دخلت الحرب الإعلامية والسياسية بين السعودية وإيران منعطفا جديدا حيث لوح الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد ب'قرارات مناسبة' ستتخذها بلاده إذا لم يتلق مواطنوها معاملة 'مناسبة' خلال أدائهم مناسك الحج في السعودية. وقال نجاد، لدى اجتماعه مع أعضاء المجلس الأعلى للحج في إيران، إن بلاده ستتخذ 'قرارات مناسبة' في حال لم يتلق الحجاج الإيرانيون معاملة مناسبة خلال موسم الحج، في السعودية. وأضاف، في تصريح أورده له تلفزيون 'العالم' الإيراني الذي يبث باللغة العربية، ان 'موسم الحج يعتبر فرصة استثنائية للدفاع عن القيم الإسلامية، وان اجتماع المسلمين وخاصة الحجاج الإيرانيين سيفشل مؤامرات الأعداء ويزيد من وحدة المسلمين'. وأكد الرئيس الإيراني على ضرورة الاستفادة من كافة طاقات هذه الشعيرة ومنها البراءة من المشركين، باعتبار ذلك فرصة استثنائية. وأشار احمدي نجاد إلى الإجراءات التي قال إن الشعب الإيراني اتخذها 'لإحباط مؤامرات الاعداء وتحقيق الانتصارات'، مضيفاً أن 'العالم يزداد شوقا لسماع نداء الشعب الإيراني وتعزيز العلاقات معه'. ويخشى بعض المراقبين ان يكون الرئيس الايراني يهدد بقيام الحجاج الايرانيين بمظاهرات صاخبة اثناء موسم الحج على غرار تلك التي وقعت في منتصف الثمانينات وادت الى صدامات دموية مع الشرطة السعودية واسفرت عن مقتل 400 حاج على الاقل مما احدث ازمة حادة بين البلدين. ودعا الرئيس الايراني الى ضرورة التزام الحجاج وخاصة الإيرانيين بالامور الصحية للحيلولة دون الإصابة بالأمراض المعدية، 'لا سيما (فيروس إتش 1 إن 1) انفلونزا الخنازير'. وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي انتقد التعرض 'للمسلمين الشيعة' في الأماكن المقدسة في السعودية، واعتبر ان هذه 'الاعتداءات' تستهدف وحدة المسلمين وتخدم الأهداف الأمريكية وأجهزة المخابرات الأجنبية، وحث الحكومة السعودية على القيام بواجبها في التصدي لذلك. وتزايدت حدة الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية على اثر المعارك الدائرة في صعدة بين المتمردين الحوثيين وقوات الجيش اليمني. ودعت صحيفة سعودية بلادها إلى عدم السكوت على التدخل الإيراني في شمال اليمن الذي من شأنه إقلاق أمن المملكة، وطالب كاتب سعودي حكومة بلاده بمواجهة إيران وإشعال ألف حريق في بلاد فارس، في إشارة إلى إيران، لأنهم، بحسب الصحيفة، على ما يبدو لا يفهمون سوى هذه اللغة. يأتي ذلك بينما تواصل قناة 'العالم' الإيرانية استضافتها لاقطاب المعارضة السعودية امثال الدكتور سعد الفقيه رئيس الحركة الاسلامية للاصلاح المعارضة، والدكتور محمد المسعري، وتتهم ايرانالرياض واعلامها بشن حرب إعلامية شاملة على إيران واستثمار الوضع الداخلي اثناء الانتخابات الاخيرة ودعم الاصلاحيين الايرانيين. ويقول محللون ان السعودية 'تدافع بقوة عن نفوذها في منطقة الخليج، ولا تريد أن تقع بين كماشة النفوذ الإيراني على حدودها مع العراق، وعلى حدودها الجنوبية الغربية من ناحية اليمن'. وقال خبير في الشؤون الأمنية والدراسات السياسية إن إيران تشن منذ انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية حملة واسعة ضد السعودية من خلال وسائل الإعلام المقربة منها، عبر ربطها بتنظيم القاعدة أو بالعداء للشيعة، وتحويل الأنظار عمّا يحدث في داخلها. وقال مصطفى العاني، مدير قسم الأمن الوطني ودراسات الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث في دبي بالإمارات العربية المتحدة، إن مركزه يراقب تزايد الحملة الإعلامية من أوساط إيرانية أو مقربة من طهران ضد السعودية. وأوضح العاني 'منذ انتخاب نجاد هناك حملة واضحة ضد الرياض، وقد شاركت فيها الفضائيات المحسوبة رسمياً على إيران، والتي تتحدث منذ فترة عن خلافات في الأسرة الحاكمة بالرياض وعن (اضطهاد الشيعة) بالسعودية أو عن علاقة المملكة بتنظيم القاعدة'.
وزير الحج السعودي يرد على خامنئي ونجاد: لا لتسييس الحج وحذر وزير الحج السعودي فؤاد بن عبد السلام الفارسي من استغلال الحج لأغراض سياسية. وقال الفارسي، رداً على تصعيد من القيادات الإيرانية ولا سيما المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي والرئيس محمد أحمدي نجاد، إنتقاداتها لما اعتبرته إساءة للحجاج الشيعة إلى المشاعر المقدسة في السعودية، إنه لا يجب أن يستغل الحج لأغراض سياسية ذاتية وذات أجندة خاصة.
ونقلت صحيفة الوطن السعودية الأربعاء عن الفارسي قوله إن القاصي والداني يعلم ما تقوم به المملكة وقيادتها من بذل كل الجهود ومن خلال لجنة الحج العليا لتسهيل أداء النسك لكافة حجاج بيت الله الحرام الذين تربو جنسياتهم على أكثر من 85 جنسية وكلها تثني على جهود المملكة والتطور الدائم المشهود في المدينةالمنورة ومكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
وكان خامئني قد أطلق حملة وصفتها الصحيفة السعودية بأنها مفتعلة لتأليب الحجاج الإيرانيين ضد السعودية، خلال لقائه المسؤولين إيرانيين عن الحج الاثنين الماضي، بسبب ما أسماه تصرفات غير إنسانية وغير أخلاقية ضد الحجاج الإيرانيين.
واعتبر خامنئي توجيه الإهانات للمسلمين الشيعة في البقيع أو في المسجد الحرام أو المسجد النبوي إنما يصب لصالح الأهداف الأمريكية، ودعا الحكومة السعودية إلى القيام بواجبها لمواجهة مثل هذه الحوادث، وأكد أن بلاده سيكون لها موقف آخر في حال الاستمرار بتلك الأساليب.
وفي السياق نفسه، قال الرئيس الإيراني الثلاثاء إن بلاده ستتخذ قرارات مناسبة إذا لم يتلق مواطنوها معاملة مناسبة خلال أدائهم مناسك الحج في السعودية حسب زعمه، واعتبر أن موسم الحج فرصة استثنائية للدفاع عن القيم الإسلامية، مطالباً بضرورة الاستفادة من كافة طاقات هذه الشعيرة ومنها البراءة من المشر?ين.
ويذكر أن مراسم (البراءة من المشركين) التي كانت قد بدأت بناء على دعوة مؤسس قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني، ووضعت المسيرات التي جرت على مدى سنوات خلال موسم الحج في إطار سعي إيران لإثبات قوتها، غير أن إحدى هذه التظاهرات، خلال موسم حج العام 1987، تحول إلى صدامات دامية عندما حصلت اشتباكات بين البعثة الإيرانية وقوى الأمن السعودية أسفرت عن سقوط المئات من القتلى والجرحى معظمهم من الإيرانيين.
وقاطعت إيران مواسم الحج لسنوات قبل أن تعود وتستأنف إرسال حجيجها في 1998 إلى السعودية، لكن أداء تحركات البراءة من الكفار تنفذ داخل خيام الحجاج الإيرانيين، وهو ما تدعو له السلطات السعودية وترفض أن تخرج التحركات من إطار الخيام.