كل يوم يمر عليَّ وأنا مستمتع بحياة والدتي أرى فيه عيداً وحين تكون عندي أمتع عينيَّ بالنظر إليها وخدمتها والجلوس معها أرى كل لحظة عيد تضفي عليَّ بهجة وسروراً لا حدود لهما . لست ممن يدَّعي أو يزعم أو يجيد فن صياغة جمل الإنشاء والتعابير , فلله الحمد إذ حرمني من والدي وأعاضني بوالدتي وما أصنعه معها وأقدمه لها لا يستحق الذكر لكونه قليل جداً من كثير ما تستحق وما أنا إلا عاق في جنب ما رأيت والدي يقدمه لوالدته تغمدهما الله برحمته . حين يدخل شهر مارس من كل عام ننتظر حلول الواحد والعشرين منه لنحتفي بأمنا , وفيما مضا من الأعوام كان الإحتفاء بأمي وأبي معاً في غاية الروعة وكنا نشهد السعادة والبهجة تملأ وجهيهما – وهذا هو الهدف - لكنه في هذا العام سيشهد غياب الركن الخالد والدي إذ التحق بالرفيق الأعلى قبل ستة أشهر وسيكون حرصنا خلال الإحتفاء بالترحم عليه وقراءة القرآن إلى روحه . 21 مارس الذي جُعل عيداً للأم أراه فرصة مناسبة لا تقل أهمية عن بقية الأعياد والمناسبات , متجاوزاً حالة السخط والشطح والنطح والهستيريا التي تتملك البعض اعتراضاً على العيد بزعم أن الأم لا تحتاج لعيد فهي بحد ذاتها عيد !! هذا الكلام الجميل المنمق ( إنها عيد بحد ذاتها ) يفتقر للتطبيق , فالكثير من أهل الشطح والنطح ونوبات الهستيريا من أدعياء العلم الشرعي وطلابه المقلدين يفتقرون كثيراً لمعرفة حق الأم . عُصَاةٌ من حيث لا يعلمون !! وأمهاتهم تستجدي ابتساماتهم وتترنم بزياراتهم وصِلاتهم دون أن تحصل عليها إلا في النادر بينما هم يرعدون ويبرقون ويزمجرون في المنابر والتجمعات يتحدثون عن طاعة الوالدين وعقوقهما وكيفية المعاملة النبوية معهما , ويسردون عشرات الأمثلة من نماذج الطاعة للأئمة والصحابة والتابعين مثلهم فيما يتناولونه " كمثل الحمار يحمل أسفاراً " !! إنني لأعلم الكثير من أدعياء العلوم يمثلون نماذج سيئة للطاعة والقيام بما افترض الله تعالى عليهم ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم , وحين تسمع كلامهم يتبادر إلى ذهنك أن المتحدث ولي من أولياء الله ونموذج من نماذج الطاعة التي لا تُجارى , بينما الحقيقة شوهاء والحال زيادة في الحجج . 21 مارس أو 25 أغسطس .. كلاهما لا يهمانني على الإطلاق فما يهمني ويدفعني نحو هذا اليوم يكمن في الشعور الذي أراه مرسوماً في وجه والدتي , والسعادة التي تكسو وجهها وقلبها وهي ترى أولادها حولها يحتفون بها ويرددون : كل عام وأنتِ بخير يا أمي , مع قبلات الحنان الصادقة المطبوعة على خدها ورأسها . إن الأم كائن بشري تصل إلى مرحلة من العمر تشعر معها بالإهمال إن لم يكن الملل , تتحسس من كل شيء وتتألم من أتفه شيء , وفي هذه الحالة تكون بأمس الحاجة للشعور بأولادها حولها وبصبرهم عليها وأنهم لا يزالون يحبونها ويرغبون وجودها بينهم . في عيدها الجميل الذي أنتظره لأرى سعادتها أخاطبها : أمي : يا نفحة من عبق الجنة .. يا قبساً من نور الشمس .. يا طهراً نورانياً .. يا طيفاً إيمانياً .. يا أصفى من الندى .. يا ألطف من النسيم .. يا أرقَّ من النرجس .. يا أبهى من الأمهات .. يا أغلى من حياتي .. يا توأم روحي , إليكِ أيها الملاك العظيم يفيض الحب وأنا أكتب هذه الكلمات المتواضعة لكِ , ومشاعري وأحاسيسي تتدفق بداخلي أعلن أن القلب الذي بين ضلوعي يفيض لك حباً عجز قلمي عن تدوينه كأقل القليل مما تستحقين فاقبلي عذري وها أنا أتمثل قول الشاعر : يا ربِّ جفّت دموع الأمهات هنا *** فأنْزِلَنَّ علينا الغيث والمطرا كلُّ العصافير عادت من مهاجرها *** متى نعودُ إلى أعشاشِنا زُمرا ما زال صوتك يا أماه يجلدُني *** إني أسأتُ وجئتُ اليوم معتذرا .