في بداية هذا الشهر يناير 2011 وقبل وبعد احداث تونس ،ترددت في بعض الأوساط اليمنية نكتة تقول: إن القيادة استدعت عدداً من صانعي الأحذية العالميين، من أجل تفصيل حذاء للرئيس ... وهنا سارع صانع يمني الى القول بأنه على استعداد لتفصيل الحذاء، وفق المواصفات المطلوبة ودون الحاجة الى أخذ مقاسات قدم الرئيس، وأنه مستعد لدفع حياته إذا ما أخفق في هذا الرهان. وبعد وقت قصير، عاد إليهم ومعه الحذاء المطلوب، وقد دهش المسئولون حين وجدوا أن الحذاء على المقاس تماماً.. ولأجل حل اللغز قالوا إنهم لن يعطوه الأجر، حتى يكشف لهم كيف عرف مقاس قدم الرئيس وبدون قياس. فقال على الفور: وكيف لا نحفظ مقاس قدمه، وهي فوق رقابنا منذ أكثر من ثلاثين سنة؟ يبدو أن النكتة ليست يمنية المولد والأصل، وانما هي مستوردة من بلد عربي أو أجنبي، استدعتها الذاكرة اليمنية في ظرف مشابه أو مقارب للظرف الذي ولدت فيه أول مرة. وقد يؤكد هذه الفرضية أن الرئيس لم يكمل العقد الثاني في حكم الشمال والجنوب (اليمن الموحد ) والرابع منذو حكمة في حين تقرر النكتة أن قدمه فوق الرقاب منذ اكثرمن ثلاثين عاماً. إلا إذا كانت النكتة تشير الى ضيق الشارع اليمني بالقيادة التي تولت أمر البلاد منذ عقود وكتمت كل صوت معارض، وسارت بالثورة وحقوق الشعب من سيئ إلى أسوأ، ولم تحقق لهم استقرارا ولا دولة حقيقية ديمقراطيا وتنمويا . لكن توقيت النكتة، والقطاع الذي صدرت عنه، يجعلاننا نفكر في اتجاه آخر، لا ينقض الكلام السابق، وإنما يكشف لنا جانباً هاماً يغفل عنه الكثيرون. فقد لوحظ أن النكتة تتردد على ألسنة رجالات السلطة والمعارضة الشرفاء والذين كانوا مقربين منه، بمعنى أنها نزلت من الأعلى باتجاه الشارع، ولم تصعد من الشارع إلى الأعلى. وهذا يعني بأن الذين يعانون، أكثر، من قدم الرئيس فوق رقابهم ،هم المحيطون به.. ذلك أنه ،كما يشاع، يتعمد إهانتهم وتقزيمهم والتفرد بالقرار دونهم. إن حديث النكتة عن ثلاثين عاماً تحت قدم الرئيس، توحي بأن أصحابها "يتمنّون" أن يتخلصوا من ضغطها، أو أنهم في الحقيقة "يتوقعون" و "يتخوفون" من أن تحط على رقابهم قدم ثانية لم يتعودوا عليها. هناك مشاعر قلق وتخوف عند الكثيرين في الشارع اليمني من القادم الجديد لإشغال منصب الرئيس حتى قبل تحديد الاسم. لأن المعارضة كانوا واضحين جداً في أنهم يريدونه "لضبط" الشارع والاخذ بالدولة الى العالم جديد .. وليس يمن جديد كما قيل سابقا ، والاستعداد لقبول ما لا يقبل فيما يتعلق بحكم النظام والقانون ، وقد تردد في بعض الأوساط أن القادم الجديد "سيدوس على رقبة" كل من يرفع رأسه ، وأبدى بعض المؤتمريين تخوفهم من أنه لن يسمح بعد اليوم بديمقراطية كما فصلها النظام الحالي وكما يريد ايضا . لكن قلق بعض المحيطين بالرئيس له أسباب أخرى، كما يبدو، فلقد اعتادوا عليه ،وتكيفوا مع قدمه التي تدوس على رقابهم، حتى حفظوا مقاسها عن ظهر غيب! إذ أعطاهم ما يريدون من المال والمناصب، في مقابل الكرامة التي استغنوا عنها طواعية.أما القادم المجهول شخصه والمعروفة مهماته، فكم سيحتاجون للتعود عليه والتكيف معه؟ لذلك تنتابهم الهواجس وتجتاحهم والحيرة المخاوف، ولسان حالهم يقول: "وجه عرفته ولا وجه ما عرفته" او كما قيل ( جني تعرفه ولا انسي ما تعرفه ) أو يقول: "اصبر على منحوسك لا ييجيك أنحس!" مثل هذه النكتة تعكس الدرجة العالية من السلبية والعجز، التي تعاني منها الشعوب، أو بعض قطاعاتها على الأقل، حيال الظلم الذي تتعرض إليه دون أن تسعى إلى دفعه والتحرر من ضغطه. في حين لاحظنا أن بعض القطاعات اليمنية الفاعلة، قد عارضت بالفم الملآن، بالرغم من أنها مستهدفة أكثر من غيرها بالتعديلات الجديدة. إن الكثير من المحيطين بالرئيس هم من قدامى الأعضاء في الحكم، فهم الذين عايشوه لعقود طويلة، الأمر الذي يوضح لماذا تحدثت النكتة، عن أكثر من ثلاثين عاماً تحت الأقدام، حيث إنهم يتحدثون بشكل خاص عن أنفسهم. وقد يكون مناسباً هنا، الإشارة إلى أن قسماً كبيراً، وربما القسم الأكبر،من النكات السياسية التي تستهدف رأس السلطة، هي من إنتاج هذا القطاع وليس من إنتاج المعارضة، خلافاً لما يظنه الكثيرون، وهو الأمر الذي فاجأني مع بدء انشغالي بالنكتة السياسية. أما لماذا؟ فهناك سببان فيما أرى: أولهما: الانتقام ولو بطريقة غير مباشرة ممن يذلهم ويمتهن كرامتهم، كرد فعل على القهر الذي يتعرضون له، حيث إنهم لا يقدرون، أو لا يرغبون بالتحرر، بسبب المكاسب والمناصب التي يحققونها من هذه العلاقة. والثاني: أنها محاولة منهم للتبرؤ أمام الشارع اليمني وامام المعارضة من سيئات الرئيس وزبانيته ومواقفها السياسية، ليقولوا بأنهم ليسوا شركاء في الفساد المالي والاداري واسباب الحراك والهبةالحوثية وما يستتبعه من اعتقالات وتعذيب ،وغير ذلك. وبسبب الدور الكبير لرجالات السلطة في النكات التي تستهدف القيادة فإنها تصور إلى حد كبير واقع الحال، وبأدق التفاصيل لأنهم يرون بأم أعينهم، ولا يكتفون بالمراقبة عن بعد. وقد لوحظ أن هذه النكتة تحديداًَ، من أقل النكات عدوانية، ولعل السبب أنها ذات طبيعة رثائية لعهد يكاد يمضي، ويتوقع مطلقوها من بعده ما هو أشد، ولسان حال العاجزين يقول: رب يوم بكيت منه فلما * صرت في غيره بكيت عليه