منذ انهيار حكم الإخوان والجماعة تصر على سيناريو «الأرض المحروقة»، وفضلاً عن رفضها لجميع المبادرات والوساطات المصرية والأجنبية، أصّرت على مواجهة حدثت بخطة أمنية لم تنجح في فضّ اعتصامي «رابعة والنهضة» فحسب، بل واجهت عمليات تفجير منشآت عامة وحرق أكبر عدد من الكنائس في يوم واحد، ضمن مخطط الإخوان المعروف باسم «الأرض المحروقة» الذي يستهدف جر البلاد للحرب الأهلية والطائفية. قال الكاتب الصحفي العربي والسياسي فاروق يوسف، ان حديث جماعة الإخوان المسلمين عن الشرعية لا يعني أن الجماعة صارت تحترم الإرادة الشعبية. أدبياتهم التي هي أساس الفكر الذي اتبعته كل الجماعات الدينية المسلحة وتأثرت به لا ترى في المجتمع إلا مجموعة من الفئات الضالة والفاسدة والجاهلة التي لا يمكن إصلاحها إلا من خلال أخونتها. وأضاف يوسف: وما إصرار قادة الإخوان على وصف ما جرى بعد الثلاثين من يناير السابق على أنه انقلاب عسكري، إلا دليل واضح على عدم قدرتهم على رؤية ملايين الشعب التي خرجت لتعلن من غير لبس رفضها لاستمرار حكمهم وإسقاط الشرعية التي اكتسبوها من قبل بإرادة شعبية. ولأنهم يعتبرون أنفسهم على حق دائما، قال يوسف: فقد كان من الصعب عليهم أن يهبوا جزءا من ذلك الحق إلى الشعب الذي هو من وجهة نظرهم غير مؤهل للتمييز بين الحق والباطل. شعب استعملوا إرادته سلما للوصول إلى السلطة لا يمكنه سوى أن يكون مادة لمشروعهم الذي لا ينص على تدمير مفهوم الدولة فحسب بل وأيضا الحط من مفهوم الوطن واسترخاصه وصولا إلى التخلي عنه، كونه كيانا يتعارض مع التصور الديني الذي لا يعترف بالحدود السياسية للدول.
تعاون مخابراتي ولفت يوسف الى ان: ما لم يكن يعرفه عامة الناس من المصريين، الذين خدعوا بالشعارات الدينية وتم استدراجهم من خلال برامج تضليل وهمية إلى صناديق الاقتراع ليهبوا أصواتهم لمحمد مرسي، أن الجماعة لا تؤمن بالدولة المدنية إطارا قانونيا يتساوى فيه الجميع وهي لا تكترث بسلامة الوطن، هو ملك مواطنيه بغض النظر عن دينهم ولونهم وعرقهم. ولم يستغرب يوسف من أن تلجأ الجماعة إلى تعبئة أتباعها بثقافة الإمتناع عن القبول بالإرادة الشعبية – حد قوله- وتدفع بهم إلى الوقوف في وجه تلك الإرادة، حتى وإن تطلب الأمر اللجوء إلى السلاح. وهو ما كانت تنوي الجماعة القيام به وهي في السلطة، غير أن موقف الجيش فاجأها، وجعلها مضطرة لمواجهة الشرطة وقوى الأمن بدلا من أن تواجه الشعب. وكشف يوسف ان: الجماعة كانت تستعد لحرب شوارع، متخيلة أنها من خلال استعراض قوتها ستهزم الشعب المصري وتعيده طائعا إلى البيت الإخواني. ومن المؤكد أن الجماعة كانت تراهن في صراعها مع الشعب المصري، على مدد سيأتيها من العالم الخارجي. لا من أعوانها في التنظيم العالمي للإخوان وحدهم، بل وأيضا من الولاياتالمتحدة بشكل خاص والعالم الغربي بشكل عام. وهو رهان ينسجم وتاريخ الجماعة الذي لا يمكن تنقيته من وجود الكثير من علامات الاستفهام التي تتعلق بالتعاون المخابراتي وجهات التمويل والدعم، في ظل ميل إلى العنف لم تستبعده الجماعة من قاموسها إلا نظريا ومن أجل أن تخدع الآخرين. ويضيف يوسف: هي الأسباب نفسها التي دفعت الحكومة المصرية منتصف الخمسينات، إلى إصدار قرار بحل الجماعة وحظرها قانونيا واستبعادها من الحياة السياسية. لافتا الى ان الغرب لم يخف وهو الذي يدعي محاربة الإرهاب حسرته على ما جرى للإخوان.
الإخوان يحرقون المراكب أما الكاتب العربي الصحافي أحمد أبو دوح فيرى: رغم ضبابية المشهد في مصر، نستطيع القول أن البلاد تسير في الطريق الصحيح. قد يكون ذلك مناقضا للكثير من المشاهد التي سيطرت عليها أعمال العنف والفوضى، وتلطخت بالدماء، سواء كانت دماء الجيش والشرطة المصريين، أو أعضاء ومناصري جماعة الإخوان المسلمين. كما يرى ان: الدافع الرئيسي وراء هذا التفاؤل يكمن في تصرفات الإخوان أنفسهم، الذين اختاروا اللجوء إلى العنف والوصول في سبيله إلى أبعد نقطة ممكنة، بدلا من إنقاذ الجماعة من مصير حقبة الستينيات (وما أدراك ما الستينيات)، كما اعتاد مرسي أن يردد دائما. واستطرد أبو دوح: أدركت الجماعة أن الغرب لا يتدخل في المنطقة إلا للحفاظ على مصالحه، ومن ثم ظنت أنها هي الكيان الوحيد الذي يمثل هذه المصالح، وأن الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص لن تتوانى في تقديم دعم غير محدود لها. لكن على ما يبدو أن قيادات الجماعة لم تتفهم، في الوقت نفسه، أن استقرار مصر (ومن ثم استقرار المنطقة بأثرها) يعلو على مكاسب وقتية من الممكن أن تحصدها أي إدارة أميركية جراء عودة الإخوان للسلطة من جديد، وأن واشنطن تدرك ذلك جيداً. عندما طالت مدة اعتصام الإخوان، دون أن يحوَّل الغرب وهم التدخل في مصر، الذي كان يسيطر على مخيلة الإخوان، إلى واقع، بدأ شعور بتخلي الجميع عنهم يتسلل إلى نفوس القيادات، ومن ثم لم يكن هناك بديل أمامهم سوى التسوية السياسية، أو اللجوء إلى العنف. وقال ابو دوح: قد يكون من المعروف لدى الجميع أن الجماعة أرادت أن تلجأ الحكومة المصرية إلى تنفيذ تهديداتها باللجوء إلى القوة في فض اعتصاماتها، لأنها تجيد لعب دور الضحية، وتريد الوصول في تحديها للنظام إلى المشهد الذي يظهرها على أنها الضحية. لكن ذلك لم يكن هو السبب الوحيد الذي تمنت الجماعة الدخول من أجله في صدام عنيف مع السلطة الحالية في مصر.
التشكيك في العقيدة ولخص ابو دوح السبب الآخر في: المنهج الذي يقوم على الشحن الديني والمعنوي والذي اتسم بالراديكالية المفرطة في إقناع أنصارها بأن الرئيس المعزول محمد مرسي سيعود مجددا إلى السلطة. حتى وصل الأمر إلى التشكيك في العقيدة الدينية لمن يتساءل أو يجادل في ذلك! وأضاف أبو دوح: كان كثير من البسطاء، داخل مقرات الاعتصام، على اقتناع بأن ما تقوله لهم تلك القيادات هو الحق والصواب، وأن اعتصامهم هذا ما هو إلا شكل من أشكال الجهاد في سبيل الله، وأنه سيتكلل في نهاية المطاف بعودة مرسي مجدداً. ولفت أبو دوح إلى انه: مع طول مدة الاعتصام التي وصلت إلى ستة أسابيع، أدركت الجماعة أن الغرب لن يحقق وعوده بمساندتهم، وبالتدخل السريع في مصر للإبقاء عليهم في السلطة، كما أدركت أيضا أن الشحن الذي كانت تمارسه طوال تلك الفترة قد أصبح عبئاً عليها، وأن اعتصام رابعة العدوية، تحول إلى قنبلة موقوتة، من المنتظر أن تنفجر بوجوههم في أي وقت، إذا ما طالت مدته أكثر من ذلك، دون تحقيق ما وعدت الجماعة أعضاءها به. لذلك كان فض هذه الاعتصامات بالقوة المخرج الوحيد الذي بدا لقيادات الإخوان أنها يمكن أن تلجأ إليه. لكي تتمكن من الخروج من هذا المأزق الذي وضعوا أنفسهم والجماعة فيه أولا، وليصلوا إلى حالة الصدام، التي اتضح بعد ذلك أنهم كانوا يخططون لها على مدار شهر ونصف.
مركب من مراكب الإخوان وفي مجمل حديث ابو دوح عن الغرب يقول: على الجانب الآخر، كان كل ما استطاع الغرب تقديمه للإخوان هو الشجب والتنديد والاستنكار. موقف القوى الغربية، في هذا التوقيت، أوضح من أي وقت مضى. تريد هذه القوى وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الإبقاء على الجماعة، كأحد المكونات الأساسية على طاولة اللعبة السياسية المصرية والعربية. في الوقت نفسه، تدرك هذه القوى أنه ليس في استطاعتها إخراج مصر من دائرة حلفائها، ولا يمكنها تحمل ما قد يتبع ذلك من انعكاسات كبيرة على مصالحها في المنطقة، وفي مقدمتها أمن إسرائيل. واعتبر ابو دوح ان : مع كل كنيسة وقسم للشرطة ومؤسسة حكومية تشتعل فيها النيران يحترق مركب من مراكب الإخوان، التي لم يتبق منها الكثير. فالسؤال هو إذن؛ هل ستستمر الجماعة في حرق مراكبها، وفي الانتحار السياسي الذي تسير صوبه الآن بخطى حثيثة، أم أن هناك مخرجا يحفظ لها وجودها، وينقذ بقايا رصيدها في صفوف الجماهير المتعاطفة مع الإسلام السياسي ومشروعه، الذي أوشك بالفعل على النفاذ؟
الإخوان في جزيرة معزولة وفي صدد الحديث عن إحراق الكنائس في مصر يضيف الكاتب والصحافي العربي الحبيب الأسود، الى ما قاله زميله احمد أبو دوح، أضاف: الإخوان لم يفعلوا شيئا سوى أنهم قرّروا الانتحار سياسيا، وانتحروا فعلا، ومنحوا الشعب فرصة ليكتشف حقيقتهم. وقال الأسود: الأول ظهر على قناة "الجزيرة" ليقول إن المسيحيين المصريين هم الذي أحرقوا كنائسهم من أجل إدانة الإخوان، وخرج الثاني ليقول إن الأمنيين المصريين هم الذين قتلوا زملاءهم في قسم كرداسة ونكّلوا بجثثهم ليلعن الشعب الإخوان، وخرج الثالث ليقول إن عسكريين مصريين كانوا في أعلى صومعة مسجد الفتح بالقاهرة لقنص زملائهم في ميدان رمسيس، بهدف تجريم الإخوان، وجاء الرابع ليقول إن الذين خرّبوا مؤسسات الدولة وأحرقوا مراكز الأمن هم رجال الدولة، للإيقاع بالإخوان. وتساءل الأسود مستغربا من ظهور الاخوان في مصر في كل مرة وتكذيبهم لما قال ان العين تراه ويعيه العقل ويزكّيه المنطق: الإخوان لم يحملوا السلاح في ميدان رابعة ولا في مسيرات التنديد بفك الاعتصام. الإخوان لم يتحصّنوا بالأطفال والنساء ولم يجعلوا من اليتامى دروعا بشرية. الإخوان لم ينتهكوا حرمات المساجد، ولم يجعلوا منها فضاءات للمأوى والنوم والتحريض وتمثيل مسرحيات مظلوميتهم المعهودة. الإخوان لم يمارسوا الإرهاب، وترويع المواطنين في الشوارع والساحات والميادين. الإخوان لم يقتلوا أحدا، ولم يصيبوا أحدا، ولم يعنّفوا أحدا، ولم يعدّوا قائمة اغتيالات. الإخوان لم يهدّدوا بحرق مصر، ولم يستدعوا التدخّل الأجنبي، ولم يتخابروا مع جهات خارجية، ولا علاقة لهم بالجماعات الإرهابية في سيناء، ولا بتهريب السلاح وتخزينه، ثم استخراجه عند اللزوم لقتل المصريين. الإخوان لم يفعلوا شيئا سوى أنهم قرّروا الانتحار سياسيا، وانتحروا فعلا، ومنحوا الشعب فرصة ليكتشف حقيقتهم، فاكتشفها، وكرههم، ونبذهم، وأدرك أنهم يكذبون أكثر مما يتنفسون، وتمنّى لو يتم عزلهم في جزيرة نائية..
الانتحار السياسي للإخوان اما بالنسبة للصحافي والسياسي نبيل شرف الدين فيرى انه منذ انهيار حكم الإخوان والجماعة تصر على سيناريو «الأرض المحروقة»، وفضلاً عن رفضها لجميع المبادرات والوساطات المصرية والأجنبية، - حد قوله- أصّرت على مواجهة حدثت بخطة أمنية لم تنجح في فضّ اعتصامي «رابعة والنهضة» فحسب، بل واجهت عمليات تفجير منشآت عامة وحرق أكبر عدد من الكنائس في يوم واحد، ضمن مخطط الإخوان المعروف باسم «الأرض المحروقة» الذي يستهدف جر البلاد للحرب الأهلية والطائفية. واتهم الصحافي شرف الدين، قادة الاخوان المسلمين بمصر بالهروب بعدما دفعوا بأنصارهم المغرر بهم، لتنفيذ سلسلة اغتيالات وتفجيرات لغرض ادخال مصر موجة جديدة من العنف كما حدث في التسعينيات، مستندا على ذلك شرف الدين الى وثائق قال ان أجهزة الأمن حصلت عليها، تضم قوائم اغتيالات تشمل قادة الجيش والأمن والساسة والإعلاميين وغيرهم، فضلاً عن منشآت حكومية وكنائس، كما يسعى القادة الهاربون لتنفيذ عمليات خطيرة فى سيناء وتعطيل الحركة بقناة السويس، وباختصار فقد بدأت مواجهة لن تتوقف بفضّ الاعتصامات، وسيصاحبها محاولة تسيير مظاهرات لتعطيل حركة الحياة بالقاهرة وشتى محافظات مصر، لهذا صدر قرار بحظر التجول.