،، لعمري ما تأثرت وتألمت بهذا الشكل، حتى أني لم أصدق أن الأستاذ/ محمد عبدالإله العصار قد انتقل إلى جوار ربه.. استغفر الله ما أضعف إيماني وقلة حيلتي فقد حاولت جاهداً أن أقنع نفسي بأنه لم يمت وكنت انتظر أن يرن تلفوني ليسألني عن أحوال العمل في المجلة.. حين كنت أجلس مع الأستاذ/ محمد »رحمه الله« وأخبره أن أحد الزملاء قد فارق الحياة كانت عبارته الدائمة التي يكررها: »من مات اليوم ارتاح من ذنب غد«.. وعندما ذهبت لزيارته في المستشفى كان لتوه قد أفاق من غيبوبة التخدير »البنج« وبالكاد استطاع تحريك عينيه وبعد برهة قصيرة نظر إليَّ أقف مع بعض الزملاء وما هي إلا لحظات حتى أخرج يده من تحت الغطاء وأشار بها نحوي طالباً مني الاقتراب منه، وبالفعل اقتربت منه وأمسكت يده وقبلت جبينه وتمتم في أذني همسات لم أفهمها وحاولت التركيز في حركات شفتيه ولكن دون جدوى ولم أعرف ما الذي كان يريد أن يخبرني به. وبعدها بساعات جاءني خبر وفاته الذي نزل عليّ كالصاعقة فلم استطع كتمان دموعي وندمت أيّما ندم لأني لم أفهم ما الذي كان يريد أن يخبرني به قبل وفاته، تمنيت لو استطيع الدخول إلى قلبه لأعرف ما يدور بداخله. لقد كان في تلك اللحظة مثل كتاب مغلق لم استطع أن أفتحه وأقرأ ما به، فوجهه كان شاحباً وعيناه كانتا تحلقان في وجهي ونظراته تملأ أرجاء المكان.. وجسده كان مترهلاً فقد أضناه وأنهكه التعب، ومع كل ذلك لم استطع أن أفهم نداءه الأخير رغم أن معظم سنين عمري أمضيتها بقربه أتعلم منه حتى اعتقدت بأني سأعرف ما يريد من نظرات عينيه، ولكن في الأخير اتضح لي بأني كنت أقف أمام جبل شامخ سامق وما أنا بجواره إلا مجرد حفنة من الحجار المتساقطة من أعاليه.. رحمك الله معلمي وسندي الغالي.. ومعذرة استاذي العزيز.. فلم أفهم نداءك الأخير.. يارب سامحني!