بينما يستخدم صالح تكتيك "الصمت والصبر", انخرط هادي في متوالية تكتيك "التصفية".. وعلى مسافة عام ونيَّف استنفد كافة الأوراق وصفَّر الحساب • يغامر هادي بتحريك ملفات وفتح جبهات "خطرة" باتجاه صالح • من هم رجال هادي الأربعة في "عامة المؤتمر"؟! • ومن سيحسم معركة عرش الشعبي العام؟ وكيف؟ • من يتذكر أن الوزير (بدرجة نائب رئيس) محمد ناصر أحمد هو في حصة المؤتمر الشعبي؟!
سابقة (خطأ) إطلاق متهمين في جريمة تفجير جامع دار الرئاسة (النهدين) قد تكون قاصمة الظهر للعلاقة (المضروبة أصلاً) بين الرئيس هادي والمؤتمر الشعبي العام. لكن، أيضاً، ليست هذه هي كل شيء الآن. فالرئيس هادي يعمل في الأثناء، ومن وقت ليس بالقصير، على تحريك أكثر من ملف وقضية في وقت واحد... ودائماً باتجاه الرئيس السابق – رئيس المؤتمر الشعبي العام. وكما كتب وعرض مراقبون ومتابعون أكثر من مرة فإن هادي تجاسر على اقتراف فصال عنيف ومناجزة "شخصية" طافحة تشي بالكثير من مكنون الخصومة المفاجئة وغير المبررة أو المفهومة لكثيرين هالهم عنف وإلحاح هادي في طلب التضييق على صالح من كل تلقاء.
صالح.. و"تكتيك الصمت"
في هذا الصدد يمارس صالح هوايته المفضلة في الصمت والصبر وإعجاز خصومه عن مجاراته أو في استنزاله إلى معارك وجبهات مواجهة ونزال تخصم أو يمكن أن تخصم من رصيده أو تحسب عليه وتوظف ضده.
لا يبدو أن صالح يطلق أو يظهر ردود أفعال متفاجئة أو محتقنة في مواجهة "هجمات" وخطوات هادي متعددة المسارات ومتحدة الغاية والهدف. إمعان هادي، كما هي عادته الرئاسية والسلوكية في تقسيط كل شيء وأبرز مثال عليها مسلسل قرارات وإجراءات الهيلكة، إمعانه في تحريك وتفجير قضايا وعناوين مدوية، أو هكذا يحسبها، ضد صالح بنظام التقسيط مؤشر دال على نية مبيتة – وهي لم تعد كذلك عملياً – ورغبة مشتهرة إلى تضييق الخناق وشد الحبل حول عنق رئيسه السابق والحالي في الحزب – لدفعه إلى إلقاء المقاومة والتخلي عن عناده الشهير والنزول عند رغبة ومراد الرئيس الحالي الانتقالي، وأول وأهم قضية التنازل عن رئاسة المؤتمر وتتويج هادي رئيساً بالتخلي عن شرط المؤتمر الانتخابي وخوض التنافس الذي لن يتقدم إليه صالح ولن يمنع متقدمين للترشح على كرسي الرئاسة ووراثة الرئيس المؤسس علي عبدالله صالح.
هادي.. و"تكتيك التصفية"
في هذا السبيل بذل هادي مساعي مضنية لدى المبعوث الدولي وبعثة مجلس الأمن الزائر لصنعاء ولدى السفراء الرعاة ومخاطبات ومراسلات لدى مجلس الأمن بصدد استصدار قرار كانت تقدمت به المملكة المتحدة عبر مندوبها الدائم إلى مجلس الأمن بالنص صراحة، على رغبة هادي إلى إدانة صالح وأقاربه وأبنائه بإعاقة التسوية والحوار وتهديد مسار المبادرة وحظر العمل السياسي عليهم ورميهم خارج البلاد. هكذا!
التصدي الروسي الصيني للمشروع البريطاني المسبوك على مزاج وموجة رغبة هادي، أفشل الخطة وأحبط التحرك الأخير وانتهى الأمر ببيان عن رئاسة "الأمن" تضمن فقرة بالنص على اسم صالح بمعية البيض. لم يكن هذا ليعني أو يساوي شيئاً بالمقارنة إلى ما كان يطمح بتمريره المشروع البريطاني. خيم الوجوم والإحباط على سلطة ورئاستي صنعاء، الجمهورية والحكومة. ومن فورهم انتقلوا إلى بحث وتصعيد قضايا وعناوين أخرى باتهامات تطلق على عواهنها..
اللعب بملفات من نار
وصولاً إلى قرار هادي بالانتقال إلى اللعب في ساحة وملعب القضاء وأحراشه الشائكة مغامراً بالكثير من المصداقية والأولويات المرعية على صلة بالمرحلة والمصلحة الوطنية والجماعية، آنياً على الأقل، ومغامراً باستعداء واستفزاز قطاع واسع من الجمهور والمواطنين والمناصرين، والأهم مما سبق أن هادي اختصم واهتضم مفهوم ومدلول العدالة في عناوين ومرئيات الساحة الأخرى (المشترك ومن إليه). وشطب، لا بل تعمد أن يزيد في الضيم والإيلام بنسف وتفكيك وخلط أوراق، ملفات ومرئيات ومظالم ساحة السبعين /الشرعية/ المؤتمر وحلفائه. ألغيت جميع المظالم والقضايا والملفات والمواجهات ولم يعد إلا ملف جريمة "النهدين" الإرهابية – جريمة العصر بامتياز.
وبالوصول إلى هذه باشر هادي تحريك أدواته في النيابة والقضاء، وتحريك مواز لأدوات حلفائه (محسن، الإصلاح) في العدل والمحاكم الابتدائية والاستثنائية إلى تسريع البت والنظر وتحريك ملفات قضايا مفخخة وشديدة الحساسية ومحل خلاف وتباين لا نهائيين: جمعة 18 مارس (الكرامة)، والوساطة المغدورة في الحصبة (بحسب التعبير القضائي)، وخلال ذلك تم تفعيل وإذكاء ملف ما يسمى ب"معتقلي الثورة" في وقت حرج جداً بالنسبة لحلفاء هادي في حزب الإصلاح والجناح القبلي خصوصاً.
في خدمة الإصلاح
أمكن صرف الأنظار بهذه المعركة والضجة المستثارة والموجهة عن مطالب شعبية وحقوقية ومدنية عارمة بإلقاء القبض على قتلة الشابين العدنيين: الخطيب وأمان، والقصاص منهم وإرغام الشيخ علي عبده العواضي عضو هيئة القيادة العليا للإصلاح، على الرضوخ لحكم الدولة والقانون وتسليم القتلة. خلال أسبوعين حركت القضية شارعاً واسعاً وهائجاً وكانت بصدد استكمال المهمة. قطعت عليها الطريق في المنتصف وقفزت إلى الواجهة والإعلام والسياسة والنقاش العام والمساجلات في الشبكات الاجتماعية قضية معتقلي الثورة. فجأة تذكروا هذا الملف.
أو لعل الأصوب أنه جاء وقت استثماره. انخرط هادي على الفور في إصدار أوامر وتوجيهات ملزمة إلى النائب العام الذي لم يكن ليقدم على إطلاق متهمين في جريمة جنائية بحجم تفجير جامع الرئاسة وتصفية قيادات دولة بأسرها وبكل مؤسساتها إلا بالإطاعة والنفاذ لأوامر صاحب الأمر وولي الأمر الرئيس عبدربه منصور.
نزيف الرصيد الحزبي
وما أسهل أن يتجاهل هادي احتجاجات حزبه الخجولة المتلجلجة المترددة مهضية الجناح. الحق أن المؤتمر الشعبي خذل أنصاره وأعضاءه وأسر الضحايا وذويهم والمراهنين عليه كما باح بالمرارة الجرحى والمعاقون ومصابو الحادثة/ الجريمة.
لكن، أيضاً، المؤتمر الشعبي يعيش ويشهد واقعاً ومرحلة صعبة وحساسة واستثنائية بكل المعاني. من الواضح دائماً حجم الخلل الذي اعتور أداء ونشاط وممارسات الحزب (المؤتمر) بفضل أزمة العلاقة الملتبسة مع هادي والضغوط والتضييق المرهق والمزعج الذي يمارسه الرئيس هادي أمين عام الحزب على رئاسة المؤتمر وهياكله التنظيمية والتي لا تنتهي عند التجفيف المالي ومصادرة الرصيد ومنع الصرفيات وتحرير الشيكات ورفض إعادة التفويض بالتوقيع عليها والمخول به من صالح لدى مغادرته إلى الرياض للعلاج في منتصف 2011م.
ما لابد منه..
إلى هنا وصلت الأمور مرحلة متفاقمة ويجب أن يجد المؤتمريون، قيادات الحزب ومكتبه السياسي، مخرجاً سريعاً وشجاعاً وضرورياً مهما كان مؤلماً أو يتطلب قرارات صعبة. الأصعب والأكثر إيلاماً وضرراً هو السكوت وترحيل المشكلة وطمرها ناراً تتلظى تحت الرماد. وليس واضحاً بالمرة أن قرار إرجاء المؤتمر العام الثامن وانتخاب قيادة جديدة إلى ما بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني وربما ما بعد انتخابات 2014م، سوف يحل أو وفر حلاً ولو يسيراً لجزء من متفاقمات إشكالات الحزب والعلاقة المتوترة والوضع القلق وغير الطبيعي بالنسبة إلى منظومة القيادة في مركز ووظيفة الأمين العام شبه المعطلة تقريباً، أو المصادرة بتعبير البعض لمصلحة الرئيس هادي إلا ما فوض به النائب الثاني (وهو حليفه ورجله الأول كما يقال على نطاق واسع) الدكتور الارياني.
من جهته وجبهته يلزم الرئيس صالح أقصى درجات المرونة وكبح القرار والخيار وحبس الصلاحيات مؤثراً القرار الجماعي ودافعاً نحو مأسسة قرار الحزب بإعادته إلى المكتب السياسي (اللجنة العامة) بصورة جماعية. وكان صالح هو من بادر واقترح تفويض الارياني لإدارة الحزب وأمانته العامة، لكن هادي أبقى على الكثير والمهم في يده ولم يفوض.. لتبقى المشكلة.
ذر الرماد
عوداً على بدء، موصولاً بقرارات الإفراج عن المتهمين محل التحاكم والمداولة الحزبية مكتومة الصوت بصدى متسرب أحياناً.. وصلت الأمور إلى تمايز جلي يصعب بل يستحيل نكرانه أو التستر عليه وإن فعلت وبادرت قيادات مؤتمرية إلى ذر رماد التطمينات منزوعة الفاعلية في وجوه القوم (الجمهور والأعضاء والمناصرين) حول استتباب الوضع و"كل شيء تمام" و"الأمور تحت السيطرة". هذه بالذات لم تكن تعني إلا حقيقة واحدة لا ثاني لها: "الأمور مش تمام بالمرة"!
رجال هادي الأربعة
تسربت وتتسرب شواهد ومعطيات ترجح الصورة المختصرة كما يلي: يستخدم الرئيس هادي نفوذه وأثره عبر أربعة أعضاء في اللجنة العامة. ذكر الأسماء هنا يخرج بالموضوع عن هدفه وفائدته. على كل حال بقليل من التمعن في الأسماء والوجوه لا يصعب وضع أربع دوائر على جدول أسماء اجتماعات عامة المؤتمر (..)
ويقال إن هادي كسب وضمن استمالة الأربعة (اثنان منهم على الأقل هم من المخضرمين!) من وقت مبكر بوعود وتربيطات ومهمات انتدابية واعتماد على البعض في استحقاقات مفصلية ذات طبيعة عامة ووطنية (شاملة). ولا ينسى أصحاب هذا الرأي التنويه إلى أثر ومردود فعل "التمويل" والتألف المالي (المادي). هادي بالمناسبة يصرف دون حساب وغالباً في مصارف دون ضرورة وغير ذات فائدة (عامة).
لا يختلف عنه - الوزير بدرجة نائب رئيس - (من يمكنه أن يتذكر أو يجادل أنه مؤتمري ويخضع السلطة وقرار الشعبي العام) اللواء محمد ناصر أحمد، الذي أفنى خزائن المال والسلاح والذخيرة إنفاقاً وصرفيات على سبيل الاستمالة والاستحلاف وبناء أحلاف ومراكز قوى جديدة في المحافظات الجنوبية على وجه الخصوص!
يحطمه.. ليتملكه!!
وفيما يفعل كل شيء، الرئيس هادي، لإثبات شيء واحد وهو أنه بصدد مقصلة وإضعاف وإرضاخ وربما تجويع وتركيع الشعبي العام (حزباً وهياكل وأعضاء وحضوراً وصيتاً شعبياً وثقة).
فإنه يفعل، في المقابل وفي نفس التوقيت، تقريباً، كل شيء للظفر بالمؤتمر وانتزاعه (حياً أو ميتاً) من بين أنياب وأيدي صيت وأثر وسمعة وكارزمية ورمزية ورئاسة الزعيم علي عبدالله صالح – الرئيس المؤسس.
التناقض والتضارب هو ما يميز سياسة وأداء الرئيس هادي. وقيل هذا، أيضاً، في المستوى العام.. رئاسة الدولة كما هو في المستوى الحزبي. لا أحد يقول لنا أو يمكنه التطوع إلى إعطاء إجابة حول مآلات كل هذا الصخب والغبار والوصف (المكتوم أو المتكتم عليه قدر المستطاع)؟!.
في مدى الأفق القاعدي الملموس والمعيش لا يحقق هادي مكاسب بل يخسر. الشعبية، وهي رأس المال للقائد، تعاني نزيفاً حاداً في حالة هادي، الذي لا يبدو مكترثاً بها ويعول على أنه الرئيس ومدعوم دولياً (؟!) هذا خطأ استراتيجي قيده هادي باسمه دون منافسة.
استخلاص.. في الخلاص
من كل ما سبق، يبدو أن الاستخلاص ضرب من العبث مع تعدد العناوين وتشعب مسارات الإشكالات وتنوع مظاهر وظواهر الاحتقان والأزمات الصامتة وتلظي وقيد تعلوها طبقة من الرماد المخادع.
على هادي كما أنه على المؤتمر الشعبي أن يصلا إلى "الحلقة الأخيرة" من هذا المسلسل الاستنزافي المرهق. فإما.. وإما.
ما يبدو أنه الأقرب إلى الترجيح (التحليلي بالطبع) أن مصيراً ومستقبلاً لهادي في المؤتمر يعاني من قصور وضمور في الرصيد والمدعمات.. والأسوأ أنه يتقلص كل يوم.. وأسوأ من الأسوأ أن هذا يحدث بفعل وبعلم هادي الذي يفعل ذلك ويطلب في الحين نفسه عرش ورئاسة المؤتمر وآخر معاقل عفاش الحميري.
وصولاً إلى عفاش الحميري. صمته وصبره يجبر القارئ والمحلل على الإقلال من ذكره. لكن إلا في الخلاصة .. خلاصتها تذهب إلى أن لعفاش رأي فصل وقول حكم هو من سيحدد مآلات كل شيء مؤتمرياً. شاء من شاء وأبى من أبى.