تقرير صادر عن مجموعة "انيكرمان ترجمة خاصة – مأرب برس: بقلم – أنطونيا جونز: كما لو أن المستنقع الاقتصادي والسياسي في اليمن لم يكن معقدًا بما فيه الكفاية بسبب الحركة الانفصالية ذات الصوت العالي في الجنوب والوجود المتزايد للأنشطة الإرهابية، حيث اتجهت التوترات القبلية في محافظة صعدة شمال اليمن نحو اشتباكات عنيفة داخل وحوْل منطقة دماج، وأسفرت عن سقوط أكثر من 200 قتيل منذ 30 أكتوبر 2013. وقد تم توقيع العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار، إلا أنه يتم خرقها بعد ساعات، وقد هدد ذاك العنف بترسيخ الصراع الطائفي في مختلف أنحاء البلاد. وقد استمرت الاشتباكات بشكل متقطع منذ ظهور حركة التمرد الحوثي في العام 2004، ولكن، وبشكل متزايد، أخذ الصراع توجهات طائفية؛ حيث عمل رجال القبائل من السلفيين على تحدي الحوثيين من الشيعة، وقد تفاقمت التوترات بسبب تأثرها بالنزاع الجاري في سوريا. وبدأت الجولة الأخيرة من القتال بين السلفيين والحوثيين عندما اتهم مقاتلو الحوثي رجال القبائل من السلفيين بحشد جيش من المقاتلين الأجانب في دماج، وهو ادعاء نفاه السلفيون بشدة، والذين أكدوا من جانبهم أن الأجانب في دماج هم طلاب أتوا لدراسة الإسلام في معهد دار الحديث. وقد هدد هذا العنف بترسيخ الصراع الطائفي في مختلف أنحاء البلاد، حيث قال شيخ بارز من أهل السنة: "إن الجهاد ضد الكفار من الحوثي هو أفضل من الجهاد ضد اليهود". وأصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بيانًا توعّد فيه بهجمات انتقامية ضد الطائفة الشيعية. وقد كثف أعضاء في حزب التجمع اليمني للإصلاح، والتي لديها علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين، كثّفوا من انخراطهم في الصراع القائم، وقاموا بنصب الحواجز على الطرق المؤدية إلى محافظة صعدة لوقف الغذاء والوقود من الوصول إلى المحافظة. وكانت الحكومة اليمنية غائبة بشكل واضح عن الصراع.. وبعد ضغوطات دولية، تم إرسال لجنة رئاسية من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 11 تشرين الثاني من العام 2013، ولكن تم انتهاك وخرق الهدنة خلال يوم واحد، وبصرف النظر عن الدعوة إلى وضع حدٍّ لأعمال العنف، لم تتخذ أية خطوات أساسية لإيجاد حل لإنهاء الصراع. وفي السياق نفسه، كانت التصريحات الرسمية من قبل مسئولين في الحكومة اليمنية – مضللة للغاية – إن لم تكن تُثير الدهشة. ولا يوجد - حاليًّا - أي دليل واضح مبدئي فيما يتعلق بالأطراف المتحاربة بشأن الاشتباكات الحالية، وبالنظر إلى الصراع الذي طال أمده قد يكون من المستحيل في واقع الأمر توجيه اللوم لأي طرف. من المرجح أن المقاتلين الحوثيين هم المسئولون عن تفجير المساجد السنية ومعهد دار الحديث في 30 تشرين الأول عام 2013، ولكن مسلحين سلفيين قاموا بمهاجمة جماعات من الحوثيين بالبنادق والقنابل في الأيام السابقة، ولم تتردد أي أنباء عن سقوط ضحايا كبيرة خلال هذه الجولة من القتال. ومع ذلك، فإن جميع البيانات الرسمية والغالبية العظمى من مصادر وسائل الإعلام تنسب المسؤولية الكاملة عن بدء أعمال العنف، وانتهاك جميع اتفاقيات وقف إطلاق النار، إلى الحوثيين، في حين يُعفى السلفيون من كل أنواع اللوم، ويتم اعتبار القتلى منهم شهداء. مما لاشك فيه أن عدم الاستقرار الحالي في شمال البلاد سيتسبب في مشاكل بصنعاء - سواء على جماعة أنصار الله، الجناح السياسي للحوثيين، أم اتحاد الرشاد السلفي، والذي قاطع مؤتمر الحوار الوطني احتجاجًا على اللا مبالاة من قِبل الحكومة على ما يجري بدماج.. وقد واجه فريق عمل قضية صعدة المنبثق عن الحوار صعوبات خطيرة بسبب اشتداد الصراع هناك. وبصرف النظر، فإن الصراع والقدرة على استغلاله لتشويه صورة الحوثيين في نواحٍ كثيرة هو وسيلة قد تتّبعها الحكومة. لقد أصبحت جماعة الحوثي، منذ اندلاع انتفاضة 2011، أكثر تنظيمًا، وأكثر ذاتية في الحكم، وأكثر تأثيرًا. في أعقاب الربيع العربي باليمن، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إزالة الرئيس صالح قد حققت القليل من الدفع بتقدّم لتغيير تجميلي لهياكل السلطة التقليدية والركود الاقتصادي، حيث تفاقمت البطالة والفقر.. حيث وقد أدت المعارضة الشديدة للنخب الحاكمة من قِبل الحوثيين إلى حصولهم على تأييد في أوساط الشباب الساخطين في اليمن. وقد عبّرت الأطراف الأكثر تشاؤمًا في أوساط النخب اليمنية عن مخاوفهم من أن إعادة التوازن المحتمل للقوة الإقليمية بعد الانفراج الإيراني المتوقع مع الولاياتالمتحدة يمكن أن يزيد من توسيع نفوذ الحوثيين، حيث لا تزال طهران هي الراعي المالي والسياسي الأساسي للجماعة. وعلاوة على ذلك، فإن التحالف الواقع بين الحوثيين وبعض الأطراف في الحركة الانفصالية الجنوبية (الحراك الجنوبي) قد عمل على تحدي الحكومة اليمنية المحاصرة بشكل متزايد، ويهدد بتعزيز حركات الاستقلال في كلّ من طرفي البلاد "الشمال والجنوب." عبر نشر وجهة نظر عن الصراع الحالي في دماج تحت مظلة أن جماعة الحوثي هي المحارب الوحيد هناك، ويفرضون حربًا وحشية ضد السلفيين السلميين، والذين لا حول لهم ولا قوة، سعت الحكومة اليمنية نحو تحويل المواقف اليمنية ضد الحوثيين، وزيادة المعارضة السياسية ضد عناصر الحوثي. في هذا الإطار، يبدو - حتى الآن - أن الحكومة كانت ناجحة إلى حدّ ما، وكما حقق السلفيون مكاسب عسكرية في الأيام القليلة الماضية، قد تكون النتيجة النهائية للاشتباكات هي التقليل من القوة السياسية التي يتمتع بها الحوثيون. ولكنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر قد تعمل على تفاقم الصراع الطائفي وتهدد العملية الانتقالية في اليمن. وفي الوقت نفسه، تقول تقديرات متحفظة أن عدد القتلى تجاوز 200 شخص، وقد بذلت الحكومة مساعي ضئيلة لتخفيف العنف هناك. وكلما اشتد الصراع يصبح الوضع الإنساني أكثر يأسًا، ومن الأكثر احتمالًا أن الحكومة ستضطر إلى التدخل عسكريًّا، وكلما طال ذلك، ستكون التكاليف المترتبة على مثل هذا التدخل أعلى.