أحرزته القضية الجنوبية في السنوات الأخيرة فتحت الأعين أمامها واسعا لأصناف من المتابعين والمترقبين الذين كانوا عن بعد, أولئك الذين أعادوا حساباتهم ولملموا أوراقهم ليلحقوا بركب الحراك ويستظلوا بمظلته, هؤلاء جميعا ليسوا مشربا واحدا, وليست دوافعهم أيضا واحدة, وليس من العدل أن نضعهم جميعا في سلة واحدة. الأمر اليقين والذي لاشك فيه أن في مجرى الحراك كل الشوائب التي اعترت الحركات والثورات القديمة والحديثة, وما من ثورة إلا وتجد فيها قوم بني أشعب, الشخصية الطفيلية على الموائد العامرة. كما أنه من الجور والحيف أن نجرّد الثورة الحراكية من أولئك الصادقين لقضيتهم وثورتهم, الذين يرون فيها حق أمة ومصير شعب, هؤلاء نراهم على مستوى القاعدة يشكلون نسبة كبيرة جدا, بينما تقل هذه النسبة كلما صعدنا لأعلى الهرم الحراكي. ليس المجال مجال البحث في عمق الأسباب ومعرفة التفاصيل,فكل متابع ومراقب يدرك هذه الأسباب ويدرك تماما أن جرثومة الحراك التي تنخر في جسده وستؤدي إلى سرطنته, تتمثل في تلك العجائز الشيوعية التي خلت نفوسها من نقاء وصدق القواعد من الشباب الذين يمثلون جمهور الحراك الكبير. تقدمت القضية الحراكية بفضل شبابها وجمهورها العريض الوفي, ولكن النصر القريب تَحُولُ دون تحقيقه ووصوله منتهاه؛ هذه الكتل البشرية السبعينية التي لم تهدِها عقولها للتصالح والتسامح وردم الماضي والتضحية بهذا الماضي من أجل هذه الطليعة الشبابية المتوقدة حماسا وحيوية. هذه الكتل السبعينية تتسابق اليوم وتتنافس على حشد المليونيات ليس حبا في هذه الملايين المتدفقة ولا في القضية, بقدر ما هو تجسيد القول القائل ( حماري يسبق حمارك), وإظهارا للعضلات, واستمرارا للوضع على ما هو عليه, وليس غريبا أن يتم مطمطة القضية الجنوبية سنوات طويلة للأمام طالما أن هناك من يدفع الملايين لحشد الملايين من أوفياء الحراك. مليونيات البيض وتليها مليونيات باعوم, هي نفس الوجوه ونفس الأنفس التي خرجت هنا تخرج هناك, لأنهم يؤمنون بقضيتهم ومشروعهم, لكن العجائز السبعينية لا يعنيها إطلاقًا هذا الحشد الكبير المتحد المتماسك, الذين يلبون النداء سواء جاء من لبنان أو باعبود أو المنورة. إلى متى سيظل جمهور الحراك يساق كالقطعان خلف نزوات العجائز السبعينية؟ إلى متى ستظل الشبيبة تردد وتهتف مرة لباعوم ومرة للبيض؟ ألم تصل أصواتهم لمسامع البيض وباعوم؟ ألم يدركوا – العجائز السبعينية- النفوس التي قتلت؟ ألم يعملوا بأنات وآهات الشباب المصابين على أسرتهم في بيوتهم؟. ياقوم ألم يخلق الله فيكم من هو أنزه من باعوم والبيض وأضرابهم؟. في ظل عبث العجائز السبعينية بالقضية الجنوبية, واستمرار التناطح والرفسفيما بينها, يتطلب الأمر وقفة جادة وحاسمة في وجهها, ليذكروهم بأهمية القضية وأنها أرفع وأعظم من المواقف الشخصية, والمرحلة لا تحتاج أن توقد نار الماضي لتأكل الحاضر, أقول هذا من باب ( لعل وعسى) وإلا فإني على يقين أنهم أقل من أن يستشعروا عظمة القضية وأنها فوق حساباتهم الشخصية. لعل التطورات الأخيرة وبروز بعض الكيانات داخل القضية الجنوبية لعلها تكون بداية وضع قدم القضية الجنوبية في طريقها الصحيح, وإن كنت أعتقد أنها ستحرق نفسها وتقضي على كيانها,بدخولها عش الدبابير-فعش الدبابير لا يحتوي إلا على اللسع الأحمر وكلنا يعرف لسع الدبابير-هذا إذا كانت فعلا هرعت لتنتشل القضية من وحل العجائز السبعينية, وأما إذا دخلت لمغنم أومكسب فالأيام كفيلة بكشف ما تكنّه الصدور. فهل سنرى تطورا وتقدما في القضية الجنوبية؟ وهل هؤلاء اللاعبون الجدد يملكون الوصفة التي تخرج القضية الجنوبية من عش الدبابير لتنعم هذه الشبيبة المثابرة بنصرها؟ أمسيكون مصيرها كمصير شبيبة الشمال الذين خرجوا بخفي حنين؟.