الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شِفرة "دحابة"
نشر في حشد يوم 13 - 09 - 2012

الشمس شرسة و ملتهبة ، و كل ما في ذلك المدخل الجنوبي لجامعة صنعاء يغلي غضباً و ثورة (!!) .. بعد صلاة الجمعة استعجل النائب البرلماني الشاب عن إحدى دوائر أمانة العاصمة : فؤاد دحابة صلاة العصر و أدى جموع الثائرين المنتفضين على نظام الرئيس (صالح) صلاتهم و لم يعترض أحد رغم أن لا شيء يستدعي التقديم في الصلاة.. لكن الأحداث التالية استدعت إباحة التقديم و التحضير لمجزرة دموية هزت أركان النظام اليمني الممزق و استعطفت ملايين الناس الذين دانوا ما حدث بشدة .
النائب عن الإخوان المسلمين فؤاد دحابة (32 عاماً) أعلن توبته أواخر العام 2009م من أي عنف مارسه ضد زوجته أو أي من أقاربه الإناث ، مؤكدا أن أول بوادر العنف ضد المرأة كان بمنعها من حقها في التدين وصلاة الجماعة وفصلها في مسجد مستقل، كان ذلك في مداخلته التي ألقاها في ندوة (مناهضة العنف ضد النساء ) و أقامتها منظمة صحفيات بلا قيود التي تترأسها الناشطة اليمنية : توكل كرمان عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح أحدى أهم الثائرات على نظام (صالح) و الحائزة على جائزة نوبل للسلام .!.
و لكن يبدو أن نوازع العنف مسألة متعلقة بالسلوك النفسي حيث أعلن النائب الشاب استقالته من البرلمان اليمني قبل أربعة أيام من مجزرة 18 مارس 2011م و انضمامه إلى ساحة المدخل الجنوبي لجامعة صنعاء و بدأ حضوره بالتحريض على المواجهات والعنف، وأعلن عن التبرع بعمامته كفناً للشهيد الأول على حد تعبيره..
فؤاد دحابة الذي تربى في حلقات التعبئة الخاصة للمتطرفين اثبت نزوع إيديولوجيته إلى العنف بخروجه عن العمل السلمي القائم على الحوار في البرلمان، وانضمامه إلى دعاة التمرد و الإحتجاجات غير السلمية .
المبادرة التي أعلنها دحابة “التبرع بكفن لأول شهيد” جاءت صادمة للكثير من الأسئلة الشعبية عن مغزى الدفع بأبناء الناس إلى الموت ، بينما تنحصر مشاركة قيادات التنظيم الإخواني في اليمن التبرع بالكفن فقط .. ويلي ذلك استثمار الدماء وحصاد ثمار الفوضى والاقتتال ، و هذا ما حدث عقب خطبة الجمعة التحريضية حيث كشف الطالب الجامعي عبدالولي محمد العماري أحد المعتصمين عن تورط حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) في مجزرة الجمعة 18 مارس داخل ساحة الاعتصام .
وقال إن المعتصمين تعرضوا لإطلاق نار كثيف ذلك اليوم من منزل أمين عام الإصلاح عبدالوهاب الآنسي، ومن فندق تابع لرجل الأعمال القبلي حميد الأحمر وبنايات أخرى كانت عناصر الإصلاح و ما أسميت باللجنة الأمنية (المشكلة من الإخوان المسلمين) يسيطرون عليها،
ومن بين تلك البنايات - وفق العماري - عمارة للمواطن محمد الدبا ، اقتحموها صباح الجمعة عقب رفضه إلحاحهم عليه قبل ثلاثة أيام من المجزرة بتسليمها لهم بمبرر تصوير الفعاليات الاحتجاجية
وذكر "العماري" في حوار نشرته اسبوعية (الميثاق ) في يوليو 2011م أن الشباب المستقل شعروا قبل أسبوع من المجزرة بتحركات وصفها بغير الطبيعية من عناصر الإخوان من بينها تقسيم المعتصمين إلى مجموعات والساحة إلى مربعات الأول باتجاه الإنتربول بقيادة الشيخ أحمد الزايدي من مأرب، ومحمد قطينة من المحويت، ويقود المربع الثاني ناحية الجنوب الشيخ أمين العكيمي – المصاهر لأولاد الأحمر، أما الجهة الغربية عند شارع الرباط فكان قائد المجموعة فيها شخص يدعى وليد مسعود، وآخر يسمى إبراهيم المؤيد، وقاد المجموعة الرابعة محمد حزام الصعر، وعايض يحيى عايض، وصالح عامر ومعهم مجموعة من محافظة عمران.
و تضمن المخطط الذي ظهر أثناء التحريض هدم السور الفاصل لساحة الاعتصام في الشارع الرئيسي – الدائري- تلاه اقتحام منزل محافظ المحويت أحمد علي محسن الذي شهد إطلاق نار من سطحه باتجاه الهواء، وأكد ذلك – بحسب العماري – فؤاد دحابة ووليد مسعود اللذين كانا يحرضان عبر مكبرات الصوت ويقولان: لاتخافوا الرصاص كله للجو.
تقول مؤسسة البيت القانوني التي أعدت تقريراً تفصيلياً عن الواقعة : كان المعتصمون منذ بداية الاعتصامات وخاصة بعد سيطرة الإخوان المسلمين على الشارع المؤدي لجامعة صنعاء في توسع مستمر بنصب الخيام أمام المنازل والمحلات وهو ما كان سبباً في حدوث واقعة يومي الجمعة والسبت 12،11/مارس/2011م في جولة(سيتي مارت) بين المعتصمين وأهالي الحي المجاور لمركز سيتي مارت الغذائي .
حيث قام أهالي الحي ببناء أسوارٍ على مداخل جميع الشوارع الفرعية لمنع دخول المعتصمين للتخييم في الشوارع والأحياء الفرعية، حمايةً لمنازلهم وبمبالغ دفعها وتحملها أهالي الحي لتغطية نفقات بناء تلك الأسوار. في حين قام المتضررون من الأهالي ببناء سورٍ على الشارع الرئيسي للخط الدائري وتحديداً من الجهة المجاورة للمركز الطبي الإيراني لمنع استمرار توسع المعتصمين وإقامة المخيمات باتجاه الجهة الجنوبية للخط الدائري. وقد أقيم هذا الجدار بسبب محاولات المعتصمين إزالته من ثلاثة أسوار متلاصقة ووضع خلفها من الجهة الجنوبية إطارات تالفة بقصد إحراقها حال محاولة هدم هذا الجدار.
وفي يوم الواقعة 18/3/2011م وبعد خطبةٍ تحريضيةٍ من الداعية : عبدالرقيب عباد (صديق فؤاد دحابة المقرب) على الاستشهاد وفور انتهاء المعتصمين من أداء صلاة الجمعة وصلاة العصر جمعاً، ومحاولتهم هدم الجدار تم إحراق الإطارات وشوهد تصاعد أدخنتها في الهواء. و فور شروع المعتصمين في هدم الجدار حدث إطلاق نار في الهواء لتخويف المعتصمين ومن ثم إطلاق النار مباشرة نحو المعتصمين والذين كانوا مستمرين في هدم السور و صراخ فؤاد دحابة يملأ المكان عبر مكبر صوت يدوي كان يحمله في يده و هو يقول : ( الجنة خلف السور .. الجنة وراء السور .. أهدموا السور .. أهدموا السور .. الله أكبر ) .
ترى هل وجد الشهداء الضحايا جنة (فؤاد دحابة) ؟ أين هم الآن ؟ حيث استمر إطلاق النار أولاً من أسطح بعض المنازل التي حددتها التحقيقات ثم من عدة مصادر حددتها كذلك التحقيقات حتى الثالثة عصراً تقريباً. وقد تمكن المعتصمون من هدم الجدار واقتحام منزل/ علي أحمد علي محسن الأحول الملقب البيضاني والقبض على بعض من وجدوا فيه من أشخاص ومن ثم نهب وأخذ جميع محتوياته بالكامل وإحراق جزء من المنزل المذكور. كما اقتحمت بعض المنازل أو المباني الأخرى ومنها ما لم تكن في مكان حدوث الواقعة ومن ذلك مثلاً بناية (الدبا) الموجود بها مقر البنك اليمني للإنشاء والتعمير فرع الجامعة واعتقال المعتصمين جميع من كانوا في البناية أو خارجها ومصادرة متعلقاتهم.
• تباين أعداد الموتى :
أعلن النظام اليمني برئاسة (صالح) مساء يوم المجزرة الصادمة تبرأه من الفعل الذي ساقته إليه الكثير من الوسائل الإعلامية الخارجية و توالت عقبه الاستقالات المنظمة من قيادات إخوانية انخرطت قبل سنوات في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ليواجه النظام أقسى صفعة في تاريخه باستثمار الجهد الثوري و الدماء و الدعاية الإعلامية التي لم تسمح للجهات الحكومية و الأمنية بتبرئة نفسها ، و كان الأمر متركزاً على أقارب صالح الذين يتولون أهم مفاصل الدولة الأمنية و العسكرية بدأت باستهداف العميد : يحيى صالح رئيس أركان قوات الأمن المركزي باتهامه المباشر بالعملية وفق توجيهات (عمه الرئيس) . لكن العميد الذي واجهت قواته هجوماً إرهابياً قضى على 94 مجنداً في ساحة السبعين الملاصقة لمعسكره تحدى قبل أسابيع قليلة حكومة باسندوة من إعلان أسماء القتلة الحقيقيين لهذه المجزرة البشعة ، حتى أنه حدثني قائلاً : قلت لجميع القادة و المسؤولين أن الأمن المركزي لن يتورط في قتل أي محتج . !
يومها تباينت أعداد الموتى حيث أوضح الإعلام الأمني لساحة صنعاء وجود 53 ضحية بينما أقرت تقارير مستشفى جامعة العلوم و التكنولوجيا المملوكة لرجل الدين الإخواني : طارق أبو لحوم بوجود 43 ضحية داخل ثلاجة المستشفى ، في حين لم يطالب أحد من النيابة بتصاريح دفن سوى أهالي 8 قتلى.. ولم يحضر للمحكمة سوى أولياء دم قتيل واحد .. يقول عمار الأهدل المستشار القانوني للمستشفى : أن الرقم 43 هو الأصوب حيث بدأ أهالي الضحايا بإخراج أبنائهم من ثلاجة المستشفى التي لم تستطع استيعاب الكم الكبير من القتلى (لقد كنا نضع الجثة فوق الأخرى) و هو ما أزعج أولياء الدم فأخرج الكثير أبنائهم من الثلاجة المكتظة .
عمار الأهدل شاب ثلاثيني نحيل و هادئ يبتسم كتلك الابتسامة الحاذقة للكثير من أعضاء التنظيم الإسلامي جلس أمامي و بدأ يشرح عن ظروف و ملابسات الجثث المجهولة التي أثارت حفيظة الشعب اليمني و أبرقت سيلاً من التساؤلات الحائرة .. طلبت منه الحديث منذ البداية ..فكلي آذان صاغية (جاءت توكل كرمان إلى هنا للحديث عن ضرورة تأخير الدفن لكن إصرار بعض أهالي الضحايا على دفن أقاربهم دون ضجيج حال دون تنفيذ فكرة توكل باستدعاء الجثث جميعها و الزحف بها إلى دار الرئاسة في الجمعة المقبلة ليحدث الصدام المدمر ، و مع ذلك تم استدعاء ما استطاعوا تجميعه و كان الخطيب الداعية عبدالرقيب عباد يحاول إقناع أهالي الضحايا بتأسيس مأتم و جنازة تليق بضحاياهم ، و من هنا جاء دخول علي محسن بعد أربعة أيام من الواقعة ليضيف أعباءاً أخرى و يضع تساؤلات أعمق أبعدت الاهتمام عن الجثث إلى الاهتمام بخطاب علي محسن و انضمامه ) .
نزوع توكل كرمان التي حازت على جائزة نوبل (للسلام) إلى العنف و رغبتها المستحيلة في الدماء و رؤية الصراع كما كانت تفعل مع أبناء البسطاء الذين ساقتهم عشرات المرات إلى الموت و الصدام يضعها في خانة صديقها المتطرف : فؤاد دحابة الذي يمثل السر الحقيقي و الشِفرة الأساسية لحل اللغز و تفكيك مأساة التغيير الذي لم ينته و لم يبدأ و لم يفعل شيئاً سوى : الموت .
مع كل شيء و مع كل حادث كانت فرقة (المجهولين) في تزايد .. تباين أعداد الموتى في هذه المجزرة الأولى هددت بالكثير من التساؤلات عن حقيقة ما يجري .. لم تكن لدى إدارة مستشفى جامعة العلوم و التكنولوجيا في تلك اللحظة إجابة سوى تأكيد رقمها البالغ 43 شخص ، و لم يكن من أوامر تصاريح الدفن عبر النيابة العامة إلا ثمانية أشخاص فقط ، و النظام الرسمي يعلن عن عشرة أشخاص قضوا بالنزاع الذي أرجعوا سببه إلى خصومة الأهالي مع المعتصمين و تضايقهم من احتلالهم للشوارع أمام منازلهم – هكذا تحدث الرئيس صالح مساء يوم 18 مارس -.
يتذكر الصحفي عبدالله عامر و هو شاب ممتلئ الجسم و يرأس موقع السفير برس الإخباري على الويب : عن إلقاء القبض على العديد من المتهمين في اقتحامات الشباب المستقل و الوطني لبعض المنازل المطلة على المدخل الجنوبي لجامعة صنعاء التي تمركز على رأسها قناصة مأجورين ، و قال : بمجرد قبضنا على متهم واحد كان الإصلاحيون الذين يسيطرون على اللجنة الأمنية بالساحة يأتون إلينا بالعشرات ليأخذوا الجاني و يطمئنونا بأنه سينال جزاءه عبر تسليمه لأيدٍ أمينه ، غير أن توكل كرمان في تعليق لها على شبكة التواصل الإجتماعي إنتقدت هذه الإجراءات بعد عام و نصف من حدوثها و قالت : لقد كنا نثق في لجنتنا التنظيمية و الأمنية .!
الحديث الأكثر وضوحاً أن أفراد الإخوان المسلمين بزعامة الشاب : دحابة تمكنوا من إيهام الكثيرين بأن الجناة في طريقهم إلى العقاب ، بينما كانت الحقيقة أن جُل من تم القبض عليهم تم إخفائهم في معسكر الفرقة الأولى مدرع الذي يتبع الجنرال الدموي : محسن ليصبحوا أشياءً (مجهولة) قبل حتى أن يتمكن أي طرف مستقل من الحصول على إسم أو صفة أو حتى مجرد ملامح واضحة .!!
و فور وصول النائب العام الذي تلقى التهديدات العلنية بأن سيكون متهماً ما لم يخضع للضغط العام و يُسلم للأحداث الجارية بروايتها الواحدة دون القبول بوجهة أخرى ، تحدث تقرير مفصل لمؤسسة البيت القانوني عن وجود متهمين (مجهولين) و ملثمين في عدد من البنايات ، و سيارات تابعة لشركة سبأ فون التي يملكها الإخوان المسلمين و مجموعة مسلحة أخرى و مدربة بقيادة الرائد عبدالله المخلافي الذي يعتقد كثيراً أنه قضى في إنفجار غامض ببناية رجل الأعمال الإخواني المتشدد : حميد الأحمر و معه 51 شاباً من عناصر الإصلاح (مجهولي) الهوية و الذكر .
كانت جميع هذه الحشود المرتزقة تقوم بعملية قتل واسعة النطاق بينما كان صوت : فؤاد دحابة يدعو الكثيرين من الشباب إلى عدم الخوف لأن الرصاص ينطلق جواً ، و الحقيقة أن رصاصات المرتزقة (المجهولين) إخترقت صدور و رؤوس الكثير من الشباب وفق رؤية استغلالية بشعة للمزايدة الفاضحة بالدماء بغية إسقاط نظام الرئيس "صالح" الذي رفض قطعياً التورط في الدماء و مناهضة الإحتجاجات الموجهة بالسلاح .
تحدث عسكر زعيل و هو خطيب إخواني متشدد ترقى إلى رتبة عقيد في الفرقة المنشقة عن الجيش و يلازم الجنرال الأكثر دموية في تاريخ السلك العسكري اليمني (محسن) عن قناعة الرضا بالتضحية بمائتي ألف يمني مقابل إسقاط نظام الرئيس (صالح) ، و مثله تحدث : حميد الأحمر القائد الإخواني و القبلي للاحتجاجات و الممول الرئيسي لها مبدياً استعداده بالتضحية بأي شيء مقابل السقوط المرتقب لذلك النظام الفاسد . و أيضاً كانت توكل كرمان المرأة الإخوانية التي فاخرت بعلاقاتها الغربية مع السفارات و المنظمات الخارجية تقود الشباب عبر شوارع العاصمة و تلقيهم إلى أتون مواجهات صعبة و دامية كل أسبوع مع القوات الأمنية الحامية للمنشئات الحكومية المهمة التي حرضتهم على اقتحامها بينما كانت تفر في خضم المواجهات من أزقة قريبة من مكان المواجهات عائدة إلى ساحة التغيير بانتظار سقوط ضحية جديدة كانت تهتف فيهم : كلما زدنا شهيداً سقط حكمك يا "علي" !! ، و إلى ذلك كان الداعيان المتشددان : فؤاد دحابة و عبدالرقيب عباد أكثر من أصر على استجلاب الموت و استحضار الشهادة وفق رؤية سلفية انتهازية تدفع بالبسطاء المقهورين إلى الموت بينما يحرصان على إبقاء أبنائهما خارج دائرة الصراع التي يريدون إشباعها في عقول و قلوب الشباب الثائر .
سداسية الشر هذه تمكنت بفضاضة من تعميم نظريتها بقسوة و إرهاب لم تسمحا لأي عاقل من التحدث بمنطقية دون أن يُشير بأصابع الاتهام أولاً إلى رأس صالح و أقاربه . و لم تستطع كل هذه الأدلة (المجهولة) من الوصول إلى المعلوم مع اختفاء غامض لجميع من تم القبض عليهم من شباب الساحة و تسليمهم عنوة إلى مليشيات الإخوان المسلمين الأمنية بدافع التحفظ عليهم ، و من ثم اختفائهم و تقييد القضية ضد نظام مسلوب الإرادة و الإدارة .
• حكاية المجهول
لم تستطع أي جهة قضائية حكومية فك شِفرة (المجهول) و البحث عن وجوه و ملامح واضحة بين ركام الضحايا الذين تدفقوا كثيراً بعد هذه الحادثة كان أبرزهم القضاء على 51 شخص داخل بناية للإخواني المهووس بالسلطة : حميد الأحمر في حي النهضة بالعاصمة صنعاء بشهر مايو 2011م ، تؤكد كل الشهادات التالية للحادثة الغامضة أن معظم الضحايا ال51 كان مقبوضاً عليهم من ساحات الاعتصام وسجنوا في معتقلات الفرقة والإخوان بتهمة أنهم بلاطجة ومندسون، ثم قيدوهم وأخرجوهم إلى البناية وأحرقوهم وأتلفوا وثائقهم بالكامل ، بينما تتلو شهادات أخرى أن الرائد عبدالله محسن المخلافي الذي شارك في عملية الموت بجمعة 18 مارس هو من أشرف على تنفيذ العملية و قضى فيها بواسطة ضربة (مجهولة) في الرأس دخل على إثرها في غيبوبة دامت 15 يوماً ثم أعلنت وفاته و لم تذكر أي جهة طبية تقريراً وافياً عن أسباب الموت و طريقته .! كان الأمر يبدو على ما هو من غموض كإصرار على تصفية الشهود و تنقية الصراع من أي معيقات و إزالة المتفجرات التي قد تُسقط مخطط إسقاط النظام قبل أن يسقط النظام نفسه .
يقول عبدالسلام البحري والد أحد ضحايا بناية الأحمر الغامضة : كان الهدف من تفجير هذه البناية بمن عليها الانتقام من قيادات إخوانية مخالفة لأسلوب الاغتيالات و المؤامرات القذرة و لتعزيز التقارير الإعلامية المسبقة عن وجود مقبرة جماعية للشباب المعتصم الذين تم إخفائهم قسرياً من قبل مليشيا الإخوان المسلمين الأمنية المسيطرة على المدخل الجنوبي لجامعة صنعاء ، و يؤكد : البحري أن إبنه كان بين هؤلاء الذين تم الانتقام منهم لتفكير آبائهم المخالف لفتوى الشر الثورية ، و بسبب محاولاتهم المجتهدة فك شِفرة الموت و طلاسم (المجهول) المستمرة .
مرة أخرى كانت الصورة (مجهولة) هنا ! خمسون شاباً لا يعرف عنهم أحد .. من هم ؟ كيف جاؤوا ؟ من قتلهم ؟ عدا مصطفى عبدالسلام البحري إبن ذمار الذي تمزق جسده بفعل الإنفجار الهائل ببناية الأحمر المهووس .هذه الصورة النمطية و المتكررة ل(المجهول) .. و اليد الخفية التي تقتل و لا يمكن لأحد أن يعرف لها طريق سوى أن إرادة الإعلام الخارجي و الموجه داخلياً أيضاً كانت تقول كل شيء و لا يمكن لصوت خافت من قناة اليمن الرسمية إيصال الصوت المدافع عن نفسه وسط غابة من الأصوات الواسعة و المسموعة .
يقول حميد الأحمر في لحظة إنتشاء مع محرر نيويورك تايمز : أنا مشترك شخصيا في «توجيه تغطية الأحداث» في شبكتي التلفزيونية و أعمل بشكل وثيق مع قناة (الجزيرة) باللغة العربية من خلال «تحضير العديد من الأخبار التي حدثت على أرض الواقع» .
• الجثث المجهولة .. روايات و نظريات :
جاءت أحداث الحصبة لتروي فصلاً قاسياً من حياة مرعبة و شِفرة (مجهولة) لداعية إسلامي متشدد قذف في رحم اليمن بذور الكراهية و التشظي عبر إتقانه دور المحرض و الفاتن برصد عمامته كفناً لأول شهيد !! و كما هي أحداث (مجهولة) فإنها أيضاً غائبة عن الوعي الإعلامي المستمر و التحضير المؤثر بإبرازها إلى سطح الأحداث و التهديد بها كما هو الحال في واقعة 18 مارس 2011م بوقوع ضحايا تم إيداعهم ثلاجة مستشفى جامعة العلوم و التكنولوجيا التي تعود من جديد لواجهة الأحداث بعد نزول 13 جثة (مجهولة) إلى الشارع . أدعت اللجنة التنظيمية من مليشيا الإخوان المسلمين بإشراف المحامي عبدالرحمن برمان أنهم شهداء بينما كان الغموض يلفهم و الأكفان البيضاء المليئة بالدود و الرائحة المتعفنة .. من هؤلاء ؟ من أين جاؤوا ؟ أين أهاليهم ؟ .. يُعيد عبدالسلام البحري عضو مجلس شورى تنظيم الإخوان المسلمين رؤيته بأن معظم الجثث التي تم دفنها مؤخراً باعتبارها (مجهولة الهوية) ليست كذلك، لافتاً إلى أن جثة ابنه الذي قتل في إحدى بنايات (الأحمر) كان قد كتب عليها (مجهول) مع أنهم (سلموني) كل ما بحوزته من أوراق و بطائق، ويعرفون أدق التفاصيل عنه"، البحري الأب الذي تحدث عن وفاة إبنه بحرقة باكية و ما يزال عضواً في الهيئة العليا للتشاور الوطني التي يرأسها القيادي في الإصلاح حميد الأحمر يطالب ب "التحقيق في قضية دفن الجثث المجهولة باعتبارها جريمة بحد ذاتها وأن وراء دفنها خفايا وأسراراً يراد لها أن تدفن".
يُصر هذا القيادي الإخواني على تكرار عبارة (مجهول) في حديثه لبعض الصحف اليمنية حيث يحتفظ بصور لجثة إبنه مكتوب عليها عبارة (المجهول) الأثيرة ، و يُرسل من خلالها إشارات توحي بأن الكثير من الأخطاء و الممارسات القبيحة لتنظيم إسلامي متشدد تسيد احتجاجات الشباب على نظام الرئيس صالح جاءت قبل عام و نصف تقريباً مخلفة وراءها مئات الأسئلة و عشرات الجثث (المجهولة) و مسؤولية أخلاقية متسعة عن دور التنظيم الإخواني البارز في التحريض و العنف و الموت ، و مشاركة مليشياته في قتل المتظاهرين في مختلف المسيرات التي لم يكن لها خطة أو هدف أو رؤية سوى التعمق في إدانة النظام اليمني المنتفخ بالفساد و تحميله مسؤولية الصدامات عبر تلميع صورة الشهادة و الموت و اعتبارها من مراتب الجنة و أعلى أمكنة الفردوس الإلهية .
إشتعلت مكونات شبكة التواصل الاجتماعي في اليمن بحثاً عن إجابات غير فرضية و تخمينية لحقيقة الجثث (المجهولة) التي برزت بصورة مفاجئة و أطلقت عليها اللجنة التنظيمية المكونة من مليشيا الإخوان المسلمين صفة الشهداء ؟! ؟، حيث تساءل محمد المقالح القيادي الكبير في حزب اليسار الإشتراكي اليمني الملتئم مع الإخوان المسلمين في تحالف تنظيمي واحد يُسمى : اللقاء المشترك عن غرابة أن يكون الشهيد مجهولاً ؟!
يرفض عمار الأهدل مرة أخرى و هو مستشار قانوني لمستشفى جامعة العلوم و التكنولوجيا دور البطولة الذي إدعته اللجنة التنظيمية بتبنيها لمسألة دفن هؤلاء الموتى عبر النيابة العامة و يقول : كنت أول من طالب بذلك حيث أن إستمرار هذه الجثث داخل ثلاجة المستشفى يزعجنا كثيراً .! ، بينما لم يستطع (عمار) إخفاء ابتسامة ماكرة حين سألته عن جدوى الصلاة على الموتى في ساحة المدخل الجنوبي لجامعة صنعاء و ما علاقتهم بها في الأصل أو إرتباطهم بها ؟ ، كان الأمر حسب وثائق المستشفى مُلزماً لجميع الأطراف المُشككة في حقيقة الجثث (المجهولة) أنهم ليسوا شهداء البتة أو مرتبطين بالساحة الثائرة بل كانوا مجرد قبائل تداعت إلى لوحة حميد الأحمر و إخوانه المنقوشة بالدماء و الفوضى في حرب الحصبة التي إستمرت لعشرة أيام مخلفة وراءها خسائر تقدر بعشرة مليار ريال و مساحة مليئة بالدمار على هامش خمسة كيلو مترات .
تُمثل لوحة ليورنادو دافنشي الشهيرة و هي الرجل الفيتروفي و بجانبه رسالة غامضة و رسمة نجمة خماسية الزوايا على بطن الرجل بدمه أحد أهم اللوحات غموضاً في تاريخ الفن الإنساني و البشري و قد إستطاع الروائي الشهير دان براون أن يصل إلى حقيقة (شِفرة دافنشي) عبر تأكيد ارتباط دافنشي نفسه و عدد من رموز العلم و التاريخ المسيحي منهم إسحاق نيوتن و جورج واشنطن بتنظيمات سرية شاركت في المذابح و المؤامرات و حاولت التحكم في مصير الأمم الأوروبية بواسطة الدين و الرموز و الأساطير اللاهوتية .
و مرة أخرى يستطيع المرء أن يكتم المفاجأة و الدهشة و هو يقرأ تقارير الأخبار العالمية عن علاقة مفتي ثورات الربيع العربي المتورط في إباحة دم العقيد القذافي : يوسف القرضاوي المريبة و لقاءاته السرية مع الموساد الإسرائيلي الذي يرتبط بصاحب نظرية الربيع العربي برنارد ليفي أوائل العام 2010م . هذه المرة جاءت الأسرار من منزل القرضاوي نفسه .. حيث تكشف زوجته أسماء بن قادة أن عالم الدين المتصدر لأحداث الإحتجاجات يتحدث العبرية بطلاقة و علاقاته السرية التي جعلت أمير قطر يتمسك به لاستغلال موقعه الديني و منصبه في رابطة العالم الإسلامي لتمرير مخطط الانتحار المذهبي الإسلامي بصورة مقززة .
بعد عام كامل على مجزرة 18 مارس 2011م قدم قانونيون يمنيون أدلة وبراهين جديدة تؤكد أن الواقعة الأليمة تم الإعداد لها مسبقا من جهات استفادت منها لتحقيق غاية سياسية تمثلت في الوصول إلى السلطة بأي ثمن. وشكلت الأدلة والبراهين التي عرضت خلال ندوة قانونية لمؤسسة البيت القانوني "سياق" صدمة للحضور حيث أشارت إلى مراحل الإعداد من قبل أشخاص لا هم لهم سوى المتاجرة بدماء الأبرياء لتحقيق أهدافهم الخبيثة ( ضحايا المجزرة) الثمن للوصول إلى غاياتهم المنشودة .
وبرهن القانونيون من خلال الندوة التي نظمت تحت شعار" الكشف عن الحقيقة ألغامضة" أن من خطط وحرض ونفذ مجزرة 18 مارس من العام الماضي هم جماعة الاخوان المسلمين ( تخطيطا وتمويلا) والفرقة الأولى مدرع بقيادة المنشق اللواء على محسن الأحمر ( في عملية التنفيذ).
الدكتور محمد شذان شاب هو الآخر من شباب الساحة الملاصقة للمدخل الجنوبي لجامعة صنعاء سرد مجموعة من الوقائع والحقائق التي مارسها المعتصمون من أنصار الإخوان المسلمين ، والتي قادت لتنفيذ أحداث الواقعة ومنها عملية التحريض والتعبئة الخاطئة داخل الخيام من خلال توزيع كتيبات صغيرة حول فقه الجهاد بواسطة الداعية الإخواني المتشدد فؤاد دحابة و رفيقه عبدالرقيب عُباد لأشخاص معينين اتضح مؤخرا أنهم من دُفع بهم إلى هاوية الواقعة الدامية. !!
ليس هناك شك من خلال محاضر النيابة أن كل من تم دفنهم قبل أسابيع باعتبارهم جثث (مجهولة) هم ضحايا أحداث الحرب القبلية النظامية في أحياء الحصبة و النهضة و صوفان بالعاصمة و التي جاءت كتطور دراماتيكي لوقائع الصدامات المؤلمة بين الشباب الثائر و نظام الرئيس (صالح) الذي انسحب بكل هدوء ليسلم السلطة إلى نائبه الذي أصبح رئيساً للجمهورية في فبراير 2012م عبر انتخابات توافقية لمدة عامين فقط .
و قد بدأت المراسلات بين مستشفى جامعة العلوم و التكنولوجيا و النيابة العامة في منتصف الشهر الأول من العام الحالي للحديث عن ستة عشر جثة مجهولة و بعد نشر المستشفى لإعلان إجراءي لصور الموتى في صحيفة الثورة الرسمية تقلص الفارق إلى 12 جثة يظهر كشف النيابة العامة إسمين فقط من بينها هما : علي صالح الحنق الذي توفي بتاريخ 4- 8- 2011م بحي الحصبة و عبدالباري هزاع الذي توفي هو الآخر في 24-5- 2011م في حي الحصبة أيضاً .
تمكنت السيدة "نوران حواس" مندوبة قسم الحماية باللجنة الدولية للصليب الأحمر من التدخل الصارم في إنتشال جثث الموتى المبعثرة في شوارع الحصبة بعد إنتفاخها و تغلغل الدود في أجسادها ، و هددت نوران النظام اليمني و المرتزقة القبليون من إتخاذ تدابير دولية بحقهم و إدانتهم إن لم يكفوا عن القتال لساعات يتدخل فيها الصليب الأحمر لإنقاذ ضحاياهم .
يُبدي عمار الأهدل امتنانه لهذه المرأة البطلة – حد وصفه – في حين أظهر امتعاضه من رفض مستشفيات حكومية للجثث المجهولة المتعفنة في حي الحصبة ، و يستطرد عمار كمن يتذكر خطأ ما (بالفعل كان يجب علينا ألا نقبل هذه الجثث لأن المستشفى سيُلام في النهاية و هذه مشكلة كبرى) لكن الأهدل الشاب أكد على الدور الملتزم للمستشفيات الخاصة عبر رابطتها التنسيقية العليا التي شددت على التحامها و تفاعلها مع الاحتجاجات و انضمامها إليها .
حين وصلت الجثث إلى مستشفى جامعة العلوم و التكنولوجيا كانت ممتلئة بالدود ، و أبدى أطباء آخرين في المستشفى إهتمامهم بإيقاف مسألة التعفن المتوسع بإدخال الجثث على الفور إلى الثلاجة . و في تصرف إنتهازي مؤلم حاولت مليشيا الإصلاح التنظيمية الكذب بمحاولة إدانة نظام الرئيس السابق (صالح) أخلاقياً عبر تحميله مسؤولية قتل هذه الجثث المجهولة ، و التصرف وفق إرادة إعلامية موجهة تسعى هي الأخرى نحو التصعيد المباشر للمطالبة بإلغاء الحصانة عن الرجل الذي حكم اليمن ل 33 عاماً و التصرف وفق الإدانات المدروسة بإظهار جثث مجهولة و استغلالها بصورة سيئة و بشعة ، و عبر اكتشاف المزيد من المقابر الجماعية الأخرى و منها ما كان يتم التخطيط له في مقبرة (أرتل) غرب العاصمة ، غير أن هذا العمل الإنتهازي الصرف انقلب على الساحر و تضخمت المسألة و تعاظمت التكهنات و النظريات و استطاع الشباب المستقل إدانة نظام الإخوان المسلمين و مرتزقته و خلاياه و مجموعات الاغتيال و التصفية التابعة له ، و تعاظمت حدة التصريحات و النظريات بتصفية شباب الثورة و دفنهم ك(مجهولين) غير أن هذا الإحتمال غير وارد الآن . فكل من قضى من جثث الحصبة المجهولة كان يقاتل ضمن مليشيا الشيخ و قد تركه أقوى شيوخ القبائل اليمنية و أهمله و حوله إلى مجهول تأكله الدود ليس له قيمة أو ذكر
. لكن ربما يمكن ل(شِفرة فؤاد دحابة) أن تكشف لاحقاً المزيد من الأسرار و الحقائق غير الملتبسة عن مصير الشباب الذين ربما تؤكد نظرية أحد ضباط الفرقة أولى مدرع بأنهم دفنوا في أرض الفرقة كما دفن العديد من أبناء القبائل في أرض الحصبة نفسها .
سيظل (فؤاد دحابة) السر الذي يمكن من ورائه كشف الكثير من أحداث الغموض و إزالة إلتباسات الأسرار الباقية التي عصفت باليمن خلال عام و نصف .. و ما زالت (شِفرته) تشوبها الكثير من هالات الغموض و الأحاجي التي تحتاج لوقت أعمق و تحقيق أدق و مهمة أخرى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.