قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    رواية حوثية مريبة حول ''مجزرة البئر'' في تعز (أسماء الضحايا)    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر: (5 10)
الإطاحة بالسلال ونكسة اليوم المشئوم و مواجهات متفرقة مع الملكيين و استقلال الشطر الجنوبي
نشر في مأرب برس يوم 15 - 11 - 2007

الشيخ عبدالله الاحمر احد فصول تاريخ اليمن الحديث. فليس بالامكان تقليب صفحات هذا التاريخ دون التوقف عند شخصه، واسرته، وقبيلته، في عهد الإمامة كما في الجمهورية. انه فاعلية سياسية واجتماعية كبيرة في العهدين.
شيخ مشايخ قبائل حاشد، رئيس مجلس النواب ورئيس حزب التجمع اليمني للاصلاح المعارض، عبد الله بن حسين الاحمر، بلغ الرابعة والسبعين. ورغم تقدم السن، والمرض، فان الشيخ الذي تبندق في الخامسة عشرة، يرفض نزع السلاح ، ويخوض معركة جديدة، لكن هذه المرة مع التاريخ، من خلال مذكراته هذه التي خص القدس العربي بحقوق نشرها.
وهذه المذكرات سيرة رجل، بقدر ما هي سيرة بلد، تعكس شاشتها مرحلة انتقال اليمن من طور خالص الانتماء الي القرون الوسطي، الي طور هجين تتصارع فيه الأزمنة التقليدية والحديثة. وهي بذاتها علامة تحول او تغير: فمذكرات أسلافه كانت روايات شفاهية في الدواوين، بينما تميز عنهم بنقلها الي عصر التدوين .
انها ذكريات غنية بالتاريخ لرجل ينتمي الي أحد أثري البلدان العربية تاريخاً.
نكسة حزيران
استمررنا نحن والمصريون بين أخذ ورد، كانوا يطلبون منا الوصول إلي صنعاء وإنهاء القطيعة، ونحن نشترط لذلك الإفراج عن المعتقلين (الحكومة اليمنية) في القاهرة وعودتهم إلي صنعاء وكل الأمور تعود إلي ما كانت عليه.
حتي حدثت نكسة حزيران في الخامس من حزيران (يونيو) 1967م هذا اليوم المشؤوم الذي أصيب فيه العرب بتلك النكسة والهزيمة الكبري والذي احتلت فيه إسرائيل بمساندة الولايات المتحدة وغيرها غزة والضفة الغربية وسيناء إلي قناة السويس وكذلك الجولان، وقد هزت مشاعرنا هذه الهزيمة ومشاعر كل عربي ومسلم، ونسينا الخلاف الذي كان بيننا وبين المصريين، بل كان إحساسنا أنه لم يعد هناك خلاف ولم يعد في أنفسنا شيء علي المصريين، وتحول الضيم والاستياء الذي كنا نشعر به قبل هذه النكسة تجاه المصريين إلي عطف وغيرة وحمية.
وكنا في مدينة السلام خمر نمثل جمهورية المعارضين وفيها عدد كبير من قادة ومناضلي ثورة 26 سبتمبر من الضباط الأحرار والمثقفين والمشائخ والعلماء وقد اجتمعنا بعد النكسة اجتماعا مسؤولاً وبعثنا برقية باسم الجميع تحت توقيعي للرئيس جمال عبد الناصر نعلن فيه استعدادنا للوصول إلي مصر بعشرة آلاف مقاتل لمساندة الجيش المصري لاسترجاع ما خسروا من الأراضي ولمواجهة العدو المشترك، وبعثنا هذه البرقية إلي القائد المصري الجديد في صنعاء الفريق عبد القادر حسن الذي عينته القيادة المصرية خلفاً لطلعت حسن الذي سافر قبل النكسة بأيام قليلة، وعبد القادر حسن كان رجلاً عاقلاً وأفضل بكثير من طلعت حسن المعروف لدي الجميع بالعنف وسوء الأخلاق وسوء التصرف والممارسة، فقد كان تكوينه أحمق شرساً (استخبارياً) إضافة إلي اتجاه الدولة وسياستها.
كما بعثنا برقية أخري للفريق عبد القادر حسن نخبره فيها أننا قادمون إلي صنعاء ونطلب منه سرعة إيصال البرقية الأولي للرئيس عبد الناصر، وفعلاً أرسل البرقية وبدأنا نحن بتجهيز أوضاعنا وجمعنا الجيوش وفي اليوم الرابع للنكسة تحركنا نحو صنعاء بجيش كبير من القبائل ومجموعة من الضباط والمثقفين الذين كانوا معي في خمر والمشائخ الجمهوريين من مناطق مختلفة مثل الذهب، وبيت دويد، وبيت العذري، وأعتقد علي أبولحوم، ومن مشائخ برط ومشائخ صعدة، تحركنا بجيش من المقاتلين من حاشد وقيادتها من أفضل المقاتلين و لم يصل العدد إلي عشرة آلاف لكنه عدد كبير.
تحركنا علي نفقتنا وبسيارات التجار والمواطنين من قبيلة حاشد مجاناً وما أتي يوم التاسع أو العاشر من حزيران (يونيو) إلا ونحن علي مشارف صنعاء حيث يتواجد النسق الأول للقوات المصرية المحافظة علي صنعاء وهو نسق منطقة ضروان، وكانت آخر الجيوش المصرية حول صنعاء من ضروان إلي منطقة براش وحروه منذ أن أتبعوا سياسة النفس الطويل وسموه الحزام الأمني.
وصلنا عصراً تقريباً إلي مفترق الطريق التي تتفرع منها طريق باتجاه عمران وأخري باتجاه ذيفان وريدة، وإذا بالقائد المصري الذي أعرفه قائد المنطقة الشمالية العميد محمد عبد الفتاح العيسوي، وهو رجل طيب وصاحب أخلاق رفيعة إذا به قد اصطف مع مجموعة من الضباط والجنود باتجاهنا في مفرق الطريق، استوقفونا وكان أول الموكب قد وصل المعمر ومعه مجاهد أبوشوارب وأنا في وسط الموكب ولا زال بعدي عدد كبير، نزلت لأسلم عليه وإذا به يسلمني رسالة عبد القادر حسن قائد القوات المصرية في اليمن يرجو مني التوجه بمن معي إلي حجة واستلام المدينة لأن القوات المصرية قد بدأت تنسحب منها حيث لم يتبق فيها إلا القليل وهم أيضاً علي وشك الانسحاب وذلك بحسب تعليمات الرئيس جمال عبد الناصر. قرأت الرسالة وشعرت بضيق وألم شديدين وذلك لسببين: الأول: كيف أن المصريين لا يزالون يحملون الشك والريبة منا أو الحقد إذا جاز لنا أن نسميه حقدًا في الوقت الذي أصيبوا فيه بتلك النكسة، والشيء الثاني : تألمت علي حجة التي ضحينا من أجلها بالغالي والنفيس ونخبة رجال حاشد والذين لا يزال عدد منهم بقيادة حمود عاطف يتواجدون فيها.
قلت للقائد المصري محمد عبد الفتاح: إن القوم قد دخلوا وإن رجوعنا من هنا إلي عمران واتجاهنا إلي حجة لم يعد ممكناً كما أنه ليس لائقاً ولا يصح أبداً فنحن قد بعثنا برقية للرئيس عبد الناصر ونحن علي استعداد للذهاب إلي مصر ورجوعنا من هنا عيب، وفي النفس ما فيها من الألم.
قال: لا بد أن يتصل أولاً بالقائد المصري عبد القادر حسن، قلنا له: أبداً لا داعي للاتصال وهيا توكلنا علي الله، وأنت معنا فرافقنا إلي قرية المعمر في طريقنا إلي صنعاء، وكان العميد مجاهد أبو شوارب في انتظارنا في قاع المعمر، وقفنا عند أول القوم حتي تكاملوا عن آخرهم عند الغروب تقريباً، ولم يعد لدينا وقت لدخول صنعاء وبالكاد يسعفنا الوقت لنقوم بتوزيع الناس علي القبائل في القري القريبة كضيوف وكان مجاهد قد كتب لمشائخ همدان أن يبادروا بالوصول لأخذ ضيوفهم وأقبل رجال همدان من كل قرية، قري وادعة القريبة من الجاهلية والحطاب وطوظان والكبار والعرة والحاوري والحمراء وبيت الذفيف والحقة ومدام، ووزعنا القوم علي هذه القري ونبهناهم أن يجتمعوا في الصباح إلي منطقة الأزرقين وبتنا نحن في منطقة المعمر واجتمعنا في الصباح وتوكلنا علي الله لدخول صنعاء، ووصلنا إلي الحصبة ووقفنا هناك ننزل الناس من السيارات لتدخل صنعاء مشياً علي الأقدام والسيارات بعدنا وعندما تكامل القوم الذي بلغ عددهم ألوفاً مؤلفة دخلوا بهذا الموكب الكبير وهم يرددون الزوامل وتتقدمهم الطياس والمرافع أي الدفوف، وفي الطريق وتحت مبني التلفزيون الآن التقينا بالشيخ صالح بن ناجي الرويشان، والمشائخ الذين كانوا في صنعاء مثل الشيخ أحمد عبدربه العواضي، والشيخ عبدالله بن ناجي دارس، والشيخ محمد ناجي القوسي، والشيخ عبدالخالق الطلوع، ومعهم علي عبد الله السلال نجل الرئيس السلال وطلبوا منا أن لا نذهب مباشرة للرئيس بل نتجه للقيادة المصرية ويسبقنا الشيخ صالح الرويشان وبعض المشائخ إلي الرئيس السلال.
اتجهنا نحو مبني القيادة المصرية حيث فتحوا لنا الأبواب ودخلنا بالجموع الغفيرة، وكانت ساحة القيادة في ذلك الوقت واسعة ومفتوحة حيث لم تكن هناك هذه العمارات الموجودة الآن والتي بنيت في عهد الرئيس علي عبدالله صالح ومن قبله، لم يكن سوي مبني القيادة فقط وحوله ساحة مفتوحة وخرج المصريون من مكاتبهم لاستقبالنا في مدرج القيادة، وألقي عبد القادر حسن قائد القوات المصرية كلمة طيبة وقدمنا نحن العميد مجاهد أبو شوارب فألقي كلمة عظيمة، ثم قال لنا القائد المصري: أنتم اليوم ضيوفنا، قلت له: نحن قوم كثيرة ضيوفكم أين؟ قال: إذاً أدخل أنت والمشائخ نشرب شاهي، دخلنا وشربنا نحن والضباط الشاي، والشيخ صالح بن ناجي والمشائخ الآخرون ذهبوا للسلال. طرح عليَّ عبد القادر حسن نفس الموضوع الذي جاء في رسالته إلي العيسوي التي سلمها لنا ونحن في طريقنا إلي صنعاء بشأن حجة وأكد لنا أن الكتيبة التي كانت في حجة قد انسحبت وتقطع لهم البدو في بني سراع وقتلوا الأكثر منهم (93) وسلبوا الآخرين ودمروا الأسلحة الثقيلة، وأن الباقي في حجة حوالي سبعين ضابطاً وإدارياً وهم محاصرون ومدينة حجة سوف تسقط حتماً حيث لم يعد فيها سوي المجموعة التي من حاشد وسرية المقدم علي صلاح، وحجة مسؤوليتنا فنحن قد قاتلنا فيها ولا بد أن نتحمل الآن مسؤوليتها، بعد هذا الحديث مع القائد المصري قال لنا: أرجو أن تزوروا السلال وتسلموا عليه، قلنا: الله المستعان، فلماذا لا نزوره، قال: إذاً أنا سوف أسبقكم وأتصل بكم من هناك.
وفعلاً سبقنا واتصل بنا لنتوجه إلي السلال، واتجهنا بتلك الجموع الغفيرة وهم يحملون أسلحتهم علي أكتافهم، اعترضنا (اليسك) وهم الحرس علي أبواب صنعاء الداخلية، قلنا: لا يمكن أن ندخل إلا بأسلحتنا، سندخل نسلم علي الرئيس السلال ويتغدي كل واحد منا علي حسابه الشخصي لسنا بحاجة السلال.
مواجهات متفرقة مع الملكيين
خرجنا من صنعاء ولا زال معنا عدد كبير من الناس حتي وصلنا ريدة، فرقناهم وقلنا لهم كل يعود إلي منطقته وأنا ومجموعة من القوم توجهنا إلي عمران لتثبيت الأمور فيها حيث كان المصريون قد انسحبوا منها. ومن عمران نزلنا إلي منطقة كحلان ومنها طلعنا الأشمور والمصانع وتواصلنا بجهاز اللاسلكي مع العميد مجاهد أبو شوارب، وحين وصلنا المحدد في مسور أخذنا (مراقيم) علي القبائل وجندنا منهم من كل قرية ورجعنا إلي ثلاء، وكان لا يزال في المصانع والمحدد لواء الثورة بقيادة محمد عبدالله المترب، وكان في لواء الثورة بعض الجنود من الذين تدربوا في مصر كانوا علي خلاف مع أهالي قرية مداع من أجل حادث سفيه لأحد الضباط، حيث تعرض لابنة الشيخ مقبل الرباحي ثم هرب والقبائل كانوا متوترين ويحاصرون الجنود كل يوم، تأخرت في ثلاء أهدئ الأمور وأحل المشكلة، أخذنا بقراً كهجر وبذلنا فلوساً، وبينما أنا علي وشك إكمال هذه المهمة، إذا بالشيخ حزام أبو ذيبة والشيخ ثابت حرمل يصلان إلي ثلاء من ذيبين ليخبرونا أن محمد بن الحسين توجه من الجوف لاحتلال ذيبين، وقد سيطروا علي الجبال المشرفة عليها والحرب الآن مستعرة فيها وقال لا تتأخروا هنا سوف يتخاذل القوم.
تحركنا فوراً في طريق ذيبين وما وصلنا إلا في اليوم الثاني، وصلنا والحرب مشتعلة وقد سيطر الملكيون علي الجبال ومحمد بن الحسين وراء منطقة ظفار، جهزنا الجيش وأبعدناهم من ظفار ورتبنا الجبال المطلة علي ذيبين وطلعنا في اتجاه خمر، وطلعنا جبال الشطبة علي أساس أن نقوم بترتيب أوضاعنا في اليوم الثاني، وإذا بنا نفاجأ بأن أهالي منطقة مرهبة قد فتحوا منطقتهم للملكيين وقد وصل عبدالله بن الحسين ومحمد بن الحسين من ورور، وعلي بن ناجي الشايف قد أصبح مقاتلاً في صفوف الملكيين، فأمسينا في الشطبة واليوم الثاني توجهنا إلي آل بالحسين لنتجه بمدفع كان معنا إلي رأس جبل صبيح الذي يطل علي بلاد مرهبة بعد أن أصلح أهل بالحسين لنا الطريق إلي رأس الجبل في نصف يوم، وبعد أن أوصلنا المدفع إلي جبل صبيح عدنا لنبيت في قرية المسمر، وبينما نحن مجتمعين علي مأدبة العشاء، إذا بالرسول يقبل إلينا مستغيثاً (ياغارتاه علي بن إبراهيم طلع جبل غُربان والحرب الآن مستعرة فيها)، وكان علي بن إبراهيم بن الإمام قائداً شجاعا ومحنكًا من قادة الملكيين.
اتجهنا فوراً نحو مدينة خمر وبتنا فيها وفي الصباح نزلنا من خمر، وكان هناك أناس قد نزلوا إلي علي بن إبراهيم في السودة وأعطاهم أسلحة (بنادق) بدأنا بمطاردتهم، حيث خربنا بيوتهم وأخذنا أسلحتهم التي أعطاهم إياها علي بن إبراهيم، وحبسنا منهم من حبسنا واتجهنا الي غربان، والناس في قلق شديد ونحن في موقف صعب لم يعد باستطاعتنا جمع الجيوش التي كنا نعتاد علي جمعها، فالحرب علينا من هنا ومن هناك، وبالكاد جمعنا مجموعة قليلة واتجهنا إلي غربان، وكان من حسن حظنا أننا وصلنا هناك قبل أن يتمكن علي بن ابراهيم من الوصول إلي حصن غربان الأعلي.
كان في غربان اثنان من الحصون العالية ذات الأهمية الكبيرة، كان علي بن إبراهيم لا يزال في الحصن الغربي ومعه جيشه، وأهالي غربان كانوا متخبطين ولا يزالون يستكملون تجهيزاتهم ليطلعوا حصون جبل غربان ففاجأناهم بضربة قوية قبل الظهر ليفروا من أول قرية كان فيها علي بن إبراهيم وهي قرية العبر فطاردناهم حتي أنهم لم يتمكنوا من تناول وجبة الغداء التي كانوا قد أعدوها وكانت من نصيب أصحابنا، وبعد أن طردناهم من العبر واستشهد الشيخ عبد الله بن احمد كامل شيخ بني سعد وغيره، تجاوب أهالي القري القريبة كلها ونكفوا (= دقوا طبول الحرب) معنا، واستمررنا في مطاردتهم من قرية إلي قرية حتي أوصلناهم وادي عصمان في نصف يوم وما غربت شمس ذلك اليوم إلا وأول القوم من أصحابنا قد وصلوا سائلة عصمان.
رتبنا مواقعنا في غربان واستمررنا فيها يومين أو أكثر، وبينما نحن نقوم باستكمال الترتيبات إذا بالمنكفين (= الذين استجابوا للنصرة) يصلون إلينا يفيدون أن عبد الله بن الحسين وعلي بن ناجي الشائف دخلوا عرَّام، وعرام هي أكبر قرية في مرهبة وكان أهل هذه القرية جمهوريين وعلي رأسهم الشيخ هزاع ضبعان والشيخ أحمد حسين ضبعان والشيخ قائد درعان أما الآخرون فقد فتحوا مناطقهم للملكيين بدون حرب. غدينا في خمر وتوجهنا إلي بني قيس وصلنا عند غروب الشمس إلي السبيع وهي آخر قرية في بني قيس لم يعد أمامها إلا عرام، لم نصل السبيع إلا وبني ضبعان وبني درعان كلهم ومن معهم قد هربوا إليها.
أمسينا هناك ونكفنا للناس ولم يأت صباح اليوم الثاني إلا وقد أقبل الناس يتوافدون علينا من كل قبيله من حاشد فجهزناهم حتي تكاملت الجيوش بعد يومين وتقدمنا علي عرام وعلي مرهبة كلها، وطردنا الأميرعبد الله بن الحسن وعلي بن ناجي الشائف، ومن معهم من قبائل دهم وغيرها ومن الجيش النظامي الذي تم تشكيله في الجوف أثناء الحرب حيث كانت قد التحقت بهم كتيبة النصر وكتيبة أخري كان أفرادها من عتمة ومن أنس وحجة وكانوا مدربين تدريباً عالياً ومعهم الخيام والمدافع والرشاشات، وكانوا قد احتلوا الهضاب الواقعة بين عرام والسبيع وقد هجمنا عليهم وألحقنا بهم هزيمة منكرة، قتل منهم من قتل، وجرح من جرح، وأسرنا من أسرنا منهم، واستولينا علي أسلحتهم الخفيفة والثقيلة والقبائل الذين كانوا معهم هربوا، كل هذا يحدث والسلال والمصريون لا يزالون مقاطعين لنا ولم يدعمونا بطلقة واحدة أو ريال واحد، ولما أرسلنا لهم الجرحي والأسري من الذين أسرناهم في المعركة بعدها أرسلوا لنا بالذخائر والأسلحة الخفيفة والبوازيك ومصاريف، ولم تكن تهمنا الفلوس إذ كان الناس يقاتلون بدون مقابل بل إنهم يدفعون من أموالهم الخاصة، واستمرت الحرب في مرهبة حيث كانوا يتراجعون عنها فترة ثم يعودون بعد ذلك.
الجبهة الغربية
بقيت أمامنا الجبهة الغربية وفيها الأمراء علي بن إبراهيم حميد الدين ومحمد بن إبراهيم وعلي بن علي ومحمد بن إسماعيل، أربعة أو خمسة أمراء من بيت حميد الدين موزعون في السودة، ظليمة، الأهنوم، عذر، والجبهة الشمالية كان فيها الأمير عبدالله بن الحسن أما الجبهة الشرقية فقد كان فيها الأمراء عبد الله بن الحسين ومحمد بن الحسن والجبهة الجنوبية في أرحب فيها الأمير محمد بن الحسن علي حدود منطقة خارف لكن قبائل أرحب منعوه من شن حرب علينا من أرضهم، لأنه كان بيننا وبينهم من قبل مراقيم (اتفاقيات) بأن لا يفتحوا أراضيهم للحرب ضد حاشد ولا تفتح حاشد أرضها للحرب ضدهم، لم نكن نواجه أي تحديات من هذه المناطق التي كنا نعتبر نحن وإياهم يداً واحدة، لكن بعد نكسة حزيران (يونيو) اجتمع تسعة أمراء من بيت حميد الدين في السعودية وهم محمد بن محسن، ومحمد بن الحسين، وعبد الله بن الحسين، وعبد الله بن الحسن، وعلي بن إبراهيم، وعلي بن علي، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن إسماعيل، والحسن بن الحسن، حيث كان المصريون قد بدأوا بالانسحاب، فاستغلوا الوضع وقالوا: إن صنعاء قد أصبحت في متناول اليد، لكن معنا قبيلة حاشد شوكة في الظهر بالنسبة لصنعاء فهي العمق ويجب أن نبدأ بها حتي يستكمل المصريون انسحابهم من صنعاء، وخرجوا من نجران وجيزان بتمويلهم وعدتهم وعتادهم علي هذا الأساس يستولون علي حاشد ومن ثم يدخلون صنعاء، لكننا واجهناهم بحمد الله في قرية ذيبين وغربان ومرهبة واتجاه القفلة وفي حرف سفيان في وقت متأخر قليلا، وكانت ألطاف من الله سبحانه وتعالي ما كانوا يشنون علينا الحرب من جهة، إلا وقد انتصرنا عليهم بالتي قبلها، وكان بين المعركة والأخري ثلاثة أو أربعة أيام فقط، وكان الحسم سريعاً بفضل الله عز وجل ونزلنا باتجاه القفلة والعشة واجتمعنا هناك وتكتلنا وكانت مناوشات بين القبائل الجمهوريين العصيمات ومن معهم والقبائل الملكية عذر وحجور والأهنوم الذين تواجدوا في عدة مناطق من الجبهة الغربية، أنزلنا المجموعة الذين كانوا في عرام من المشائخ وخفضنا من الجيوش، وعندما وصلنا العشة ودنان ومناطق تلك الجهة تكاتبنا مع مشائخ القبائل في الجبهة الغربية الموالين للملكية من الأهنوم وعذر وحجور وكان أبرز مسؤول فيهم الشيخ محمد ناصر صبرة من الأهنوم، واتفقنا علي عقد مؤتمر، وللحقيقة فإن مشائخ المناطق الغربية طيبون ومسالمون ولم يكن لدينا خوف منهم مثل قبائل المشرق، إضافة إلي ما يربطنا بهم من علاقات أخوية ومتميزة كونهم جميعاً ينتمون إلي حاشد، التقينا بهم وعقدنا مؤتمراً في الوادي، ما بين الشط والعشة، واتفقنا بسهولة حيث عرضنا عليهم المراقيم التي عقدناها مع بكيل وعملنا بمثلها واتفقنا علي وقف الحرب ورفع القوات من الطرفين وعودة الجميع إلي مناطقهم ولا يفتح أي طرف الحرب ضد الآخر وليبقي كل طرف كما يريد جمهورياً أو ملكياً. ثم اتجهنا نحو الحرف، رتبنا مجموعة فوق الجبل الأسود وفي قشلة الحرف وجمعنا سفيان وأخذنا عليهم مراقيم وطلعنا خمر نستريح علي حد قول المصريين حيث كان قد مضي قرابة ثلاثة أشهر منذ خروجنا من صنعاء في منتصف شهر حزيران (يونيو) حتي شهر ايلول (سبتمبر) 1967م.
لم تمض أيام علي استقرارنا في خمر، وإذا بالمصريين يطلبون منا التوجه إلي صنعاء لاستقبال لجنة السلام العربية التي تم تشكيلها بعد مؤتمر الخرطوم باتفاق عبد الناصر والملك فيصل وهي برئاسة رئيس وزراء السودان محمد احمد محجوب وعضوية كل من وزيري خارجية العراق والمغرب، ومعهم مراقب سعودي وآخر مصري، وكان المصريون لا يريدون الخروج من اليمن بعد أن قرروا الانسحاب إلا وقد أرسوا سلاماً وحلولاً تجنب اليمنيين سفك الدماء، لكن الحلول التي كانت تحملها لجنة السلام العربية لم تكن بعيدة عن تلك الحلول التي طرحوها علينا في مؤتمر حرض وإن كانت أهون قليلاً منها.
جاءتني تلك الدعوة وقد كنت متأهباً لدخول صنعاء وذلك لحضور احتفالات عيد الثورة في 26 ايلول (سبتمبر) ومتابعة انسحاب المصريين، دخلت صنعاء ومعي قرابة ثلاثة آلاف مقاتل بهدف المحافظة علي صنعاء وملء أي موقع يخليه المصريون، وكان المصريون قد أبدوا رغبتهم بتواجد المشائخ الجمهوريين في صنعاء عندما بدأت مؤشرات الخلاف بينهم وبين السلال تظهر علي السطح، فأوعزوا للمشائخ الجمهوريين الذين كانوا في خلاف مع السلال بسرعة حضورهم إلي صنعاء وتم فعلاً تواجد الجميع ودخلت مع قومي من خمر والشيخ سنان أبولحوم، والشيخ الذهب من البيضا، ومشائخ المناطق الشمالية، والمشائخ الجمهوريون من خولان والحداء وبني مطر ونهم ورداع. وكان الهدف الظاهر هو مناسبة عيد ايلول (سبتمبر) وكذلك أن المصريين علي أهبة السفر والانسحاب.
كان الزعماء اليمنيون الذين اعتقلوا في القاهرة قد تم الإفراج عنهم وما يزالون في مصر، وحضرنا احتفالات عيد الثورة ونحن نحث الزعماء الذين تم إطلاق سراحهم من سجون مصر بسرعة وصولهم إلي صنعاء.وتفاقم الخلاف بين المصريين والسلال قبل مجيء اللجنة، فدعاني المصريون مع مجموعة من المشائخ إلي مقر القيادة وطرحوا علينا الموضوع وقالوا نريد أن نعرف موقفكم، خرجنا من القيادة واجتمعنا في منطقة الروضة علي أساس نرتب أمورنا ونجمع رأينا ونعود من الروضة للقيادة المصرية لنضع أيدينا في أيديهم، وفي هذه الأثناء ونحن لا نزال في الروضة وصلت لجنة السلام إلي المطار ودخلت إلي مقر القيادة تحت حراسة مشددة من المصريين، وما عدنا من الروضة باتجاه القيادة إلا وقد انفجر الموقف بين السلال والمصريين، لم نشعر بانفجار الموقف إلا عندما اقتربنا من القيادة.
إطلاق النار مستمر والمصريون مرتبون حول أسوار القيادة وأبوابها بالسلاح والدبابات، والغوغاء من شلة السلال يدورون بالشوارع ويطوقون القيادة من خارجها ويطاردون المصريين في كل نقطة من النقاط والشوارع وقد قتلوا منهم قرابة 14 شخصاً.
كان مع السلال في هذا الموقف إضافة إلي حرسه الخاص، بعض الوحدات العسكرية مثل الصاعقة، والمظلات ولم يعد باستطاعتنا التواصل مع المصريين إلا تلفونياً من البيت، استنجدوا بنا وخرجنا لاحتواء الموقف، وكلفنا العميد مجاهد وعلي حميد جليدان وبعض المشائخ والضباط من حاشد أن يجمعوا المصريين المختبئين الذين كانوا يستلمون أبواب صنعاء والنقاط والمرور حيث كانت غالبية هذه المهام عليهم.
جمعناهم وجمعنا القتلي، وفرَّقنا قدر الإمكان المتظاهرين وسرنا للسلال مع كبار المشائخ لمعاتبته، فنفي رضاه بما يجري، ووجه لي رسالة حول الموضوع ورد علي مقترحنا بذبح العقائر لدي القيادة العربية بالموافقة. المهم قمنا بدور الوساطة وفي اليوم الثاني اتجهنا للقيادة المصرية نهدئ الوضع، ونطمئنهم وأخذنا عشرة رؤوس من البقر وذبحناها تهجيراً (= اعتذاراً وارضاءً)، وقد تأثروا من موقفنا وخجلوا منا وكانوا يرفعون ما يحدث أولاً بأول إلي مصر، وحثيناهم بوصول زعماء اليمن من القاهرة والتقينا بلجنة السلام وهم مختبئون داخل مقر القيادة وقد خرجوا بقناعة بأن الخطة التي جاؤوا بها لا يمكن أن تنجح ما دام الخلاف قد أصبح بين السلال رئيس الدولة والمصريين المتبنين لهذا المشروع فإن مشروعهم لم يعد مقبولاً فغادروا اليمن.
عمي سنان أبو لحوم قال لا بد أن نسير إلي العسكر اليمنيين ونهدّيهم ونهجِّرهم مثلما عملنا مع المصريين، ذهبنا إليهم فهجرناهم ووبخناهم علي ما حدث، ثم ذهبت مع عمي سنان لنري ما هو موقف السلال الذي دعمه الرئيس عبد الناصر ضدنا وضد الصف الجمهوري القوي.
وواصلنا العمل علي تهدئة الأمور والتفاهم مع المصريين والمتابعة بسرعة لمجيء الزعماء من القاهرة، واستمر المصريون في انسحابهم بعد ذلك اليوم (3/10/1967) تدريجياً ولم تعد لهم قوة إلا في الطرق والجبال المحيطة بصنعاء، كان لدينا قلق بعد انسحاب المصريين وشعور بأننا سنواجه موقفاً صعباً جداً لكن لدينا تصميم وإرادة قوية علي الدفاع والصمود، وقد خففنا حدة التوتر مع السلال لأن الظروف التي نمر بها خاصة مع انسحاب المصريين تتطلب إزالة الخلافات من أجل توحيد الصف والحفاظ علي الجمهورية.
الاطاحة بالسلال 5 نوفمبر 1967
عادت الحكومة المعتقلة في القاهرة في أواخر تشرين الاول (أكتوبر) 1967م، ووصلوا إلي الحديدة حيث كنا هناك في استقبالهم، وكان السلال في الحديدة يتأهب للسفر إلي العراق في زيارة رسمية تلبية لدعوة عراقية، وقد التقي الزعماء القادمون من القاهرة بالسلال، ولم يكن هناك عتاب أو جرح مشاعر من أحد لأن الناس في موقف صعب والهمُّ الرئيسي في تلك الفترة : كيف نواجه الأخطار المتوقعة؟ وكيف ندافع عن الثورة والجمهورية؟
قد عقدنا العزم بعد وصول القاضي الإرياني ومن معه علي القيام بحركة ضد السلال وفضلنا أن يتم ذلك عندما يسافر السلال إلي الخارج لنضمن النجاح لهذه الحركة.
كان السلال يتوقع قيام حركة ضده بعد وصول الإرياني ومن معه من القاهرة، وربما فضل أن تتم وهو غائب عن البلاد فلا يلحقه أي لوم إذ لم يعد لديه استعداد للمقاومة والدخول في مشاكل جديدة، وفي المطار استدعاني إلي فوق الطائرة المقلة له وقال لي: انتبه يا شيخ عبدالله الجمهورية في عنقك لا يزيدوا عليك الفقهاء، ووضع اصبعه علي عنقي.
سافر السلال ورجعنا من الحديدة إلي صنعاء في نفس اليوم نرتب للحركة بسرعة قبل عودته، وفور وصولنا صنعاء بدأنا التخطيط لتنفيذ الحركة وتوزعت الأدوار بين عدد من الرجال وفي ليلة الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، أدخلت القاضي الإرياني والشيخ محمد علي عثمان بيتي في الأبهر الذي كان بيت الحركة، والقاضي عبدالسلام صبرة ومجموعة من المثقفين يخططون، ومجموعة من المشائخ والضباط المنفذين، مجاهد أبوشوارب، علي أبولحوم، أحمد ناصر الذهب، ومجموعة من الضباط الذين معنا وأغلبهم بعثيون، الصاعقة والمظلات استملناهم بسرعة وشاركوا معنا، وكذلك ضباط الحرس وآخرين استملناهم إلي صفنا، غالبية المشائخ كانوا معنا ما عدا نفراً قليلاً من المشائخ الكبار منهم محمد ناجي القوسي، ومطيع دماج، حيث كانت حُجة المعارضين، أن الفريق العمري والأستاذ أحمد نعمان كانا لا يزالان في القاهرة.
كان الجميع متفقين علي زعامة القاضي الإرياني، فالقاضي بالنسبة للعقلية والإيمان والحكمة والنزاهة والخلق والوطنية لا غبار عليه، وكان محل إجماع العسكري والشيخ والمثقف والعالم، لم تكن هناك معارضة علي زعامته حتي من الضباط فقد جربوا القيادة العسكرية من خلال السلال ولم يكن هناك أي إشكال.
والشيخ محمد علي عثمان أيضاً شخصية لها وزنها الشعبي وثقلها الوطني، والأستاذ النعمان من الزعماء التاريخيين، وبعد الاتفاق علي أعضاء المجلس الجمهوري تم الاتفاق علي تشكيل الحكومة بسهولة فيما أن القاضي كان محل قناعة وإجماع كل المؤيدين للحركة فكل ما جاء منه لتشكيل الحكومة مقبول، وقد تشكلت الحكومة برئاسة محسن العيني الذي كان أبرز المثقفين وكان الجامع بيننا في ذلك التاريخ هو الولاء للجمهورية بغض النظر عن كونه بعثيًا أو ناصرياً أو شيوعياً، يسارياً أو يمينياً، حيث لم تكن هذه التوجهات واضحة.
وقد بقيت أنا خارج تشكيلة الحكومة باتفاق طبعاً مع القيادة، وبرؤية مدروسة فالحركة قامت من بيتي وزعماؤنا وأساتذتنا وآباؤنا خططوا لها في غرفة نومي، وباتوا عندي، وأنا أحد الدافعين للحركة ولم أكن حريصاً علي شغل منصب رسمي فقناعتي الثابتة منذ بداية الثورة أنني أعتبر نفسي المحامي علي الثورة والجمهورية سواء من خلال منصب رسمي أو غير رسمي أو من خارج المنصب، وعندما كنت أري أن وجودي خارج الموقع الرسمي أنفع كنت أقبل بذلك، ولم أكن أدخل في منصب رسمي إلا مرغماً من القادة السياسيين والزعماء الكبار والزملاء من أجل المصلحة العامة والمصلحة الوطنية سواء قبل هذه الحركة أو بعدها لأن قناعتي أن دفاعي عن الثورة من خارج المواقع الرسمية هو أقوي.
وفي بعض الحالات كانت القناعة لدي ولدي القيادة ترجح أن أبقي خارج السلطة لحسابات كثيرة قبلية طائفية مناطقية وغيرها، وأنا كان لدي الاستعداد للتضحية بأي شي من أجل الثورة.
لقد كانت الترتيبات لقيام الحركة فيها دقة وثبات وتيسرت الأمور ولم تواجهنا صعوبة كبيرة أيضاً، فقد كانت قيادة القوات المصرية في اليمن مستاءة جداً من السلال وقد باركوا الحركة وتحروا أن لا يؤدي الانقلاب أو الخلاف إلي تفجير موقف يستثمره الملكيون. أما السعوديون فهم كانوا يطرحون دائماً بأن ما يهمهم هو خروج المصريين من اليمن.
لقد قمنا بالحركة من أجل أن نتمكن من الدفاع عن الثورة والجمهورية والحفاظ علي العاصمة صنعاء ومواجهة الهجمة الشرسة تحت قيادة زعامة تكون محل رضاً وإجماع الجميع لأن القناعة كانت قد بلغت منتهاها بأن زعامة السلال لم تعد زعامة جامعة ولا مرضياً عنها ولا يمكن بوجوده أن يلتئم الصف الجمهوري ويرص صفوفه ويدافع عن الثورة والجمهورية والعاصمة صنعاء، لقد كنا نتوقع الهجوم علي صنعاء، لأن سقوط العاصمة يعني سقوط الجمهورية وكان بقاء السلال حتماً سيؤدي إلي سقوط صنعاء وبسقوطها ستسقط الجمهورية، فقد كان السلال في تلك الفترة تائهًا ولم تكن علاقته بالناس المؤمنين بالثورة علاقة زعيم مع أتباعه وكانت القناعة أنه بزعامة القاضي عبد الرحمن الإرياني سيتمكن الصف الجمهوري من مدنيين ومثقفين وعلماء ومشائخ وعسكريين ضباط وجنود من مواجهة أي هجمة بروح قوية وتضامنية. وهذا هو الذي تم فلولا حركة تشرين الثاني (نوفمبر) ووجود القاضي عبد الرحمن الإرياني علي رأسها ما بقيت الثورة ولا الجمهورية ولكانت صنعاء سقطت وانتهي كل شيء.
استقلال الشطر الجنوبي
جاء استقلال الشطر الجنوبي عن الاستعمار البريطاني في 30/11/1967 ونحن في بداية الحصار وقد استقبلناه كأمر واقع إذ لم يكن باستطاعتنا أن نعمل أي شيء، لكن كان هناك اختلاف في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع هذا الاستقلال، فأنا شخصياً وكثير ممن كان معي كان رأينا أن لا نعترف بهم ولا نهاجمهم إعلامياً وكثير من العقلاء من المشائخ والعلماء والضباط وعلي رأسهم القاضي عبدالرحمن الإرياني رأوا أن الاعتراف بهم فيه حماية لنا فيما لو سقطت صنعاء وليكن منطلقنا جمهوريًا، فلو سقط النظام الجمهوري في صنعاء ستكون الجمهورية في الجنوب سنداً لنا كما أن عدم الاعتراف معناه أن نجعل لنا خصمين وهذا ليس في صالحنا والوضع هنا غير مأمون وليس هناك ما يضمن لنا أن ننتصر وقد اقتنعنا بهذا الرأي وصدر قرار الاعتراف بالنظام في عدن.
* القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.