أحمد علي في مواجهة "الفخ" السياسي و"المطب" الرئاسي
يفصلنا عام واحد عن الانتخابات الرئاسية القادمة في 2014م ولا أحد حتى الآن يبدو مهتما بهذا الموضوع سوى محبي أحمد علي عبدالله صالح الذي يعبرون عن هذا الاهتمام عبر صفحات الفيسبوك والتويتر وأشرطة رسائل المشاهدين في القنوات الفضائية.. هذا علنا.. أما ما لا يصل للإعلام فيتعلق بحالة اهتمام واسع داخل المجتمع وفي الأوساط الشعبية –خاصة الأرياف- تتحدث عن "أحمد" بمشاعر الإعجاب والثناء والتقدير المعبرة عن آمال واختيار وقناعات شريحة كبيرة بشخص الرئيس الذي يتمنونه ويرشحونه ويناصرونه وسيصوتون له إذا ما دخل منافسة الرئاسيات القريبة. ليس لأنه نجل الرئيس السابق فقط.. بل لأسباب إضافية.. تجعل أحمد علي هو أكثر الأسماء تداولا والشخصية الأبرز في قائمة المرشحين المتوقعين أو المفترضين للانتخابات الرئاسية القادمة بعد عام.. كما يعرف الجميع وفي المقدمة الخصوم أن "أحمد" هو الأوفر حظا اليوم رغم المتغيرات الكثيرة والظروف المعقدة.. حتى رغم خروج والده من الرئاسة والسلطة وإقصائه هو عن قيادة قوات الحرس الجمهوري الضارية وإضعاف وتفكيك منظومة الحكم المحسوب عليها سياسيا واجتماعيا وعسكريا.. إلا أن "أحمد" ما يزال هو الأقوى الآن.. يعلم هذه الحقيقة جيدا خصومه الأقوياء وعلى رأسهم حميد الأحمر وعلي محسن ومن معهم في الإصلاح والمشترك والقبيلة والدول الإقليمية.. هناك قبول شعبي واسع يتعاطف ويحب "أحمد" لا يستطيع أحد إنكاره أو التقليل من حجمه.. هذا القبول الشعبي يمتد إلى تأييد سياسي يتجاوز مساحة الحضور الجماهيري والسياسي للمؤتمر الشعبي العام القريب من "أحمد" بحكم الالتصاق الوثيق بوالده الذي يرأسه.. وبالرغم من حملات التحريض والتشويه لسمعة وشخص "أحمد" منذ سنوات واستهدافه بشكل رئيسي في العامين الأخيرين إعلاميا وأمنيا.. إلا أنه يظل محافظا على قدر وافر من القبول والتأييد وصولا إلى الرهان عليه علنا لقيادة مرحلة ما بعد عبدربه منصور.. صحيح أن شعبيته تأثرت نوعا ما مؤخرا وفقد بعض عناصر القوة والسيطرة.. لكن بالمقابل خسر خصوم "أحمد" ما هو أكبر وبنسبة مضاعفة لخسائر "أحمد" الذي لم تستطع الثورة الشبابية إقصاءه عن المشهد بقدر ما دفعت به إلى الواجهة من جديد لعدم ظهور شخصية جديدة أو قديمة تمتلك من القوة والقبول والتأييد ما يكفي للتعويل عليه لمنافسة "أحمد" مثلا على الرئاسة لو حدث ما هو متوقع.. حميد الأحمر وعبدالملك الحوثي قد يكونا القوتين الموازيتين لكنهما يواجهان صعوبات جمة ترجح كفة "أحمد" إذا ما كان التعويل على الشباب.. أما غير الوجوه الشبابية فتكاد الحالة تنحصر في علي محسن وعبدربه منصور.. بيد أن ظروف المرحلة الراهنة واحتياجات المستقبل تقذف بهما خارج الملعب. استئصال القوة للتمكين للضربة القاضية هؤلاء الخصوم جميعا.. بالتأكيد تتقاطع مصالحهم وأهدافهم –بما فيهم عبدربه- مع بقاء "أحمد" كقوة موجودة على الأرض.. يفهمون ذلك ويترجمونه عمليا ضمن برنامج لا يتوقف إلا بإيقاف "أحمد" عند النقطة التي يخططون لها وهي نهايته تماما.. لأنهم أصلا يشعرون بأن نهايتهم قد تكون على يديه وبالتالي يكرسون مساعي الدفاع بهجوم شرس يقابله "أحمد" بصمود عجيب وصمت رهيب وتنازلات بلا حدود.. هذا الصمود والصمت والتنازل هو الذي أغرى خصومه لممارسة المزيد من الهجمات عليه اعتقادا أنه يترنح ويشرف على السقوط.. قد يكون كذلك بالفعل وهو لا يدرك مكامن قوته الفعلية التي لا يراها في الشارع الشعبي وهي القوة الأهم الموازية لأية قوة أخرى سياسية أو لوجستية أو غيرها.. بيد أن خصوم "أحمد" الذين لا يرغبون أن يدخل ماراثون الرئاسيات القادمة يقرأون اللحظة من العمق ويتعاملون مع القادم على ضوء القراءة للوضع الراهن وأبعاده المحتملة أو المؤكدة.. وعليه يطرح "أحمد" في رأس مصفوفة الخطط المرحلية لهذا العام استعدادا لمواجهته مباشرة العام القادم ميدانيا أو عسكريا إذا ما تطلب الأمر واقتضت إليه الحاجة الملحة وضرورات الوقت والحدث.. لذا تبدأ عملية المواجهة من الآن بوسائل واساليب متنوعة تعتمد على الحيلة والخديعة والاستدراج.. من رئيس جمهورية إلى مدير مديرية ها هو "أحمد" يعود للوطن ليقع في الفخ.. يعود لليمن ليلعب دور "المحلل" لبقاء علي محسن.. كان خروج "أحمد" من قيادة قوات الحرس الجمهوري مشرفا إلى حد ما.. لكن موافقته إذا ما حدثت على تسلم منصب عسكري جديد سواء كان المنطقة المركزية أو بقية ألوية الحرس بمثابة الفضيحة أو الضربة الانتحارية القاضية.. وسيكون عليه قريبا أن يستعد لتولي مهام وظيفة "مدير مديرية" وهو الذي كان مطروحا بقوة لتولي منصب رئاسة الجمهورية.. الصورة تبدو مأساوية والحقيقة قاسية دائما.. ولأن اللعبة قد بدأت من وجهة نظر محرر "الديار" على الأقل.. فلا بد من المرور على اللاعبين بالتحليل والتقييم.. ولأن المؤشرات تدفع بموافقة "أحمد" على قيادة ما تبقى من ألويته العسكرية المتناثرة فمن حقنا الحكم عليه بالغباء وقلة الحصافة لأنه سيذهب إلى الجحيم على قدميه وسيصنع نهايته بيديه.. وإذا ما كان هو أو والده أو المؤتمر أو سنحان يعتقدون بأن القوة هي في التمسك بالجيش فهم واهمون وفاقدو البصيرة.. لأن حميد والحوثي أقوياء بلا معسكرات وعلي محسن لا تكمن قوته في فرقته المدرعة.. قوة أي أحد تكمن في الفكرة والهدف والمشروع الذي يحمله وقدرته على التنفيذ وإقناع الآخرين بالالتفاف حوله يدعم القوة ويفرض الحضور والهيبة بدون خوف ولا شراء ولاءات أو متاجرة بالوطن في صفقات سياسية.. كان الناس يقولون أن الرئيس الحالي عبدربه منصور سيكون محللا لرئاسة أحمد علي قبل أن يصبح "أحمد" الآن مجرد محلل يعمل لخدمة خصمه اللدود علي محسن الذي أطاح به من الحرس الجمهوري وبوالده من الرئاسة وبأسرته من القوات الجوية ومكتب القائد الأعلى والأمن المركزي والأمن القومي واليمنية والتبغ وغيرها من المواقع المدنية والعسكرية دون أن يستطيع أحد زعزعته من قيادة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية.. هناك فخ جاهز للإيقاع بالعميد "أحمد" عبارة عن شبكة صيد ضخمة يتشارك في نصبها هادي وحميد ومحسن أو بمعنى أدق يتلاقون في مضمونها وإن لم يشتركوا في رسم الفخ وحبك المؤامرة.. ومن يصدق ما يشاع عن رفض علي محسن لتعيين "أحمد" قائدا للمنطقة المركزية فهو ساذج.. ومن يظن عبدربه مقتنع بقدرات "أحمد" فهو أحمق.. ومن يقتنع بسعي حميد لنفي "أحمد" خارج البلاد فهو غبي. تدشين معركة التصفية ها هو "أحمد" قد عاد للبلاد بعد شهرين من الغياب في الخارج.. عاد وقد صار خارج قيادة الجيش.. بلا قوات خاصة ولا حرس جمهوري.. ليس له منصب حكومي ولا موقع عسكري رفيع.. هو فقط رئيس جمعية الصالح.. فيما المحيطين به والمحسوبين عليه يعيشون ذهول الصدمة.. لا يتصورونه غير قائدا للحرس ونجل الرئيس.. كذلك حزب المؤتمر يتمسك به تمسك الغريق بالقشة دون وعي أو هدف أو مبرر أو حاجة ماسة.. هذه التداعيات تجعل "أحمد" في موقف الضعيف وتصوره فاشلا وعاجزا.. وتغرس في نفسيته روح الانهزامية والاهتزاز.. وعودة "أحمد" قبل أيام لليمن رافقها أنباء عن استدعاء الرئيس هادي له لقيادة ما تبقى من قوات الحرس.. ولا جديد في الخبر حتى الآن.. لكن صحة المعلومة معناها تدشين هادي معركته الحقيقية ضد "أحمد" وتمكين حميد وعلي محسن وخصومه الآخرين اصطياده بسهولة وسحقه تماما.. ومعنى قبول "أحمد" بعرض الرئيس هادي القبول بالنهاية لنفسه ولكل ما يحسب له.. لأن المنطق يقول بأن الصعود يكون للأعلى وإلا البقاء في المكان العالي هو الأفضل من الموافقة على ما هو أدنى.. إذ لم نسمع يوما بتعيين محافظ سابق مديرا لمديرية أو وزيرا وكيلا لوزارة.. فكيف يمكن أن يكون قائد قوات الحرس الجمهوري والخاصة قائد منطقة أو لواء أو معسكر.. هل يقبل وزير الدفاع مثلا أن يكون رئيس هيئة الأركان والأشول وزيرا بدلا عنه.. ليس في الأمر مبالغة أو استنقاص.. إذا كان "أحمد" قد حقق نجاحات وإنجازات في قوات الحرس وألويته الخمسة والثلاثين فالأفضل أن يعتذر عن أي منصب أدنى مما كان فيه.. ذلك أن عمره لم يصل سن القبول بأي موقع تشريفي للترضية وجبر الخاطر مثلما حدث مع محمد علي محسن ومهدي مقولة ومحمد علي صالح الأحمر وغيرهم.. فها هو علي محسن يرفض التخلي عن منصبه قائدا للفرقة الأولى مدرع رغم إلغائها ويصر على البقاء قائدا للشمالية الغربية دون اجتزاء إلا بتعويضات بذات المستوى.. فكيف يمكن قبول "أحمد" بما يُعرض ويراد أن يفرض عليه إن رضي المؤتمر والرئيس السابق بهذا العرض الذي يبدو مخجلا ولا أجد مبررا أو مصلحة تدفع بهذه القوى لإرغام "أحمد" على قيادة ما تبقى من الحرس.. لأسباب كثيرة ومتعددة أقلها تضرر سمعته وصورته أمام جنوده في قوات الحرس الجمهوري الموزعة مؤخرا على وحدات الحماية الرئاسية. مبررات البقاء وضرورات المرحلة سواء كان "أحمد" قائدا للمنطقة المركزية أو الألوية المتبقية.. لن يضيف له الأمر شيئا إيجابيا.. لن يكسب سوى المزيد من الضرر والخسائر.. سيمارس عليه شتى صنوف الإذلال والحط من مكانته وشأنه من قبل القيادات الأعلى.. سيواجه المشاكل المفتعلة والمؤامرات.. ولن يستطيع تلبية ما تعود الناس منه وخدمة من كان يقدم لهم الخدمات وسيجعل الجميع ينفض من حوله غاضبين.. فيما بقاءه خارج الموقع العسكري سيوفر المبرر الكافي لهؤلاء الناس مع احتفاظهم له بالود والمشاعر الطيبة.. كما أن قيادة المنطقة المركزية قد يكون فيها استدراج للإيقاع ب"أحمد" عبر مسلسل من المواجهات والحروب مع المحيط الجغرافي والسكاني الأكثر ولاء له ووفاء معه واقترابا منه.. هذا المحيط يشكل قاعدة شعبية واسعة وحضور جماهيري واسع وتأثير قوي يدرك أهميته خصوم "أحمد" ويشتغلون عليه بهدف إبعاده عن دعم ومساندة "أحمد" والسعي لتوظيفه ضده قدر الإمكان والاستطاعة.. لذلك قد لا يستبعد أن الترويج لممانعة واعتراض علي محسن على تعيين "أحمد" قائدا للمنطقة المركزية يندرج ضمن عملية الاستدراج.. بحيث تكون معارضة علي محسن دافعا أساسيا لقبول وموافقة "أحمد".. لتبدأ بعدها بقية فصول اللعبة.. وكما يبدو أن هذا الاستدراج قد لاقى قبولا لدى المناصرين لجبهة "أحمد" بما فيهم حزب المؤتمر وقيادته.. يتضح ذلك في الترحيب بالعودة والترويج لأخبار المنطقة المركزية كبشرى سعيدة وحدث مبهج.. بيد أن رجوع "أحمد" يفترض أن يكون منعطفا مفصليا ونقلة نوعية للعبور من القوة المحققة إلى قوة المحافظة عليها وتدعيمها بالأقوى وليس بالتفريط فيها بما هو دون المستوى.. من المفروض نسيان الماضي وقطع العلاقة بالتفكير بالمنصب العسكري السابق والشروع بهمة وحيوية في برنامج استراتيجي علمي يركز على مجالات أخرى بعيدة عن الجيش قريبة من قضايا المواطن والوطن بمشاريع عملية في السياسة والاقتصاد والخدمات الاجتماعية. الإحراق وإهدار الإنجاز بالاستدراج باختصار وببساطة.. عودة "أحمد" لصفوف الجيش ليس سوى إحراق تام لشخصيته وإهدار لرصيده من السمعة والهيبة والمكانة.. ومن السخف الاعتقاد بأن علي محسن حقق كل هذا النفوذ من موقعه كقائد منطقة وإسقاط الحالة على "أحمد" عندما يكون قائدا للمنطقة المركزية دون الاعتبار لاستفادة علي محسن من قربه من الرئيس صالح والدعم الذي كان يحظى به والصلاحيات الممنوحة له حتى قبل أن يكون قائدا وأثناء ما كان محسن سريع هو القائد ومحسن أركان حرب فقط.. كما وأن وجود "أحمد" في المركزية لن يمنحه هادي الامتيازات التي كان يحصل عليها أيام قيادة الحرس بينما علي محسن ما زال محتفظا بكل الاستثناءات المالية والمادية التي كانت في عهد صالح ورغما عن قرارات الهيكلة التي أقرت إلغاء الفرقة الأولى وفصل الشمالية عن الغربية.. لم يعد مناسبا تركيز "أحمد" على بقاء أو إقصاء علي محسن.. لأن ذلك لم يعد ذا أهمية.. لكن التورط بالمطالبة بالمساواة به يعتبر تعامل غير مدروس مع مقتضيات المستقبل.. فشرعنة بقاء علي محسن وتوفير مبررات بقاءه تكمن في قبول "أحمد" بمنصب عسكري جديد.. لأن الفرص تنتظر "أحمد" قريبا فيما الأبواب مغلقة أمام علي محسن إلى يوم القيامة.. هذا الجزء يفترض الوقوف عنده طويلا والتفكير فيه أطول.. أما البقاء أسرى دائرة ضيقة لا تتجاوز حميد وعلي محسن فهو تبديد للوقت واستنزاف للجهد وعبث بالطاقات وتنفذ مطلب الخصم مجانا.. فالمتربصون والخصوم يعملون جاهدين على خلق المطبات وافتعال القضايا أمام "أحمد" ونصب الأفخاخ في طريقه بهدف إشغاله بأشياء هامشية وتشتيت نشاطاته والتشويش على تركيزه لحرفه عن الهدف الأهم الذي يقلقهم ويقض مضاجعهم وهو الانتخابات الرئاسية القادمة.. خشية أن يكون "أحمد" أحد المرشحين وفرسان السباق الرئاسي في ظل فراغ الساحة من الأسماء والشخصيات المدعومة بالحظوظ الوفيرة.