بصراحة، وحتى هذه اللحظة فإن أحداث كاس العالم مخيبة للآمال بشكل كبير، لا شيء استثنائي أو مختلف سوى تراجع مستويات الكبار أو من نعتقد أنهم كبار، فلا فرنسا ولا ايطاليا ولا اسبانيا ولا البرتغال ولا الانكليز في المستوى الذي كنا نتوقعهم أن يكونوا فيه. وكما لم يكن هناك كبار في هذه الكأس فلا صغار هنالك أيضا، منتخب مثل كوريا الشمالية لم يسمع بهم احد من قبل وغير مشهورين على الإطلاق يقفون ندا قويا أمام أفضل فريق في العالم. ومنتخب آخر مثل سلوفينا "ضعيف"، لم يتوقع له أحد تحقيق أي شيء نجده يتصدر مجموعته، ويغدو قاب قوسين أو أدنى من التأهل، بينما نجد منتخبا كبيرا وعريقا مثل المنتخب الانكليزي يلهث خلف التأهل، والله أعلم يتأهل أم لا؟ أما اسبانيا فحدث ولا حرج، الجميع كان يضعها في قمة الترشيحات للفوز بالكأس الغالية ولكنهم يتعثرون في التجربة الأولى ويخسرون أمام منتخب آخر "ضعيف" ولا يتوقع له الكثير هو المنتخب السويسري الذي لم يسبق له تاريخيا تحقيق انجاز يذكر. وكذلك الأمر مع الطليان والفرنسيين الذي حققوا شهرة كبيرة جدا ولكن ليس في الملعب بل في غرف تغيير الملابس، حيث لا يتردد لاعب في سب مدربه وشتمه بأشنع المسبات، وقد نختلف كثيرا مع دومينيك لكن أن يصل الأمر أن يقوم لاعب ضمن فريقه بشتمه فهذا أمر لا يصدق. الأمر الأكثر صعوبة للتصديق هو أن 80% من الفرنسيين يتمنون خسارة منتخبهم في مباراته الأخيرة وعدم التأهل للدور الثاني، لا لشيء فقط لأن الفرنسيين لا يحبون دومينيك، أمة كاملة تقف ضد شخص لا يريده أحد، ولكنه يفرض نفسه مدربا لواحد من أعرق منتخبات العالم والبلد الذي اخترع كأس العالم. والله هذه قصة أخرى تحتاج لمقالة كاملة، وربما أكثر. ترى ما الذي يحدث ولماذا؟ هل السبب هو خطط اللعب التي تنتهجها أغلب المنتخبات وبالذات الصغيرة منها حين تواجه الفرق الأقوى منها، أم أن لعبة كرة القدم أصبحت تقام فعلا لكن في الكمبيوتر، وما يحدث هو: يقوم الجهاز الفني لأي منتخب بوضع نقاط القوة والضعف للفريق المنافس في برنامج معين، وكذلك يضع نقاط القوة والضعف في فريقه والتي يعلمها جيدا في نفس البرنامج، وبكبسة زر يعطي الكمبيوتر النتيجة والتي هي عبارة عن خطة لعب شاملة لمواجهة هذا المنافس ولا يتبقى سوى التطبيق على أرض الملعب. لهذا أصبحنا نرى أساليب لعب تفتقد للنكهة، ومن غير لون ولا طعم ولا رائحة، ذلك لأن العنصر البشري تم تحييده إلى حد كبير، لاحظوا أسلوب لعب البرازيل مثلا، ذهب السحر ولم يتبقى سوى التقنيات الفنية الباردة برودة أجهزة الكمبيوتر، وليست البرازيل وحدها في هذا بل ربما تكون الأخيرة التي تلتحق بالركب. بصراحة، المنتخب الأرجنتيني بقيادة المجنون مارادونا هو الوحيد الذي ما زال يلعب كرة القدم كما نعرف كرة القدم، ربما لان مارادونا عبقري ومجنون ولم تصبه لوثة الخطط الكمبيوترية بعد. شيء أخر ما زال يجذبنا لهذا المونديال الممل إضافة لكتيبة مارادونا، هو المنتخب العربي الجزائري الشقيق الذي يقف على بعد خطوة واحدة فقط كي يصنع التاريخ، ونتمنى من كل قلوبنا أن ينجح في ذلك كي يبقى لهذا المونديال بعض من نكهة لم تلوثها البرامج الكمبيوترية. لمراسلة الكاتب: [email protected]