انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    عاجل : تأكيد مقتل الرئيس الايراني و جميع المسؤولين في حادثة تحطم المروحية .. شاهد اولى صور الجثث    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربي إنجاز تاريخي..سببه الاستبداد والفساد المنظم
نشر في لحج نيوز يوم 31 - 12 - 2011

يشكل (الربيع العربي) نقطة تحول تاريخية في العالم العربي، حيث أدت الموجات العارمة من الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية السلمية بما فيها المقاومة المسلحة في العديد من الدول العربية إلى بدء مرحلة التغيير لإنهاء عقود من طغيان الأنظمة الاستبدادية كما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن. وهناك العديد من العوامل التي تسببت في هذا التغيير (أو الاستيقاظ العربي) أهمها سيادة النظم الديكتاتورية القمعية التي حولت الأنظمة الجمهورية إلى أنظمة عائلية تمارس الاستئثار في الحكم والفساد الحكومي وسوء الإدارة وانتهاج سياسات تبعية أدت إلى التدهور الاقتصادي وانتهاكات حقوق الإنسان ومصادرة الحريات وتقليص المشاركة المجتمعية في صناعة القرار والتنمية الأمر الذي وسع من مساحات الفقر المدقع والبطالة التي شملت عامل ديموغرافي خطير وهو البطالة بين الشباب. وسوف يتسبب هذا المنعطف التاريخي في المرور بمرحلة انتقالية حرجة وخطرة يشوبها عدم الاستقرار السياسي وبعض الصعوبات الاقتصادية في البلدان العربية على المدى القصير وهو مخاض طبيعي لابد منه لإنهاء حقبة النظم السابقة بما تمثله من بنية اقتصادية وسياسية كاملة، لبداية مرحلة جديدة تتجه إلى التنمية والحكم الرشيد على المدى البعيد إذا تم التغلب على التحديات الاقتصادية والسياسية الراهنة.
هناك بعض السياسيين والمفكرين الإقليميين مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل يعتقدون بأن العامل الرئيسي للاستيقاظ العربي يعود إلى التأثير والتدخل بشكل مباشر من قبل بعض الدول والكيانات الأجنبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا ويتركز جدلهم على فكرة التوسع الاستعماري الاقتصادي وإعادة تقسيم العالم العربي عبر "سايكس بيكو" جديدة لتقاسم موارده ومواقعه . وهؤلاء الساسة والمفكرون يرون أن العوامل الداخلية مثل ضعف النمو الاقتصادي في الدول العربية كانت نتيجة لعوامل خارجية أثرت على بلدان المنطقة والتي لا تمتلك السيطرة عليها مثل العولمة والحروب الإقليمية والأزمات العالمية وما نتج عنها من سياسات الهيمنة والتبعية السياسية والاقتصادية . ويشيرون في جدلهم بأن توقيت ما يسمى بالربيع العربي (بعد أزمة 2007 المالية وأزمة الديون الأوروبية الأخيرة) هو دليل آخر على أن مصالح الكيانات الأجنبية في الوقت الراهن بحاجة إلى إنهاء المشروع القومي العربي والبدء في تقاسم العالم العربي سياسياً واقتصاديا على أساس ديني وعرقي وطائفي من اجل استغلال الموارد الطبيعية (النفط وعائداته) والمالية للبلدان العربية لمواجهة أزمات اقتصاداتها.
وفي الوقت نفسه هناك سياسيون واقتصاديون في المنطقة العربية يعتقدون أن الأسباب الرئيسية للربيع العربي هي نتيجة عقود من الحكم الاستبدادي والفاسد المنظم. وبالتالي ، فإن الربيع العربي هو انجاز تاريخي، الذي سيؤدي في نهاية المطاف رغم التحديات الانتقالية إلى تعيين وضبط المسار السليم للتقدم في المستقبل. وان دور الكيانات الأجنبية من الربيع العربي يقتصر إلى دعم التغيرات السياسية في العالم العربي وتحويله إلى إقليم اقتصادي وسياسي فعال في الاقتصاد العالم. وفي رائي، كلا الطرفين يرون الجهتان لنفس العملة وهي عملة الاقتصاد ودوره في تشكيل الخارطة السياسية. باعتباره يمثل جذر الثورات العربية لان أنظمة الحكم التي سادت في هذه البلدان لم تستطع الفصل بين الأداء الاقتصادي والانتفاع المالي في إطار ممارسة الفساد بصوره المتخلفة ليصبح الإنسان العربي في موقع التهميش والإفقار المنظم ولهذا يرى الكثيرين أن من أهم مهام الثورات العربية الحالية هي التحضير والإعداد لربيع اقتصادي وثورات اقتصادية تقابل الثورات على الأنظمة يكون الإنسان العربي وتنميته على رأس أولوياتها ومحط اهتمامها.
وهنا وقبل التطرق إلى التحديات الاقتصادية يجب الإشارة إلى أن ضمان تحقيق المهام الاقتصادية والتحديات الماثلة مرهون بالاستقرار السياسي والأمني والقانوني في البلدان العربية كشرط جوهري وهام لمواجهة أي تحديات راهنة ومستقبلية. فلا يمكن مواجهة أي تحديات اقتصادية في بيئات غير مستقره سياسيا وامنياً ومتناحرة مذهبيأً وطائفيا وثقافياً وفكرياً. فيجب على الأنظمة السياسية العربية الحالية إيجاد التوافق والمخارج السياسية المناسبة لمواجهة تحدياتها الاقتصادية في العقود القادمة والتي تتلخص بشكل عام بالاتي: 1) صياغة الاستراتيجيات الاقتصادية وتنفيذها، 2) الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، و3) خلق المؤسسات العامة والمجتمع المدني القوية.
الاستراتيجيات الاقتصادية (صياغة وتنفيذ)
من المهم العمل في الوقت الحاضر على صياغة استراتيجيات اقتصادية والعمل على تنفيذها من أجل التغلب أو التخفيف من التهديدات الاقتصادية في البلدان العربية. فبعد الربيع العربي وفي المدى القصير والمتوسط سوف تكون الطريق أمامنا وعرة لان الربيع العربي عمل على إحداث توقعات شعبية مستحيلة التحقيق في المدى القصير مثل محاربة الفساد والفقر وتخفيف البطالة وهذا يمثل تحديا جديدا للحكومات الجديدة لصعوبة تحقيق التوازن بين التوقعات الشعبية وهي المطالب والاستحقاقات الاجتماعية التي تسببت في إحداث التغيير في الداخل مع الالتزامات والضغوط الخارجية. فالمساعدات الخارجية والقروض التي تقدمها الجهات المانحة الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي ضرورية في الوقت الراهن نظراً إلى حجم تكلفة المخاض ولكنها مساعدات وقروض مشروطة قد تؤدي إلى شروط لا تخدم الحكومات الجديدة في تلبية المطالب الاجتماعية والتوقعات الشعبية الراهنة.
هناك تزايد في انعدام استقرار الأمن الاقتصادي في منطقة البلدان العربية خلال العقود القادمة بسبب تقلب أسعار النفط والغذاء وانخفاض الدخل الحقيقي للفرد (عدا دول مجلس التعاون الخليجي)، وزيادة معدلات البطالة خصوصا بين الشباب والنساء، وزيادة الفقر. أن انعدام استقرار الأمن الاقتصادي في البلدان العربية يعود إلى عوامل داخلية وخارجية. فالعوامل الداخلية تتضمن ضعف البنية التحتية وانغلاق اقتصادات المنطقة على نفسها وضعف الاهتمام بتنمية الموارد المادية والبشرية بصورة خاصة حيث تأتي معظم البلدان العربية في ذيل قائمة الدول في تقارير التنمية البشرية مثلا إضافة إلى سوء الإدارة والفساد وهيمنة القطاع العام على الاقتصاد واعتماد المنطقة بشكل أساسي على اقتصادات النفط. أما العوامل الخارجية والإقليمية (التفاعلية) فهي متجسدة في انعدام الشراكة الاقتصادية الحقيقية فيما بين الدول العربية نفسها وبين الدول المتقدمة والبلدان العربية. فبالرغم من تمتع الدول العربية بمميزات استثمارية هائلة وبعوامل جذب استثمارية كبيرة يجعلها أسواقا جذاباً ومكان مرغوب فيه للاستثمار مثل الموقع الجغرافي الاستراتيجي ، والموارد الطبيعية الهائلة (أكثر من 70 % من احتياطات النفط العالمية)، و3.1% من معدلات النمو الاقتصادي ، وتزايد كبير في عدد السكان (مستهلكين)، و25% من معدلات الادخار وهي أعلى نسبة بين العديد من المناطق النامية، فإن المنطقة سوف تواجه تحديات اقتصادية وديموغرافية صعبة على مدى العقود المقبلة. على سبيل المثال ، سوف تكون هناك حاجة لخلق أكثر من 100 مليون فرصة عمل جديدة للحفاظ على القوة العاملة لديها في غضون السنوات العشرين المقبلة وهناك أيضا تهديدات متنامية مقلقة مثل شحة المياه وتدهور الأمن الغذائي.
ومن أجل التصدي للتحديات المستقبلية التي تواجهها سوف يتحتم على الدول العربية تحديد أهدافها الإستراتيجية والمصالح الاقتصادية سواء كانت دول نفطية أو غير نفطية. على سبيل المثال ، لخصت دراسة موضوعية للفترة من 1980 إلى 2004 حول ما يسمى باتفاقيات الشراكة الجديدة وهي سلسلة من الاتفاقيات التجارية بين دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي بان هناك زيادة كبيرة في واردات بلدان المنطقة من الاتحاد الأوروبي أثناء عدم وجود أي تأثير إيجابي على اقتصادات أو على صادرات البلدان العربية إلى الاتحاد الأوروبي. هذه الدراسة هي دليل واضح على غياب التخطيط الاستراتيجي للبلدان العربية الأمر الذي جعل المنطقة العربية سوق مفتوح واقتصاد استهلاكي للبضائع الأوروبية. حتى على الصعيد العربي العربي، فبرغم من وجود الاتفاقية العربية الداخلية للتجارة (AFTA) إلا أنها لم تشكل يوماً شراكة حقيقية وفعالة لخدمة اقتصادات المنطقة.
لصياغة الاستراتيجيات الاقتصادية وتنفيذها، يجب أن تكون هناك قيادة إستراتيجية، التي يجب أن تشمل نخبة رجالات الاقتصاد والمال في القطاع الحكومي والخاص، ويجب على هذه القيادة أن تقرر الأهداف و الطرق والوسائل المتاحة لتحقيق ميزة تنافسية في المستقبل من خلال الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة في تنفيذ آليات الاستراتيجيات المقصودة. وعلى القيادة الإستراتيجية تحقيق المصالح المشتركة لجميع الشركاء في الاقتصاد الوطني والقومي من خلال صياغة وتنفيذ سياسات ملموسة تحقق التوازن بين مصالح الشركاء (القطاع الخاص والعام) والأهداف الإستراتيجية المنشودة.
الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية
والمقصود هنا بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية هو إحداث تغييرات مكملة أو جذرية للمنظومة الاقتصادية القائمة عبر التحديث وتطوير الأدوات والأنظمة والآليات الضرورية لأداء اقتصادي خالي من الفساد والاستئثار والإهدار والبيروقراطية لتعزيز مبادئ الحكم الديمقراطي الرشيد ومن ذلك السماح للقطاع الخاص بالمشاركة الفعالة والناجحة في إحداث نمو اقتصادي إنتاجي حقيقي بما يؤدي إلى إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة للمجتمع.
يمكن للحكومات العربية التصدي لهذه التحديات الاقتصادية إذا كانت تهدف بشكل ملموس إلى إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية والتي تشمل التحول من اقتصادات استهلاكية مغلقة في معظمها وغير نشطة إلى اقتصادات إنتاجية مفتوحة ونشطة وهو التحول من اقتصادات يسيطر عليها القطاع العام إلى اقتصادات يسيطر عليها القطاع المختلط المنظم (عام وخاص) مع تطوير أدوات الدولة كمنظم ومراقب عام ، و من الاقتصادات التي يهيمن عليها النفط إلى اقتصادات متنوعة مستقرة. محورية التغلب على التحديات الاقتصادية في البلدان العربية هو السماح للقطاع الخاص الذي يمكنه تحقيق النمو الاقتصادي والتغلب على التحديات الديموغرافية في المستقبل بالقيام بدور أقوى وأكبر في الاقتصاد جنبا إلى جنب مع القطاع العام بعيدا عن دوره التقليدي كوسيط تجاري يمارس النشاط الاستهلاكي والخدماتي الطفيلي وهذا حتماً سيؤدي إلى خلق مناخ استثماري وبيئة اقتصادية مناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. في اليمن على سبيل المثال، هناك دراسات ومشاريع حكومية وغير حكومية مقدمة من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مثل مشروع البنك الدولي لتحديث المالية العامة التي تنص بالإصلاحات الاقتصادية التالية:
1. هيكلة الحكومة الحالية المكونة من 31 حقيبة وزارية ومؤسسات عسكرية وأمنية متعددة وكثيرة والدالة على كبر حجم القطاع العام وبيروقراطيته وما يفرضه ذلك من إنفاق حكومي غير مبرر في بلد يصنف من ضمن الدول الأقل دخلاً وتطوراً. فحكومة أصغر حجماَ (14 وزارة حسب الدراسة) سوف يعمل على خفض الإنفاق الحكومي وتنظيم سياسات ومنهجية عمل الوزارات ضمن حدود الموارد المتاحة.
2. إصلاح الإدارة المالية العامة للبلد، التي تشمل:
 التنظيم العام لجهات المالية المركزية من خلال هيكله وزارة المالية ودمج قطاعات وزارة التخطيط والتعاون الدولي مع قطاعات وزارة المالية لتصبح وزارة المالية جهة أصغر بكثير تتجه نحو صياغة سياسة الاقتصاد الكلي والسياسة المالية كنظير للسياسة النقدية الموكلة حالياً إلى البنك المركزي اليمني وهذا التنظيم أو التغيير لابد أن يشمل:
 إنشاء مصلحة أو هيئة وطنية مستقلة لخزانة الدولة والتي تتبع مباشرة وزير المالية ومستقلة شأنها شأن مصلحة الضرائب والجمارك من حيث الاختصاص وتنفيذ المهام و والتي يقوم بعملها بالوقت الحالي وبشكل غير متجانس قطاعات في وزارة المالية والبنك المركزي اليمني. بحيث يكون مهام هذه المصلحة وضع وتنفيذ الموازنة العامة للدولة بعد إقرارها كقانون من قبل البرلمان ولا يمكن لوزارة المالية إحداث أي تغييرات في خطط الموازنة بدون موافقة مسبقة من قبل البرلمان. فمن غير المعقول (حسابياَ) أن تكون وزارة المالية هي المحاسب وأمين الصندوق في نفس الوقت! لذا يجب الفصل بينهما.
 فصل عمل البنك المركزي اليمني كخزانة وبنك للدولة وتعزيز دوره المستقل للإشراف على النظام النقدي والسياسة النقدية للبلد باعتباره بنك البنوك يمارس دور الإشراف والمراقبة على نشاط القطاعات المختلفة من حيث تقييم رأسمالها وأداءها الاستثماري بما في ذلك البنوك المعتمدة في البلد لتحقيق أهداف محدده مثل استقرار العملة المحلية وخفض التضخم (ارتفاع الأسعار). فبالرغم قدرة البنك المركزي في العقد الماضي على الحفاظ نسبياَ على استقرار عملة الريال كسياسة نقدية للحد من التضخم السنوي، نراه في الواقع غير قادر على خفض الارتفاع الحاد للأسعار وضعف القوة الشرائية للريال وهذا يعود في تقديري إلى ضعف استقلالية البنك وارتباطه (سياسياً وإدارياً) بتمويل عجز موازنة الدولة المستمر من خلال بيع أذونات الخزانة العامة بفائدة سنوية عالية مقدارها 20 % (أي بفائدة حقيقية تصل إلى 6 % وهي أكثر من النمو الاقتصادي لليمن والبالغ 4 %)، أو بتزويد السوق بالعملة الصعبة لتغطية احتياجات السوق كواحدة من أدوات الكبح لارتفاع سعر الدولار حينا وفرض إجراءات وقيود شديدة في صرف العملة الصعبة حينا آخر ، أو بطباعة النقود إذا تطلب الأمر (زيادة عرض الريال في النظام النقدي). وكلها معالجات تهدئة مؤقتة غير جذرية ، وهذا ما يفسر بشكل رئيسي ارتفاع الأسعار على المدى البعيد حيث أن القوة الشرائية لعملة الريال تدهورت نتيجة للازمات الداخلية واستمرار تمويل العجز الملحوظ في موازنات الدولة وزيادة عجز ميزان المدفوعات الذي وصل إلى ملياري دولار أمريكي وإلى ضعف النمو الاقتصادي للبلد.
 تعزيز دور واستقلالية الهيئة العليا واللجنة العليا للمناقصات والمزايدات المسؤولتان على شفافية وسلامة نظام المشتروات العامة في البلد.
 تعزيز دور واستقلالية الجهاز المركزي للمحاسبة والمراقبة.
 إصلاح النظم المصرفية وخلق أسواق مالية فعالة في اليمن.
3. تحسين البنية التحتية للاقتصاد مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل عبر برامج شراكة وخصخصة منظمة مع القطاع الخاص والوحدات الاقتصادية للبلد (القطاع العام).
4. تطوير نوعية الموارد البشرية ووضع استراتيجيات وطنية للتنمية البشرية من خلال تحسين التعليم الأساسي والمهني والجامعي وتطوير البحث العلمي وإتاحة الفرص الاقتصادية والسياسية للمرأة كونها تشكل مورد بشري هام وكبير في المجتمع اليمني.
5. تحقيق الحكم الديمقراطي الرشيد من خلال إيجاد إرادة وطنية موحدة لإجراء إصلاحات سياسية حقيقية وإصلاحات اقتصادية ملموسة في الوقت نفسه تقوم على إشاعة الحريات والتنوع والمنافسة والإبداع والمبادرة في كافة المجالات وللجميع.
خلق المؤسسات العامة والمجتمع المدني القوية
وسوف يتطلب من الدول العربية إنشاء مؤسسات عامة واجتماعية قوية توافر الاستقرار والبيئة القانونية السليمة و تعزز مبادئ الحكم الديمقراطي التي تشمل: سيادة الدولة المدنية والقانون والشفافية والمساءلة والحرية والمشاركة والمنافسة والمساواة والاستجابة. إن إنشاء أو تعزيز مؤسسات عامة قوية ومرنة يشكل تحديا كبيرا للدول العربية خلال العقود المقبلة لأنها تتطلب سلسلة من الإصلاحات القانونية المنظمة لتعريف دور ومهام هذه المؤسسات. كما أنه يتطلب قدرا كبيرا من الموارد المالية والوقت الكافي لإنشاء هذه المؤسسات وتعزيز قدراتها المؤسسية. وقد تؤدي هذه العملية إلى المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية ، مثل إحداث تغييرات هامة في نظام الحكم (أي إصلاح السلطة التنفيذية والتشريعية).
المجتمع المدني هو أحد أصحاب المصلحة المؤثرة في أي مجتمع ديمقراطي، التي يمكن أن تساعد في صياغة وتنفيذ السياسات العامة (نهج من أسفل إلى أعلى)، وحماية مبادئ الحكم الديمقراطي. وهكذا، يقدم الربيع العربي فرصة ذهبية للدول العربية لتشجيع خلق / أو تعزيز دور المجتمع المدني ، والتي يمكن أن تلعب دورا هاما في التأسيس والحفاظ على مبادئ الحكم الديمقراطي ، وفي عملية صياغة السياسات العامة وتنفيذها، وإيجاد الوسائل المناسبة لتوصيل صوت الشعب واحتياجاته إلى صناع القرار بطرق فعالة. فعلى سبيل المثال، حتى يتسنى للقطاع الخاص قيادة اقتصاد السوق وتجهيزه على مواجهة التحديات الديموغرافية في البلدان العربية، سيكون على الحكومات العربية الجديدة العمل على الإصلاحات المؤسسية وإدخال تحسينات في مجالات عدة مثل 1) بناء مؤسسات السوق لضمان أداء اقتصاد السوق التي تعتمد بشكل أساسي على الحكم الرشيد، 2) إنشاء مؤسسات سياسية لتعزيز قدرة الأحزاب السياسية على وضع سياسات اقتصادية سليمة، و3) تمكين المرأة والشباب عن طريق الحد من الحواجز التي تحول دون وصول المرأة إلى الفرص السياسية والاقتصادية وعكس الثقافة التنافسية والقيم الديمقراطية في مجال التعليم الأساسي والعالي والمهني.
أن مستوى عمل الحكومات العربية الجديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الراهنة سيكون بمثابة الدليل والبرهان على أسباب حدوث الربيع العربي. فإذا فشلت الحكومات الجديدة بمعالجة هذه التحديات، فسيكون تفسير الساسة والمفكرون مثل أمثال الأستاذ محمد حسنين هيكل للربيع العربي منطقي وصائب الأمر الذي سيفرض على الجميع إعادة النظر تجاه ما يجري و سيكون الجميع بحاجة لتضافر الجهود القومية لإفشال مشروع إعادة تقسيم الوطن العربي والتوسع الاستعماري الاقتصادي للكيانات الأجنبية. أما إذا نجحت الأنظمة العربية الجديدة بالبدء في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية على أساس مبادئ الحكم الديمقراطي الرشيد، فسوف يكون الربيع أو الاستيقاظ العربي انجاز تاريخي ومنعطف هام لبداية عصر النهضة في الوطن العربي.
* دكتوراه في الاستثمارات المباشرة من جامعة فينكس الأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.