وحدهم أبناء الريف يقاومون لامبالاة الحكومة وتفلتها، عند ارتفاع الغاز، وانعدامه. إنهم يبقون تنوراتهم المصنوعة من «المدر»، وتحتفظ النساء جوار المنازل بحُزَم «الحطب» اليابس كاحتياطي ينوب عن احتياطي الغاز عند الأزمة التي يصنعها كبار تجار المدن لإحداث صفقة ربحية سريعة أمام مباركة السلطة مطلع رمضان دائما، وغالبا عند الأشهر الأخرى.
أما سكان المدن ذو الدخل المنخفض فينالهم الارتفاع المفاجئ باستفاضة، إذ يستفزهم سائق الأجرة الذي يبحث معهم عن محل غاز، عندما لا يكتفي بمبلغ يصل أحيانا ألفي ريال، ومثله البائع الذي يطلب نفس المبلغ.
الحكومة تقول إنها تصدر (6.3) مليون طن متري من الغاز سنوياً بدءً من النصف الثاني من عام 2009م ، وأن كميات عقود التصدير الموقعة بلغت (12) مليون طن متري إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكوريا، وان إنتاج الغاز البترولي المسال للاستهلاك المحلي وصل (765) ألف طن متري في عام 2008م إلى جانب عمليات استغلال الغاز المصاحب لإنتاج النفط بدلاً من حرقه وذلك لإنتاج الطاقة الكهربائية في مناطق الإنتاج حيث يتوقع مساهمته بتوليد 100 ميجاوات في محافظة حضرموت و(25) ميجاوات في شرق شبوة مما يمثل مؤشرات جيدة لتطور استغلال احتياطات الغاز لتلبية حاجة الأسواق المحلية والتصدير ومصدراً لتعزيز وتنمية الموارد العامة للدولة. كلام جميل لكنه لا يعني ل 90% من السكان شيئاً لتلك النسبة التي تمثل الطبقة المسحوقة على سطح الأرض الحبلى بالثروة النفطية والمعادن، كون الحزب الحاكم يصرف عائدات الثروة أيام الانتخابات كدعاية، وينفقها في سفريات ونثريات وسيارات وما إلى ذلك، وكون المواطن العادي يتضرر من الأزمة أكثر من غيره.
واختلاف قيمة الغاز من شارع إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى يبين وجود فوضى، وغياب الرقابة الحكومية، وعدم جديتها بالتعامل مع قضايا المواطنين المهمة.
الغاز همّ قاتل
أزمة الغاز أخرجت البيت اليمني بمختلف شرائحه «الصغير والكبير، النساء والشيوخ والأطفال، أكوام من الأجساد البشرية ترتعد متوجسة أمام معارض «بيع الغاز» تكويهم حرارة الشمس، والرياح المتربة، وجشع تجار الغاز، وإغلاق الوكالات، والتخبط الرسمي وأصداء تصريحات تزيد من معاناة المواطن.
تقليد سنوي يتخذه تجار بيع الغاز كلما اقترب الشهر الفضيل واتفاق مبطن للربح السريع بينهم وبين قطاع الطرق ليصل سعر الاسطوانة (1500) ريال، وبعض المناطق وخاصة النائية تصل قيمتها ما يعادل كيس قمح!!
وعوضاً عن ذلك تكثر الحوادث المرورية والمعارك والمشاجرات بين الناس وإصابة البعض «بضربات الشمس».
ففي نقم – تعرض طفل لا يتجاوز الثامنة - للموت، وهو يحاول أن يزاحم بجسده الصغير واسطوانة الغاز التي تكبر حجمه وتثقل كاهله.
ويجد لنفسه مكاناً بين الجموع ليستقر جسده الصغير تحت عجلات ساق «أهوج» أراد أيضاً أن يسابق الجميع فيدخل في الصف دونما اعتبار لأحد ليقتل الطفل!
«أم حمدي» عجوز حاولت أن تتقي الشمس بكرتون صغير، فوق رأسها محاولة الانتعاش قليلاً حتى لا تغيب عن الوعي، تحاول أن تحتمل ولكن قواها تخور وتسقط مغشياً عليها تحت أقدام الجميع.
تصرخ امرأة أخرى قائلة: «لماذا تعاملنا الحكومة هكذا؟ لا ألحقهم الله خيراً في رمضان المفروض يتقوا الله فينا ثلاثة أيام ونحن «نسارب» أنا وزوجي وعيالي كأننا على باب الجنة «حسبي الله ونعم الوكيل فيهم».
أم محمد تقول: والله يابنتي يومان ما دخل الأكل بيتنا انقطع الغاز واحنا لا نستطيع شراء أكل من خارج ياالله نكفي ما عندنا (ومساربة) ثلاثة أيام وفوق هذا كله «يزيدوا أسعار الاسطوانات ومن دفع من 800-900 إلى 1500 (نجزوه) واحنا المساكين ننتظر، فكيف في رمضان «عيميتونا جرع».
«أم لبنى» – ربة بيت: تعود أم لبنى إلى بيتها مع صغيرتها وقد حظيت «باسطوانات غاز ب1200 ريال، بعد مشارعة مع صاحب المحل لتجد زوجها الغاضب العائد من عمله متعباً وجوعاناً ينتظرها وقد أحرقه الجوع لتقول له: «إنها استطاعت الحصول على «الغاز عصراً ليزيد من معاناتها «البحثية عن «الغاز» ويطلقها ويشرد أطفالها.
ومع ازدياد التوتر والرغبة في الحصول على الغاز تتشنج أعصاب الناس فالمعاناة في البحث والانتظار أوجدت مساحة للمشادات الكلامية والمشاجرات تصل إلى معارك طاحنة بين «مضارب ومقارع» لشهداء المعركة بعد أن يكتشف الجميع أن أزمة الغاز حولتهم «إلى وحوش دامية وضحايا لحكومة متلاعبة- وأناس يستغلون تلك المشاجرات لتكون فرحتهم بالسرقة «إسطوانات الغاز – أو نقود- أو هواتف السيارة فالغاز ليس هم قاتل للمواطن اليمني بل مصدر لتعكير حياته واستقرار أمنه.
الكهرباء والماء .. عقاب «جماعي لليمنيين»
أزمة الكهرباء في بلادنا والعجز المستديم منذ سنين في هذه الطاقة المهمة للإنسان والذي أصبح قصورها من منغصات الحياة على المواطن اليمني في عمله وبيته، مشكلة كثر التطرق إليها والبحث عن أسبابها والأمل في حلها نهائياً.
ومع هذا فلقد أدرك المواطن اليمني قيمة الشمعة التي تضيء ظلمته المعتمة خلافاً للكهرباء النووية التي كانت حلماً في كوكب المريخ ذهبت مع الوعود الرئاسية والحكومية أيام حمى الانتخابات «بكهرباء لا تنطفئ» ليعم العتمة في كل بيت في اليمن« وخاصة ليالي رمضان».
الكارثة الأخرى «هي أزمة المياه والتي تتفاقم كل يوم مع تجاهل الحكومة لحل هذه الكارثة وإيجاد حلول سريعة وفاعلة.
كل الدراسات والبحوث وآخر تقرير لوزارة المياه والبيئة يحذر من إمكانية جفاف حوض صنعاء مع مطلع العام 2015م كحد أقصى، وتعاني معظم المناطق في الأمانة من ذلك وتعتمد على «وايتات الماء» التي تتفاوت أسعارها لتقصم ظهر المواطن.
في رمضان تزداد ضراوة ارتفاع أسعار المياه والفواتير والتي إلى الآن يحاول المواطنون فك طلاسمها لمعرفة سر استمرارها والكهرباء والمياه شبه منقطعة والخدمات معدومة.
«حارة الريان» نسلط جزءاً من معاناة ساكنيها فأكثر بيوتهم على مرتفعات لاتصل إليها حتى وايتات الماء، وإضافة إلى أن مشروع المياه لا يصل إلا نادراً ويعتمدون في ذلك على «مولدات الكهرباء» لإيصال المياه إلى بيوتهم، أو حمل أوعية المياه والبحث عنها في البيوت والحارات معتمدين على صغارهم ونسائهم ليجود عليهم البعض بما لا يكفي ليوم واحد.
أكثر الأسر هناك فقراء يعيشون حالة من الكفاف ولا يستطيعون إحضار الوايتات لإطفاء عطشهم.
تخرج «ريم وهناء» كل يوم بدبة ماء فارغة، وتبحثان عند الجيران على المياه وطفل آخر يحاول حمل «لترين من الماء فوق ظهره ليعتلي التعرجات ويصل إلى بيته».
نعم الأطفال والنساء الأكثر معاناة لغياب المشاريع الأساسية والخدمية التي تقي المواطن كل هذه المعاناة، فأكثرهم يعانون من تقزم أجسامهم وإصابة عظامهم بتشوهات نتيجة «البحث عن الماء وحمل «لترات» فوق ظهورهم الصغيرة».
«أسرة الكولي»
تقول ربة البيت: بسبب الانطفاءات المتكررة احترقت أجهزتنا الكهربائية «التلفاز – الثلاجة» ومع قدوم رمضان لا نستطيع حتى إصلاحهما بسبب ارتفاع الأسعار ومحاولة توفير الاحتياجات الأساسية الله لا ألحقهم خير، في رمضان السنة الأولى لم تمر ليلة لم يطفوا علينا، وأحرقوا الغسالة وهذا رمضان «عيكملوا الباقي».
«أم حسناء» ربة بيت:
تعيش وأسرتها الصغيرة في بيت مهتم يعتمد على إضاءة الكهرباء قالت لي تخيلي الحياة فقط في قبو مظلم لا ترى شيئاً في الليل أو النهار فقط على الشموع والتي لا تملك كثيراً ثمنها، نضطر أنا والأولاد للخروج على باب الدار لأننا نشعر بالاختناق في ظل هذه الأوضاع فكيف بنا في رمضان؟
عائلة شوعي –تقول الجدة: «لا ماء ولا كهرباء ولا غاز» فكيف حياتنا هذه نعيش في «الغدرة» وعلى حفنة ماء وغاز كل ساعة يقطعوا علينا، رمضان نعمة يتقوا الله فينا، وهذا عقاب جماعي لنا، المسئولين ما يدفعوا واحنا يعاقبونا.
تبقى معاناة المواطن فهل يصمد وهل سيمضي رمضان على خير، وهل ستتقي الحكومة الله في الشعب فتحاول انطلاقاً من الشهر الكريم التخفيف وتحسين البنى الأساسية والخدمات التي لابد من توفيرها في أي دولة تحترم إنسانية مواطنيها .. فما بالك في رمضان...؟؟!!
لهيب الأسعار
تصاعد الأسعار ليست جديدة فالسنوات السابقة شهدت مزيداً من الانفلات والفوضى في أسعار المواد والسلع والخدمات المختلفة نتيجة السياسات الحالية ووجود قدر من الاحتكار لبعض السلع الغذائية هذه الزيادات والتلاعب في الأسعار ترهق دخل المواطن وميزانيته المحددة وشبه المنعدمة تجعل من الصعب على المواطنين توفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء ناهيك عن توفير الدواء والملبس والاحتياجات الخدمية، ولذلك تلجأ الأسر لخفض وتقليص السلعة الاستهلاكية لها كوسيلة وحيدة في ظل انعدام التحسن في الدخل، ومعاناة الناس تزداد كل يوم وجعل الأوضاع مفتوحة على المجهول سيدفع بالمشكلة لساحات أكثر تأزماً وتعقيداً.
* أم خلود «ربة بيت»: كنا في السابق تتوفر لنا معظم الأشياء من غذاء ودواء وغيرها، بل والحمد لله تفيض ونستطيع حتى إخراج الصدقات ومواساة المساكين، أما الآن ياالله نكفي أسرتنا؟!! وفي رمضان الخير قل فيه مبدأ التكافل والتعاون ومواساة الفقراء بسبب ازدياد الأسعار وتلاعب الحكومة والتجار بنا.
«زينب الحمزي –طالبة»: رمضان في ظل هذه الأوضاع يتحول لمعظم الأسر «همٌّ مضاعف» نعم رمضان للعبادة وليس لأشياء أخرى، ولكن مابالك بأكثر الأسر التي لا تستطيع توفير أدنى متطلباتها واحتياجاتها الأساسية التي أصبحنا نتنازل عنها شيئاً فشيئاً، وفي رمضان يزداد جشع التجار والمسئولين وخاصة مع اقتراب متطلبات العيد والله إنهم يحولون فرحتنا برمضان والعيد إلى همّ وحزن خاصة أطفالنا الذين يتوقعون منا الكثير في هذه.