هذا التقرير هول الحلقة الثالثة من سلسلة تقارير نشرتها مجلة ذانيشن، حول زيارة للصحفي جيرمي سكاهيل (الفائز بجائزة أفضل محقق صفحي، من قبل شبكة ديموكراطي ناو) لمحافظة أبين التي سقطت بيد جماعة أنصار الشريعة. الحلقة الأولى هنا الحلقة الثانية هنا مررنا بالخط الأمامي الأول في ضواحي زنجبار «نمبر 1» واستمرت السيارة تقلنا مسافة نصف ميل إلى «نمبر 2». تردد الصوملي قبل السماح لنا بالنزول من السيارة، ثم قال "سنبقى لمدة دقيقتين فقط. فالمكان هنا خطير”. وما هي إلا لحظات حتى أحاط به رجاله. لقد بدوا ضعاف الأجسام وشاحبي الوجوه، والكثير منهم له لحية طويلة ويرتدون أزياء عسكرية ممزقة والبعض الآخر لا يرتد الزي العسكري البتة. وبعضهم كان يتوسل إلى الصوملي من أجل أن يوقع لهم بعض الأوراق لاعتماد مبالغ إضافية (علاوات قتال). يقول له أحد الجنود "كنت معك عندما تعرضت للكمين وساعدت في صد الهجوم"، ثم يوقع الصوملي على تلك الورقة ويعطيها للجندي. ويستمر المشهد حتى يعود الصوملي إلى سيارة ال"تويوتا”. وبينما نستمر في المضي في طريقنا، قام الصوملي بالتحدث إلى رجاله عبر مكبرات الصوت من داخل سيارته المدرعة قائلا: "استمروا في القتال. لا تستسلموا". يقول لي الصوملي إنه لا يستطيع أن يؤكد أو ينفى أن تكون جماعة أنصار الشريعة هم بالفعل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. و يضيف الصوملي "المهم بالنسبة لي كجندي أنهم رفعوا السلاح في وجهنا. سنقوم بمحاربة كل يقتل جنودنا ويهاجم مؤسساتنا ومعسكراتنا سواء كانوا من القاعدة أو أنصار الشريعة. لا يهمنا ماذا يسمون أنفسهم ولا أستطيع أن أؤكد إن كان أنصار الشريعة مرتبطين تنظيميا بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية أم أنهم مجموعة مستقلة". جاء سقوط زنجبار في الوقت الذي كان فيه نظام صالح يتفكك وكان تركيز النظام على مواجهة الحملة المتزايدة للإطاحة بحكومته. ويقول جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية، في معرض حديثه للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي في 31 يناير: إن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قام باستغلال الاضطرابات السياسية ليتبنى إستراتيجية أكثر عنفا في جنوب اليمن ولا يزال يهدد المصالح السياسية للولايات المتحدة والغرب. يظل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو عقدة القاعدة (عقدة بمعنى نقطة الربط) ومن المحتمل أن يشن هجوما عابرا للحدود الوطنية. ليس هناك شك أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية اغتنم تلك اللحظة وأدرك بدهاء أن رسالته التي ترتكز على إحلال نظام الشريعة والقانون سوف تكون محل ترحيب الكثير في أبين حيث ينظر لنظام صالح بأنه كلب أمريكا المدلل. لقد ساهمت الغارات الأمريكية والضحايا المدنيين والغياب شبه التام للخدمات الحكومية والفقر المتفشي، ساهمت كل تلك العوامل في خلق ذلك الوضع، يقول المحلل السياسي الإرياني: لقد جاء هؤلاء لأنهم يناصبون العداء للنظام الحاكم وللولايات المتحدةالأمريكية. هناك نواة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكن السواد الأعظم منهم عبارة عن أناس تضرروا من الهجمات التي تشن على بيوتهم مما اضطرهم للخروج إلى القتال. ووفقا لإحصائيات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فإن عدم الاستقرار أدى إلى نزوح أكثر من أربعين ألف مواطن من زنجبار في 2011. وبعكس حركة مسلحي الشباب في الصومال، لم يقم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بالسيطرة على مساحات ومناطق هامة في اليمن. لكن أنصار الشريعة تعهدوا بفعل ذلك بإعلانهم إمارة أبين الإسلامية. وعندما يتمكن أنصار الشريعة وحلفاؤهم من إحكام سيطرتهم على زنجبار، فلديهم خطة ترمي إلى كسب القلوب والعقول. ويقول جرجوري جونسن، وهو خبير في الشأن اليمني لدى جامعة برينستون: أصبح أنصار الشريعة أكثر نشاطا في محاولاتهم تقديم الخدمات في مناطق مختلفة في اليمن حيث تغيب فيها الحكومة فعليا. وهم يزعمون أنهم يتبعون نهج طالبان في تقديم الخدمات وفي الحكم الإسلامي حيث خلفت الحكومة المركزية في اليمن ورائها فراغا سياسيا. وقام أنصار الشريعة بإصلاح الطرقات وإعادة الكهرباء وتوزيع المواد الغذائية والبدء بنشر دوريات أمنية داخل المدينة وضواحيها. كما قامت أيضا بإنشاء محاكم شرعية لفض النزاعات. يقول عبد الرزاق الجمل، وهو صحفي يمني مستقل، قام وبشكل منتظم بإجراء عدة لقاءات مع قادة تنظيم القاعدة، كما أنه قضى وقتا طويلا في زنجبار: لقد جلبت كل من القاعدة وأنصار الشريعة الأمن للناس في مناطق عرفت بانعدام الأمن وبالسرقة والتقطعات. الناس الذين قابلتهم في زنجبار كانوا يمتدحون القاعدة وأنصار الشريعة لحفاظهم على الأمن. وبينما يقوم المسلحون في أبين بفرض النظام والقانون، إلا أنهم يقومون بتكتيكات شنيعة كقطع أعضاء الجسم ضد المتهمين بالسرقة، كما أنهم يقومون بالجلد العلني للمشتبهين باستخدام المخدرات. وفي حادثة جرت في إحدى المدن التي يسيطر عليها أنصار الشريعة، يقول السكان أنه تم استدعاؤهم لحضور عملية تنفيذ الحد حيث قام مسلحون باستخدام السيف لقطع يدي شابين متهمين بسرقة أسلاك كهربائية – كابلات كهربائية. وتم عرض الأجزاء المقطوعة للناس في جولة حول المدينة لردع كل كان من يفكر في السرقة مستقبلا. وتوفي أحد الشابين، حيث كان يبلغ من العمر 15 عاما نتيجة للنزيف الحاد الذي تعرض له إثر قطع يده. وفي 12 فبراير قام أنصار الشريعة في مدينة جعار بقطع رأسي شخصين اتهما بتزويد الولاياتالمتحدة بمعلومات أدت إلى شن غارات لطائرات بدون طيار. كما تم إعدام شخص ثالث في شبوة. وفي منتصف شهر يناير، قام أنصار الشريعة بالسيطرة على أجزاء من مدينة أخرى تدعى رداع، وتبعد 100 ميل – 160 كيلومتر – جنوب شرق صنعاء، ونجم عن ذلك جولة جديدة من القصف وقتال الشوارع بين القوات الحكومية وأنصار الشريعة والقاعدة في شبه الجزيرة العربية من جهة ثانية. ويقول الصوملي: إن التهديد الذي تشكله القاعدة أصبح حقيقيا الآن ولا يمكن التقليل من شأنه، خاصة بعد أن وجدوا لهم الآن مناصرين وملاذا آمنا لانطلاق عملياتهم. قد يكون سقوط زنجبار مؤشرا على استغلال القاعدة الأمثل للفراغ السياسي المتنامي في اليمن، لكن الأمر الذي قد يكون أكثر خطورة يكمن في اتساع دائرة دعم ومناصرة أهداف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بين القبائل القوية والغاضبة من سياسة مكافحة الإرهاب التي تعتمدها الولاياتالمتحدة والدعم الذي قدمته واشنطن لنظام صالح واستمر لسنوات.