فتتح يوم السبت الثاني من فبراير – شباط في مركز القطان الثقافي غرب العاصمة البريطانية لندن معرض متعدد الأساليب والوسائط المرئية والمسموعة، يقدم من خلال فيلم وثائقي ومقابلات وصورو بورتريهات، قصة آلاف البحارة اليمنيين، الذي حطوا على مدى المئة عام الماضية في مدينة ساوث شيلد في شمال شرق انجلترا، ليتخذوا منها مستقرا. ويستمرّ هذا المعرض إلى غاية 22مارس -آذار المقبل. لندن- سلام سرحان يقدّم المعرض تاريخا منسيا، لم يسلط عليه الضوء من قبل، من خلال قصة14 بحارا يمنيا هم آخر من بقي من الجيل الأول، الذي استقر في تلك المدينة الصغيرة. كما يقدم تلك القصص المفعمة بالحيوية والتي لم ترو من قبل. تروي الأعمال الفنية قصصا منسية عن ذلك الجيل، لعلّ من أشهرها قصة نحو800 بحار يمني قتلوا في الحرب العالمية الثانية ، ثم قصة احتجاجات العمال التي شاركوا فيها، وصولا إلى قصة زواج أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي في أول جامع بني في ساوث شيلد. تاريخيا، يعود وجود اليمنيين ببريطانيا إلى العام 1860، حيث بدأت فيه وفود المهاجرين اليمنيّين من عمّال وبحّارة تستقرّ بمدينة ساوث شليدز الواقعة على ضفّة نهر تاين، وكانت آنذاك من أهمّ موانئ بريطانيا. ومنذ مطلع العام 1890، تحشّد هؤلاء العمّال اليمنيّون وازدادت أعدادهم حتى راحت تتأسّس لهم تجمّعات إجتماعية في ساوث شليدز وكارديف وليفربول، وكان البريطانيون آنذاك يطلقون عليهم تسمية "رجال القاموس" على اعتبار أن اليمن هو مهد لغة العرب. وعلى كثرة ما تعرّض له هؤلاء اليمنيّون من محن البحث عن السكن ومظاهر الميز العنصريّ حيث كانت السلطات البريطانية تمنع اختلاطهم مع السكان المحليين، فقد كانت لهم مساهمتهم الفاعلة في تنشيط أعمال الموانئ، إذ عملوا بحّارة وعمّالا على سطح البواخر أو فنيّي تشغيل المحرّكات وبلغ عددهم مع نهاية الثلاثينات من القرن الماضي ما يزيد عن 3000 عامل. وللتخفيف من شدّة أزمات هؤلاء العمال، أسّس اليمني علي سعيد عام 1909 ناديا لهم يجتمعون فيه سمّاه BOARDING HOUSE في ضاحية هولبرون، وهو ما شجّع فيما بعد على ظهور تنامي عدد المآوي العربية حتى بلغ عددها ثمانية عام 1920. ولمّا فرض J.B Fyeوهو أحد المسؤولين بالموانئ البريطانية ضريبة بمقدار 2 جنيه استرليني على اليمنيين مقابل إبحارهم، وتحريض عمال المواني الأوروبيين ضدّهم، دخل هؤلاء المهاجرين في اشتباكات عنيفة عمّت شوارع هارلبون ساوث شيلدز، وطرد بعضهم من محلات عملهم وسكناهم، واستمرّت هذه الاضطرابات من 1919 وحتى 1930 وعرفت بثورة اليمنيين في بريطانيا. يذكر أن منطقة شمال شرق انجلترا تفخر بتاريخها البحري وتراثها الصناعي، الذي لم يعد له أثر اليوم في مشهد الحياة في تلك المنطقة على طول نهر تاين. وتكشف الأعمال المعروضة تاريخ وتقاليد تلك الأقلية، بوسائل تخرج عن الأساليب الفنية التقليدية التي تتعامل عادة مع توثيق مثل ذلك التراث الإجتماعي. وتقدم الأعمال الفنية مجتمعة وثيقة تاريخية باسلوب فني يعرض قصة هجرة نادرة تمتد من عصر الإمبراطورية الإستعمارية البريطانية إلى ما بعد تلك المرحلة، وصولا إلى ما بقي من إرثهم اليوم. ويتضمن المعرض عرض فيلم "ملك ساوث شيلد" الذي يروي قصة اليمنيين البريطانيين، وفيه يتحدثون عن لقائهم بالملاكم العالمي محمد علي كلاي حين زار المدينة وتم عقد زواجه في جامع الأزهر، أول جامع بني في بريطانيا. وكان مشروع المعرض قد انطلق في عام 2005 بمبادرة من المخرجة السينمائية تينا غراوي، التي أسست وتدير مشروع "الجسر + النفق". درست غراوي في الولاياتالمتحدة وفرنسا وتدرس حاليا الإعلام الرقمي في مدينة نيوكاسل، التي تقع عند مصب نهر تاين قرب مدينة ساوث شيلد، وقد رشحت هذا العام لجائزة بافتا. وقد كلف مشروع "الجسر + النفق" المصور المصري المعروف يوسف نبيل لإنجاز سلسلة من الصور الشخصية البورتريه، لآخر 14 بحارا من الجيل الأول خصيصا لهذا المعرض.