هي مجموعة قصص وحكايات يحكيها شيخ علماء اليمن القاضي الفقيه محمد بن إسماعيل العمراني أعدها وحققها الدكتور محمد عبدالرحمن غنيم.. العنوان لكتاب أدبي مشوق ولطيف من تراثنا الأدبي العربي.. “الجمهورية” تنشر مجموعة القصص والحكايات التي حواها الكتاب لتعميم الفائدة والمتعة للقارئ. كان الحاج محمد البليلي من كبار تجار صنعاء في أيام استيلاء الأتراك على صنعاء، بل كان كبير التجار ومن المستشارين للدولة العثمانية، وكان الإمام يحيى حميد الدين ما زال في القفلة، ولم يستول على صنعاء، وكان البليلي يرسل بالزكاة إلى الإمام يحيى حميدالدين سراً بدون علم الأتراك، ولو علموا بذلك لاعتبروه خائناً لهم، وفي أحد الأيام كان الشيخ محمد البليلي جالساً مع أصحابه ومحبيه وفي جيوبه ورقتان، ورقة عبارة عن سند من الإمام يحيى حميدالدين بتسليم الزكاة وورقة فيها حسابه المالي مع الترك، لأن البليلي كان يورد للأتراك ما يحتاجونه من المواد الغذائية، وقد كتب ما له من الفلوس عند الترك في هذه الورقة، وأراد أن يرسل بها رسولاً إلى الوالي التركي في صنعاء، وفعلاً أخرج الورقة من جيبه ظاناً أنها ورقة الحساب بينه وبين الترك وأرسلها مع أحد أتباعه إلى الوالي، وبقي البليلي واقفاً في المجلس، فطلب أصحابه منه أن يجلس، فقال لا ، لأن في جيبي ورقة خطيرة لو علم بها الترك لأهلكوني، سأضعها في الخزانة أولاً، ليطمئن قلبي ،وأخرج الورقة من جيبه، فصعق حينما وجد أنه قد أرسل "سند الزكاة" بدلاً من"ورقة الحساب المالي" وصارح أصحابه بما حدث، فاسترجعوا،وكلهم توقعوا أن يقع شر بالبليلي، فما كان من البليلي إلا أن أخرج (500ريال فرانصة) وطلب من أولاده أن يخرجوا فيتصدقوا بها كلها على العجائز والأرامل والمستورين عسى أن يدفع الله بها عنه ما يتوقع من شر الوالي التركي، ولم تمر دقائق إلا وقد جاء رسول من الوالي التركي يطلب حضور البليلي عنده حالاً، فخرج البليلي، وهو يودع أهله وأصحابه ويسترجع ويؤكد عليهم في إخراج الصدقة، وركب فرسه وذهب ليقابل الوالي وليس في ذهنه ما يرد أو يعتذر به عند الوالي، ودخل البليلي على الوالي التركي، والوالي يشتاط غضباً وحقداً عليه، فما إن دخل الحاج محمد البليلي صاح الوالي التركي: هكذا اتضحت حقيقتك يابليلي تتظاهر بأنك معنا، وتراسل ابن حميدالدين سراً، الآن ظهرت خيانتك وغشك وخداعك، ولعبك على الحبال كلها. ووقع في قلب الحاج محمد البليلي أن يقول :سبحان الله ! أتظن أيها الوالي أنني سكران حتى أرسل اليك السند هكذا...لقد أرسلته لأعلمك كيف أخسر من أجل الدولة العثمانية؟ فقال الوالي :كيف؟ فقال البليلي: أنما ما هادنت ابن حميد الدين وأرسلت إليه هذه الفلوس إلا من أجلكم. فقال الوالي: عجيب..وضح لي ماتريد فقال البليلي: أنا إذا لم أرسل هذه الفلوس سيرسل ابن حميدالدين من يلقي كيس البارود إلى وسط بيتي، فإذا انفجر أخرب البيت، وليس خوفي على البيت، فهناك غيره وأستطيع أن أهاجر إلى ابن حميدالدين، فأنا ابن صنعاء وهو ابن صنعاء.. ولكن همي عليكم إذا فجر البيت، ستنشر الصحف في اسطنبول أن الترك لم يستطيعوا السيطرة على الوضع في اليمن،ولا حتى في العاصمة صنعاء...أتقول لي هذا الكلام وأنا عاديت الناس من أجلكم، عاديت ابن حميدالدين وأهل صنعاء محبة ووفاء لكم، أهكذا تتعاملون مع رجالكم..كل ما في الأمر أني لم أجد معي فلوساً، فأرسلت إليكم هذا الصك الذي دفعته من أجلكم، من أجل أن تعطوني مادفعت. فدهش الوالي ولم يدر مايقول، ثم أخذ يعتذر ويتأسف، فتشجع البليلي، وقال، لايكفي هذا، أعطني الخمسمائة ريال الفرانصي، فأخرجها الوالي من الخزينة وأعطاها للبليلي، فعاد البليلي إلى بيته وهو يحمد الله ويهلله ويكبره، ووجد أهله وأصحابه في غاية القلق والانزعاج، فطمأنهم وحكى لهم ماوقع بينه وبين الوالي التركي، وقال: دفع الله عني بالصدقة، وعاد إلينا ما أخرجناه وربحنا الأجر والثواب! قلت: ومما يناسب ذلك ثلاث حكايات: الأولى: ذكرها القاضي أحمد قاطن في "دمية القصر" في ترجمة العلامة أحمد بن عيسى الكوكباني الشامي، المتوفي في القرن الثاني عشر، فقال: "...وأخبرني أي أحمد بن عيسى المذكور أن زوجته مرضت مرضاً شديداً، فأخرج في مكيال شيئاً من الطعام، ونزل إلى الباب، فأعطاه فقيراً، ثم عاد إلى زوجته، فإذا هي قد أفاقت وذكرت أنها رأت رجلين في الهواء في يد أحدهما حربة يريد أن يطعنها بها، فحال بينها وبين الحربة مكيال، ثم لم تر بعد ذلك شيئاً، وأفاقت وعرفت من عندها، هذا معنى ما أخبرني به رحمه الله وهو بمحل من الديانة والأمانة، والصدقة تطفئ غضب الرب فضلاً عن كونها منسأة في الأجل كصلة الرحم"أ.ه. نقلاً عن "نشر العرف" لزبارة "1/ 201" في ترجمة العلامة أحمد بن عيسى المذكور رقم "67".. الثانية: ذكرها العلامة زبارة في "نشر العرف" "1/ 489" في ترجمة الفقيه العلامة الحسن بن صالح العفاري رقم "144" قال تحت عنوان "آية غريبة" "ومن قرابة صاحب الترجمة الفقيه أحمد بن صلاح العفاري صاحب الغريبة التي ذكرها صاحب "نسمة البحر"، ثم صاحب "نفحات العنبر" في ترجمة القاضي الحافظ محمد بن الحسن بن أحمد الحيمي الشامي المتوفي سنة "1115ه" خمس عشرة ومائة وألف، وهي أن القاضي المذكور أخبر صاحب "نسمة السحر" فقال: إن رجلاً أسمه أحمد بن صلاح العفاري الفقيه من سكان قلعة شهارة، أعرفه أنا وغيري بالصلاح والزهد مرض وأغمى عليه وأيس منه أهله ووجهوه إلى القبلة وقعدوا يقرأون القرآن حوله، واتفق أن مسكيناً جاء إلى بابه، فأعطته زوجته حباً في طبق، ثم بعد مضي السائل، أفاق الفقيه وطلب مأكولاً وكلمهم، وقال: بينما أنا في شدة عظيمة لا أغفل إذ دخل علي من هذا الباب شخص كالجزار مشمر عن ساقيه وذراعيه، وبيده سكين، فأخرج من نطاقه مسناً وجعل يسن السكين، ثم تقدم إلي ليذبحني، وقعد فوق صدري وانا شاخص إليه، وله هيبة ومنظر موحش، فبينما هو في تقوية الذبح، إذ أنفلق السقف ونزل منه شخصان أبيضان في غاية الوسامة وطيب الرائحة وبيد أحدهما طبق فيه حب، فكفاه عن قتلي وساراه بشيء، وأشارا إلى الطبق، وفهمت أن الله زاد في عمري ببركة الصدقة، فرد السكين وقالا له: أذهب إلى فلان جار لي، ثم صعدا إلى السقف الذي نزلا منه، وخرج ذلك الشخص، فسمعت الصراخ في دار جاري" وهذه القصة من غريب المنقولات. الثالثة: كان ابن الفرات أبو الحسن علي بن محمد الوزير المعروف في عهد العباسيين يتتبع أبا جعفر بن بسطام بالأذية ويضطهده بالمكارة، ويذل رجولته أمام الناس، وكانت أم أبي جعفر قد عودته منذ أن كان طفلاً أن تضع تحت وسادته التي ينام عليها رغيفاً من الخبز، فإذا كان من الغد تصدقت به على الفقراء، فلما كان بعد مدة من أذية ابن الفرات له،دخل ابن الفرات على أبي جعفر مفزوعاً، وقال له: لك مع أمك خبر في رغيف، فأجابه:لا فقال: لابد أن تصدقني،فذكر أبو جعفر الحديث على سبيل التطايب بذلك من أفعال النساء، فقال ابن الفرات: لاتفعل " أي لا تتكلم بهذا ساخراً" فإني بت البارحة،وأنا أدبر عليك تدبيراً لو تم لاستأصلتك، فنمت ، فرأيت في منامي كأن بيدي سيفاً، وقد قصدتك لأقتلك، فاعترضتني أمك بيدها رغيف تدافع به عنك وتدفعني بعيداً، فما وصلت إليك.. بعد ذلك تصافيا، وقال له ابن الفرات والله لا رأيت مني بعدها سوءاً أبداً. راجع مجلة " العربي" العدد "436".