خلال الفترة الفاصلة ما بين 2007م و 2012م، أي خلال ست سنوات أنجزت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وتصرفت بالعديد من القضايا ذات العلاقة بمكافحة الفساد برغم المعوقات التشريعية والقانونية والإدارية التي حالت دون تمكينها من انجاز العديد من القضايا طيلة ست سنوات مضت. أي منذ إنشائها وحتى التاريخ، ما يعني ان الفساد في اليمن كان ومايزال مسنودا بنصوص قانونية شديدة الوضوح فضلا عما بين ثنايا نصوص أخرى من النصوص واللوائح بالإضافة الى وجود مراكز قوى شكلت في وجودها معوقا مضافا حال دون إقتدار الهيئة من تنفيذ العديد من القضايا ولإنصاف الهيئة مما طالتها من إتهامات في التقصير في أدائها لمهامها ومن نعوت وإسقاطات ظلت محكومة بإصدار الأحكام القيمية المسبقة المجردة عن الموضوعية وتسييس التوجهات سنعرض في البداية بعضا من المعوقات السالفة ذكرها والتي قامت الهيئة بتحديدها وطبعها في شكل مصفوفة تحت مسمى "مصفوفة المعوقات التشريعية والإدارية للبت في قضايا الفساد". ثم سنورد أهم القضايا التي تعاطت معها الهيئة بالتصرف والحقوق المالية المستردة فعليا لخزينة الدولة. أولا: المعوقات التشريعية الواردة في الدستور: أ- تنص المادة "82" الواردة في الدستور على: "لا يجوز ان يتخذ نحو عضو مجلس النواب أي إجراء من إجراءات التحقيق او التفتيش او القبض او الحبس او أي إجراء جزائي إلا بإذن من مجلس النواب، ما عداء حالة التلبس، وفي هذه الحالة يجب اخطار المجلس فورا.." وذلك النص لم يحدد مدة معينة يتم خلالها رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب في حالة ارتكابه لأي جريمة وذلك يعتبر عائقا تشريعيا امام النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية ضد أعضاء مجلس النواب. وتتعارض مع مبدأ سيادة القانون للجميع وتغاير مبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات. ب- المادة "128" من الدستور تنص على: "يكون إتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى او بحق الدستور او بأي عمل يمس باستقلال وسيادة البلاد بناءا على طلب من نصف أعضاء مجلس النواب ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضائه، ويبين القانون إجراءات محاكمته، فإذا كان الاتهام موجها الى رئيس الجمهورية تباشر هيئة رئاسة مجلس النواب مهام رئاسة الجمهورية مؤقتا حتى يصدر حكم المحكمة، ويجب ان يصدر القانون المشار إليه خلال دور الإنعقاد العادي الأول لمجلس النواب التالي بسريان هذا الدستور وإذا حكم بالإدانة على أي منهما اعفي من منصبه بحكم الدستور مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى وفي جميع الحالات لا تسقط بالتقادم أي من الجرائم المذكورة في هذه المادة، ومضمون الإعاقة هنا ان المادة "128" حصرت الجرائم التي تقع من رئيس الجمهورية ونائبه على جرائم الخيانة العظمى وخرق الدستور والمساس باستقلال وسيادة الدولة ولم تُجرم الاعتداء على المال العام من قبلهما". ج- المادة "139- 1" تنص على: "لرئيس الجمهوري ولرئيس مجلس النواب حق إحالة رئيس الوزراء او نوابه او الوزراء ونوابهم الى التحقيق والمحاكمة عن ما يقع منهم من جرائم أثناء تأدية اعمال وظائفهم او بسببها، ويكون قرار مجلس النواب بالإتهام بناءا على إقتراح مقدم من خمس أعضائه على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس". وأمام هذه المادة فان إجراءات رفع الحصانة الممنوحة لرئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم يمثلوا عائقا أمام جهود مكافحة الفساد. د- المادة "153- ه" تنص على: "المحكمة العليا للجمهورية هي أعلى هيئة قضائية ويُحدد القانون كيفية إنشائها يبين اختصاصاتها والإجراءات التي تتبع امامها وتمارس على وجه الخصوص في مجال القضاء ما يلي: ه- محاكمة رئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وفقا للقانون ومضمون هذه الإعاقة هي، ان النص اسند للمحكمة العليا محاكمة شاغلي الوظائف التنفيذية العليا في الدولة وفوت عليهم درجات التقاضي الأخرى كما ان هناك نص خاص بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولكنه لا يتضمن استقلاليته، بالإضافة الى عدم وجود نصوص دستورية صريحة تؤكد مبدأ الشفافية والمسائلة والنزاهة. ثانيا: المعوقات التشريعية الواردة في القوانين النافذة: أ- القانون رقم "14" لسنة 1990م بشأن الجمارك وبالتحديد المادة "206" التي ورد في نصها: "لا يجوز رفع الدعوى في المخالفات الجمركية وجرائم التهريب الا بناءا على طلب خطي من رئيس المصلحة او من يفوضه بذلك وهذه المادة قيدت تحريك الدعوى الجزائية في المخالفات الجمركية وجرائم التهريب، بناءا على طلب خطي من رئيس المصلحة او من يفوضه بذلك، وهذا يشكل عائقا تشريعيا وحماية للفساد". ب- القانون رقم "1" لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية المواد "96-59-67-68-69-70-89-90-91-92". ومضمون الإعاقة في القانون السابق والمواد الواردة فيه: أ- تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية ممثلة بوزير العدل او مجلس الوزراء. ب- تعيين رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى بقرار من رئيس الجمهورية. ج- عدم وجود محكمة دستورية عليا. د- عدم وجود قضاء إداري مستقل، وموازي للقضاء العادي، وهذه النصوص بالإضافة الى نصوص أخرى في قانون السلطة القضائية تخول لوزير العدل صلاحيات تتعلق بالقضاء والمفترض ان تكون من اختصاص مجلس القضاء الأعلى لضمان الاستقلالية للسلطة القضائية. ه- القانون رقم "1" بشأن السلطة القضائية ، المواد "87- 88". فالمادة "87" تنص انه في حالة التلبس لا يجوز القبض على القاضي او حبسه إحتياطيا إلا بعد الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى ويجب على وزير العدل عند القبض على القاضي في حالة التلبس او حبسه ان يرفع الأمر فورا الى رئيس مجلس القضاء الأعلى ليأذن باستمرار حبسه او يأمر بإخلاء سبيله، بضمان او بغير ضمان. ذلك القانون الذي وردت فيه المادات قيد الإذن برفع الحصانة الممنوحة لأعضاء السلطة القضائية في حالة ارتكابهم لجرائم جنائية. و- القانون رقم "39" بشان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة المادة "3". ز- القرار الجمهوري في القرار الجمهوري رقم "39" لسنة 1992م بشأن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة المادة "11-18". ح- القرار الجمهوري بالقانون رقم "39" لسنة 1992م بشأن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة المادة "17- أ". مخالفة القواعد والإجراءات ان القوانين السالفة بما وردت فيها من مواد تنص بالإضافة إلى نصوص أخرى على استقلالية الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلا ان تبعيته لرئيس الجمهورية، لا يحقق المعنى الكامل للاستقلالية، وقيدت الرقابة المصاحبة والمسبقة بقرار رئيس الجهاز كما قيدت الجهاز بإحالة التقرير المتضمن لوقائع جنائية للجهة الإدارية باتخاذ الإجراءات القانونية خلال 30 يوما وأعتبرت أن مخالفة القواعد والإجراءات المالية المنصوص عليها في الدستور وإجراءات تنفيذ الموازنة والتقصير والإهمال وصرف أموال الدولة بغير حق "مخالفات مالية فقط" كما تضمنت المصفوفة العديد من القرارات الجمهورية بقوانين مثلت في مجملها إعاقات لمهام الهيئة، ووضعتها في "قفص الاتهام" والتقصير وعدم تحقيقها للمهام المناطة بها، قياسا بالفترة الفاصلة بين تشكيلها وحتى التاريخ، كالقرار الجمهوري في القانون رقم "12" لسنة 1994م، بشأن الجرائم والعقوبات الذي صدر دون إقراره من مجلس النواب وغيرها من القرارات والقوانين بما فيها القرار الجمهوري في القانون رقم "12" لسنة 1995م بشأن أراضي وعقارات الدولة، المادة "2" والقرار الجمهوري بالقانون رقم "19" لسنة 1999م بشأن تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار والغش التجاري المادة "23" ولم تستثن المصفوفة القوانين الصادرة بشأن إقرار الذمة المالية كالقانون رقم "30" المادتين "5" و "6" والقانون رقم "30" بشأن الذمة المالية المادة "14"، والقانون رقم "39" لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد، المادة "2"، واعتبرت الهيئة ان ما ورد فيها يشكل معوقات لأداء الهيئة لمهامها بالإضافة إلى إيراد المعوقات الإدارية والتنفيذية المشتركة لدى الجهات المعنية بمكافحة الفساد وحماية المال العام والمعوقات الإدارية والتنفيذية الخاصة بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والخاصة بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وحددت الهيئة مضامين الإعاقة ومشاريع المعالجات لكل نص على حدة وبما يمكن الهيئة من أداء مهامها بعيدا عن التداخلات وازدواجية الاختصاصات وبرغم ذلك كله فقد تمكنت الهيئة من تحقيق عدد من الانجازات التي لم ترق إلى مستوى طموحاتها ولا طموحات الشعب قياسا بالمدى الزمني الفارقي خلال الفترة الممتدة من 2007م إلى عامنا الجاري 2012م وعلى النحو التالي: أولا: القضايا التي تم التصرف يها من قبل الهيئة بالإحالة إلى النيابة العامة قامت الهيئة بالتصرف في العديد من القضايا بالإحالة إلى النيابة العامة خلال الفترة 2007م-2012م لعدد "97" قضية. ثانيا: القضايا التي تم التصرف فيها من قبل الهيئة إداريا: قامت الهيئة بالتصرف اداريا في عدد من القضايا المنظورة أمامها والتي كان من شأنها تكبيد الخزينة العامة للدولة مبالغ طائلة على النحو التالي: 1- إيقاف مشروع توليد الطاقة الكهربائية بالطاقة النووية التي تصل كلفته الى 15 مليار دولار. 2- وقف صرف تعويضات فوارق أسعار غير قانونية في عدد من مناقصات الكهرباء بمبلغ 28 مليون دولار. 3- إعادة عدد 35 قاطرة الى بلد المنشأ تحتوي على زيوت مستخدمة يتم بيعها داخل البلاد على أنها "مازوت". 4- تم توقيف جباية ما يسمى حساب الفوارق الذي تم فرضه في بعض المحافظات على المواطنين فوق حساب الزكاة المستحقة شرعا وقانونا بواقع 10% من قيمة الزكاة والأمر بتوريد الأرصدة المالية والمودعة في هذا الحساب الى حساب الحكومة العام. 5- وقف التلاعب بالمرتبات والمستحقات الشهرية الخاصة بالطلاب المبتعثين بالخارج والتصدي لموضوع عهد الملحقيات الثقافية في وزارة التعليم العالي ومراجعتها ومتابعة تصفيتها والتي قدرت بمبلغ "16000000000" حيث تم تصفية 8 مليارات ريال حتى نهاية 2010م وما تبقى منها ما يزال في علم الغيب. 6- وقف عملية الصرف المالي المزدوج من قبل الأخوة الوزراء من موازنات الدولة ومن الشركات والمؤسسات الخاصة لإشرافهم حيث قامت الهيئة في ظل نتائج المتابعة والدراسة لهذا الموضوع باستصدار قرار من قبل مجلس الوزراء بوقف عمليات الصرف وتعميمه من قبل وزارة الخدمة المدنية على جميع الوزارات والمؤسسات. 7- وقف التلاعب بعملية التوظيف في المحافظات. 8- التصدي مع الجهات ذات العلاقة لمنع دخول المبيدات الخطرة شديدة السمية الممنوعة التداول الى البلاد والتخاطب مع وزارة الزراعة لإلغاء قيد احدى الشركات الأردنية المصنعة للمبيدات "فاي كو" لتعمدها الغش وقيامها بإرسال شحنة تتكون من خمس حاويات تحتوي على مبيدات ممنوعة بشدة غير مصرح بدخولها في كراتين تحمل أسماء لمبيدات مسموح بتداولها سبق التصريح لأحد التجار باستيرادها من قبل وزارة الزراعة، كما خاطبت الهيئة كافة الجهات المعنية بإلزام التاجر الذي قام باستيرادها بإعادتها الى بلد المنشأ، واخذ الضمانات الكفيلة بذلك. 9- استعادة مزرعة الجرابح التابعة للمؤسسة العامة لإكثار البذور المحسنة ومنع التفريط بها وهي مال عام، تتجاوز قيمتها مليارات الريالات. 10- توقيف عدد من المناقصات التي كان من شانها تكبيد الخزينة العامة لعشرات الملايين من الدولارات. 11- قامت الهيئة بتوجيه الجهات المعنية بشان توقيف إجراءات التعاقد لتنفيذ مشروع إنشاء مطار خاص لشركة استكشافات نفطية في القطاع "اس 2" بمنطقة العقلة- محافظة شبوة- الذي كانت تكلفته تصل لعشرات الملايين من الدولارات وعدم وجود جدوى اقتصادية لإنشاء المطار في ظل الظروف الاقتصادية التي يعيشها الوطن. 12- التوجيه بحجز مبلغ 3552040000 من رصيد الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد على ذمة التعويض وعدم الصرف حتى يتم التأكد من صحته الوثائق والاستحقاقات للتعويض وفقا للطريقة والإجراءات التي رسمها القانون رقم "1" لسنة 1995م بشان الاستملاك للمنفعة العامة. 13- إلغاء الإجراءات المخالفة للقانون والمتمثلة في تسليم وإسقاط مساحة 491367 متر مربع، من الجهة الغربية لأراضي حرم المطار لما يسمى نادي الهلال الرياضي وإعادة تلك المساحة الى حرم المطار على ان يُمنح نادي الهلال مساحة 90 ألف متر مربع التي كان قد رفع بها إقتراح من مكتب الأراضي في موقع آخر في الأرض التي كانت قد خصصت لمشروع كويت الخير، شمال مدينة الحديدة على شمال شارع التسعين لعدم تنفيذ مشروع كويت الخير فيها. ثالثا: الحقوق المالية المستردة فعليا لخزينة الدولة تناولت الدولة العديد من القضايا التي تم معالجتها وحسمها من قبلها وتمكنت خلالها من استعادة الكثير من الأموال وحماية الأموال العامة ووقف بعض المخالفات لأحكام القوانين ومن ذلك: 1- مبلغ 4000000000 ريال، تم دفعها من شركة "ام تي ان" مقابل التسوية الودية مع مصلحة الضرائب والذي تصدت لها الهيئة بكل قوة مما دفع بالشركة الى التسوية الودية. 2- التصرف بعدد من القضايا الجمركية وإلزام رئاسة المصلحة بتوريد قيمة الضمانات عن البيانات الجمركية المعلقة التي حلت مواعيدها الى حساب الحكومة العام والتي بلغ ما تحصل منها خلال النصف الأخير من العام 2010م 7 مليارات و164 مليون و917000 الف و805 ريالات مع إلزام المنافذ بالحد من هذا المسلك منعا للتلاعب. 3- مبلغ 430 مليون التي تم دفعها من قبل المؤسسة الوطنية للنفط مقابل فارق قيمة الدفع بين السعر العالمي والسعر المحلي، بكمية مادة الديزل التي قامت الهيئة بحجزها في منشآت خزانات حجيف، في شهر ديسمبر 2008م. 4- الحصول على كمية 511 ألف جرعة تقريبا من اللقاح الخماسي بما قيمته أكثر من مليون و500 ألف دولار مجانا، وذلك من قبل احدى الشركات المصنعة للقاح ومنظمة اليونسف عوضا عن كمية اللقاح التي قامت المنظمة بتوريدها في شهر مايو 2010م، وهي متأثرة بالدرجة الثانية، حيث اعترضت الهيئة وقت ذلك على قبولها لضيق هامش السلامة فيها، وقرب انتهاء صلاحيتها. 5- تجنيب خزينة الدولة من دفع أكثر من 20 مليون دولار كان احد تجار التوريدات قد تحصل على أوامر بصرفها له مقابل تعويضات اسعار لعدد من مقاولات التوريدات التي ابرمها مع احدى المؤسسات الحكومية في السنوات السابقة لعام 2007م 6- تجنيب خزينة الدولة من تحمل أعباء بعض الأعمال الإنشائية غير الضرورية كانت شركة "omv" تعتزم القيام بها وذلك بقيمة 60 مليون دولار. 7- استرداد مبلغ 349 مليون ريال و599 ألف و80 ريال من المؤسسة الوطنية للنفط، وإيداعها خزينة الدولة "مرحلة ثانية". 8- كما تم استرداد مبلغ 15395000 ريال "942204" ألف دولار في عدد من القضايا المرفوعة الى النيابة العامة. • نقلا عن صحيفة (حشد)