أتذكر كلمة قالها لي شخص من المهتمين بالشأن الحراكي أن جماهير الحراك وفيّة ومخلصة لقضيتها وأن حبها لهذه القضية هو الذي يحركها ويدفع بها دائما, وأن لوثة قادتهم لم تصل إليهم, وقال أيضا مدللا على كلامه, ستجد أن أتباع الفصيل (س) يخرجون في فعالية الفصيل ( ص ) والعكس أيضا. انتهى كلامه. وربما الواقع يشهد ويؤيد كلام هذا الحراكي لأني لست متابعا جيدا لفعاليات الحراك بفصائله الكثيرة, وإن كنت لم أسأله من أي الفصائل أنت, لأن المجلس لم يسمح بطول الكلام, وبغض النظر عن الانتماء فهو حراكي القضية والمبدأ. بعد صبر وتحمل دام أكثر من ست سنوات بدأ الحراك وكأنه يقترب شيئا فشيئا من تحقيق هدفه وحلمه, وبدأت رايات نصره تلوح في الأفق, وهذا ليس بالغريب طالما هنا قاعدة حراكية متفانية وجادة في حمل قضيتها والاستمرار فيها. صراحة لا أنكر ولا أكابر أن الحشد شدني ولفت انتباهي كثيرا, بل استطاعت جماهير الحراك بحضورها اللافت أن تلفت انتباه وسائل الإعلام التي تجاهلت هذا الحراك أو الثورة كما يحب البعض أن يسميه, حاولت تجاهله على مدى عمره الزمني, فقد حضرت كبرى المؤسسات الإعلامية العربية والدولة, وهذه دلالة لها خلفياتها تحسب لجماهير الحراك. وما أوصل صوت الحراك للعالم الخارجي سواء أكان القريب وهو الخليج أو البعيد الأوروبي إلا هذه الجماهير الهادرة بصوتها, بينما لم تكن قياداتها سوى عجائز لاهثة حول الزعامة والصراع المميت للبقاء في أعلى سلم القيادة والتربع على عرشها. فنحن أمام قضيتين حراكيتين, واحدة تمثل التفاني والصدق والتضحية, وهي هذه الجموع التي خرجت وضحت وقدمت, وأخرى تمثل الأنانية والجشع والطمع في البقاء في درجة خمس نجوم ( القيادة ), نحن أمام صورتين مغايرتين تماما, وإن بدت أصوات شبابية تتعالى من داخل صفوف الجماهير الحراكية منددة بهذا التهارش القيادي على كرسي قيادة الحراك, واتساع الهوّة فيما بينهم, وبُعدِ عوامل التقارب والالتقاء, إلا أنها لازالت مغيبة تماما عن قواعدها وجماهيرها التي تمثل وقود الحراك وقلبه النابض. والأدهى من ذلك كله وهو أحد أسباب الشقاق والنزاع بين القادة والزعماء الحراكيين, أن حمى التوريث التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأطاحت بعتاولة الحكام العرب وخصوصا المخضرمين منهم, بدت تتسرب تدريجيا لمنصات القيادة الحراكية, بل حتى نساء بعض زعمائهم أصبحن يملكن قرارا وتصريفا في القضية الحراكية. تسارعت وتيرة القضية الحراكية في السنوات الأخيرة وخاصة بعد الثورة الشبابية, واستطاعت – وأقولها بصراحة- أن تطيح بكل الخيارات الأخرى في شأن القضية الجنوبية, وتفرض نفسها بقوة, ولم تستطع المكونات الأخرى والتي تتبنى خيارات تختلف تماما مع خيار الحراك أن تقف وتتمالك أنفاسها أمام زخم وثوران حدة الحراك, مع ضرورة التأكيد أن من جملة الأسباب لذلك هي تلك التصرفات الرعناء والمحاولات العديدة المتكررة التي رصدها الشارع من قبل شباب الحراك في إسكات أي صوت يخالف هوى ومزاج الحراك, فظهرت بلطجة منع اللقاءات والفعاليات لأنها ليست حراكية البصمة. ما تقوم به قواعد الحراك ضد التيارات والاتجاهات الأخرى لا يمكن أن نعتبره في سلة التصرفات الفردية (شقاوة صبيان) لأننا لم نرى ردة فعل حقيقة وجازمة من قبل قادة الحراك ضد تصرفات صبيانهم الغشمان, مما يوحي أن كل هذه الحماقات هي ثقافة وتعبئة وشحن ضد كل مخالف لمزاج إخواننا الحراكيين. ضرورة تعليم قواعد الحراك بفقه الخلاف وتحمل المخالف وقبول الرأي الآخر, واحترام وجهات النظر الأخرى, مسؤولية تقع على عاتق قادة الحراك, أم أنهم مشغولون بالتصارع على القيادة وعوائدها وغنائمها تاركين صبيانهم يمنعون ويهوشون على الآخرين.