(بمناسبة صدور العدد السبعمائة من صحيفة شبام) إن المقياس الحقيقي لنجاح أي صحيفة من الصحف هو تساؤل الناس عنها بحرقة إذا غابت عن أرفف (الأكشاك) في موعدها المحدد كأنها جزء من وجودهم أو من قوتهم اليومي، فما يفرض الصحيفة –أي صحيفة- هو الصوت الجماهيري الذي تتبناه وإلا فإنها تسقط سقوطا كارثيا وإن ظلت مستمرة في الصدور، فإلى أي مدى التزمت الصحف الصادرة في حضرموت في تاريخها الحديث بهذا الشرط الجماهيري بعيدا عن المؤسسة السياسية أيا كانت؟ لعلنا في تاريخ الصحافة في حضرموت أمام ثلاث مراحل رئيسة: مرحلة ما قبل الاستقلال (مرحلة الدولة القعيطية) ومرحلة ما بعد الاستقلال (مرحلة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ومرحلة ما بعد الوحدة (مرحلة الجمهورية اليمنية) وبإلقاء نظرة سريعة على مرحلة ما قبل الاستقلال نجد أن الحرية الصحفية كانت متوافرة بصورة جيدة وأن الصوت الصحفي ما زال محتفظا باستقلاليته ولم يرتهن للسياسي بعد (يمكن على سبيل المثال لا الحصر مراجعة افتتاحيات أحمد عوض باوزير لصحيفة الطليعة في المدة من 28/5/1959م -20/12/1967م وقد صدرت حديثا مجموعة في كتاب بعنوان: الطليعة تقول) وثمة مشابهة بين مرحلة ما قبل الاستقلال ومرحلة ما بعد الوحدة في انفتاح حرية القول مع فارق جوهري هو أن الصوت الصحفي ارتهن بعد الوحدة للسياسي أيا كان اتجاهه، كما ارتهن لمصالحه الخاصة (المادية تحديدا) مما أدى إلى تزييف الوعي وارتباك وجهات النظر والتنقل بين المواقع الفكرية والسياسية مما أربك مهمة الصحافة وحولها إلى أداة بدل أن تكون رسالة. أما في مرحلة الاشتراكي فقد سيطرت السلطة السياسية بصرامة على المؤسسة الإعلامية ووجهتها واستطاعت إنتاج وعي ما لاسيما في أوساط الشباب والمثقفين لكنه وعي أحادي الجانب انفجر من داخله لغياب الدينامية في الطرح فضلا عن الديمقراطية الأمر الذي ترتب عليه عدم إرساء تقاليد إعلامية تعمل على صناعة الرأي بقوة في حضرموت المعاصرة نظرا لهذه التنقلات من حالة إلى أخرى ومن ثم عدم تطور المؤسسة الإعلامية نفسها أو غياب استراتيجيتها التي لم تستقر بعد، والتي ما زالت تنذر بعدد من التقلبات. لقد كانت الصحافة في حضرموت ومازالت تعمل على مستوى الشعار السياسي وليس بوصفها مادة للكشف والنقد والتبصير والمساءلة الجادة إلا قليلا، وإنما تنطلق من شعار إلى شعار آخر تتبناه حسب المراحل بدءا من شعار مركزية الحزب إلى شعار الوحدة إلى شعار الديمقراطية. وانطلاقا من هذا وعلى مدى أربعة عقود من الزمن يبدو للناظر في واقع حضرموت الصحفي حجم التقصير الكبير لصحافة حضرموت نحو كثير من قضايا المجتمع وإشكالاته الثقافية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والمعيشية والسياسية. إن ميزة الشعار السياسي هو أنه يجعلنا نسعد أو ننخدع أو بالكتابة فيه بصورة رئيسة بحيث تمر من خلال هوسنا به إشكالات وانعطافات أشد خطورة على واقعنا الاجتماعي والتربوي والمعيشي ندعها تستفحل بمحض إرادتنا ورغباتنا أو تحت اهتمامنا الزائد بالسياسي مما يشكل في الواقع إعاقة كبيرة لأي نشاط أو إصلاح سياسي يمكن أن نقوم به حاضرا أو مستقبلا، وعادة ما تكون الصحف مضمارا رئيسيا لذلك الفعل (الشعاري).