أصبحت الصورة في عصرنا الحاضر بشقيها الثابت والمتحرك تمثل مقوماً هائلاً من مقومات التأثير الفعال في عملية الاتصال وحرفية الإعلام، وكان لها عظيم الدور في تبليغ الرسالة المقصودة في تلكم العملية، ولقد أثبتت التجربة اليوم أن الصورة وحدها تنفذ إلى إدراك المتلقي لأنها تمتلك الرصيد التأثيري بما توافر فيها من طرائق الترتيب والتكوين والتخلّق، إذ تعزّز من مضمون المادة التي تُقدم للقارئ أو المشاهد وتصبح في هذه الحالة سلاحاً ذا حدين، حيث يقول د. أيمن نصار في معرض حديثه عن تأثيرات الصورة في كتابه ( إعداد البرامج الوثائقية ):" لقد أصبح واضحاً أننا قد تحولنا إلى مجتمع بصري سيعتاد على تداول المعلومات عن طريق الصور، بدلاً من الكتب والنصوص، وقد يُعزى السبب للتقدم التكنولوجي الذي وصلنا إليه. فالصورة اليوم تخلق حالة وثقافة جديدة ستتطور مع الزمن إلى حالة وعي من نوع آخر، لا يمكن التكهن بمستقبلها، ما دامت الكلمة لا تجد أذناً صاغية". وبالرغم من رأينا المخالف للدكتور نصار في أن الكلمة لا يزال لها إلى الآن الصوت المسموع والأذن الصاغية إلا أننا نتفق معه على أن ذلك التأثير للكلمة المكتوبة والمطبوعة قد خَفُت في السنوات الأخيرة على نحو ملحوظ يؤيده تحول الكثير من وسائل الإعلام ومنها الصحف الشهيرة عن الظهور في صورتها الورقية المطبوعة إلى الصورة الإليكترونية التي تحمل الكثير من وسائل التفاعل الفوري، ولا ننسَ إفلاس وإغلاق عدد منها في ظل التنافس الكبير ودخول وسائل الاتصال الجديدة حلبة الصراع والمنافسة. وكما سبق القول بأن ثمة صراع محموم بين الكلمة والصورة وشعورنا أن الهزيمة الماحقة باتت قريبة من الكلمة لصالح الصورة، إلا أننا ينبغي ألا نغفل أن الكلمة ستبقى هي الأساس والأصل وإن تنكر لها المنكرون، وتجاهلوا فضلها الكبير منذ بدء التاريخ وبدايات الاتصال البشري، فالكلمة وحدها بإمكانها صناعة ثقافة قائمة بذاتها، فالكثير من الأدباء والعباقرة استطاعوا رغم أنهم كانوا محرومين من نعمة البصر ورؤية الصورة على صفحات الكون المفتوحة؛ استطاعوا أن يصنعوا أدباً وثقافة ذات قيمة وتأثير كبير يجد المرء نفسه ملزماً أن يقف له إجلالاً واحتراماً، في المقابل قد لا نجد الكثير ممن فقد السمع والنطق قد ترك إرثاً مشابهاً أو حتى قريباً من ذلك الإرث الذي تركه المكفوفون، وهذا يدل على أن للكلمة الباع والشأن الذي لا يُستهان به وعدم التقليل من قدرة الكلمة على صياغة المعاني والدلالات منفردة وإن لم يكن حتى بوجود الصورة المرافقة. وحتى ندرك أهمية الكلمة فقد سيق هذا المثال ليوضح تأثيرها على النفس ( تخيل أنك وسط حديقة غنّاء لأشجار الليمون، وأنك اخترت ليمونة كبيرة، تبدو الليمونة طازجة نضرة من شجرة يانعة، تشعر ببرودتها في يدك، وتشعر بملمسها الناعم للقشرة الصفراء البراقة اللامعة، ترفع الليمونة إلى أنفك فتشم رائح الليمون المميزة والنفاذة، اشتمها بعمق، الآن خُذ سكيناً واقطعها إلى نصفين، فيظهر لك سطحها الداخلي بحبيبات الليمون الغضّة التي تتراءى منها العصارة، الآن ارفع الليمونة إلى فمك ولاحظ تزايد الرائحة النفاذة لها، الآن اقضم الليمونة بشدة بين أسنانك واجعل العصير الحامض يسيل إلى فمك بمذاق الليمون اللاذع المتميز، هل تلاحظ الآن أن اللعاب بدأ يسيل عبر فمك؟، وقد خُيَّل إليك أنك تقضم الليمونة حقاً، والشيء الغريب هو لو أن شخصاً ما أمرك بأن تجعل لعابك يسيل فإنك لن تستطيع القيام بذلك ) فهل بإمكاننا القول بعد ذلك أننا أصبحنا في عصر حضارة الصورة فحسب أم لا يزال للكلمة تأثيرها ورونقها وبريقها الحاضر ؟؟