لم تعد العلاقات بين القاهرة وطهران بعد الثورة المصرية بالسرعة التي توقعها كثيرون. فإذ بدا في الأسابيع الأولى بعد رحيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك أن العقبة الرئيسية أمام عودة العلاقات بين البلدين قد زالت، تبين بمرور الوقت أن ثمة عقبات أخرى تقف في الطريق. الإشارات جاءت في وقت مبكر. فلم يلبث نبيل العربي وزير خارجية مصر بعيد الثورة أن أشار في أبريل/ نيسان 2011 إلي إمكانية عودة العلاقات بين بلاده وإيران، حتى سارع بعدها بأيام – هو ورئيس الوزراء آنذاك عصام شرف – إلى التخفيف من وطأة هذه التصريحات بالتشديد على أن أمن دول الخليج "خط أحمر" وأنه لا يمكن القبول بأن تأتي العلاقة مع إيران على حسابهم. العلاقة مع اسرائيل والولايات المتحدة وتطورات الأوضاع في البحرين وسوريا، كلها أضافت تعقيدات لأي تقارب محتمل بين القاهرة وطهران. وفي الداخل المصري مثلت تخوفات البعض – خاصة من أتباع التيار السلفي – من أن يترتب على هذا التقارب محاولات لنشر المذهب الشيعي عقبة إضافية. ومع ذلك وقع خلال العام الأخير حدثان مهمان – على الأقل على المستوى الرمزي. زار الرئيس محمد مرسي إيران في إطار اجتماعات قمة دول مجموعة عدم الانحياز، وزار الرئيس أحمدي نجاد مصر في إطار اجتماعات قمة المؤتمر الاسلامي. صحيح أن الزيارتين جاءتا في إطار اجتماعات متعددة الأطراف، لكنهما في النهاية مثلا خرقا للتقاليد المتبعة بين البلدين منذ قيام الجمهورية الاسلامية. وغير بعيد عن السياسة وعن الإشراف الحكومي جاءت بعض التحركات الاقتصادية بين البلدين. فتم تأسيس مجلس للتعاون الاقتصادي بين مصر وإيران، بعد زيارة قام بها مصريون ضمن وفد الديبلوماسية الشعبية إلي ايران عرضوا خلالها على نجاد فكرة تأسيس المجلس ثم عرضوها على المسؤولين في مصر بعد عودتهم. ويقول سيد عقيلي رئيس الجانب المصري للمجلس إن هناك استثمارات إيرانية تم الاتفاق عليها بين الجانبين لإقامة عدد من المشروعات في محافظة بني سويف. هذه المشروعات لا تزال في طور التخطيط، أما الحجم الفعلي للتبادل التجاري بين مصر وايران فيعتريه الكثير من الغموض. فبينما نقلت وسائل إعلام إيرانية عن حسين حسيني، المدير العام لمنظمة ترويج التجارة من المكتب الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، قوله إن الصادرات الايرانية إلي مصر زادت بنسبة 1400% خلال العام الماضي لتصل إلي 410 مليون دولار، فإن غرفة التجارة المصرية تقول إن إجمالي التبادل التجاري بين البلدين يتراوح بين 200 و300 مليون دولار، وإن هذا الرقم لا يختلف كثيرا عما كان عليه في عهد مبارك. إلا أن الملف الذي جرى فيه إحراز تقدم مهم هو مجال السياحة. فلأول مرة منذ عقود استقبلت مصر هذا العام وفودا من السائحين الايرانيين. ورغم أن احتجاجات السلفيين نجحت في وقف هذه التجربة لمدة شهرين، فقد عادت من جديد مع أواخر مايو/ آيار بزيارة للأقصر وأسوان قام بها وفد من السائحين الايرانيين. وتجنبا للشبهات فإن برامج الزيارة المعدة لهؤلاء السائحين تستبعد أماكن السياحة الدينية، وتضمن الحكومة المصرية عدم الخروج عن هذا الترتيب لأن شركات السياحة القليلة المصرح لها حتى الآن بجلب السائحين الايرانيين هي شركات تابعة للحكومة. من بين هذه الشركات، لاكي تورز، ويقول محمد رضا العضو المنتدب للشركة، إن "أعلى متوسط إنفاق في مصر ... هو السائح الإيراني إذ أن متوسط إنفاقه اليومي 250 إلي 280 دولار... (بينما السائح) الأوروبي في حدود 80 إلي 85 دولار". وفي وقت يعاني فيه قطاع السياحة من أوضاع متردية نتيجة عزوف السائحين عن مصر بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة، فإن السياحة الايرانية تمثل بديلا مغريا، ليس من السهل تجاهله.