قديماً قيل: "إن البغاث بأرضنا يستنسر" والبغاث كما هو معلوم طائر ضعيف لكنه لا يجد من يردعه فيحاول استظهار قوته وكأنه نسر، وهي إشارة إلى حالة انتكاسة في القيم والتفكير، حيث يعمد الضعيف إلى أخذ ما ليس له مستقوياً على الآخرين لأنه يراهم ضعافاً، فيعمد إلى إظهار هذه القوة في مكان الوضع الطبيعي أن يكون هو ضعيف فيه. هذه المقدمة لا بد منها لتوصيف الحالة التي وصل إليها الحضارم في حضرموت، فقد تعددت الحوادث التي يتعرض لها أبناء حضرموت في موطنهم وقعر دارهم، وهي أحداث تجعل الحليم حيران، وتعكس مدى ما وصل إليه الإنسان الحضرمي في نظر الآخرين من مهانة وما يتعرض إليه من اعتداء، ولعل حادثة القذف التي تعرضت لها إحدى موظفات جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا بمجمع الكليات بمنطقة فوة يوم الثلاثاء 25 من أكتوبر لتعيد للأذهان حادثة اعتداء الضوراني على أعراض نساء حضرموت في وقت سابق والتي لاقت استهجان شعبي ومسيرات وتحركات قوية في آنها أدت في ذلك الوقت إلى تدخل السلطة على أعلى المستويات إذ بلغ الغليان الشعبي في تلك المرحلة أوجه ووصل درجة كادت تشعل لهيباً يأكل الأخضر واليابس لكنه – لاشك – كان سيضع نهاية لكل من يحاول مجرد التفكير في تكرار الأمر، ولكن لما كانت معاملة السلطات في مثل هذه الحوادث لا يكون على قدر المسئولية ولا يكون بحجم يردع الظالم عن ظلمه، ولا يتخذ أسلوب علاجي إنما هو محاولة لإرضاء جميع الأطراف أو القيام ببعض الإجراءات التي في ظاهرها أنها قامت بما يمليه عليها الواجب وهي في الباطن تقوم بعمليات التفاف على أي حل يمكن أن ينهي المشاكل. وفي هذا المقال سأقف عند نقطتين لا تحدث لأي مواطن كما يحدث لأبناء حضرموت، وهاتان النقطتان هما: 1. أن أبناء حضرموت ونساءهم دون غيرهم من بني البشر يتعرضون فيها لقذف نسائهم من قبل من يعرفون برجال الأمن، والذين هم في الأصل من غير أبناء المحافظة، حيث تكررت هذه الحادثة، وكانت حادثة قذف موظفة جامعة حضرموت آخر ما تعرضت له بنات ونساء حضرموت من قذف على أرض حضرمية، وهذا الأمر لو وجّه لغير بنات ونساء حضرموت لقامت الدنيا ولم تقعد، ولسمعنا الفتاوى تنهال علينا من كل جهة، وتجيّش أجهزة الإعلام والقنوات تستنكر هذا الاعتداء على الأعراض، أما نساء حضرموت فكأنهن الكلأ المباح والمرتع الذي يجوز لكل خائض أن يخوض فيه دون أن تكون هناك ردود أفعال تتلاءم مع حجم الحادثة. إن ما حدث ليعكس ضرورة أن تتحمل الجامعة برئاستها ونوابها وعمداء الكليات مسئولياتهم ولسنا بحاجة لحلول ترقيعية لمدة محدودة ثم تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه من قبل، وعليها أن تنهي المظاهر العسكرية من الجامعة والكليات وأن يتولى الحراسة مدنيين عبر الشركات الأمنية أو أي طريقة أخرى تختارها على أن يكونوا ممن تتوافر فيهم الأخلاق الحسنة واستشعار المسئولية، وهنا لن يكون مقبولاً التعذر بعدم وجود أموال لدى الجامعة؛ لأننا نسمع عن ملايين تنفق في تأثيث منازل واستئجار سكن بأكثر من مائة ألف ريال شهرياً لبعض أصحاب المراكز العليا في الجامعة. أما الجهات التي يجب أن تتحرك فيما حدث فمتعددة، وفي هذا المجال يجب أن يكون التحرك من جميع شرائح المجتمع لكن هناك جهات أساسية يجب أن لا تجعل الأمر يمر كأنه سحابة وانقشعت بل لا بد من محاربة كل الظروف التي يمكن أن تهيئ جواً يسمح بإعادة وتكرار ما حدث، والجهات الأساسية تتمثل في: أ. نقابة موظفي الجامعة: وقد قام رئيسها مشكوراً بدور فعال وعبارته "إلا الأعراض" لتكشف لنا ضرورة أن ينظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، وأن لا يحاول أحد استغلال الموضوع ومحاولة تسييسه أو حرفه عن حقيقته، وهذا الدور يستدعي أن يتكاثف جميع الموظفين ويكونوا يداً واحدة، وألاّ يُكتفى بالحل الذي اتخذ وهو إبعاد الحراسة العسكرية دون محاسبة الجاني؛ لأن هذا يعني عودتهم بعد أن تهدأ النفوس. ب. نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم: وعليها يقع واجب التنسيق مع نقابة موظفي الجامعة لبلورة موقف موحد يعكس حرص الجميع على ألا يعتدي كائن من كان على أي موظف أو موظفة أو طالبة، فالجميع أسرة واحدة يجب أن تتكاتف وتتعاضد. ج. الطلاب والطالبات: وذلك بالتعجيل في تكوين اتحادهم الطلابي الذي سيكون المظلة التي تجمعهم وتطالب بحقوقهم، فما حدث من مشادة بين موظفة الجامعة ورجل الأمن كشف أن كثيراً من الطالبات – حسب ما جاء في بعض المواقع الالكترونية التي نقلت تفاصيل الحدث – كن يتعرضن للمضايقات من قبل الحراسات الأمنية لكنهن لم يشتكين لحيائهن أو لخوفهن أن يقال عنهن كلام قبيح، وحتى لو أرادت إحداهن الشكوى فما الكيان الذي سيتبنى قضيتها ويحركها. أما النقطة الثانية التي سأتحدث عنها قد تكون في ظاهرها بعيدة عن النقطة الأولى لكنها في حقيقة الأمر مرتبطة بها، وذات صلة وثيقة في بُعدها بأصل المشكلة، والمسببات التي سوغت حدوث ما حدث، وهذه النقطة هي: 2. ما يحدث من فئة الأخدام أو من يطلق عليهم الحرافيش، هذه الفئة التي بدت تطفو منها على السطح بعض المشاكل، وقد تحدث البعض عنهم ربما من زاوية مختلفة ومن نظرة ربما لا تكون صحيحة، لكني أريد أن أتناول في هذه الزاوية أمراً يتعلق بهذه الفئة المهمشة في جميع المحافظات والمستضعفة إلا في حضرموت فهذه الفئة لها صولات وجولات، وإذا كان المثل الحضرمي يقول: ياغريب قعْ أديب، فهؤلاء الحرافيش غرباء عن حضرموت لكنهم لم يتأدبوا حيث سمعنا أنهم يسطون على أراضي الناس التي صرفت بوثائق مستغلين عدم بنائها فيعيشون فترة ثم إذا جاء صاحبها لا يخرجون إلا بعد أن يستلموا مبالغ ويستقوون بتجمعهم ثم يأتي الحل عن طريق تدخل شيخهم، الذي بدأ يتردد اسمه في الآونة الأخيرة كثيراً. إن هذه الشريحة التي لم تعط أي حق من حقوق المواطنة في كل محافظات اليمن، وبقيت هذه الشريحة مسلوبة الحقوق كما تقول الدراسات التي تحدثت عنهم. إنها في حقيقة الأمر قنابل موقوتة قابلة للاشتعال وللاستغلال في أي لحظة؛ ولذا على الجهات المسئولة أن تنظم وجودهم وطريقة حياتهم، فما أكثرهم ولا رقابة عليهم. وهنا لكل عاقل أن يتساءل لماذا صارت هذه الفئة بهذا الشأن في حضرموت، وهل سيأتي زمان تكون هذه الشريحة مصدر قلق أكثر لحضرموت ؟ وأختم حديثي برسالة إلى أولئك الذين سيقفون ليقولوا: إني بمقالي هذا أحرض أو أدعو إلى الكراهية أو غيرها من القوالب المصكوكة التي يكررونها فأقول: إن محاسبة الجاني على جرم اقترفه في حق المجتمع واجب الجميع؛ لأنه تبين أن روح التسامح التي تعامل بها أبناء حضرموت مع الضوراني أكدت الأيام أنها لا تنفع مع طائفة معينة من الناس لذلك لزاماً أن يسعى الغيورون لتطبيق القانون على هذا الجاني ليكون عبرة لمن تسول له نفسه التقوّل بأي لفظة ينتهك فيها الأعراض.