المنطقة التي ننشط فيها موزعة على عدة محاور.. وفي كل محور عدة خلايا سرية.. لا يعرف عناصر الخلية غير قائدهم.. تم الحاقي بأقدم الخلايا في المنطقة.. بدأت خليتنا برنامجها الميداني بدراسة سكان القرى في إطار نشاطها.. بدأنا بالتواصل مع كل عنصر على حدة.. خلال أيام تم تنسيب وزرع أعداد منتقاة من المقاتلين بحرص شديد.. وضع البرنامج التثقيفي موضع التنفيذ للعناصر الجديدة.. تسربت أخبار أنشطتنا للسلطات المحلية.. كان رد الفعل من قبلهم عنيفا.. إذ قامت بملاحقة وتصفية بعض رفاقنا.. اتسعت دائرة المطاردات والاعتقالات.. كان شيخنا ضمن عناصر السلطة.. يحشد الأنصار.. يقوم بملاحقة المطلوبين من عناصرنا.. صدرت الأوامر لجميع الخلايا بالانتقال إلى الخطوة الثانية قبل أوانها.. بتصفية بعض أنصار السلطة في المناطق الغربية. التقى عناصر خليتنا في أحد كهوف الجبل الأبيض جنوبا.. تدارسنا مهمتنا.. تم توزيع الأدوار.. التوجيهات لخليتنا تقضي بتنفيذ خطة اختطاف شيخ قريتنا.. وإيصاله إلى مركز القيادة.. خطة اختطافه تتضمن استدراجه إلى صنعاء.. بدعوة مزيفة من محافظ صنعاء.. وعند ابتعاده عن القرية يتم اعتراض سيارته واختطافه. كنت في حيرة من أمري.. أحاول إقناع نفسي بالمشاركة.. لم أمارس أي عمل قتالي في منطقتنا قبل اليوم.. لم أكن أتوقع أن يتم تكليف خليتنا باختطاف شيخنا.. فكرت بالاعتذار عن مشاركتي.. رفضت الفكرة. دخلنا مرحلة التنفيذ لخطتنا.. ابتكرنا وسيلة لإيصال دعوة المحافظ لشيخنا.. حددنا الموقع الذي سيتم اعتراض سيارة الشيخ.. في صباح ذلك اليوم أخذنا مواقعنا.. قمنا برصد تحرك سيارته منذ خروجها من القرية ، صعودا على الطريق الترابية. استعدينا مع اقتراب السيارة..تم إغلاق الطريق بكتل صخرية.. جميعنا بملابس عسكرية..أمامنا عشرون دقيقة.. توقفت السيارة أمام حاجز الصخور..هبط المرافقون لإزالة الصخور..خرجنا شاهرين أسلحتنا..انطلقت رصاصة لشل حركتهم.. تم سلب المرافقين بنادقهم الرشاشة..كتفت أيديهم وأرجلهم.. كتف السواق جوارهم.. تركناهم ممددين على الأرض.. زلنا حاجز الصخور..تحركنا بسيارة شيخنا صعودا بعد أن عصبت عيناه.. لم يقم بأية مقاومة..كان قلبي مضطربا..اعتلينا المرتفعات..عبرنا القمة..وصلنا الطريق المعبد..لم نصادف عقبات تذكر..كان شيخنا يتحدث دون تركيز..عند أطراف المنطقة تنتظرنا سيارة أخرى.. خبأنا سيارة شيخنا بين عرائش العنب..اتجهنا نحو الجنوب..عبر وادي (القرانيع)..الوادي مساحة طينية يمتد حتى أطراف حيد النبي يحيى.. وصلنا بعد ساعات مركز خليتنا على الجبل الأبيض.. حيث تنصب محكمة سريعة..التقت عيناي بعيني شيخنا لأول مرة.. لم أطل النظر.. التفت مرة أخرى.. انكسرت عيناي نحو تراب المكان..صغر طغيانه في نظري.. كل مظالمه ضئيلة أمام ما أنا فيه من إحساس..فكرت لو أستطيع ثنيهم عما هم قادمون عليه.. ظل مقيد الساقين والذراعين.. في نظراته شيء من الكبر.. شاورت رفاقي لإطلاق سراحه..اتهموني بالهشاشة.. وأني في وضع نفسي مخل. لا أريد أن تلتقي عينانا مرة أخرى.. تركتهم وانسحبت إلى وحدتي بعيدا ، أتأمل تلك الجبال البعيدة.. سلسة القمم الغائمة.. القرى الملتصقة بوديانها.. مجاري السيول الغائرة.. طيور تلتصق بزرقة السماء.. سحب بعيدة. تخيلت الأسئلة التي ستلقى عليه.. تخيلت ردوده. * أتعلم لما أنت هُنا؟! * أنتم أعلم! * أتتذكر عام المجاعة والجدب.؟ * أي عام؟ * يوم أتتك رعيتك طلبا لمساعدتك بإقراضهم شيئا من الحبوب. * كل فرد حر في ما يملك. * ألا تزال تقسم الدور السفلي من دارك بين بهايمك ، والمغضوب عليهم من رعيتك؟ * رعيتي هم أولادي.. ولا أحد منهم يتذمر من ذلك. * وتبعة أليس من رعيتك! * تبعة أين هو تبعة؟ * وسجن العطوي. * هو غير مسجون. * وما تسميه؟ * هو رهينة حتى يصل تبعة. * لكنك تتهمه بتهم خطيرة. * هو لا ينكر أنه يؤمن باليهودية والمسيحية وديانات لم نسمع بها.. ولا ينكر إيمانه بالاشتراكية. * لكنه يدين أيضا بالإسلام. * على الله الركون. تلك زندقة. * ما قولك في مقتل علي صالح؟ * لا أعرف إنسانا بالاسم هذا! * علي صالح أحد مرافقيك! * أخذ جزاءه! * مقابل تهمة لم تتأكد منها. * هو من اختار لنفسه ذلك المصير. * حين أشيع أنه يريد طلب خطبة أختك. * بل هو من أشاع بعلاقة غرام لم تحدث. * لكنك تقول أنها لم تحدث! * هل ترضى أن يشيع أحد على إحدى أخواتك بالفاحشة؟ * أتشعر بتأنيب الضمير إزاء ما تمارسه من ظلم تجاه رعيتك؟ * أي ظلم؟ * سجنهم.. مطاردتهم.. نهب أموالهم.. قتل البعض.. إيعاز الدولة بمطاردة وسجن البعض الآخر. * وما تمارسونه الآن في حقي.. ألا تعتبرونه ظلما؟ من نصبكم لتحاكموني.؟ * نصبنا ظلمك وجبروتك وتسلطك. * لم لا تتحلوا بالشجاعة.. ونقف أنا وأنتم أمام الناس.. لنرى من هو المدان.. أنا أم أنتم.. نطرح عليهم ما تقولون.. أنا على يقين من أنهم سيسفهون أفكاركم وأعمالكم.. وسيحاكمونكم على كل جرائمكم.. فأنا شيخ باختيارهم.. أحل مشاكلهم.. أسهم في إرساء الأمن والأمان.. وأنتم على النقيض من ذلك تفرضون الخوف والرعب! * ألا تشعر بالخجل مما تقول.؟ * هم رعيتي.. وأنا شيخهم.. وأنتم من أنتم؟ * وسكوتك عن قتل المجنونة بخيتة. * رأى سكان القرية أنها شوهت سمعة القرية! * بم شوهتها؟ * ربما أنت أعلم! * مجنونة.. ما ذنبها إن حبلت؟ * رأى الرعية في ذلك تجاوزا لحدود الله. * ومحمد أحمد الذحلي! * ناكر للجميل! * يطرد من أرضه.. ويهدم بيته! * الأرض أرضي.. والبيت في أرضي.. وهو مجرد أجير.. خرج على الأعراف المتبعة! * عاملته كعبد. * بل كأجير.. وأنا أردت استرداد حقي. * وعبده المقذي! * أنكرني من أرضي. * لكنك لا تملك ما يثبت أنها ملكك. * كل من لا يملك وثيقة تصبح الأرض ملك الشيخ! * وأمرت الرعية بهدم بيته وقلع شجيرات القات.. وطرده من القرية. * حتى يكون عبرة. الشمس تلامس شفرة الأفق البعيد.. اكتست السحب بلون الزعفران.. أهرب بعيني نحو المنحدرات.. تلاحقني خيالاتي.. فلا أعرف بأي لغة أترجم ما أنا فيه.