لا شك بدا مفاجئاً لكثيرين قرار الولاياتالمتحدة بعدم منح "أسطورة" كرة القدم الأرجنتيني، دييغو أرماندو مارادونا، تأشيرة دخول إلى أراضيها حيث كان يعتزم القيام برحلة سياحية مع حفيده إلى "ديزني لاند" في ولاية فلوريدا. تخيلوا أن أهم لاعب في تاريخ كرة القدم (بحسب تصويت المشجعين) والذي أدخل الفرحة الى قلوب العالم بأسره من خلال فنياته وموهبته التي لم يضاهيه فيها أحد حتى الآن، ممنوع من أن تطأ قدماه أرض بلاد "العم سام"، لا لسبب، سوى لمواقفه السياسية. فالبلاد التي تتغنى برفعها لواء الحريات لم تتوان عن معاقبة رمز كبير في كرة القدم بسبب تعبيره عن رأيه! مارادونا لم يحمل طبعاً سلاحاً ولا حاك مؤامرات ضد أميركا، كل ما فعله هذا النجم التاريخي أنه عبّر بصراحة عن موقفه السياسي. بطبيعة الحال، لم يرق الولاياتالمتحدة الزيارة الأخيرة التي قام بها مارادونا لفنزويلا حيث لم يتوان عن الخروج الى الجماهير المحتشدة في العاصمة كاراكاس مرتدياً قميصاً أحمر اللون ومعلناً دعمه الكامل للمرشح لمنصب رئيس الجمهورية نيكولاس مادورو في وجه مرشح المعارضة المدعوم أميركياً، هنريكي كابريلس، مؤكداً بقاءه على النهج السياسي الذي خطه الرئيس السابق، هوغو تشافيز، حيث لم يكتف بالتعبير عن ذلك بالكلمات بل كتب على قميصه عبارة: "القائد تشافيز". في حقيقة الأمر، ليست الزيارة الفنزويلية الأخيرة هي الوحيدة التي أثارت غيظ الولاياتالمتحدة من مارادونا، إذ إنها كانت تنتظر أي فرصة مؤاتية للنيل منه وذلك نظراً لتاريخه الحافل بالمواقف والمحطات التي لم يكتف فيها بمصافحة وتحية من تضعهم الولاياتالمتحدة في خانة أعدائها، بل إنه لم يتوان عن تصويب إنتقادات حادة مباشرة للسياسة الأميركية. ففي إحدى جلساته مع تشافيز، الذي ربطته به علاقة صداقة قوية تجلت بأبهى حللها عندما مد الرئيس الفنزولي الراحل يد العون للنجم الارجنتيني خلال انتكاساته الصحية، توجه مارادونا لتشافيز قائلاً: "أنا اكره كل شيء يأتي من الولاياتالمتحدة. أنا أكرهها بكل قوتي". أعلن مارادونا مراراً وبصراحة تضامنه مع القضية الفلسطينية ولعل ما أغضب الولاياتالمتحدة أكثر هي تلك المواقف العديدة التي أعلن فيها مارادونا صراحة وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية مهاجماً بشدة العدو الإسرائيلي وكان آخرها قبل أيام قليلة من ذكرى النكبة ال 65 عندما رفع الوشاح الفلسطيني عالياً وهو يبتسم لدى حضوره حفل الإفتتاح الرسمي لتصفيات كرة القدم لأولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي تستضيفها دبي، وذلك بعد أن كان قد ارتدى الكوفية الفلسطينية التي أهداه إياه أحد معجبيه الفلسطينيين بعد حصة تدريبية لناديه السابق الذي كان يشرف على تدريبه الوصل الإماراتي. وبين هذا وذاك، لم تهضم الولاياتالمتحدة طبعاً قيام مارادونا عام 2007 بإهداء الشعب الإيراني قميصه خلال لقاء جمعه بمحسن بهرفاند أعلى دبلوماسي إيراني في الأرجنتين حيث قال على مسمعه: "لقد قابلت الرئيس الكوبي فيديل كاسترو والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، وأريد الآن أن أقابل الرئيس الإيراني (السابق محمود أحمدي نجاد). انا أساند شعب إيران بكل قلبي". كل هذه المواقف التي أدلى بها مارادونا إذاً، كان ثمة في الولاياتالمتحدة من يدونها له، حتى جاءت اللحظة التي ردت فيها عليه بمنعه من زيارة أراضيها للسياحة. منع لا شك سينظر اليه محبو هذا النجم والمعجبين بمواقفه على أنه وسام جديد على صدره. وسام سيتغنى به هؤلاء تماماً كما وشَمَي كاسترو ومواطنه الثائر أرنستو تشي غيفارا اللذين يحتلان جسد "أسطورة" كرة القدم الأرجنتيني. المصدر: