زكي الذبحاني - الوفاة أو الإعاقة كلاهما مُر، فعندما يكون سببهما داء خطير بحجم الحصبة ويكون الضحية طفلاً لا حول له ولا قوة، فالجُناة هم والديه - بالطبع- لتركهم إياه عُرضة للإصابة بهذا المرض الوخيم بعدما تقاعسوا عن تحصينه سلفاً. قد ينظر البعض إلى علاج الحصبة ويضعونه موضع البديل، وهو ليس كذلك، إذ أنه لا يكفل شفاء الإصابة تماماً ليقضي على المرض، وإنما يقتصر دوره على رفع الكفاءة المناعية للجسم والعمل على التخفيف من حدة الإصابة، فهذا شأن الفيروسات وليس فقط فيروس الحصبة. غير أن من الممكن تلافي المضاعفات الوخيمة الناجمة عن الحصبة أو التخفيف من حدة أعراض المرض بفضل الرعاية الداعمة التي تضمن التغذية السليمة وإعطاء مسكنات الحرارة وكميات كافية من السوائل، بينما علاج الجفاف يتم من خلال إعطاء الطفل المريض محلول الإرواء الفموي لتعويض السوائل والعناصر الأساسية الأخرى التي تضيع من جراء الإسهال والتقيؤ. كما ينبغي وصف المضادات الحيوية لعلاج أنواع العدوى الثانوية التي تترافق مع الإصابة بالحصبة المُضعفة للمناعة؛ وهذه العدوى الثانوية تصيب العين والأذن، إلى جانب تسببها بالتهاب رئوي. ومن أجل تحسين فرص بقاء الطفل المريض على قيد الحياة، فمن الأهمية بمكان تزويده بكميات كافية من الغذاء والسوائل. ومع شيوع سوء التغذية في مجتمعنا فتبدو تجلياته واضحة مع تدني مناعة الأطفال وضعف البنية والهُزال، وبذلك ينبغي تلقي الأطفال الذين ثبُت بالتشخيص إصابتهم بالحصبة، جرعتين من فيتامين" أ " الداعم لمناعة الجسم والمفيد لصحتهم، مع ضمان مرور(24)ساعة بين الجرعة والأخرى، يليها جرعة ثالثة بعد(14)يوماً على الجرعة الأولى، لاسيما للأطفال الذين لديهم أعراض نقص فيتامين " أ "، عدا أنه مفيد جداً للجسم ليتمكن من مقاومة مرض الحصبة الذي يستنفذ مخزونه من هذا الفيتامين الحيوي. ففوائد فيتامين "أ" - من شأنه إذا أعطي للطفل المصاب بالحصبة- أن يساعد على توقي العمى والأضرار التي تلحقه الإصابة الوخيمة بالعينين. في حين تبين الدراسات أن التغذية التكميلية المتضمنة أغذية غنية بفيتامين " أ " تسهم في التخفيف من شدة مرض الحصبة وخفض عدد الوفيات الناجمة عنه بنسبة لا تقل عن (52%). ومن الإجراءات المهمة للوقاية من الحصبة يأتي التحصين بمثابة تدخلٍ فاعل ذي جدوى صحية واقتصادية كبيرة، حيث أن تطعيم الأطفال بشكلٍ روتيني وفي حملات التحصين في البلدان التي ترتفع فيها معدلات الإصابة والوفاة بالحصبة من الاستراتيجيات الصحية الرئيسية للحد من الوفيات بهذا المرض. ذلك لأن اللقاحات عموماً ومنها لقاح الحصبة مأمونة وناجعة، إذ يوصى بإعطاء جرعتين من هذا اللقاح لضمان مناعة أكثر كفاءة في جسم الطفل لتعمل على الحد من الإصابة بالمرض، فلا تتطور المناعة بما فيه الكفاية لدى(15%)من الأطفال المُطعمين بالجرعة الأولى من هذا اللقاح، بل عند إعطائهم الجرعة الثانية. الأمر الذي دفع بمنظمتي الصحة العالمية واليونيسيف لوضع إستراتيجية قبل سنوات تكفل الحد من معدلات وفيات الحصبة، وتتوخى تلك الإستراتيجية تحقيق أربعة أغراض وهي:- - العمل في إطار الخدمات الصحية الروتينية،على توفير جرعة من لقاح الحصبة لجميع الأطفال عند بلوغهم تسعة أشهر من العمر أو بعد ذلك بفترة قصيرة. - إتاحة فرصة ثانية لجميع الأطفال كي يستفيدوا من التحصين ضد الحصبة، على أن يتم ذلك - عموماً- في إطار الجرعة التنشيطية الروتينية عند بلوغ الطفل السنة والنصف من العمر أو عن طريق حملات التطعيم الجماعية أو الوطنية. - تعزيز خدمات الرعاية الصحية والمنزلية للمصابين بالحصبة، بما في ذلك توفير مكملات الفيتامين(أ). - وضع آلية فعالة لترصد الحصبة. إلى هنا يصل بنا الحديث إلى منتهاه، داعيين الآباء والأمهات إلى تحصين أطفالهم خلال حملة التحصين الوطنية ضد أمراض الحصبة والحصبة الألمانية وشلل الأطفال المزمع تنفيذها من(9-18نوفمبر2014م) في جميع محافظات الجمهورية، وأهيب بهم بألا يتخلفوا عن تطعيم جميع أطفالهم المستهدفين عبر المرافق الصحية أو المواقع المؤقتة المُستحدثة كالمدارس أو المقرات التي يعلن عنها للناس في عموم مناطق المحافظات، حيث أن المستهدفين بلقاحي الحصبة والحصبة الألمانية هم الأطفال والمراهقين من عمر(9أشهر-15عاماً) بمن فيهم جميع من طعموا ضد الحصبة سابقاً وحتى الذين أصيبوا بها من قبل، ولا يستثنى من اللقاح سوى الحوامل والأطفال دون سن تسعة أشهر. بينما المستهدفين بلقاح شلل الأطفال جميع من لم يتجاوزوا سن الخامسة حتى من سبق تحصينهم والمولودين حديثاً. وليس ما يبعث على منع التطعيم في حملة التحصين الوطنية، حتى إذا كان الطفل يُعاني مرضاً طفيفاً كالحمى العادية أو الإسهال، أو نزلة برد أو زكام، كذلك ضعف البُنية ومن يعاني الهُزال لا يُقصي من التحصين باعتباره ضرورة من ضرورات الوقاية الصحية المهمة جداً لجميع الأطفال المستهدفين بلا استثناء. إنه نداء نرسله للجميع.. آباء وأمهات، وإلى كل فرد في المجتمع، ففي كل يوم من أيام الحملة ينتظر أبناءكم عاملون صحيون شرفاء؛ يباشرون عملهم بالتطعيم من الصباح الباكر وحتى فترة ما قبل المغيب دون كللٍ أو ملل. * المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان