أنا أعلم أن كلمة شمال وجنوب تسبب الصداع المزمن والحساسية المفرطة لديكم, كما أن مسمى حضرمي بحد ذاته أصبح شعارا طائفيا انفصاليا عندكم, وأصبحنا وإياكم كطالبي الثأر والغرماء, ربما لستم السبب الرئيسي في ذلك كما نحن كذلك, وربما نتفق نحن وأنتم على أن الذي باء بوزر اندلاع معارك الكراهية والبغضاء بيننا وتبادل الشتائم والمماحكات والمناكفات اللفظية هو النظام ولا أقول السابق لأنه لم يسقط ولا زال يتمتع بمرحلة جديدة كالأفعى التي تسلخ جلدها لتعيش بجلد آخر, والثورة للأسف الشديد لم تقدم شيئا سوى أنها أخذت الصورة السابقة وقلبتها على الوجهة الأخرى, وأقنعتكم بانتصار وهمي غير حقيقي. بعد أن نتفق على هذا الأمر ينبغي أن أذّكر بأمر آخر وهو إفرازات تلك المرحلة على مدى أكثر من عشرين سنة والتي للأسف كان جرحها غائر جدا ولا أبالغ إن قلت أنه وصل لنقطة ألا علاج إلا البتر والقطع والفصل, وهو علاج مؤلم وموجع لكل الأطراف وإن بدا في ظاهره مفرح لنا ومطلب نسعى له منذ 94, ولكن الحقيقة أننا نتألم على فشل مشروع استراتيجي وحيوي ليس لليمن وحدها وإنما للعالم العربي والإسلامي. ربما يكون الواقع أحيانا مؤلم إلى حد لا يطاق معه الصبر والتحمل, وربما نسعى وراء تحقيق المستحيل ونركض بكامل قوانا لنظفر به تلبية لعاطفة جامحة أو أثر رجعي لصدمة لم نستفق منها, ونتعامى عن لغة العقل والمنطق والتي كل يوم تنادي فينا عقولنا أن نتوقف ونرضخ للأمر الواقع وأن العواطف لا تصلح ما انكسر ولا تعيد ما انقطع. إننا ندرك أن الإسلام ذلك الدين الحنيف والذي يحث على الألفة والاجتماع والاتحاد, ويرغب المسلمين أن يكونوا إخوانا وأشقاء, أن هذه الرسالة العظيمة شرعت أيضا الفراق وقطع العلاقات إذا استحال الاجتماع أو كان نقمة ويجر إلى ويلات ونكبات على الطرفين فقد شرع الإسلام فسخ العقود ومنها عقد الزواج كعلاج وحل لأزمة وليس كعقوبة وتفشي وانتقام, فقال " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فلا يوجد في الإسلام شعار " الزواج أو الموت ". وطالما أن الحال في تصوري وقناعاتي وصل لمرحلة لا يمكن أن تعود لما قبل 94 وليس هذا داخل أروقة ودهاليز المطابخ السياسية فحسب, بل خرج الأمر من أروقة السياسيين إلى ردهات الشوارع ووصل إلى باب المواطن البسيط الذي ليس له في السياسة ناقة ولا جمل, لقد أصبحت قضية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, وأصبحت أكثر شراسة وقوة من ذي قبل, مما يحتم لغة العقل وترجيح المصلحة العامة للكل, بل لقد أدرك الرأي العالمي ضرورة الحل الجذري الذي ينهي الأزمة وليس يرحلها, ولكن وللأسف الشديد لا زالت في الشمال أصوات تسبح في أحلام خطابات الخمسينات والستينات الثورية تنهق كالحمير وتنبح كالكلاب المسعورة وتعتقد أن الموت والحياة بيدها وأن الضر والنفع تحت عبايتها, ظانة أن الناس قطيع من الأغنام تذهب وتجيء بهم حركة عصا الراعي, هذه الأصوات لازال يعلوها الغباء والبلادة ولا تريد أن تدرك أن البتر أحد الخيارات العلاجية لبقاء الجسد على قيد الحياة. لابد من أن نعترف أننا فشلنا جميعا, وهذا ما يحكيه الواقع وليس تصورات وتخيلات تعشش في فكري وذهني, نعم نحن جميعا فشلنا شمالا وجنوبا, خضنا مرحلة مشتركة واقتربنا من بعضنا أكثر, وتعرفنا على بعضنا , ورغبنا جميعا أن نكون أمة تكون نواة لمشروع إسلامي كبير , ولكن " ما كل ما يتمناه المرء يدركه*** تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن" ,فلماذا لا نحافظ على ما تبقى من إخاء وود ومحبة ولو كان كل طرف يقبع خلف حدود وتحت علم ومسمى جديد. صدقوني أنا لا لست داع لمشاريع تمزيقية وكنتونات صغيرة وغرف تسمى دول ربما تظهر حينما تسقط الوحدة, وليس هذا ما أتمناه وأرغبه, ولكن كل المؤشرات والمعطيات التي أصبحت كفلق الصبح والتي نتعامى عنها ونحيد بوجوهنا من أمامها هروبا من الاعتراف بالمصير المؤلم, كمن يتناول مسكنات للألم ويترك المعالجة الجذرية للمرض كل ذلك يقول لنا أن لا مفر مما منه بُد, وأن الواقع شيء وأمنياتكم وتطلعاتكم شيء آخر, ولن يقع إلا ما كان على أرض الواقع فقط, والأمنيات والسباحة في ظل المثل العليا والأحلام الوردية ما هي إلا أوهام وفقاعات ضخمة ولكنها مبطنة بالهواء, وكل القوى اليوم في اليمن لا تملك مشروعا موحدا يمكن أن تتفق عليه كل الأطراف, يُبقي اليمن في خانة الوحدة,لأن الأمر خرج من يدها والقطار فات الجميع, كما أن فرض الخيارات بلغة السلاح ومنطق القوة أصبحت اليوم من مرحلة ما قبل الثورات الشبابية والتي ينبغي أن نكون قد أخذنا درسا عمليا منها في كيفية التعامل مع القضايا والأزمات . إخواني في الشمال لا تستطيعون أن تواصلوا فرض خيار الوحدة بقوة السلاح, وربما نحن لن نستطيع أن نصل لخيارنا وهدفنا كذلك, وسيظل اليمن ينزف وينزف بسبب غرورنا وغطرستنا, وأنا الآن في عقدي الرابع من عمري لازلت ألهث خلف حياة كريمة أتمناها ككل فرد ومواطن لم أجدها إلا في المهجر, ولقد قضيت الأربعة عقود بين مرحلتين كل منهما شر من الأخرى فالأولى شيوعية ملحدة أضاعت الدين وحاربته والثانية لصوصية ودراويش وحرامية يدعون الشرعية صيروا الناس عبيدا للدرهم والدينار بعد أن نهبوا أموالهم وخيرات أرضهم, فلماذا نصر على أن يبقى الحال بين شمال وجنوب في ظاهره موحد وفي باطنه ممزق ومفرق ليكبر أبناؤنا ويخوضوا معركة داحس والغبراء " شمالي وجنوبي " التي أفنت أعمارنا وشبابنا. لابد من وقفة شجاعة من قبل المؤسسات والهيئات والشخصيات المعتبرة, لوقف انزلاق اليمن الموحد والإنصات بكل شفافية وصدق لصوت العقل وهو أننا شمال وجنوب ليس في مصلحتنا بقاء الوحدة في المرحلة الراهنة.