المهندسة ذات الأصول اليهودية ... إنه الوطن نبع ذالك العطاء مروان المخلافي: الوطن.ذلك الغالي الذي يسكن النفوس ويعيش بعطائه الفياض في جنبات أرواحنا ويسمو بنا وبهذه الأرض التي تقلنا إلى عالم رحب من الحب تترأى لنا من خلاله معاني الارتباط الوثيق الذي يمدنا به إيماننا العميق بأن ليس هناك أطيب من تراب بلادنا، ولا أسكن للنفوس من هوائها العابق بأريج المودة والمحبة ، بهذه المقدمة يطيب لي أن أصدر السطور القادمة لأتحدث عن المهندسة نجاة النهاري ذات الأصول اليهودية فكم كم كان مضحا وفي نفس الوقت مؤثرا بل وغاية في التأثير ما كتبته على صفحتها بالفيسبوك ، مرجعة ذاكرتها إلى الوراء سنوات موغلة في القدم ، وهي تتذكر موقفا فاصلا من حياتها وقد كان عمرها يوم ذاك سبع سنوات ، حيث تحكي فتقول كنت بعمر أقل من سبع سنوات وأقف قرب رجل في حارتنا يدعى القاضي محمد الأكوع حين طلبت منه إمرأة عجوز صدقة. وبالصدفة وقعت عيناه عليّ وكنت أمسك قطعة نقدية فئة خمسة ريالات وأعبث بشفتي بها، فقال لي: هاتي الخمسة للعجوز... وكان رجل مرح يحب ملاطفة الاطفال. ابتسمت وقلت له: مابش معي إلاّ هي.. فقال لي أنني لو تصدقت بها لفقير فإن الله سيرجعها لي عشرة أو حتى عشرين ريال، وظل يغريني ويحاول اقناعي حتى وجدت نفسي أمد يدي بالخمسة للعجوز... لكنه كان يركز نظره الى وجهي ليقرأ مشاعري بعد أن خسرت الخمسة، وكنت أكاد أبكي فأبي لم يكن يعطيني خمسة إلا مرتين أو ثلاثة بالأسبوع... ضحك القاضي وأخرج من جيبه ورقة نقدية فئة (20) ريالاً وقال لي: خذيها مش قلت لك أن الله يرجع الصدقة للفقير ضعف! ترددت في أخذها، فالعشرين مبلغ كبير لم أكن أملكه إلاّ في عيد المسلمين.. لكنه دسها في يدي وهو مبتسم ويداعبني، فطرت بها الى البيت وفرحي لا يوصف!! بعد اسبوعين تقريباً دخل حارتنا رجل فقير وكانت عندي خمسة ريالات فتذكرت كلام القاضي الأكوع وهرعت نحوه وتصدقت بها... بعدها بقيت أغلي بداخلي بانتظار أن يعيد الله لي الخمسة عشرين ريال.. وعندما حل أذان المغرب كنت أدعو الله ان يعيد لي الخمسة حتى بدون زيادة، لكن دون جدوى، فشعرت انني خدعت! اليوم التالي وأثناء عودتي من المدرسة ظهراً لمحت شيئاً كأنه فلوس، انحنيت فإذا بها ورقتين فئة عشرين ريال.. فرحت وقلت في نفسي أن الله أرجع لي الصدقة، لكنني اكتفيت بأخذ ورقة واحدة وتركت ورقة العشرين ريال الأخرى على الأرض وهرولت الى البيت.. عصر نفس اليوم رأيت القاضي الأكوع عائداً من المسجد فقطعت طريقه وسردت له ماحدث معي بالتفصيل وهو يصغي مبتسماً.. ثم سألني لماذا تركت ورقة العشرين ريال الأخرى، فقلت له أنني عرفت ان الله ارسل العشرين الثانية لبنت ثانية في الحارة تصدقت مثلي فتركتها لها... انفجر القاضي ضحكاً من طريقة تفكيري، وأخبر ناس آخرين بما فعلت فضحكوا ايضا بصوت عال، وظل القاضي كلما يراني ينفجر ضاحكاً، وبين الحين والاخر يعطيني خمسة أو عشرة ريالات ويقول لي ان الله يحبني ويرسل لي معه فلوس وجعالة.. ومن يومها تعودت أن اعطي الفقراء اي شيء مما عندي. في يوم مغادرتنا صنعاء للهجرة الى اسرائيل كانت زوجته وبناته يبكين لاجلنا، ولأول مرة في حياتي رأيت دموع في عيني القاضي الذي لم تكن تفارقه الابتسامه.. لم أكن أعرف قيمة ذلك الموقف لكنني بعد أن بلغت الرشد أصبحت أتذكر تفاصيل كل شيء وأتألم كثيراً جداً على خسارة شعب طيب يحب الله، ويحبه الله! لا اعتقد أن القارئ عند هذه النقطة لن يكون قد بلغ التئاثير منه مبلغه وإن كان كاتب هذه السطور شخص يهودي ترك اليمن منذ سنين للهجرة إلى وطن غير وطنه الأصلي ، إلا أنه يقر وبما لا يدع مجالا للشك كما هي الأوطان عزيزة على قلوب أبنائها الذي اختلطت مشاعرهم بجنة هذه الغالية التي يسمونها تربة الوطن ،وقامت لحومهم من أكتاف هذه الأوطان التي لم تتنكرلهم في يوم من الايام ، وجميل بل رائع ما كتبته هذه اليمنية صدقا عن وطني لم تستطع أن تكتم حبها له على الرغم من أنها قد تحللت من كل ذي صلة به ، لكنها مشاعر المواطنة التي لا يتستطيع احد أن ينكرها رغمم الجور الذي قد يمارسه وطن على أبنائه بفعل من هم في سدة حكمه . وما اريد الاكيد علي تعقيبا على حديث المهندسة هو أننا نصبح أككثر عطاء في أوطاننا التي احتضنتنا وآوتنا وارضعتنا من لبانها ، ونصبح أكثر عطاء في أوطاننا لأنها ايضا هي من تستحق منا ذلك العطاء الذي تشربته نفوسنا ، وآمنت به مبادؤنا ، وسعت إليه نفوسنا السامية ، إن العطاء يا سيادة المهندسة يكون اجمل عندما ينثر في رحاب الاوطان ، ويزداد جمالا عندما تمتد إليه الأيادي المحتاجة من أبناء هذاا لوطن ، والعكس صحيح يقبح العطاء عندما نعطيه لمن لا يستحقه لان الله تعالى يقول "الأقربون اولى بالمعروف " وموسى عليه السلام كان اكثر عطاء للمقربين من حوله ، فمن أين جاءت ثقافة العطاء للأبعدين ، ومن هي الشريعة التي أباحت أن تكون الاولية في العطاء لمن هم دون الأقربين . لنتباين في أدياننا ياسيادة المهندسة لكن لنتفق على اهم المحددات التي يجب وينبغي أن تكون وتسود أبناء البلد الواحد ، وليس أبسطها أن توجه الجهود لرقيه ونهضته ، وبمعنى آخر ليكن فهمناا لسائد أن أوطاننا هي من تستحق منا عطاء أبنائها ، وكما يقول القائل "يامعطي الآخرين أهل بيتك أحق بالمرق " إليك أيتها المهندسة الرائعة أقول أن هذا الوطن الجميل يستحق منا كل ذلك ليس لأنه ناميا ما زال يرزح تحت وطأة الجهل والحرمان بفعل إبنائه ، إنما لأنه وطن قضينا ونقضي وسنبقى أجمل أيامنا . ألست معي أننا عندما نتحدث عن الوطن مباشرة يأخذنا الزمن إلى السنوات التي قضيناها في رحابه وتقلبنا بين حبات ترابه وتلسعنا هزة شوق إلى الماضي الجميل الذي ترعرعنا فيه وشكل لنا من مهد الصبا مشروعاً مازال للوطن فضله الكبير في ذلك الأمر الذي جعل أبا الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري يجود بأزكى دمه شكراً وعرفاناً لهذا الوطن الذي جاد بسخاء لكل ابناءه يالخير والأمل الواعد بالعطاء فقال وهو يتنبأ باستشهاده. بحثت عن هبة أحبوك ياوطني *فلم أجد لك الا قلبي الدامي ولما كان حب الأوطان من الإيمان فكان لزاماً علينا أن نكون على قدر المسؤولية وعند مستوى هذا الحب حيث المطلوب منا العمل من أجله بكل أمانة وإخلاص وبذل المزيد من الجهود في سبيل نهضة وتنميته استشعاراً للمسؤولية وعملاً بالواجب وتكريساً لمفهوم المواطنة الصالحة الكفيلة في جعل الأفراد نماذج للصلاح والخير وحب الأوطان يتأسى بها من سيأتي بعدها وتعظم المسئولية في وطن توحد بعد عناء التفرق واجتمع شمله بعد وبال التشرذم وأصبح حلقة واحدة أينما يممت وجهاً رأيت قطعة عزيزة من وطنك وكأنها قطعة من جسدك تشعر بها بين جنبيك وحنايا قلبك وكم كان الشاعر صادقاً في فهمه العميق لحقيقة وطنه وهو يقول: بلادي وإن جارت علي عزيزة واخواني وإن ظنوا علي كرام لقد توحدنا بفضل الله ووحدنا الشعب الذي كان يرى يومها ضرورة ذلك وقام لها أناس مخلصون شرفاء لسان حالهم إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم فسالت أطهر الدماء وتجندلت على ساح الوغي والبطولة والشرف أكرم الشخصيات وذهب إلى الله فداء للوطن أفذاذه المخلصون الذين تجشموا عناء النضال وواجهوا المصائب والمحن حتى وصل إلينا هذا الوطن بجغرافيته التي تصل جنوبه بشماله وتربط شرقه بمغربه في أبهى ولاء لله وأسمى معاهدة على عدم الانفصال ومع الله حال تتجلى فيه روعة التوحد والاجتماع وجمال الأرض محفوفة بأبنائها قد جعلوا من الوطن مزاراً يتمسحون بأعواد أعتابه حباً واخلاصاً وعطاء وولاء وصدقاً يصنعه الصادقون العاملون ويحصده كل ابنائه وكل ذلك ليدل على انجاز توحدنا واجتماع شملنا وصدق أخوتنا كما قال الشاعر اخوتنا فوق كل الدروب كقبلتنا بين كل الشعوب تآخي الشمال بها والجنوب مع الشرق والغرب وحدة قلوب رائع ذلك الشعب بين شعوب الأرض الذي يتذكر بالوفاء والعرفان أولئك الرجال الذين استطابوا الموت طعنات نجلاء في سبيل استقرار أوطانهم لتنعم بالخير والرخاء والأمن والسلام نتذكرهم وهم يقولون في لحظاتهم الأخيرة ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها نمر على شفرات السيوف ونأت المنية من بابها طيبهم اله وطيب الأوطان التي جاءوا من أجلها لتكون بين شعوب الأرض حلة بهية تتجلى في أحسن صورها متربعة على عروش قلوب ابنائها. بالأخير لا يسعنا إلا أن أختم بهذه الابيات التي اهديها للكاتبة التي أثرت فينا وهي تنبش الذاكرة وتدق على وتر حساس يقول الشاعر : صنعاء والحب والتاريخ والسفر*وألف ألف زمان فيك يختصر جئناك نلتمس الرجعى لصورتنا*لما تعددت الأشكال والصور نشكو لعيبان دهرا راح يقذفنا*في كل منحدر يتلوه منحدر مضيعون وفينا كل هادية*وظامئون وفينا النهر والمطر لما استقل سهيل حن طائرنا*إلى سماء إليها يرحل القمر حيث القلوب كما الآفاق صافية*وكرمة الحب للأحباب تعتصر صنعاء ذاكرة الدنيا ومبدؤها*وأصلنا المتسامي حين نفتخر إن قيل صنعاء مد الدهر راحته*واسابقت نحوها الأزمان والعصر صنعا ويحتشد التاريخ منتشيا*بها وتنثال من عليائه الصور فتلك بلقيس والدنيا تحيط بها*وذاك ذويزن في ركبه الظفر صنعاء عفوك إن أسرفت في حلمي*فقد يلوذ بحلم من به ضجر من الكويت أتينا مثل أغنية*بيضاء أنت بها الأنغام والوتر •