الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياد الوظيفي لرجال الشرطة - دراسة مقارنة ( 2 )
نشر في حشد يوم 25 - 11 - 2014

يواصل "حشد نت" نشر اجزاء كتاب " الحياد الوظيفي لرجال الشرطة - دراسة مقارنة " كتاب رسالة الدكتوراه للباحث اليمني العقيد دكتور عبده فازع الصيادي ، والذي يقوم بنشره تباعا على شكل اجزاء على صفحته في فيس بوك .. ونظرا لاهمية هذا البحث في الوقت الحاضر ندعو وسائل الاعلام الى نشره للتوعية الوطنية..
الفصل الثاني
التنظيم الحزبي وفصل السلطات
وحياد الموظف العام
تمهيد وتقسيم:
يعتبر النظام الحزبي هو السائد في عالم اليوم كنظام للحكم ظهر رديف للديمقراطية النيابية التي ارتبطت بالتعددية السياسية، يرافق هذا التعدد ويوازيه في الأهمية مبدأ الفصل بين السلطات، وهذان المبدآن ذوا أهمية كبيرة لحياد الموظف العام وجودًا وعدمًا، فيوجد بوجودهما وينعدم بانعدامهما، حيث إن لهما تأثيرهما الفعال في تحديد خصائص ومكونات وأهداف الجهاز الإداري( )، بالإضافة إلى أن القوى غير الديمقراطية قد تتربص باللحظة الديمقراطية حتى تفرغها من محتواها، وتحولها إلى حالة من الفاشية القاسية( )، فكان الحياد الوظيفي هو الضمان لاستمرارها.
حيث يتطلب من الموظفين الالتزام بقاعدة الحياد السياسي التام في ممارسة أعمالهم الوظيفية( )، فيجب عليهم ممارسة أعمالهم الوظيفية بتجرد وموضوعية وفقًا للقانون، وأن يتم شغلهم لهذه الوظائف ضمن مؤهلات واشتراطات مقننة ( )من خلال مركز قانوني يشغله الموظف( )، كون الوظيفة العامة تتأثر بالأوضاع السياسية القائمة، والأفكار المذهبية السائدة( ).
وبالتالي سيتطرق الباحث لهذين المبدأين المهمين، وبيان تأثيرهما على حياد الموظف العام، وتبعًا لذلك قسم الباحث هذا الفصل إلى مبحثين:
المبحث الأول: التنظيم الحزبي وحياد الموظف العام.
المبحث الثاني: مبدأ الفصل بين السلطات وحياد الموظف العام.
المبحث الأول
التنظيم الحزبي وحياد الموظف العام في مصر واليمن
الأحزاب السياسية هي من يعتدي على حياد الموظف العام في أوقات كثيرة من خلال محاولاتها المستمرة تسييس الموظف العام الإداري (رجل الشرطة)، وذلك بسعيها الحثيث والمستمر لتولية أنصارها في الوظيفة العامة، وبالذات الأحزاب الحاكمة، وإقصاء معارضيها منها خارج إطار الدستور والقانون، مما يجعل كثيرًا من الموظفين غير مستقرين ومهددين في وظائفهم في كل تغييرات سياسية، وعقب كل انتخابات، وبالذات الموظفين المعارضين للأحزاب الحاكمة، أو التي في طريقها إلى الحكم.
فكان الحياد الوظيفي هو الحل الأسلم والأمثل للموظف العام ولجميع الأحزاب السياسية حاكمة ومعارضة، ولجميع أفراد الشعب الذين لا يهمهم انتماؤه بقدر ما يهمهم الحصول على خدماتهم منه بكل سهولة ويسر.
وتبعًا لذلك قسم الباحث هذا المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول : الأحزاب السياسية وحياد الموظف العام.
المطلب الثاني: الأحزاب السياسية في مصر واليمن وحياد الموظف العام.
المطلب الأول
الأحزاب السياسية وحياد الموظف العام
الحريات السياسية هي تلك التي تهدف إلى إشراك الفرد في حكم بلاده بالسماح له بتكوين الأحزاب السياسية وفي أن يكون ناخبًا أو نائبًا( )، وهي الحق الذي يخول للأفراد المساهمة والمشاركة في حكم أنفسهم( )، وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن: «لكل إنسان الحق في المشاركة في حكومة بلاده، وأن لكل إنسان الحق في دخول مجال الخدمة العامة في بلاده بشكل متكافئ».
كما نص على: «أن إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكومة، وأن يتم التعبير عن هذه الإرادة في انتخابات دورية حقيقية بالاقتراع العام المتكافئ، وأن تتم بالتصويت السري أو بأي إجراء مماثل من إجراءات الانتخاب الحر التي تضمن حرية التصويت لكل إنسان»( )، وقد أضافت هذه المادة للتعريف السابق حق المشاركة في مجال الخدمة العامة ضمن الحريات السياسية.
ونتيجة لذلك أضحت التعددية الحزبية مهمة للنظام السياسي؛ لأنها تحافظ على التنوع والتسامح اللذين يقويان ثقة الفرد بشخصيته، والحزب السياسي هو مجموعة منظمة من الأفراد تدين بذات الفكر السياسي، وتعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للوصول إلى السلطة بقصد تنفيذ برامج سياسية معينة( )، وبالتالي فإن الحياد ضروري جدَّا، والمتمثل في عدم تدخل المعايير السياسية في إدارة الوظيفة العامة، وإلا أفسدتها( ).
كما تضمنت الاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية هذه الحرية بقولها: «لكل مواطن الحق والفرصة دون أي تمييز...
أ - في أن يشارك في سير الحياة العامة إما مباشرة وإما عن طريق ممثلين مختارين بحرية.
ب- أن يَنْتَخِبَ وأن يُنْتَخَبَ في انتخابات دورية أصيلة وعامة وعلى أساس من المساواة؛ على أن تتم الانتخابات بطريق الاقتراع السري، وأن تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
ج- أن يكون له الحق في الحصول على الخدمة العامة في بلاده على أسس عامة من المساواة ( )، ولهذا يقال: إن الجماعة تتمتع بحرية سياسية إذا كان أفرادها يحكمون أنفسهم بأنفسهم فيختارون حكامهم بملء إرادتهم( )، وهذا يتناسب تماماً مع الديمقراطية التي تعني «حكم الشعب بالشعب وللشعب»( ).
حيث تعد الأحزاب السياسية ثمرة من ثمار مبدأ سيادة الشعب( )، وذلك بما يترتب عليه من تجزئة السيادة في الدولة بين أفراد الشعب بمعناه السياسي( )، ومن هنا تمثل الحريات العامة للموظف محور الصراع بين الموظف العام والحكومة، وبينه وبين بقية الأحزاب( )، وتختلف الدول في منح هذه الحرية للموظفين( )، ولكن العلاج الكافي والشافي لهذه المشكلة هو حياد الموظف العام.
وبذلك يرى البعض أن الحرية السياسية والديمقراطية ذات مضمون واحد وأنهما لفظان مترادفان في دلالتهما( )، وتعتبر الحرية السياسية من أولى مصالح الشعب في مجموعه، الذي يحمي هذه الحرية عن طريق المعارضة السياسية، سواء مارسها بنفسه أو من خلال منظمات أو مؤسسات حكومية.
على أن المعارضة السياسية لا تمارس من جميع المؤسسات غير الحكومية تلك، بل التي تهدف إلى الوصول إلى السلطة والتي تتمثل في الأحزاب السياسية( )، والتي تعتبر أداة لا غنى عنها في الأنظمة السياسية الديمقراطية لقيام العلاقة الوثيقة التي تربط بين الأحزاب والديمقراطية( )، وبسماحها بتعدد الأحزاب فإنها تتيح للأفراد العمل من خلال تبادل الآراء والحوار على تسهيل الحلول للمشاكل السياسية التي تعترض المجتمع، حيث أصبح في عصرنا الحالي وجود السلطة أو ممارستها دون شرعية أمرًا غير وارد أو غير مقبول( ).
وهذا النظام يستمر لفترات طويلة؛ لأنه يمتدح المؤيد ولا يمقت المعارض( )، ولكن ظاهرة الأحزاب السياسية تعتبر سلاحًا ذا حدين بالنسبة لحياد الموظف العام، فإذا التزمت هذه الأحزاب بالدستور والقانون، ولم تتدخل في شئون الوظيفة العامة إلا من خلال القانون؛ فإنها تصبح ركيزة مهمة من ركائز الحياد الوظيفي للموظف العام، أما إذا عملت على تسييس الوظيفة العامة وتعيين أنصارها وفقًا لنظام المحسوبية السياسية على حساب الكفاءة والجدارة؛ فإنها تصبح أداة اعتداء وهدم للحياد الوظيفي للموظف العام.
المطلب الثاني
الأحزاب السياسية في مصر واليمن
وحياد الموظف العام
مرت التجربة المصرية وكذلك التجربة اليمنية بتناقضات ومنعطفات كثيرة بالنسبة للأحزاب والتنظيمات السياسية، انتهت بأخذ النظامين المصري واليمني بظاهرة تعدد الأحزاب كمظهر من مظاهر الحكم، وتبعًا لذلك قسم الباحث هذا المطلب إلى فرعين:
الفرع الأول
النظام الحزبي المصري وحياد الموظف العام
مرت تجربة الأحزاب السياسية المصرية بتجارب عديدة انتهت إلى عودة نظام الأحزاب والتعددية السياسية كمظهر من مظاهر النظام السياسي في مصر، وذلك تمشيًا مع عصر الانفتاح وعودة الديمقراطية والحريات السياسية بسبب التطبيع والانفتاح الذي حصل بين الأنظمة الديمقراطية في الغرب وجمهورية مصر العربية في نهاية السبعينيات من القرن العشرين. ( )
وقد أكد على ذلك الإعلان الدستوري الصادر بعد ثورة 25 يناير 2011م بقوله: «للمواطنين حق تكوين الجمعيات وإنشاء النقابات والاتحادات والأحزاب وذلك على الوجه المبين بالقانون»( ).
كما نص - أيضًا - على أن: «كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان الدستوري يبقى صحيحًا ونافذًا، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقًا للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الإعلان»( ) ، وهذا ما نص عليه الدستور الجديد بقوله: (يقوم النظام السياسي على مبادئ الديمقراطية والشورى ، .. ، والتعددية السياسية والحزبية ، والتداول السلمي للسلطة، ..) ( ).
وكان قد نص الدستور المصري السابق في المادة (5) بعد التعديل: «يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب، وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية»( )، وبناءً عليه صدر القانون رقم (40) لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية؛ حيث نص على: «للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية، ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي؛ وذلك »طبقًا لأحكام هذا القانون»( ).
كما عرَّف الحزب بقوله: «يقصد بالحزب كل جماعة منظمة تؤسس طبقًا لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم»( ).
ويعتبر النص في الدستور على تعدد الأحزاب السياسية كنظام سياسي للحكم خطوة إيجابية من قبل المشرع الدستوري المصري، ومن قبل النظام السياسي الحاكم في جمهورية مصر العربية، تستحق الاهتمام والاحترام كخطوة أولى إيجابية تحدد الاتجاه الصحيح والسليم لنظام الحكم، وذلك بسبب الدور الريادي المتميز الذي تلعبه جمهورية مصر العربية على مستوى الوطن العربي.
حيث تتأثر معظم الأنظمة العربية والشعوب العربية بما يحدث من تغيرات في جمهورية مصر العربية، والحزب السياسي يهدف الوصول إلى السلطة وحكم الدولة، وأصبح الوصول إلى السلطة في وقتنا الحالي مرهونًا بالطريقة الديمقراطية، أي الحصول على تأييد الجماهير وثقتها فيه( )، ويرى بعض الفقهاء أن النظام الحزبى المصرى كان ينطبق عليه نظام الحزب الواحد، حيث كان الحزب الوطني يهيمن على جميع المؤسسات في الدولة سابقًا( ).
وبالتالي لا يمكن أن تتطور الأحزاب السياسية في مصر حتى الحزب الحاكم نفسه من دون إطلاق حرية تكوين الأحزاب، بما يتيح تأسيس أحزاب جديدة أكثر قدرة على الحركة، وهذا التطوير بحاجة إلى خطوات جريئة من قبل الحكومة والمعارضة تتمثل في معالجة الاختلالات الجسيمة في أداء هذه الأحزاب وغياب أي ديمقراطية في داخلها، بالاضافة إلى معوقات إنشائها( ).
وينتقد الباحث المشرع المصري في كثرة القيود والاشتراطات التي كان يتضمنها قانون الأحزاب السياسية والتي تدل دلالة واضحة على تهميش الأحزاب المعارضة وعدم إعطائها الفرصة الكافية لممارسة عملها وبرنامجها السياسي دون تدخل من الدولة، وكذلك حظره لجماعة الإخوان المسلمين رغم تمتعها بثقل سياسي كبير في أوساط الشعب المصري، فلا يصح أن تأخذ بالشمال ما أعطيته باليمين، وهذا يدل على أن التبادل السلمي للسلطة من الصعب جدَّا حصوله داخل الحزب الحاكم نفسه فما بالك مع الأحزاب المعارضة !!!.
وهذا ما حدث بالفعل بعد ثورة 25 يناير 2011م حيث تم تعديل قانون الأحزاب، وتم تأسيس أحزاب جديدة في طريق تبادل سلمي حقيقي للسلطة وإرادة شعبية تنافسية حقيقية في اختيارها( )، وقد جرت انتخابات تنافسية حقيقية متكافئة بين جميع الأحزاب السياسية والمستقلين في مصر بعد الثورة، بما فيهم جماعة الإخوان المسلمين والذين أسسوا حزب الحرية والعدالة وفازوا بأكثرية المقاعد في مجلسي الشعب والشورى، وهذا يدل على سلامة ما رآه الباحث سابقًا من عدم جوازحظرهم وتركهم يمارسون عملهم السياسي وفقًا للقانون أسوةً بأمثالهم؛ لأن الحظر زادهم شعبية، حيث عدل قانون الأحزاب السياسية في مصر ، مما أدى إلى السماح بتأسيس الأحزاب الدينية.
وفي ذلك تقول المحكمة الدستورية العليا: «من خلال الجهود المتضافرة في بناء الوطن تعمل الأحزاب السياسية متعاونة مع غير المنتمين إليها في إرساء دعائمه، وبذلك يتحدد المضمون الحق لنص المادة الثالثة من الدستور التي لا تعقد السيادة الشعبية لفئة دون أخرى، ولا تفرض سيطرة لجماعة بذاتها على غيرها، وفي هذا الإطار تكمن قيمة التعددية الحزبية باعتبارها توجهًا دستوريًا نحو تعميق مفهوم الديمقراطية، التي لا تمنح الأحزاب السياسية دورًا في العمل الوطني يجاوز حدود الثقة التي توليها هيئة الناخبين لمرشحيها الذين يتنافسون مع غيرهم؛ وفقًا لأسس موضوعية لا تحدها عقيدة من أي نوع، ولا يقيدها شكل من أشكال الانتماء، سياسيًا كان أو غير سياسي»( )، وكانت الأحزاب المعارضة لاتؤدى دورها بالشكل المطلوب( )، وهناك تأثير سلبى على حياد الموظف العام فى مصر من قبل الأحزاب السياسية عند عدم التزامها بالدستور والقانون وبحياد هذا الموظف، وذلك من خلال التسييس المستمر لهذا الموظف.
الفرع الثانى
النظام الحزبي اليمني وحياد الموظف العام
مرت التجربة الحزبية باليمن بمراحل عديدة ومنعطفات انتهت إلى الأخذ بها بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م بمعناها المتعارف عليه دوليَّا، حيث تمت الوحدة اليمنية وتحققت بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني بطريقة سلمية من خلال تقاسم السلطة بينهما، وسميت هذه المرحلة بالمرحلة الانتقالية لمدة أربع سنوات، وسُميت بمرحلة التقاسم من عام 1990م إلى 1994م( ).
وقد نص دستور الجمهورية اليمنية بعد التعديل على أن: «يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية؛ وذلك بهدف تداول السلطة سلميًا، وينظم القانون الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية»( ).
ونص- أيضًا - على أن: «للمواطنين في عموم الجمهورية بما لا يتعارض مع نصوص الدستور الحق في تنظيم أنفسهم سياسيًا ومهنيًا ونقابيًا والحق في تكوين المنظمات العلمية... وتضمن كافة الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية»، وكان النص السابق موفقًا، لأن الديمقراطية هي حرية تداول السلطة بين الأحزاب في ظل انتخابات عامة( )، وبطريقة سلمية في إطار الدستور( ).
ثم صدر القانون رقم (66) لسنة 1991م بشأن الأحزاب والتنظيمات السياسية، حيث نص على تعريف الحزب أو التنظيم السياسي بأنه: «كل جماعة يمنية منظمة على أساس مبادئ وأهداف مشتركة وفقاً للشرعية الدستورية وتمارس نشاطها بالوسائل السياسية والديمقراطية؛ بهدف تداول السلطة سلمياً أو المشاركة فيها»( )، ولا شك أن النص على التبادل السلمي للسلطة في صلب الدستور يجعل أحزاب المعارضة تسعى جادة إلى الاستيلاء على السلطة من خلال الانتخابات؛ مما يجعل الرقابة على الحزب الحاكم قوية( ).
وهذا النص يتناسب مع الوضع الدولي الراهن القائم على تعدد الأحزاب والانتخابات، وقد نص على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقوله: «إن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية، ولا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما»( ).
ونص - أيضًا - على أنه: «وفقًا لأحكام المادة (39) قبل التعديل من دستور الجمهورية اليمنية تعتبر الحرية العامة بما فيها التعددية السياسية والحزبية القائمة على الشرعية الدستورية حقًا وركنًا من أركان النظام السياسي والاجتماعي للجمهورية اليمنية، ولا يجوز إلغاؤه أو الحد منه أو استخدام أية وسيلة تعرقل حرية المواطنين في ممارسة هذا الحق، كما لا يجوز لأي حزب أو تنظيم سياسي إساءة ممارسة هذا الحق بما يتعارض مع مقتضيات المصلحة الوطنية في صيانة السيادة والأمن والاستقرار والوحدة الوطنية»( ).
كما نص على أنه: «لليمنيين حق تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية ولهم حق الانتماء الطوعي لأي حزب أو تنظيم سياسي، طبقًا للشرعية الدستورية وأحكام هذا القانون»( ).
يتبين من النصوص السابقة أن دستور الجمهورية اليمنية قد تضمنت نصوصه مواد واضحة وصريحة في تعدد الأحزاب، حيث نصت على أن النظام السياسي للجمهورية اليمنية يقوم على التعددية السياسية والحزبية بهدف التداول السلمي للسلطة أو المشاركة فيها، وهذا اعتراف صريح بأن الأحزاب السياسية جزء من النظام السياسي في اليمن، وهذا ركن ضروري ومهم من أركان النظام النيابي الديمقراطي.
وبذلك وضعت الجمهورية اليمنية قدمها في الاتجاه الصحيح مسايرةً بذلك الوضع الدولي والعالمي الراهن، الذي يعتبر الديمقراطية والتعددية السياسية هي السبيل الوحيد للحكم عبر انتخابات حرة ونزيهة، باعتبار الأحزاب السياسية هي الضمان الحقيقي لتعزيز الديمقراطية حتى في ظل بروز دور المجتمع المدني( ).
وهذا ما يؤيده الباحث؛ لأن هدف الوصول إلى السلطة هو الذي يفرق بين الحزب السياسي وجماعات الضغط من ناحية، وبينه وبين الحركات الجماهيرية من ناحية أخرى( )، وعندما تغير جماعات الضغط طبيعتها للوصول إلى السلطة فإنها تصبح تشكيلاً حزبيًا( ).
ولكن لا يُكتفى بالنصوص الدستورية والقانونية دون تطبيقها على أرض الواقع، ولعل أخطر ما في الأمر هو أنه إذا لم يُحترم هذا الحق من قبل السلطة فإن ذلك يدعو إلى التجمع السري الذي لا يتوانى بعد ذلك في سلوك سبيل غير مشروع لتحقيق أهدافه( )، فتصبح الديمقراطية وفقًا لهذا الأسلوب تعمل في الظلام، وشتان ما بينهما: الظلام والنور، وتصبح تبعًا لذلك الوظيفة العامة مسيّسة مما يفقدها حيادها، ويصبح الموظف العام مستهدفًا من الحزب الحاكم ومن أحزاب المعارضة ومن الحركات السرية.
كما يطالب الباحث الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية بأن تتداول السلطة سلميًا داخل كل حزب عن طريق انتخابات دورية يتم إجراؤها؛ بحيث لا تتجاوز قيادة الحزب الواحد دورتين انتخابيتين قبل أن تتبادل السلطة سلمياً مع غيرها من الأحزاب، فكما يقال بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا يعقل أن يستمر على رأس قيادة هذه الأحزاب قيادات أبدية لا يمكن تغييرها ومع ذلك يرفعون شعارات التبادل السلمي للسلطة فيما بينهم كأحزاب مختلفة، ويريدون من الآخرين أن يصدقوهم فهذا تناقض عجيب بين القول والعمل.
كما يطالب الباحث الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية بأن تتبادل السلطة سلمياً على أرض الواقع، بحيث يصبح المعارض حاكماً والحاكم معارضاً، عبر انتخابات حرة ونزيهة يتحلى الشعب فيها بالوعي والتسامح والتعامل الحضاري الراقي خلال هذه الانتخابات، والتسليم بنتائجها وقبول حكم الشعب مهما كان، كما يطالب الباحث - أيضًا - الأحزاب السياسية في اليمن بإتاحة الوظيفة العامة لجميع منتسبي الأحزاب والمستقلين، وعدم تسييسها حتى منصب وكيل وزارة؛ طالما وأن التعددية السياسية أصبحت مشروعة بموجب الدستور، وتحقيقًا لمبدأ المساواة الكاملة بين سائر المواطنين( )، حتى يتحقق الحياد الوظيفي عمليًا، فيقدم اليمنيون تجربة فريدة على مستوى الوطن العربي ويصبحون شعبًا نموذجيًا وحضاريًا.
وهذا ما حدث بالفعل أثناء الأزمة السياسية الأخيرة التي مرت بها اليمن في عام 2010م، وأفضت إلى المبادرة الخليجية المزمنّة التي تم التوقيع عليها من جميع الأحزاب السياسية في اليمن في مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، والتي نصت في أهم بنودها على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة المعارضة، و50% من أعضاء الحكومة لأحزاب المعارضة المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك وشركائهم، و50% من أعضاء الحكومة للحزب الحاكم السابق وحلفائه( )، المتمثل في المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني ، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم (214) الذي دعا إلى انتخابات مبكرة لنقل السلطة عبر صناديق الاقتراع بطريقة سلمية سلسة وديمقراطية( )، ولمدة عامين كفترة انتقالية يعقبها انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، وقد تم إجراء هذه الانتخابات في 21 فبراير 2011م وتم انتخاب رئيس توافقي من قبل الشعب اليمني( ).
ويؤيد الباحث هذه الخطوة الديمقراطية الحقيقية لنقل السلطة عبر صناديق الاقتراع، وقد تم تسليم السلطة من الرئيس السابق إلى الرئيس المنتخب في حفل رسمي؛ أسوةً بما يحدث في الدول الديمقراطية العريقة، وبهذا خطت اليمن خطوة جيدة في الجانب السياسي، سبقت فيها باقي الدول العربية.
من خلال ما تقدم يتبين لنا بجلاء بأن الوظيفة العامة تتعرض بشكل مستمر لخطر التسييس من قبل الأحزاب والتنظيمات السياسية، والذي يعيقها عن أداء دورها في خدمة الشعب؛ مما جعل علماء الإدارة العامة يبحثون عن حل أمثل يبعد الإدارة عن خطر التسييس، مما حدا بهم إلى المطالبة بضرورة تطبيق الحياد الوظيفي في الإدارة العامة لما له من مبررات كثيرة وميزات عديدة للإدارة العامة والأحزاب السياسية وجميع أفراد الشعب.
وتكون العبرة بالممارسة العملية لهذه الأحزاب، ومدى وعيها وحرصها على المصلحة العامة وترفعها عن الصغائر، وعدم تدخلها في عمل الموظف العام إلا عند خروجه عن تطبيق القانون، فيكون التدخل لإصلاح الخطأ فقط مما يجعلها أجهزة رقابية فاعلة في المحافظة على الحياد الوظيفي، والرقي والتطور للوظيفة العامة والموظف العام، وينعدم الحياد الوظيفي عندما تصبح هذه الأحزاب تتدخل في الوظيفة العامة خارج إطار القانون، بقصد توظيف أتباعها وحرمان خصومها تبعًا لقواعد التسييس والولاء، وتقديم مصلحة الحزب على المصلحة العامة فينتشر الفساد والمحسوبية؛ مما يؤثر بشكل سلبي على حياد الوظيفة العامة والموظف العام.
وقد تكون المشكلة الحقيقية في مصر واليمن ليست في الدستور والقانون، ولكنها في عقليات كثير من السياسيين الذين يعتبرون أنفسهم فوق الدستور والقانون، وفوق إرادة الشعب، وفوق مصلحة الوطن العليا، وهذه هي عقلية العصور الوسطى( )، والتي لا تتناسب البتة مع الديمقراطية كنظام سلمي حضاري، يعتمد على صندوق الاقتراع، وعلى التنافس الشريف، وعلى حكم الأغلبية، واحترام رأي الأقلية، واحترام إرادة الناخب وحريته في الاختيار، وتغليب مصلحة الوطن العليا على المصالح الحزبية الضيقة، وعلى الرغبات الشخصية والأنانية المقيتة، واحترام الرأي الآخر مهما كان مخالفًا ومغايرًا لهم.
لأن من أهم طموحات الديمقراطية أن تجعل الصراع من أجل السلطة يدور جهارًا بالقدر المستطاع، وأن الغاية الكبرى للأحزاب السياسية هو وضع هذا الصراع تحت الرقابة، أي تجعله يدور في إطار المؤسسات عن طريق التنظيم وتوجيهه من خلال الانتخابات وإعلانها عن طريق البرامج الحزبية( )، والالتزام بمبدأ المشروعية وسيادة القانون، ومحاسبة كل من يخرج عنه، حتى تصبح ركيزة أساسية ومهمة في المحافظة على حياد الموظف العام ورجال الشرطة على حدٍَّ سواء.
ويتناول الباحث رقابة الأحزاب كضمانة لحياد رجال الشرطة في الأجزاء القادمة من هذه الرسالة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.