نت: متابعات: "إذا عدت تعز أخفيت العود عن عين والدي، وإذا كنت في عدن وعدت للمنزل أخفيته عنه أيضاً" رغم حرص أيوب إلا أن أخبار غنائه وعزفه على العود وصلت إلى والده، ولأن مكان عمله كان يوفر سكناً خاصاً بالموظفين، أتيحت للشاب أيوب البقاء بعيداً عن أعين والده. "كنت انتظر حتى ينام كل من في السكن وأصعد إلى السطح وأعزف على العود متدرباً لوحدي على أوتاره وأحاول أن أعيد الألحان التي أسمعها". وعلى ما يبدو أن والده وبعد أن وصلته الأخبار بغناء ابنه وسط أصدقائه، عنفه وأعاده للسكن معهم في منزلهم، إلى أن تدخل أصدقاء الأب ونصحوه بأن يأخذ أبنه ويراقبه بدلاً من منعه الغناء، طالما وهذه رغبته. في السكن الخاص بالعمل، خصص صاحب العمل مبرزاً وهو مجلس شعبي يبنى بصورة منفصلة عن بناء البيت ويستخدم للقاءات بين الأصدقاء والأقارب والسمر، وفي ذلك المكان كان أيوب يغني لأصدقائه ويسمرون الليالي، وكان يحضر عدداً من الفنانين بمدينة في ذلك الوقت، وحينها ولد أيوب كفنان. حصل على قصائد بصورة مجانية من أصدقائه لحنها وأداها، واقتصر ذلك مجلس صاحب العمل، إلا أن أصدقائه شجعوه للغناء في حفلات الأعراس. كان عرس أحد أصدقائه هو بداية لقاءه مع الجمهور، غنى في العرس وحظي بإحتفاء الجميع به، ليشتهر بغنائه وصوته المميز في مدينة عدن وما حولها، وتصل أخباره إلى قريته ويحتفي به الجميع. بعد أن ذاع صيته أعتمد ايوب على عدد من المؤلفين الذين كانوا يرسلون له كلمات أغانيه ليلحنها بعد ذلك ويؤديها بصوته الشجي وبمشاعر اليمني المحب لأرضه ووطنه ومن هؤلاء شقيقه محمد طارش، الذي كان ممن شجعوهه على الغناء. وبصوت ايوب الجياش، الذي غلب عليه قليل من التعب دندن في لقائنا معه كلمات أول أغنيه كتبها له شقيقه محمد، ولحنها هو لتصبح بداية دخوله عالم الفن والشهرة وهي أغنية تحمل اسم "رسالة حبيب"، وتقول كلماتها"بالله عليك وامسافر لا لقيت الحبيب/ بلغ سلامي إليه وقل له كم باتغيب/أمسيت اناجي القمر والناس جمعه رقود/ أدعي لربي واقول ايحين با يعود". وبالرغم أن أيوب لم يحقق امنية والده بأن يصبح قاضياً، إلا انه أصبح فخراً لوالده، ولكل فرداً في اليمن، وقامة فنية يشار لها بالبنان. خلال مسيرته الفنية التي بدأت في ستينيات القرن المنصرم، درس ايوب في المعهد الموسيقي العربي في القاهرة في الفترة 1974 -1976، وشارك في العديد من المهرجانات والإحتفالات داخل اليمن وخارجها، وهو من لحن وغنى النشيد الوطني لليمن. ولهذه الفترة والخاصة بتلحين النشيد الوطني قصة، فأيوب كان واحداً من الفنانين الذين طلب إليهم تلحين أبيات أغنية وطنية ستؤدى في الاحتفالات الوطنية بعد الوحدة اليمنية في 1990، وعندما وجد أن الفنان اليمني الكبير أحمد السنيدار أدى الأغنية التي ستصبح فيما بعد النشيد الوطني في مهرجان أقيم في محافظة عدن. في وقت كان أنهى أيوب تلحينها، فلم يصعد للمسرح بعد السنيدار، ليطلب منه أن يؤديها في ذات الاحتفال في محافظة تعز، وبعد تسجيلها بثت الفقرة في القناة الفضائية اليمنية والقنوات المحلية بصورة مستمرة، ليتم اعتمادها فيما بعد نشيد وطني لليمن. ولا يزال النشيد الوطني حتى الوقت الحالي مرتبطاً بإسمه، كما صوته مرتبطاً بالوطن، بالمزارع، والثورة، والجندي، والمغترب، وبالحب، والسلام. والذي مطلعه:"رددي أيتها الدنيا نشيدي/ ردديه وأعيدي وأعيدي/ وأذكري في فرحتي كل شهيد/ وأمنحيه حللاً من ضوء عيدي". اليوم يعيش فنان اليمن القدير أيوب طارش في عزلة عن الفن، نتيجة لظروف صحية عانى منها منذ العامين الماضيين، حين أجرى عملية جراحيه ليده اليمنى، ما حال دون عزفه على العود مجدداً وهي الآلة التي يعشقها. :"سافرت الى المانيا في 2012 وأجريت عملية ثانية في يدي اليمنى ولم استعد اللياقه في العزف بسبب ارتخاء في العضلات وترهلها". بين اربعة ابناء وابنة وزوجه محبه مخلصه يعيش ايوب برضى، مبيناً ان انشغال ابنائه في العمل لم يساعدهم على الاهتمام بالفن كما كان هو في شبابه. :"عشت أيام جميلة ارتبطت فيها بالفن، وحان الوقت لاعتزل الأجواء الفنية، أقضي وقتي في التعبد إلى ان يوافيني الأجل". في ختام اللقاء قال أيوب بأن كلمات العابد الشيخ الجنيد أحد شيوخ الصوفية في تعز الذي كلما ذهب هناك يزور زاويته، ما تزال حاضرة في ذهنه ويرددها على الدوام وهي:"يا نبياً ماله في الكون مثله/ يا نبياً به هم وشغل"، مؤكداً أنها أصبحت المفضلة إليه. وعلى أي حال فإن سيرته لن تكفيها سطور محدودة لتكتب فيها، ولا بد أننا أغفلنا الكثير، فمحاولة الكتابة عن قامة بحجم أيوب طارش لن تمنحه أبداً ما يستحق.