بفارق صارخ بين السعر الرسمي للتر البترول المقررة ب 75 ريال وبين السعر في السوق السوداء للتر الذي وصل إلى 500 ريال لتصبح " ال 20 لتر" بعشرة آلاف ريال اليوم رغم السعر الرسمي المقدر ب 1500 ريال .. هذا هو حال الأزمة الخانقة التي وصلت إليها العاصمة اليمنية صنعاء في النفط ..لتعطل تحركات المواطنين وترفع أجور المواصلات لوسائل النقل الخاص والجماعي إلى أسعار خيالية .. انعكست على رفع أسعار كافة الخدمات والسلع الاستهلاكية. محطات النفط المنتشرة في العاصمة صنعاء والتي تبيع مشتقات النفط وفق الأسعار الحكومية تشهد معظمها توقف في العمل والبقية الباقية منها تجد طوابير السيارات حولها تمتد بخطوط طويلة قد تصل إلى عدة كيلومترات وسط تضاؤل آمال المواطنين بالحصول على النفط بعد أيام من الوقوف بتلك الطوابير وسط اكتشاف حالات كثيرة لعملية غش يتم فيها خلط البنزين بالماء او الكيروسين لزيادة الأرباح الخيالية التي يجنيها المتاجرون في السوق السوداء بالوقود في اليمن. الأزمة لا تتفرد بها صنعاء بل أنها تمتد في كل مناطق اليمن .. لكن العاصمة شهدت ارتفاعا في اسعار مشتقات النفط بفوارق هائلة عن بقية المدن نتيجة الإقبال الكبير عليها. ازمة مادتي البترول والديزل أصبحتا من ابرز مظاهر الوضع الاقتصادي المتدهور جراء الأزمة السياسية وحركة الاحتجاجات التي دخلت شهرها الخامس. في الوقت الذي يصرح مسئولون امنيون بان حملة النزول الميداني التي تجري بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية ووزارة النفط والمعادن أسفرت عن ضبط كافة بائعي المحروقات في السوق السوداء المتواجدين في بعض شوارع أمانة العاصمة ومدن أخرى، وأن الحملة ستستمر لضبط كافة المخالفين الذين يستغلون حاجة الناس. وبحسب تصريحات المسئولون الامنيون فان نتائج التحقيقات الأولية كشفت أن هؤلاء الباعة يتفقون مع بعض أصحاب محطات بيع المحروقات عبر قيامهم بشراء حصص هذه المحطات من مادتي البنزين والديزل وبيعها للمواطنين بأسعار مضاعفة وهذا ما سبب حالة ازدحام بالسيارات وطوابير أمام محطات المحروقات بالعاصمة. ومؤخرا تم الإعلان عن منحه قدمتها المملكة العربية السعودية مقدارها 3 ملايين برميل من النفط الخام كهبة من المملكة للشعب اليمني غير أن هناك تضاربا في المعلومات بشأنها، حيث لم يلمس المواطنون أثرها بسبب آلية التوزيع، وأن هناك تلاعب من قبل تجار ومسؤولين بهذه الكميات ، حيث توزع بطريقة غير عادلة بين المحافظات كما أن هناك من يستفيد من المتاجرة بها وتحويلها إلى السوق السوداء. ومن شأن تفاقم أزمة الوقود التي وصلت إلى مستويات عالية أن تهدد بإيقاف حركة المواصلات وإيقاف أعمال أفران الخبز ومحطات الكهرباء والمياه. يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه مسؤول بمصفاة عدن باليمن إن المصفاة المغلقة منذ نحو شهرين ستستأنف الإنتاج بعد تسلم أول شحنة من منحة نفطية سعودية. وقال المسؤول إنه إذا استمر الإنتاج التجريبي بشكل جيد فإن المصفاة ستبدأ الإنتاج المعتاد في وحدة من وحدتيها بطاقة 75 ألف برميل يوميا. ومن المنتظر وصول أربع شحنات أخرى من السعودية. كما قالت مصادر ملاحية وتجارية إن اليمن قد استورد 115 ألف طن من وقود الديزل من شركات أجنبية، وان «هناك ثلاث سفن ستصل خلال ايام تحمل كميات مختلفة من وقود الديزل». رحلة البحث عن الوقود الشاقة تشغل اليمنيين أكثر من الوضع السياسي تحت هذا العنوان اورد الزميل عبدالعزيزالهياجم تقريرا لقناة العربية جاء فيه .. أمام إحدى محطات الوقود بالعاصمة صنعاء توقفت سيدتان يمنيتان كانتا تقودان سيارتيهما بحثا عن التزود بالبنزين الذي أصبح الحصول عليه رحلة شاقة محفوفة بالمتاعب والمخاطر. في نهاية طابور طويل كان على السيدتين أن تنتظرا دورهما بين حرارة الشمس وتخلي البعض من السائقين بفعل الأزمة عن أخلاقيات اعتادها اليمنيون لتسهيل مرور المرأة وإفساح المجال لها أولا. ووسط ذلك الحشد خرج شيخ كبير من إحدى السيارات لينادي وسط الحاضرين قارئا بصوت عال من سورة القصص : "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان. قال ما خطبكما, قالتا لا نسقي حتى يصد رالرعاء وأبونا شيخ كبير". فما كان من السائقين ومن صاحب المحطة إلا دعوة السيدتين لأخذ حصتهما من البنزين دون الانتظار في الطابور. أزمة الوقود في اليمن تحولت من حالة اقتصادية إلى موضوع سياسي جراء الأزمة الراهنة التي تعيشها البلد والتي انعكست آثارها على كافة المناحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى لدى الأطفال الذين أصبح خروجهم للتنزه وقضاء أوقات ممتعة في رحلات بين المدن أو إلى الضواحي والأرياف مرهون بتوفر البنزين. يقول أحمد سعيد وهو موظف حكومي: "منذ أسبوعين وأولادي يسألونني متى سنخرج في رحلة يا بابا, فأجيبهم, عندما تصل مكرمة خادم الحرمين الشريفين النفطية وتنفرج أزمة الوقود في البلد. ويتابع أحمد قائلا : "نحن لا دخل لنا بمشاكل السياسيين وخلافاتهم, نريد أن يدير طرفا السلطة والمعارضة خلافاتهما بعيدا عن اللعب باحتياجات الناس ومتطلباتهم الأساسية, الجانبان يتبادلان الاتهامات بشأن أزمة الوقود والكهرباء وكل طرف يحمل الآخر المسؤولية دون أن نعرف حقيقة ما يجري ومن السبب, على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية وأن لا يحملوا المواطن ما لا يطيق". وفيما عاد الكثير من أبناء المناطق الريفية لاستخدام الحمير في مواصلاتهم ونقل ما يحتاجون إليه من سلع وبضائع, أصبح أبناء المدن غير قادرين على التواصل وزيارة الأقارب والأصدقاء. ويقول عبد الرحمن الذي يسكن في أقصى جنوب العاصمة صنعاء : "إخواني يقطنون في شارع المطار في أقصى شمال العاصمة ومنذ أكثر من شهرين أصبح التواصل بيننا تلفونيا بعد أن كانت زياراتنا المتبادلة أسبوعيا, والسبب طبعا أزمة البنزين". سليم عبد الله وهو شاب جامعي ومشجع رياضي مهووس بكرة القدم يعود بالذاكرة إلى نوفمبر 2010 حين احتضنت اليمن بطولة كأس الخليج لكرة القدم في دورتها العشرين ويقول: "في تلك البطولة التي نجحنا في تنظيمها,كنت أشعر أننا أصبحنا قريبين جدا من الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وشيئا فشيئا بدأت تلك الأحلام تتبخر بفعل الأزمة القائمة في البلد وأصبح الحلم أن تنجح المبادرة الخليجية في إيجاد مخرج لليمن واليمنيين من هذا النفق المظلم, أما اليوم فأصبح تفكيرنا عند المساعدات الإنسانية الخليجية ومنها مكرمة خادم الحرمين الشريفين بإرسال 3 ملايين برميل من النفط الخام لدعم قدرة بلادنا على مواجهة الأزمة الخانقة في الوقود". أزمة الوقود أيضا شغلت تفكير رجال الدين والخطباء الذين ركز كثير منهم في خطب الجمعة على مسألة الغش في السوق السوداء التي يبيع أصحابها بنزينا مخلوطا بالماء أو الكيروسين ,وتذكير الناس بأخلاقيات وقيم الإسلام الحنيف والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تعتبر من يغش ليس من المسلمين.