نحن الأرق قلوباً والألين أفئدة بشهادة من لا ينطق عن الهوى، لكننا نقاوم هذه الصفة بطريقة عجيبة. أشهر الأمثال والحكم عندنا "الكلمة الطيبة تكسر العود اليابس"، لكننا لا نتذكر هذه المقولة إلا بعد أن يروحوا مقاتيل، أو تقع مشكلة وتقوم لها القيامة!! وغالبا ما نستخدم العبارة بالمقلوب فإذا في فم كل منا عود يابس يكسر الكلمة الطيبة قبل أن تتجاوز حلقه!! نحن مجتمع يرى في الشراسة ركنا من أركان الرجولة، ويرى في الغلظة شرطا لقوة الشخصية!! نحرم أولادنا من كلمات الحب "عشان يقعوا رجال"!! وتجد الفتاة يقتلها الشوق على أبيها أو أخيها أو عمها أو خالها ولا يمكن أبدا أن تبادر إليه بمكالمة تلفونية، وإذا أراد أحد ممن حولها أن يشجعها على هذه الخطوة تقول له بلا تردد: "ما اجزمش"!! تتحدث الزوجة إلى زوجها في التلفون وتظل ساعة تلف وتدور وتبحث عن الكلام حتى تنعدم الكلمات وهي تنتظر منه كلمة حلوة أو رطبة، وغالبا ما تفشل في المهمة ولا تسمع من كلمة رطبة سوى "مع السلامة"!! والأسوأ أن الزوج يدرك ذلك جيدا ويفكر في هذه الكلمة طوال وقت المكالمة لكنه أبدا لا ينيلها المراد ولسان الحال: "ههههههه.. أنا فاهم، بس على من"!؟ وهي من جانبها تتردد في صدرها كلمة حلوة لكن هذه الكلمة تظل عالقة هناك إلى أن تشرب شربة ماء فتبلعها معها، وربما أن ما يمنعها من إخراجها هو أن الزوج الحبيب "كَسَعَها" أو "قَرَفَها" في المرة السابقة، فعندما غلبتها نفسها الأمارة بالحب ونطقت كلمة عشق رد عليها بقسوة أو قال لها: "ما قد به"!؟ ويحكي أحد الأصدقاء أنه شاهد في أحد المسلسلات مقطعاً أعجبه وأثار فيه شيئا من العاطفة وأحيى لديه الجرأة على الكلام الرطب، فلما رجع إلى البيت فتحت له زوجته الباب وراح يمد إليها يديه وهو يقول لها: "أحبك.. أحبك". قال: فانصرفت عنه ببرود وهي تقول: "يالله بالعقل"!! نستنكف عن التعبير لأصدقائنا عن الشوق، ولو تجاوز أحدنا هذه الطبيعة المقيتة وأراد أن يقول لصاحبه "اشتقت لك" فلربما نطقها "أشتي اقتلك"!!