من منا في يوم من الأيام قام بجولة في أنحاء ما مضى من حياته ليرى كم أن الحياة تموج بنا في بحرها عبر مدها وجزرها ، وليتأكد له أن من سيغوص بتفكيره وتأمله فيما جرى في حياته سابقا سيدرك كم أن رعاية الله لنا كانت هي الحليف الاستراتيجي والرفيق الذي يكاد لا يفارقنا رحمة بنا ، ورأفة بضعفنا ، وتودد منه سبحانه وتعالى إلينا ، ونحن في جميع هذه الرسائل – للأسف الشديد – فعلنا لم يكن المطلوب منا بل زاد تواكلنا واعتمادنا على أنفسنا دون طلب العون ممن هو صاحب السبب في إمداده ، وصاحب الغوث في إنزاله ، والنوال في إعطائه ، إنها رسائل الحياة المهمة التي غفلنا عنها ، حتى أصبح أحسن الناس حالا مع الله هو من يجعله آخر الأسباب ، بحيث إذا استنفد كل الطرق ، وسار في كل السبل ، ووجد كل شيء موصد أمامه لجأ إلى الله يشكو إليه ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه على الناس ، فما بالنا لا نزال نراوح في أماكننا بهذه الثقافة التي أنستنا ذكر الله ، واللجوء إليه . إن من محاسن ابتلاءات الحياة أنها تهدينا التجارب والدروس لنتعلمْ منها ، وتشدنا إلى عدم ترك الخطأ فيها لئلا يكبر ويكّبر عندما لانتعلمْ منه ، وابتلاءات الدنيا فيها دعوة لئلا تجعل أخطائك أخي القارئ عار عليك بل اجعلها بين عينيك حتى تتخطاها في المراحل القادمة ، لأن النمو ليس فقط بالجسد دون العقل والتجارب ،ولاتجعل منهاجك في الحياة : خطئي نهاية تجاربي "فهذه هي بداية الخذلان لذاتك مع هذه الحياة المتعبة والشاقة ، و في بيئتنا اليمنية هناك الكثير من الأمثال التي تشدنا لمثل هذه الحقيقة التي نبني على ضوئها أرضية هشة طالما وهي لا تعتمد في المقام الأول على الأساس ، المثل يقول "العمد على الساس " أي أن الاعتماد في الحياة يكون على ما نؤسس به حياتنا ، وسيجد من سيعود بذاكرته إلى الوراء سنوات موغلة في القدم أنه أقام حياته على أساس هش لم يعند فيه البناء القوي الكفيل بأن يستند عليه في حياته . ومن يدقق النظر في كثير من مفاصل حياته التي قد عاش جزئها سيجد وبلا شك أن كثيرا من غوائلها ولأوائها وشدائدها ما كانت لتتم أو ستحصل له لو أنه كان متحليا بالصبر ومتسلحا بالقناعة ، فقط فتش في دفتر حياتك وستجد ذلك إن الحياة مدرسة طويلة لاتنتهي بك الآ بموتك ، فحاول أن تكتسب منها وتتعلمْ ولا تيأس أمامها ولا تجعلها تهددك دائماً بالخسارة ،أيضا آنت الرابح الأكبر عندما تعزز شخصيتك وتجاربك . إن موقفا صغيرا كافيا بأن نمعن فيه النظر ونراجع أنفسنا ، هذا الموقف جاء فيه أن أرملة فقيرة عاشت مع طفلها الصغير في حجرة صغيرة فوق سطح أحد المنازل , حياة متواضعة في ظروف صعبة ، إلا أن هذه الأسرة الصغيرة كانت تتميز بنعمة الرضا و تملك القناعة التي هي كنز لا يفنى ، لكن أكثر ما كان يزعج الأم هو سقوط الأمطار في فصل الشتاء , فالغرفة عبارة عن أربعة جدران , و بها باب خشبي , غير أنه ليس لها سقف و كان قد مر على الطفل أربعة سنوات منذ ولادته لم تتعرض المدينة خلالها إلا لزخات قليلة و ضعيفة , إلا أنه ذات يوم تجمعت الغيوم و امتلأت سماء المدينة بالسحب الداكنة ، و مع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة على المدينة كلها , فاحتمى الجميع في منازلهم , أما الأرملة و الطفل فكان عليهم مواجهة موقف عصيب . نظر الطفل إلى أمه نظرة حائرة و اندسّ في أحضانها , لكن جسد الأم مع ثيابها كان غارقًا في البلل ، أسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلعته و وضعته مائلاً على أحد الجدران , و خبأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر ،فنظر الطفل إلى أمه في سعادة بريئة و قد علت على وجهه ابتسامة الرضا , و قال لأمه : " ماذا يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر! لقد أحس الصغير في هذه اللحظة أنه ينتمي إلى طبقة الأثرياء ، . ففي بيتهم باب , وضع أخي القارئ كلمة تحت عبارة ماذا يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر ، كلمة أروع ما فيها أنها تدلل بما لا يدع مجالا للشك أن الرضا مصدر السعادة و هدوء البال , و وقاية من أمراض النكد و التمرد و الحقد مما في أيدي الناس فمتى نعي وندركك أننا ولكي نعيش بهذه الحياة ونتقنها لابد لنا من قبول أنفسنا بالقناعة كما أرادها الها لنا، أما حين تغيب القناعة من حياتنا فحري بنا إن كنا نحبها أن نرثيها بقولنا كل شيء يغيب حين تغيبين*ويخلو من الزمان الزمان ويضيق المكان، حتى كأني*أحسب الأرض فر منها المكان ويعز الخيال، وهو لقلبي*في احتدام الأسى هو المستعان في حقول المنى أمر كسيرا*كمغن قد شل منه اللسان أنكرتني مواسم العشق جهلا*مثل خمر قد أنكرتها الدنان يختبي القانعون خلف الحنايا*حين ينسى دفء القلوب الجنان