في الحلقة الحادية عشرة من كتاب «كارلا.. حياة سرية» الذي تنشر القبس فصولا منه، تتابع مؤلفته بسمة لاهوري رحلة كارلا بروني الفنية، وكيف تحولت من عارضة ازياء الى مغنية معروفة باع البومها الاول مليوني نسخة، وكيف استغلت بذكاء شبكة علاقاتها الواسعة بالعاملين في الوسط الموسيقي لكي تتمكن من تسلق سلم النجاح بسرعة. وأيضا تتطرق لاهوري إلى حلم كارلا بأن تصبح ممثلة، وفشلها في أول اختبار لها في هذا المجال مع المخرج الأميركي وودي آلن. «انها قوية» بهذه الكلمات علق مصمم الازياء جان بول غوتنيه على انطلاقة كارلا الصاروخية في عالم الاغنية الفرنسية، فمع اسطوانتها الاولى التي نزلت الاسواق عام 2002 وحملت اسم «احدهم قال لي» حققت المستحيل، فقد بيع مليونا نسخة في فرنسا وخارجها، وبذلك حققت كارلا وهي في الخامسة والثلاثين من العمر ثاني اكبر تحد لها، وبذات السرعة التي حققت فيها، قبل خمسة عشر عاما، اول تحد لها في دور الازياء. جاء التحدي الثاني ليكرس قدرتها على تغيير مهنتها بامتياز، بينما كان كثيرون يتوقعون او ينتظرون فشلها. خطوات خجولة ومتواضعة لقد وصلت بخطوات خجولة ومتواضعة، فعالم الموسيقى في فرنسا قاس ومغلق، وعارضات الازياء اللاتي حاولن الانتقال الى عالم الاغنية مثل كارين مولدر، فشلن جميعهن، «بينما جاءت كارلا على رؤوس اصابعها، وبكل تواضع»، يقول الصحافي في القسم الثقافي في مجلة «اكسبرس» ميل ميديوني. تعاطت مع مهنتها الجديدة بكثير من الجدية، انطلاقا من وعيها بانه لا يكفي ان يكون والداها موسيقيين او انها بدأت تتعلم العزف على الغيتار وهي في التاسعة من العمر، لكي تصبح فنانة. وهي التي قالت في السادسة عشرة من العمر خلال برنامج تلفزيوني انها مغنية متوسطة المستوى، وانها لا تريد ان يكون الغناء مهنتها، تصرفت كمحترفة. فبعد ان انسحبت من عالم الازياء، بدأت تأخذ الدروس في الغناء مرتين في الاسبوع، ولا تزال تفعل ذلك حتى يومنا هذا. وتكفلت جرأتها ومواظبتها اضافة الى فن نسيج العلاقات مع الأشخاص النافذين في اللحظة المناسبة بالباقي. دعم الرجال لعب الرجال دورا اساسيا في صعود كارلا بروني فنيا، فمنذ كانت تلميذة في الثانوية وهي في الثامنة عشرة من العمر نجحت بالتعرف على لويس برتينياك الذي كان العمود الفقري لفرقة تلفون. ويقول برتينياك: «نجحت بالحصول على رقم هاتفي وعنواني، لكنني كنت غيرت شقتي، فقدمت رشوة لحارس العمارة حيث كانت الشقة القديمة، وحصلت منه على عنواني الجديد، وذهلت عندما رأيتها لأول مرة، كانت جميلة للغاية، خجولة وذكية» ومع عازف الغيتار تمكنت الخجولة من دخول عالم الروك المغلق، وبقيت مع برتينياك لمدة سنة حتى تعرفت على اريك كلبتون، وبعدها حايك جاغر. وعلى غرار بيرتينياك قدما دعما فعالا للمغنية. وبفضل علاقتها بالملحن والشاعر جان جاك غولدمان تمكنت كارلا من المشاركة في امسيات تلفزيونية خلال الفترة من 1995 الى 1997 لتقديم اغاني لجمع التبرعات من اجل «مطعم القلب» وهي جمعية اطلقها الفنان كولوش لتقديم الدعم للفقراء في فرنسا. ويقول الصحافي كريستوف كونت الذي له عدة كتب حول الاغنية الفرنسية: «كانت المشاركة في اغاني مطعم القلب تعتبر قمة التتويج للمغنين الفرنسيين، اذ انها كانت تفتح لهم ابواب المشاهير وتجعل منهم نجوماً شعبيين». واحتضان عصابة فناني «مطعم القلب» لكارلا كان يعتبر امتيازاً. فقد ابعد غولدمان مغنين موهوبين مثل فانسان دولورم لان طبقته الصوتية لم تكن قوية، كما دفع المغني اتيان داهو ثمن رفضه المشاركة في تقديم اغاني مطعم القلب، حيث تراجعت شعبيته ومبيعات اغانيه، وكارلا فهمت هذه الظاهرة. كاتبة أغنيات عام 1999 عندما قررت الانتقال الى عالم الغناء، اتجهت نحو الملحن والمغني جوليان كليرك، وخلال عشاء في مطعم باريسي قالت له كارلا انها تكتب كلمات اغان، منذ عدة سنوات وبالسر، فعرفها على وكيله الفني برتران دو لابيه. وبعد عدة اسابيع تلقى جوليان كليرك فاكسا بكلمات اغنية غير موقع، بعنوان «اذا كنت مكانها»، فاستحوذ النص عليه ولحن كلماته، وحملت اسطوانته الجديدة خمس اغان اضافية من كلمات كارلا بروني، وهكذا اظهرت كارلا انها كاتبة كلمات اغان، وقالت بعد سنوات انها تبحث عن شركاء حقيقيين او رمزيين واذا امكن حميمين. ويدعي احد الشهود انه شاهد جوليان كليرك في كيبك في كندا، حيث كان يقوم بجولة عالمية، مع كارلا ويده تمسك بيدها، وبعد عدة اشهر شجعها على مواصلة كتابة كلمات الاغاني، لكن هذه المرة لكي تغنيها هي شخصيا. كانت في احضان رافاييل انطوفين عندما جاءها الالهام، والفت كلمات البومها الأول. وقالت في مقابلة مع مجلة باري ماتش انها من دون رافاييل لما كتبت وغنت ولحنت البومها الاول، وانها تعرف بماذا تدين له، لان الفيلسوف الذي يقدم برنامجا اذاعيا في «فرانس كولتور» ساعدها كثيرا في كتابة كلمات اغانيها. ويقول كريستوف بارنييه، وهو صديق رافاييل ان كارلا كانت تتصل به مرارا، خلال تسجيل الالبوم، وتطلب رأيه. وعشيقها هو الذي عرفها على معظم الصحافيين الذين أصبحوا من معارفها، ومن اصدقائها الآن: كريستوف بارنييه «الاكسبرس» لوران بوفران، من «ليبراسيون» وفيليب فال مدير اذاعة «فرانس انتير». انتماء إلى اليسار بفضل هذه العلاقات الجديدة تمكنت كارلا بروني التي لم تكن الصحافة الفرنسية تأخذها على محمل الجد، من دخول عالم «الانتليجنسيا» الفرنسية المغلق، وهكذا انتقلت باعين الفرنسيين من عارضة الازياء الى الكاتبة والملحنة والمغنية والمثقفة الملتزمة، وفي هذه المرحلة بدأت تقول انها تنتمي الى اليسار. وأقلعت عن ارتداء الملابس الخفيفة التي تبرز مفاتنها. يقول الناقد الموسيقي بيار سيانكوسكي تكمن قوة كارلا بانها ترصد وتعاين بسرعة الاشخاص الاساسيين في وسط معين ترغب بالدخول اليه، انها تعرف على اي زر يجب ان تضغط، وتتأقلم بسرعة مع قواعد اللعبة، انها تعرف من تغوي من دون مراعاة للاخلاق». موهبة شابة واعدة كريستوف كونت الذي عمل رئيس قسم في مجلة انروكس المختصة بالموسيقى، والتي تأخذ من الصحف الفرنسية اخبار الموسيقيين الجدد، أو الموسيقيين الاجانب غير المعروفين، وبالتالي تلعب دوراً مهما في تغطية عالم الغناء والموسيقى، يقول: «ذات يوم دخل رئيس تحرير المجلة حاملا بيده البوم كارلا بروني، ولوح به قائلا انه البوم جميل، وهو ثمار عمل مستقل، ولن ينجح، ولذلك سيكون من المفيد ان نخصص له موضوع غلاف المجلة، فقلت له انني افضل شخصيا كنت افضل الفنان النيجيري فيلا كوتي، وهو واحد من اكبر الشخصيات الموسيقية واهمها وله اكثر من خمسين اسطوانة، والتحدي كبير. فالمغني المغمور، الذي تتحدث عنه المجلة، يمكن ان يصبح مشهوراً. واكتفت كارلا يومها برؤية صورة صغيرة لها على موضوع الغلاف، الذي خصص للفنان الافريقي في نهاية المطاف. ولكن ذلك لم يمنعها من ان تحتل بعد ستة اشهر موضوع غلاف مجلة «انروكس» مع العنوان التالي: «موهبة شابة واعدة» وكان العنوان كبيراً لمبتدئة. استثمار النجاح لقد اختارت كارلا لانتاج البومها الاول شركة ناييف المستقلة للانتاج الموسيقي، مبتعدة عن شركات الانتاج الكبيرة لكي لا تكون فيها مغنية مثل بقية المغنيات، بينما في شركة ناييف كانت النجمة، والمسؤولون عن الشركة كانوا سعداء لانتاج البوم لفتاة مشهورة تعرف الارض برمتها. وقررت كارلا استثمار النجاح الهائل لالبومها الاول في تكريس صورتها كمغنية شابة وبسيطة، وواصلت نسج العلاقات لتعزيز شبكة معارفها. والهدف الجديد كان جان لويس مورا. وكان من المستحيل عليها هذه المرة ان تتناول العشاء معه في مطعم باريسي، فهو يفضل الريف الفرنسي، وسمعته انه مثل الدب. كان لا بد لها ان تذهب لتحضر حفلة غنائية كان يقدمها وتذهب بعدها الى جناحه لالقاء التحية عليه. وتمكنت من وضع يدها عليه، فنيا فقط، اذا قال لها خلال مكالمة هاتفية «عزيزتي كارلا انك وحش يبحث عن فريسة وانا لست ارنبا». لكن هذا لم يمنعه من كتابة كلمات اغنية لها وتسجيل ثلاث اغنيات بصوتها في البومه «موكبا» الذي صدر عام 2005. لم تكن كارلا بروني على الاطلاق فنانة فردية أو وحيدة، فبعد ان هجرها رافاييل سنتي قالت ألسنة السوء إن غيابه نابع من سوء البومها الثاني «لا وعود» الذي خرج في عام 2007، بالتأكيد فأن برتينياك كان دائما الى جانبها لانجازه لكن من ناحية الكلمات أقرت بأنها لم تكن مُلهمة. والنتيجة: اكتفت بوضع الموسيقى لكلمات اغان بالانكليزية. كأن شيئا لم يكن وبعد عام صدر ألبومها الثالث «كأن شيئا لم يكن» ولاقى نجاحا كبيرا. بفضل التغطية الإعلامية الواسعة والعالمية التي حظي بها. وهذه المسألة طبيعية لأنها أصبحت زوجة رئيس الجمهورية. وهذه المرة استغنت عن خدمات برتينياك. ومن خلال الجمل اللاذعة التي أطلقها المقربون من كارلا ضده فهم أن هناك غيوما متلبدة في علاقتها معه. وما يثبت ذلك هو ما قاله بعد خروج ألبومها. انها تعشق وضعها الجديد (زوجة رئيس الجمهورية) لأنه مهم بالنسبة لها، وهناك أشياء تُظهر انها تحب ان تكون المرأة الأكثر شهرة في العالم. وبعد هذا التصريح تصالحت بروني مع لويس برتينياك، الذي لم يكن الوحيد في الوسط الفني، الذي ابتعد عن زوجة ساركوزي الجديدة، وبنجمان بيوليه، وهو ابن عامل، لم يخف. يوما آراءه اليسارية من بين الذين ابتعدوا عنها. ويقول كريستوف كونت أن بيوليه هو الفنان الأكثر راديكالية ويعشق السياسة. وقد فوجئ ان كارلا تزوجت رئيس الجمهورية الأكثر يمينية. وفي الواقع فأن بيوليه هو الوحيد الذي تجرأ على القول علنا بما يفكر فيه الكثيرون من المقربين من السيدة الاولى. وعندما أجرت معه إحدى المجلات الفرنسية مقابلة قال بيوليه في الحديث الصحفي الذي لم يُنشر في نهاية المطاف، ما لم يتجرأ على قوله لها مباشرة عن رأيه بالزوج.. ولكنه كان اكثر وضوحا في حديثه لمجلة الموندو الاسبانية حيث وصف «سياسة ساركوزي بالكارثة الرهيبة التي تشكل عارا حقيقيا»، ورأى «ان كارلا تجسد الانتهازية التي غناها جاك دوترونك».
أداء غير مقنع كارلا تريد ان تصبح ممثلة، وعندما منح زوجها وسام بوقة الشرف لوودي آلن في 2009/1/20 كانت الفرنسية الأولى تقف الى جانب زوجها، واستغلت المناسبة لتنتزع من المخرج الاميركي وعدا بان يسند لها دورا في فيلمه المقبل. وبعد تردد طويل قرر وودي آلن اعطاءها دورا ثانويا، وخلال تصوير الفيلم في باريس في صيف 2010 ضجر من تجارب الممثلة كارلا التي لم تكن مقنعة، تم تصوير مشهد 35 مرة تظهر فيه كارلا بروني من دون ان تنطق بكلمة. ويبدو انها لم تتمكن من عدم التحديق بالكاميرا، وأثار التأخير باخراج الفيلم حفيظة عدد من الممثلين المشاركين فيه، مثل الممثلة ماريون كوتييار التي اضطرت لتغيير موعد اجازتها. وبعثت كارلا برسالة اعتذار إلى الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار، قائلة «حقاً التمثيل مهنة وأنا مازلت مبتدئة». ولكن المشكلة هي انه لم يكن هناك فقط قدرات كارلا المشكوك فيها. فعند منتصف الليل وصل نيكولا ساركوزي إلى مكان تصوير الفيلم ومعه حراسه وأثار فضيحة صغيرة عندما أراد رئيس الجمهورية توجيه اللكمات للمصورين اللوجوجين. وتدخلت كارلا بروني شخصياً لتهدئة زوجها، الأمر الذي أثار غضب وودي آلن، الصحافي كريستوف كونت خلص إلى القول «وصل الوضع إلى درجة ان الفنانة التي تريد ان تفعل كل شيء انتهى بها الأمر بأنها تفعله بشكل سيئ». من المؤكد ان عارضة الأزياء السابقة نجحت في امتحان الأغنية، لكن في مجال تعلم مهنة التمثيل فإن الطريق لا تزال طويلة أمامها، وتجربتها الأولى لم تثنها عن المحاولة من جديد، إذ انها قد تشارك في المسلسل الأميركي «الخبراء» ومن دون أدنى شك فان اسم البرنامج لا بد من ان يعجب زوجها.