منذ 2011، كان وجود أحمد علي عبد الله صالح على رأس الحرس الجمهوري، بالنسبة لإعلام الإصلاح وخطابه السياسي، سببا كافيا لاستهداف قوات الحرس والتحريض عليها، وشيطنتها وتخوينها بأوصاف لا تخلو من التعميم مثل "الحرس العائلي"، إضافة إلى الحديث المستمر عن ارتباطها بالحوثي. كان الإصلاح لا يخفي رغبته في تفكيك هذه القوات، وهو المعنى الذي كانت تضمره كلمة "هيكلة". ولما كانت أكثر الممارسات والمظاهر رداءة وتخلفا في تحالف الإصلاح الفضفاض هي المثال والنموذج الذي يسترشد به الحوثيون؛ فإنهم الآن يستلهمون نفس نهج الإصلاح الأحمق، لكن ضد جانب آخر من الجيش اليمني؛ أي تلك القوات التي كانت تحت قيادة علي محسن الأحمر والقادة الموالين له. هذه القوات تصنف جزافا بأنها إخوانية، تحركاتها وعملياتها؛ مع أن الميول والمواقف السياسة للأفراد داخل هذه القطاعات العسكرية ليست مرتبطة وبشكل حصري بميول وموقف القادة. (حتى موجات التجنيد الجديدة لم تفد الإصلاح في شيء وهو يتلقى ضربات موجعة من الحوثي في أكثر من مكان؛ ذلك أن تحركاتها مقيدة بمواقف الرئيس هادي وتقديراته للأمور، إلا في حال قرر الإصلاح وعلي محسن الانشقاق بما لديهم من ولاءات في الجيش، على غرار ما فعل في 2011، وهذا متعذر). بعد عزل أحمد علي، كان يمكن الحفاظ على كتلة الحرس الجمهوري التي كانت الأكثر انضباطا وفاعلية، قياسا إلى بقية قطاعات الجيش. وإذا كان الحرس الجمهوري مخترقا، فقد كان الإصلاح وحلفاؤه أكثر من بذلوا جهودا لتحقيق هذا الاختراق، وكان لهم موطئ قدم فيه أكثر مما كان للحوثي، مع أني لا أستبعد حاليا أن للحوثي ولاءات خفية داخل معسكرات ما كانت تعرف بالمنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع، وأيضا داخل قوات الحرس الجمهوري المنحلة. على أن جميع الولاءات السياسية في الجيش هي غير قانونية أساسا، وتتناقض مع التقاليد العسكرية. لن نتوقع من الحوثي التحلي بالمسؤولية الوطنية وتجنب تكرار الحماقات؛ فهذه اللغة لن يفهمها، لإن رهاناته كلها في العنف وأدواته. ولن نتوقع من علي محسن أن ينأى بنفسه عن التدخل في شؤون الجيش. الرئيس هادي وحده يستطيع تحرير الجيش من مراكز الاستقطاب السياسي والمناطقي، والقادة العسكريين المثيرين للجدل، مثل القشيبي في عمران، أو ضبعان في الضالع، لكي يجرد المليشيات من الذرائع التي تستخدم لاستهداف الجيش، ولكي يعطي اليمنيين والمؤسسة العسكرية انطباعا ايجابيا بأنه من يمتلك زمام السيطرة والقيادة، وأن كل تحركات الجيش لمواجهة المليشيات وجماعات التخريب منوطة به بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. قبل أكثر من عام، كان هناك مركزا استقطاب داخل الجيش: أحمد علي وعلي محسن. حاليا لم يعد الأول يحضر كمركز استقطاب عسكري، والرئيس السابق أصبح نفوذه مشكوكا فيه داخل الجيش. وفيما تقلص نفوذ علي محسن العسكري إلى حد كبير، إلا أنه لا يزال يمتلك ارتباطات عسكرية، وهي ما ينبغي المسارعة إلى إيقافها نهائيا ونزع أسبابها. غير أن الكتلة الأكبر في الجيش هي من تمتثل لأوامر الرئيس هادي. باختصار، الجيش إما أن يكون على عقيدة قتالية وطنية موحدة، وهيكل تنظيمي منضبط ومتناغم، أو لن يكون جيشا على الإطلاق. هل يروق الرئيس هادي مشهد تحلل الجيش على هذه الشاكلة؟ ...
الناس يفتشون عن بنية "الصواب"، التي من المفترض أن جماعة الحوثي تحملها وتكافح من أجلها؛ لكن خطاب الحوثيين لا يقول سوى أنهم بنية من "الخطأ" الخالص، التي تطرح نفسها في موازاة جميع تعبيرات الخطأ والفشل العام. مثلا، يقول الحوثيون: "السلاح خطأ، لكنه ليس خطأنا وحدنا. الطائفية خطيئة، لكن الآخرين ليسوا أحسن منا"! وحين تسأل: ما هي جماعة الحوثي وما الذي ترمي إليه؟ ينغمس المتحدثون بلسان الحوثي فقط في إحصاء المظاهر الخاطئة لخصومهم، من أجل إضفاء شيء من الشرعية على أسلوبهم الخطأ ومنطقهم الخطأ. ... ليس غريباً أن تحضر الإمامة كمصدر للقلق خلال محاولات تعريف جماعة الحوثي واستقراء مستقبلها، رغم أن الحوثيين يواظبون على الإنكار في خطابهم الرسمي. لكن منهجهم الديني ومرجعياتهم وأدبياتهم عن الولاية الإلهية، وحتى أساليبهم، والمنصة الجغرافية التي ينطلقون منها، وخريطة انتقالاتهم، كلها تضمر الكثير مما يجري إنكاره علناً، وتستدعي ميراث قرابة الألف عام لنموذج حكم طويت صفحته قبل 50 عاما. الأمر أبعد ما يكون عن محاكمة نوايا. أظن، فيما يخص الحوثيين والتراث الزيدي، من الصعب فصل الديني عن السياسي. كما لا يمكن مقارنة الحوثيين بحزب الله؛ السياق هنا مختلف، والمجال الاجتماعي والتاريخي مختلف. هذا لا يعني أن الحوثي سيصبح "إماما"؛ فهذا يبدو لي ضرب من المستحيل، مع أني أتفق مع وجهة النظر التي تقول إن الحوثي سيكون التجسيد الهزلي لفكرة الإمامة، وهي الفكرة التي تمارس حالياً نوعا من الإغواء السري في الأوساط الموالية للحوثي، حيث انتعشت آمال ورغبات دفينة وأوهام سيجد الحوثي نفسه مأسوراً لها، وقد تقود خطاه في الأخير إلى خسارة كل شيء.