ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    ليست السعودية ولا الإمارات.. عيدروس الزبيدي يدعو هذه الدولة للتدخل وإنقاذ عدن    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    "جريمة إلكترونية تهزّ صنعاء:"الحوثيون يسرقون هوية صحفي يمني بمساعدة شركة اتصالات!"    "الحوثيون يزرعون الجوع في اليمن: اتهامات من الوية العمالقة "    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    البريمييرليغ: السيتي يستعيد الصدارة من ارسنال    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    الوكيل مفتاح يتفقد نقطة الفلج ويؤكد أن كل الطرق من جانب مارب مفتوحة    الارياني: استنساخ مليشيا الحوثي "الصرخة الخمينية" يؤكد تبعيتها الكاملة لإيران    الرئيس الزُبيدي يثمن الموقف البريطاني الأمريكي من القرصنة الحوثية    مانشستر يونايتد الإنجليزي يعلن رحيل لاعبه الفرنسي رافاييل فاران    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    كريستيانو رونالدو يسعى لتمديد عقده مع النصر السعودي    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع ''صنعاء القديمة''    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياد الوظيفي لرجال الشرطة - دراسة مقارنة ( 1)
كتاب
نشر في حشد يوم 24 - 11 - 2014

ينشر حشد نت بعض اجزاء من كتاب " الحياد الوظيفي لرجال الشرطة - دراسة مقارنة " كتاب رسالة الدكتوراه للباحث اليمني العقيد دكتور عبده فازع الصيادي ، والذي وعد بنشره تباعا على شكل اجزاء على صفحته في فيس بوك .. ونظرا لاهمية هذا البحث في الوقت الحاضر ندعو وسائل الاعلام الى نشره ..
الكتاب الحياد الوظيفي لرجال الشرطة
دراسة مقارنة
المؤلف دكتور عبده محمد فازع الصيادي
الناشر دار النهضة العربية القاهرة
سنة النشر 2013
الباب التمهيدي
مفهوم الحياد الوظيفي والتنظيم الحزبي وجماعات الضغط وحياد الموظف العام
تمهيد وتقسيم:
يعتبر الحياد الوظيفي مبدءًا مهمًا وضروريًا لكل نظام ديمقراطي حقيقي للموظف العام بشكل عام ولرجال الشرطة بشكل خاص؛ كون الدولة الحديثة هي دولة الخدمات العامة أو الرفاهية( )، والذي يجب عليها أن تقدم خدماتها لمواطنيها بكل سهولة ويسر؛ حتى تتوفر الثقة لدى المواطنين في حياد الدولة وشرعية أعمالها( )، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال حياد الموظف العام باعتباره خادمًا للشعب متفرغًا لتقديم خدماته إليه، وليس صاحب سيادة وسلطة( ).
حيث يتأثر وضع الموظف العام ورجل الشرطة مباشرة بما يطرأ على سلطات الدولة من تغييرات( )، كونه أداة السلطة ولد يوم مولد الدولة صاحبة السلطة خالدًا بخلودها( )، وبالتالي فيجب عليه إعمالاً للحياد الوظيفي ممارسة الوظيفة في إطار المصلحة العامة، وليس باعتبارها حقوقًا مالية ممنوحة له( ).
فالموظفون يعبرون عن إرادة الدولة، ويمارسون الخدمات التي يتطلبها المرفق في خدمة المواطنين وفقًا للقانون بعيدًا عن أي معايير سياسية( )؛ ولذلك فمن الضروري حتى يتحقق الحياد الوظيفي للموظف العام ضرورة التمييز بين الموظف العام وغيره من باقي العاملين لدى الدولة( )، وخاصة في الدول التي تأخذ بالنظام القانوني والقضائي المزدوج، ومنها مصر.
وقد خلت معظم التشريعات في دول العالم ومنها التشريع الفرنسي( )، والمصري( ) من تعريف الموظف العام، وأفسحت المجال في ذلك لاجتهادات الفقه( )، وأحكام القضاء( )، بينما انفرد المشرع اليمني وعرَّف الموظف العام في صلب قانون الخدمة المدنية اليمني( )، وكان من المستحسن عدم إيراد هذا التعريف في صلب القانون، فالتعريفات ليست من عمل المشرع في أغلب دول العالم( ).
ومسايرة لما هو موجود في مصر وفرنسا، وذلك لاختلاف هذا المفهوم من دولة إلى أخرى، وقد يختلف من وقت لآخر في الدولة الواحدة نفسها( )، ويعتبر قانون العاملين المدنيين بالدولة هو القانون العام والأساسي الذي يحكم الوظيفة العامة والموظف العام في مجال الخدمة المدنية( )، ويتم الرجوع إليه – أيضًا- عند عدم وجود نص خاص لأي موظف عام تنظم شئونه قوانين أو قرارات خاصة( )، ومن ضمنهم رجال الشرطة، وذلك باعتبار أن الخاص يقيد العام في الحكم( ).
فالموظفون العموميون( )، ومنهم رجال الشرطة يكونون طبقة متميزة بالمجتمع ويخضعون لنظام قانوني خاص، وبالذات في الدول التي تعتبر فيها الوظيفة العامة خدمة ذات سلك دائم ومنها مصر واليمن، ومن هنا تأتي ضرورة وأهمية الحياد الوظيفي لهذه الفئة بما يؤدي إلى استقرارها وتقديم خدماتها للمواطنين بكل سهولة ويسر، والتعامل مع جميع الحكومات المتغيرة في النظام الديمقراطي وفقًا للدستور والقانون بعيدًا عن أي معايير سياسية.
ورجال الشرطة هم موظفون عموميون ينطبق عليهم كل ما ينطبق على الموظف العام، ولقد خصهم المشرع بقوانين خاصة لظروف خاصة بهم يقدرها المشرَّع( )، ويتميز مفهوم الموظف العام في فكر القانون الإداري بنوع من التضييق لمفهوم هذا الموظف، وهذا ما نميل إليه، وتنصب دراستنا حوله، وبالذات الموظف العام الشرطي.
ويتم هذا الاهتمام بالموظف العام من خلال إخضاعه لنظام قانوني خاص( ) يختلف عما هو موجود في المعاملات الخاصة( )؛ كون الموظفين هم أداة الحكم، وصلاح هذه الأداة أو فسادها مرهون بصلاحهم أو فسادهم( )، كما أن الموظف العام تتمثل فيه هيبة الدولة وسيادتها في مواجهة الجمهور( )، وأنه من واجبه أن يستعمل هذه السلطة لتحقيق المصلحة العامة( )، وبحيادية تامة وشفافية مطلقة، وذلك كونه يحصل على راتب مقابل ما يؤديه من خدمات للمواطنين( )؛ ولذلك فهو يحتل أهمية كبيرة؛ فبه ومن خلاله تستطيع الدولة تحقيق أهدافها.
والرأي مستقر في الفقه والقضاء في مصر على أن مصطلحي الموظف والعامل مترادفان( )، ويجب توافر عناصر وشروط أساسية في الشخص حتى يمكن اعتباره موظفًا عامًا( ).
وهناك شبه إجماع في رأي الفقه( )، وأحكام القضاء ( )، بأن الموظف العام هو: «كل شخص يعهد إليه بوظيفة دائمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى بالطريق المباشر، عن طريق شغله منصبًا يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق، على أن يكون بصفة مستمرة لا عارضة»، وينطبق هذا المفهوم على جميع موظفي الدولة( )، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين( ).
ومن هنا تكمن أهمية وضرورة تطبيق الحياد الوظيفي للموظف العام حتى يتمكن من القيام بعمله بصفة الدوام والاستقرار خير قيام، ضمن معايير دستورية وقانونية صرفة، بعيدًا عن تحكم وأهواء السلطة السياسية التي تتغير حتمًا عقب كل انتخابات، ومن هنا يجب أن تكون سلطة الدولة غير شخصية وغير متحكمة، فالفرد لا يجوز أن يخضع لسلطة شخصية، بمعنى أنه لا يمكن أن يخضع الفرد لإرادة فرد آخر سوى المواطن أمام الموظف، أو الموظف أمام رئيسه أو مرؤوسيه أمامه، فيكون الخضوع من الجميع للقانون.
ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تطبيق الحياد الوظيفي للموظف العام الذي يحميه، ويحمي المواطن منه، من خلال التزامهم جميعًا بالقانون، فالفكر الحر لا يرى فقط أن نظام الحكم الديمقراطي لن يقوم ويستتب إلا في ظل الحريات ( )، فكلما كانت هذه الحريات مكفولة ومصانة ولها ضمانات وجودها؛ ازدهر المجتمع وتقدم في مدارج الرقي( )، ولن يتحقق ذلك عمليًا إلا من خلال الالتزام الصارم ببطاقات التوصيف الوظيفي لكل وظيفة( )، وتطبيقها عمليًا، بكل حيادية وشفافية وعلانية حتى تتحقق العدالة والمساواة للجميع ويقتنع بذلك الجميع أيضا .
والعبرة هنا بوصف الوظيفة كما ورد في الميزانية، أو بموازنة كل وحدة( )، وأن يتم التعيين بالأداة القانونية الصحيحة( )، وأن يفتح المجال لكل صاحب مصلحة أن يطعن فيه( )، حتى يتحقق الحياد الوظيفي للموظف العام عمليًا عند التحاقه بالوظيفة، وخاصة بأن الموظف العام ينقطع لخدمة الدولة بصفة مستقرة وليس بصفة عارضة( ).
ويؤيد الباحث مَنْ ذهب إلى أن إخضاع شاغل الوظيفة المؤقتة والموظف الدائم لنظام عام موحد غير صحيح وليس له من سند قانوني( )؛ كونه يخل بالحياد الوظيفي للموظف العام ويفتح الباب على مصراعيه للمحسوبية والواسطة والرشوة وغيرها، ووفقًا لقواعد المسئولية يكون كل موظف أيًا كان وضعه في التدرج الإداري مسئولاً عن الأعمال التي تعهد إليه( ).
ولن تتحقق قواعد المسئولية بشكل جدي وعملي ما لم يلتزم هذا الموظف بالحياد الوظيفي في عمله من خلال تطبيق القانون بتجرد وموضوعية على جميع المتعاملين معه، بعيدًا عن التمييز والمحسوبية والمحاباة، ويعتبر الحياد الوظيفي مبدأ أساسيًا ومهمًا وضروريًا في جميع الدول التي تنتهج الديمقراطية الحقيقية، والتعددية السياسية كنظام سياسي للحكم، حتى لا يضار الموظف والمواطن والأحزاب السياسية من خطر التسييس والتعصب للسياسة وغيرها خارج إطار الدستور والقانون.
وخاصة أن علاقة الموظف بالإدارة وفقًا لنصوص القوانين( )، ورأي الفقه( )، وأحكام القضاء( ) علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ولا يتحقق وصف الموظف العام إذا لم توجد علاقة تربطه بشخص معنوي عام( )، فالمراكز الوظيفية مراكز آمرة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها( )، حيث يقصد بالمعنى التنظيمي لهذه العلاقة أن الوظائف تنشئها القوانين واللوائح فتحدد واجباتها بصرف النظر عن شاغلها، وما قبول الموظف إلا مجرد خضوع لأحكام الوظيفة بحقوقها وواجباتها.
حيث يتضمن قرار التعيين إسناد المركز الوظيفي كما حددته القوانين واللوائح إلى الموظف المختص( )، فأحكام الوظيفة العامة بكل ما تتضمنه من حقوق وواجبات إنما تستمد مباشرة من أحكام القوانين واللوائح المنظمة للوظيفة العامة( )، ويترتب على ذلك -أيضًا- أن من حق الدولة والإدارة أن تعدل في كل وقت القوانين واللوائح التي تنظم المركز القانوني للموظفين بدون قبولهم أو رضاهم( ).
بالإضافة إلى عدم جواز أي اتفاق مسبق بين الإدارة والموظف على خلاف القواعد التي قررتها القوانين واللوائح الوظيفية لمخالفتها لقواعد آمرة متعلقة بالنظام العام( )، حيث تعد العلاقة التنظيمية دائمًا وسيلة لهذه السلطة لكي تظل سيدة الوضع القانوني لهذا الموظف( )، ونتيجة لهذه السيادة أصبح الحياد الوظيفي ضرورة ملحة ومهمة لحماية الموظف العام وجمهور المتعاملين معه من تصرفات الإدارة غير المشروعة.
بل وحماية الإدارة نفسها من التهور والتسرع في اتخاذ القرارات الظالمة وغير المشروعة ضد موظفيها ومواطنيها؛ مما يهدد بزوالها ونهايتها، فالحياد الوظيفي يجعل هذه السيادة للقانون وحده وفي ذلك ضمان لاستقرار واستمرار تقديم الإدارة خدماتها للمواطنين بكل سهولة ويسر في ظل الحكومات المتغيرة، كون السلطة السياسية تتحكم بداية بقبول الموظف العام حيث لا تنطبق عليه هذه الصفة إلا من خلال صدور قرار منفرد من قبلها وهو قرار التعيين( )، وهذا القرار يعتبر وثيقة مهمة تخلق حقوقًا جديدة( )؛ ونتيجة لذلك يجب أن تكون الإدارة محايدة حتى تعين موظفًا محايدًا يخدم الشعب وليس السياسة، وبطريقة محايدة أيضًا .
فيجب أن يحكم الوظيفة الإدارية قانون ثابت ومستديم يلتزم به الجميع، السلطة السياسية والموظف العام والمواطن والسلطة القضائية أيضًا ، وبه ومن خلاله يتحقق الحياد الوظيفي للموظف العام، والذي ينأى بالموظفين بعدم التأثر بأي تغيرات سياسية مهما كانت حدتها؛ لأن ولاءهم للوطن والتزامهم للدستور والقانون.
ولمعرفة مفهوم الحياد الوظيفي والتنظيم الحزبي وجماعات الضغط، قسم الباحث الباب التمهيدي إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: مفهوم الحياد الوظيفي للموظف العام (رجل الشرطة).
الفصل الثاني: التنظيم الحزبي وفصل السلطات وحياد الموظف العام.
الفصل الثالث: جماعات الضغط وحياد الموظف العام في الأنظمة المختلفة
الفصل الاول
مفهوم الحياد الوظيفي للموظف العام (رجل الشرطة)
تمهيد وتقسيم:
الحياد الوظيفي له مفهوم غامض وغير محدد، فهو من المبادئ الحديثة نسبيًا والذي ارتبط ظهوره بظهور النظام الديمقراطي الليبرالي، القائم على التعددية السياسية والحزبية، وحرية الرأي والتعبير، واحترام الرأي والرأي الآخر، وحق المواطنين في تولي الوظائف العامة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية والعرقية والعقائدية والقبلية والمناطقية وغيرها؛ وفقًا لمعيار الجنسية وشروط التوظف.
وحتى نقف على مفهوم الحياد الوظيفي بشكل دقيق يجب الرجوع إلى قواميس اللغة، وكتابات فقهاء وعلماء الإدارة العامة والقانون الإداري، وتبعاً لذلك قسم الباحث هذا الفصل إلى مبحثين:
المبحث الأول: المفهوم اللغوي للحياد الوظيفي.
المبحث الثاني: المفهوم الاصطلاحي للحياد الوظيفي.
المبحث الأول
المفهوم اللغوي للحياد الوظيفي
حتى يمكن التحقق من المفهوم اللغوي للحياد الوظيفي فيجب العودة إلى القرآن الكريم لمعرفة مفهوم الحياد بطريقة مباشرة وغير مباشرة؛ لأن القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، وهو المرجع الأساسي اللغوي لكل مفاهيم اللغة العربية الفصحى، ثم قواميس اللغة العربية والتي تعتبر مرجعًا لا يُستهان به في توضيح مفاهيم كثير من المصطلحات اللغوية كونها تعتبر من أمهات الكتب في هذا الشأن، وهي مؤلفات ثرية وقوية في تحديد المعاني اللغوية لكثير من المصطلحات ومنها مصطلح "الحياد الوظيفي"، ولكي يتسنى لنا معرفة المفهوم اللغوي للحياد الوظيفي بشكله الصحيح.
المطلب الثاني
المفهوم اللغوي للحياد الوظيفي
في قواميس اللغة
بالرجوع إلى معاجم اللغة العربية والاطلاع على ما جاء فيها عن المفهوم اللغوي للحياد، يرى الباحث أن هذه المعاجم قد بينت معنى الحياد وتعرضت له باستفاضة كاملة ويبين الباحث ما جاء في لسان العرب فقط عن المفهوم اللغوي للحياد منعًا للتكرار.
فقد جاء في لسان العرب( ): حيد- الحيد: ما شخص من نواحي الشيء، وجمعه: أحياد وحيود، ويقال: هذا نده ونديده وبده وبديده وحيده وحيده- أي: مثله، وحاد عن الشيء يحيد حيدًا وحيداناً ومحيدًا وحيدودة: مال عنه وعدل - عن اللحياني قال: يحيد حذار الموت من كل روعة: ولابد من موت إذا كان أو قتل - وفي الحديث: أنه ركب فرساً فمر بشجرة فطار منها طائر فحادت فندر عنها والرجل يحيد عن الشيء: إذا صد عنه خوفاً وأنفة ومصدره: حيودة وحيدان، وبنو حيدان: بطن، قال ابن الكلبي: هو أبو مهرة بن حيدان.
ومصطلح الحياد( ) Neutralité مشتق من الكلمة اللاتينية Neutrlis وهي تعبر عن عدم الانحياز لوضع معين أو لظرف معين أي: إرادة الامتناع والرغبة في التجرد.
وكلمة Neutre( ) محايد أو حيادي وهي المشتقة من الكلمة اللاتينية Neuter والتي تعني لا هذا ولا ذاك وهي تعني - أيضًا- ذلك الذي يمتنع عن مناصرة أي طرف وأن لا ينضم لطرف أو لآخر، وهي ضد انحاز( )، والحياد الاختياري هو حياد الدولة التي تلتزم أو ترتبط بمعاهدة عامة أو خاصة تلزمها بالوقوف موقف الحياد عند نشوب حرب معينة( )، بل تكون قد وقفت هذا الموقف بمطلق اختيارها، وبالتالي يعرف الحياد وفقًا لهذا المفهوم بأنه: «سياسة دولية تستلزم الحياد في الحرب الباردة»( )، والدولة في حالة حياد دائم Neutre فتحرم من الدخول في حرب هجومية ضد دولة أخرى( )، حيث تكون ملتزمة بعدم القيام مطلقًا بحرب هجومية( )، وهذا هو المفهوم الدولي للحياد.
وكلمة Impartialité( ) تعني (حيادي) وهي تعبر عن صفة الشخص الذي لا ينضم لفريق أو لآخر. وهو الشخص الذي لا ينضم لطرف معين وهو مرادف لكلمة محايد أو موضوعي، وبالذات مع انتشار المبادئ الديمقراطية( )، فرغم أن الإدارة العامة جزء لا يتجزأ من السلطة التنفيذية، ولكن دون أن يُفهم من ذلك التطابق الكامل بين موضوعيهما، أو اختفاء الصفة الاستقلالية للإدارة عن السياسة( )، ولن يتم الوصول إلى الحياد الوظيفي إلا من خلال وجود تنظيم قانوني عام موحد يجمع في تطبيق أحكامه بين عمال الإدارة العامة كافة ، وينظم بصورة ثابتة مستقرة أوضاعهم الوظيفية كافة ( ).
والحيدة تعني: أنه حاد عن الإجابة عن سؤال وأجاب بغير ما سئل عنه( ).
المبحث الثاني
المفهوم الاصطلاحي للحياد الوظيفي
يعتبر مفهوم الحياد الوظيفي غامضًا نوعًا ما، ولكن المحاولات الفقهية لا تنتهي للوقوف على تعريف الحياد( )، ويحاول الباحث التعرض لمعظم التعريفات الفقهية، حتى يتم الوصول إلى تعريف جامع:
يعرَّف البعض حياد الإدارة بأنه: «عدم تحيز الإدارة إلى حزب سياسي أو لجماعات ذات أهداف سياسية؛ بل تلتزم الحياد التام به»( ).
بينما يعرف البعض المحايد بأنه: ذلك الشخص الذي لا يهتم بالموضوعات التي تقسم الرأي العام وتفرق بين سياسات الأحزاب السياسية وتحدد برامج الحكومة( ).
ويرى البعض أن الحياد يعني: الانحياز لجهة الإدارة والخروج عن الحياد هو خروج عن الانحياز لجهة الإدارة( ).
ويعرَّف البعض الآخر الحياد بأنه: ما يحصل عليه المواطنون من امتيازات، وما يفرض عليهم من أعباء أو قيود للنشاط الحكومي متساوية بالنسبة للجميع( )؛ لأن تحيز الإدارة يفقد مبدأ سيادة القانون أهميته، وتهضم به حقوق وحريات الأشخاص، لذا كان من الضروري في دولة القانون تطبيق مبدأ حياد الإدارة، كضمان من ضمانات حقوق الإنسان( )؛ حيث أصبح الحياد الوظيفي من المبادئ المهمة والعامة التي تنظم علاقة المرفق العام بالمنتفعين بخدمات المرفق( ).
بينما يراه البعض الآخر بأنه: «الحياد في أداء الخدمة العامة والتعاون مع الحكومة القائمة»( ).
كما عرَّفه البعض بأنه: الحياد في أداء الخدمة العامة والتعاون مع الحكومة القائمة؛ بحيث تصبح الإدارة العامة إدارة محايدة( ).
ويعرف البعض الآخر الحياد الوظيفي بأنه: الفلسفة التي تعبر عن العلاقات المنظمة بين القيادة السياسية والقيادة الإدارية وجماعة الموظفين في الجهاز الحكومي( ).
ويرى البعض بأن الحياد الوظيفي: «هو أن يتصرف الموظف المستديم مع سياسة الحكومة في الظروف العادية إذا لم يكن هناك اعتداء على الدستور أو ما يماثله من إجراءات سياسية شاذة»( ).
ويرى البعض بأنه: «التزام الموظف العام بأداء أعماله الوظيفية في حيدة كاملة وتامة، وأن يحسن معاملة الجمهور مع إنجاز مصالحه في الوقت المناسب»( ).
كما يرى البعض بأنه يشمل أمرين:
الأول: تحريم الجمع بين تولي الوظائف الإدارية وعضوية الهيئة المنتخبة التي تتولى الوظيفة التشريعية.
الثاني: تحرير الموظفين العاملين في مجال الإدارة من الخضوع لنفوذ الأحزاب السياسية، وتحريم اشتغالهم بالسياسة الحزبية، سواء عن طريق اشتراكهم في عضوية الأحزاب السياسية، أو مباشرة النشاط الحزبي في صوره المختلفة( ) لتأكيد استقلال الخدمة العامة( ).
وقد عرفه البعض بأنه: «انقطاع رجال الإدارة للخدمة العامة كموظفين دائمين وابتعادهم عن المتغيرات السياسية؛ بما يضمن لهم الاستقرار الذي يحقق استمرار العمل الإداري العام واستقراره»( ).
فالحياد الوظيفي لا يعني الهروب من الموضوعات التي يجب معالجتها والوقوف بعيداً عنها والمعركة ناشبة؛ فإن هذا سوء استعمال لمفهوم الحياد( ) وليس للإدارة أن تخلق لنفسها أصدقاء وأعداء من بين فئات أصحاب المصالح، فإن فعلت فلن تكون محايدة، وواجبها دائمًا تغليب الصالح العام، وأن تحمي حيادها من المصالح الخاصة( ).
ولن يتم لها ذلك ما لم يتمتع موظفوها بضمانات الاستمرار في الخدمة بعيدًا عن التيارات السياسية المتصارعة، وذلك بهدف استمرار العمل الإداري العام بانتظام واضطراد( ).
كما يعرف البعض الحياد الوظيفي بأنه: لا يخرج عن كونه ممارسة الوظيفة بتجرد وموضوعية بعيداً عن الأهواء الشخصية ودون أدنى تمييز سياسي أو فلسفي أو ديني، والامتناع عن الإعلان أو الترويج لآرائه الخاصة أو التربح من الوظيفة( ).
وأخيراً يعرف البعض الحياد الوظيفي بأنه: عدم الانحياز في أداء الخدمة العامة( )، وأصل مصطلح الحياد من الكلمة اللاتينية (neutralize)، وهي فعل عدم الميل إلى أي جهة أو حزب، وتعني إرادة الامتناع وعدم التحيز الذي يُطلق على الذي لا ينتمي إلى حزب دون الآخر، فهو ليس منحازًا إلى حزب معين( )، وتأتي إرادة الامتناع بمعنى الموضوعية، والتي تطلق على مجموعة الأشخاص الذين يقدمون حججًا موضوعية لا تتغير تبعًا لأي ميول شخصي( ).
من خلال التعريفات السابقة نستخلص بعض خصائص الحياد الوظيفي كما يلي:
- الحياد الوظيفي يجد أساسه غالباً في العمومية والتجريد، فكلما وجدت قواعد عامة ومجردة تنطبق على الجميع بدون استثناء وجد الحياد الوظيفي.
- الحياد الوظيفي كمبدأ مهيمن وضروري في الوظيفة العامة له ثلاثة مظاهر كما يلي:
المظهر الأول: الحياد المادي: ويعني الامتناع عن التربح بطرق غير مشروعة من الوظيفة العامة، وعدم قبول أي هدايا أو عطايا، أو ممارسة أي أعمال تجارية، أو أخذ عمولات وغيرها، وأي تصرف من ذلك يعني خروجًا عن الحياد، حيث يعد الحياد أو عدم المحاباة مبدءًا عامًا من مبادئ القانون، فهو التزام يفرض على الهيئات الإدارية كافة ( ).
المظهر الثاني: الحياد مع الشعب «جمهور المتعاملين مع المرفق»: بحيث يتم التعامل معهم على قدم المساواة، ولا يتم التمييز والمفاضلة بينهم لأي سبب كان، ويتم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؛ لأنه في الأساس يعمل من أجل خدمة الشعب كل الشعب بدون تمييز، وأي خروج عن ذلك هو خروج عن الحياد.
المظهر الثالث: الحياد تجاه السلطات السياسية في الدولة: بحيث تكون علاقته بهذه السلطات وفقًا للقوانين واللوائح، بعيدًا عن الولاءات الضيقة والعلاقات الشخصية والمحاباة والمحسوبية، واضعًا المصلحة العليا للوطن ومصالح الشعب العامة فوق المصالح الشخصية وبغض النظر عن الانتماء الحزبي للسلطة السياسة أو للموظف العام فالجميع في خدمة الشعب، والقانون هو الفيصل بين الرئيس والمرؤوس مع حرية الانتماء لكليهما( )، مع التمتع بحرية الرأي والتعبير في المسائل السياسية؛ على أن لا يتعدى ذلك حدود النزاهة لكليهما( ).
والحياد نوعان:
- حياد إيجابي: ويعني المشاركة والعمل الدؤوب في خدمة الشعب بتجرد وموضوعية وفقاً للقانون، وأن يشارك الموظف العمومي في الحياة السياسية مشاركة موضوعية بشكل لا ينحاز معه إلى اعتبارات شخصية سياسية منها أو عقائدية( )، وأن يتعامل مع الآخرين بتجرد وموضوعية من دون تمييز على أي أساس من الأسس العرقية أو المعتقد الديني أو السياسي( ).
- حياد سلبي: ويعني الامتناع والعدول عن مناصرة أي حزب أوتنظيم سياسي أو فئوي أو غيره على حساب الشعب ومصلحته العامة، ويتمثل ذلك في اجتناب الموظف كل ما من شأنه التأثير على نشاطه الإداري، كما يحتم عليه عدم الانسياق لعواطفه أو لميوله( ).
والحياد الوظيفي: لا يتصور وجوده بشكله الكامل إلا في مجتمع ليبرالي قائم على تعدد الأحزاب، بهدف التبادل السلمي للسلطة السياسية من خلال وجود نظام ديمقراطي حقيقي قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتعدد الأحزاب، وإشاعة الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، واحترام إرادة ورغبة الشعب صاحب السلطة الحقيقية والاحتكام إليه وقبول حكمه مهما كان هذا الحكم عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تتاح فيها الفرصة لجميع الأحزاب السياسية والمستقلين بالمشاركة الفاعلة على قدم المساواة، من أجل الحصول على موافقة الناخب وتأييده لمن يريد من هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية وكذلك المستقلين أن يحكمه بكل حرية وعن قناعة تامة، تجسيدًا لمبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه( ).
ويتحقق الحياد الوظيفي الحقيقي من خلال التبادل السلمي للسلطة بين الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة؛ بحيث يصبح الحاكم معارضاً والمعارض حاكمًا ،مع بقاء الجهاز الإداري محايدًا بعيدَا عن هذه التغييرات، فالحياد هو الذي يميز النموذج الليبرالي للإدارة ؛ حيث يقوم هذا المبدأ فيها على فكرة السماح للدولة القيام بجميع وظائفها لكن خارج الخلافات الحزبية والأيديولوجية والعقائدية، وهي ملزمة بعدم التفرقة بين الموظفين بالنظر إلى معتقداتهم واختياراتهم السياسية والعقائدية، وبالتالي فإن هدفه هو ضمان استقرار الإدارة واستمرار الدولة( ).
من هنا كان لابد من وجود الحياد الوظيفي من أجل حماية الوظيفة والموظف معًا تجاه رجال السياسة وتعصباتهم،وكذلك لضمان حصول المواطنين على خدمات المرافق العامة باستمرار وبسهولة ويسر، وحتى تسير أمور الوظيفة العامة بشكل مطرد ومستمر وفقًا للقوانين واللوائح؛ بغية تحقيق خدمة الشعب وتحقيق رفاهيته حفاظًا على المصلحة العامة؛ لأن الإدارة العامة هي الوسيلة أو الأداة المنفذة لأوامر وقرارات السلطة السياسية.
ومن هنا نشأ خطر عدم الحيدة في جانب الإدارة عند قيامها بتنفيذ أوامر السلطة الحاكمة( )، ولن يتم منع ذلك إلا من خلال وجود الحياد الوظيفي حتى لا تتأثر الوظيفة العامة والموظف العام بتغيير الحزب الحاكم أو الأحزاب الحاكمة، كما أنهما لا يتأثران بأي هزات سياسية أو تغيرات سياسية قد تحصل داخل الدولة( )، كذلك يوفر الحياد الوظيفي للسياسيين الجدد الذين يصلون إلى الحكم القدرة على تحقيق الأهداف والمبادئ التي على أساسها تم انتخابهم ولا يجدون أي صعوبة أمامهم فى تنفيذها؛ لأن الجهاز الإداري محايد.
فكما أن الديمقراطية كأرقى نظام للحكم السياسي في العالم كله، يتحقق من خلالها الاستقرار السياسي للحكم في أي دولة كانت، فإن الحياد الوظيفي يحتل نفس الأهمية في المجال الإداري، وبه ومن خلاله يتحقق الاستقرار الوظيفي في الجهاز الإداري للدولة.
من خلال المفاهيم والمصطلحات السابقة للحياد الوظيفي، يؤيد الباحث مَنْ رأى بأن الحياد الوظيفي هو : (ممارسة الوظيفة بتجرد وموضوعية التزامًا بالقوانين واللوائح، وبعيداً عن المصالح الضيقة والمنافع والأهواء الشخصية وممتنعًا عن أي تمييز سياسي أو عقائدي أو فئوي أو غير ذلك، سواء في تعامله مع السلطة السياسية، أو مع زملائه، أو مع جمهور المتعاملين مع المرفق)( ).
فالموظف العام يُكَّلف بأداء أعمال وظيفته في نزاهة وحيدة لتحقيق المصلحة العامة، إذ لا يجوز له أن يستعمل سلطات وظيفته لتحقيق مصلحته الشخصية أو مصلحة لغيره( )، فيقصد بالحياد الوظيفي الحياد في أداء الخدمة العامة من أجل ضمان التعاون ما بين الموظف والحكومة القائمة أيًا كانت ميولها أو انتماءها السياسي( )، ويلتزم الموظف أن يظل في خدمة المواطنين جميعًا مهما كانت عقائدهم أو مذاهبهم؛ لأن ما يهم المواطن أولاً وأخيرًا هو الحصول على الخدمات بكل سهولة ويسر، وهذا هدفه ومطلبه من الحكومة السياسية مهما كان لونها وشكلها.
ويرجع تأييد الباحث لهذا المفهوم إلى المبررات التالية:
1- أنه تعريف جامع مانع:
فهو قد جمع كل مظاهر الحياد في جنباته - كما أوضحنا ذلك سابقًا- حيث اشتمل هذا التعريف على الحياد الإيجابي والحياد السلبي والحياد المادي، كما منع دخول أي كلمات لا تمت إلى الحياد الوظيفي بصلة إلى هذا التعريف.
2- يتميز بالعمومية والشمول:
بحيث ينطبق على أي موظف أو سلطة سياسية، كما يشمل جميع الموظفين العموميين بدون استثناء.
3- يتميز بالثبات والمرونة:
حيث تكون الإدارة ثابتة ومحايدة مع تغير رجال السياسة؛ مما يجعلها تعمل بعيدًا عن الصراع الأيدلوجي أو الديني، فهي مكلفة بالحفاظ على النظام وتحقيق التقدم الاجتماعي.
4- يتميز بالتحرر والاستمرارية:
فهو يشمل المحافظة على الحرية واحترامها، وضرورة الحياد الوظيفي كقيد على هذه الحرية؛ وبذلك يرتبط الحياد بالمذهب التحرري ذلك المذهب الذي يتمثل في تحقيق الوظائف التي تترك الأفراد أحرارًا في تصرفاتهم، فهو مذهب قائم على المقولة المعروفة «دعه يذهب، دعه يمر»( )، حيث يسيطر على عمل الإدارة في دولة حرة؛ بحيث يميز النمط الليبرالي في الإدارة ويتميز - أيضًا- بالاستمرارية والتطور رغم التغيرات السياسية التي تؤدي إلى تغير السلطات الحاكمة.
فأفراد المجتمع تنظر إلى الموظف بأنه «يتمتع بالثقة، ويجب أن يكون الموظف عند حسن ظن الجميع عند قيامه بأعمال وظيفته، ولا يجوز له أن يحصل على مقابل من صاحب الحاجة»( )، فالحياد الوظيفي يعني أن تكون الدولة بعيدة عن الصراع الأيدلوجي أو الديني، فهي مكلفة بالحفاظ على النظام وتحقيق التقدم الاجتماعي لجميع أبناء الشعب وبدون تمييز أو محاباة أو محسوبية( ).
كما يفرض عليه الحياد الوظيفي عدم التعاطف مع أي شخص، أو مساعدته في تحقيق أهدافه غير المشروعة، والخارجة عن الدستور والقانون( ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.